الكوارث والمحن والحاجة إلى تفعيل التضامن

الكوارث والمحن والحاجة إلى تفعيل التضامن
الخميس 11 مارس 2010 - 00:09

تشهد كثير من المناطق ببلادنا كما العديد من بلدان العالم أحوالا جوية مضطربة، من حيث كثرة التساقطات المطرية والرياح العاتية. وصاحب ذلك في بعض الجهات اهتزازات وتشققات أرضية، وفيضانات مهولة وسقوط العديد من الأرواح والمنازل، وتقطعت السبل بآخرين وتوقفت وسائل النقل العمومي كالقطارات في كثير من المدن، وفسدت آلاف الهكتارات من المزروعات والمغروسات، وفقد الكثيرون قطعانهم وخسروا ثرواتهم، إنها محنة كبيرة حلت بالعديد من المواطنين، وإنه ابتلاء واختبار للجميع، لمن أصيبوا بهذه الفواجع بشكل مباشر ولمن يعايشهم ويساكنهم من الناس الأقرب فالأقرب ولعموم المواطنين، وللسلطات المحلية والمركزية ولمختلف المؤسسات والهيئات المدنية والرسمية، ماذا هم فاعلون؟


ففي فترات المحن والمصائب تختبر المبادئ والشعارات المرفوعة، وتوضع معاني الأخوة والتضامن على المحك فيظهر الصادقون من الكاذبين، ويتميز الأوفياء عن المتنكرين البخلاء العاجزين عن فعل الخير، المتأخرين عن القيام بالواجب.


قال تعالى في شأن المتضررين من الابتلاءات والمصائب والمحن والكوارث وما في حكمها:” وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الامَوَالِ وَالانفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)البقرة.


وقال في شأن من كتب لهم العافية مختبرا إيمانهم وشكرهم لما معهم من النعم” وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيه” الحديد وقال عز وجل:” وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَاتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ (10) وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (11) المنافقون.


وحث سبحانه على التعاون فقال:” :”وتعاونوا على البر والتقوى” وقال للمبادرين بفعل الخير “وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا”المزمل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف مجتمع المومنين بقوله: ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ” رواه مسلم.


فمثل هذه الأحوال تواجه بالصبر والاحتساب، والتحرك السريع لتضميد الجراح والتضامن والمواساة وفتح أبواب الخير للناس لينفق كل واحد مما أتاه الله ويجود كل ذي سعة من سعته، فتكون النفقة من المال والجهد والوقت والكلمة والابتسامة.. ويتنافس أهل الفضل في إخراج مكنون الصدور والجيوب والمخازن من الأطعمة والغذاء والكساء والأفرشة وتوفير المأوى والمساعدة في بناء ما تهدم، وشق القنوات لتصريف المياه وإعادة فتح الطرقات وإصلاح القناطر ومساعدة الفلاحين للاستثمار في المزروعات الربيعية إذا فاتتهم الشتوية..


إن ما يمكن فعله كثير، ولا يزال الخير في الأمة وفير، بقي فقط بذل الجهد لإخراج ذلك الخير من القوة إلى الفعل، بالكلمة والموعظة الحسنة وفتح نقاش مجتمعي حول الموضوع ليشارك الجميع في تحمل المسؤولية، والمساهمة في إيجاد الحلول والتخفيف من المعاناة فالسلطة مهما كانت إمكاناتها ومهما افترضنا النزاهة في تدبير مواردها البشرية والمادية، تبقى عاجزة عن مواجهة الأوضاع الطارئة التي تفتح جبهات في كل ناحية من البلاد..


غير أنه في إمكانها أن لا تمنع الخير عن الناس، لأن ما يحدث في كثير من الأحيان هو عجزها البين من مواجهة الأوضاع والمشكلات والأزمات، ثم تزيد على ذلك التوجس من كل مبادرة لا تخرج من معطفها ولا تنضج في مطابخها، كما وتعرقل تحركات أهل الخير، وتقوم بالقراءة القبلية للنوايا وسوء الظن بالمقاصد, الأمر الذي يثمر انسحابا للمواطن من المساهمة في تحمل المسؤولية وفتورا في الانخراط في القضايا المجتمعية واتكالا على المجهودات الرسمية المحدودة ثم الاكتفاء بنقد تلك الجهود والحديث عنها في المقاهي والمجالس وربما الكتابة عنها في الجرائد والحديث عنها في وسائل الإعلام.


هذا ومن الأولى إطلاق الحريات في الخير وإطلاق المبادرات وإعطاء الإشارات للمؤسسات المختلفة للدولة لتساهم في تحسيس المواطن وإشراكه في التفكير والفعل والممارسة والمساهمة في حل المشكلات عبر وسائل الإعلام وإتباع النقل الحي لمعاناة المواطنين بفتح المجال للتطوع وبذل المال وما يناسب من المتاع ومواساة المتضررين، وانخراط وزارة الأوقاف في حملة دعوية وسلسلة من المحاضرات والندوات لتحريك الدواعي الإيمانية للبذل والتضحية وتقوية أواصر المحبة والأخوة والتكافل والتعاون والانخراط في حل المشكلات وإحياء دور الزكاة والصدقات والكفارات والنذور وغيرها من سبل الإحسان في المجالس العلمية والمساجد وفي قناة السادسة وإذاعة محمد السادس والقنوات الوطنية الأخرى كما ويمكن لوزارة التربية والتعليم تعبئة المدرسين والتلاميذ لفعل الخير في محيطهم وكذا الشأن في عدد من المؤسسات الأخرى فضلا عن هيئات المجتمع المدني والتي ينبغي أن تخرج من مجرد الاحتجاج والكلام والندوات إلى النزول للميدان ومباشرة الأفعال. وإن كان لابد من متابعة ومراقبة من طرف السلطات لأعمال أهل الخير من المؤسسات والأفراد فلتكن بعدية، ولتحرص على دورها في تيسير الجهود وربما المساهمة في تنسيق ما يحتاج منها إلى تنسيق.


إن مبدأ الثقة يوجد جو التعاون وتضافر الجهود لحل المشكلات مهما عظمت، ومواجهة التحديات معهما كبرت، وإن حالة فقدانها يوجد الارتباك والعجز والتردد وغياب الفعل وانعدام المبادرة وزيادة تعقيد المشكلات والأزمات.

‫تعليقات الزوار

5
  • الجنرال ياسين
    الخميس 11 مارس 2010 - 00:13

    قتل تقريبا 25 شخص في نواحي مدينة بني ملال في الجبال ، جراء الفيضانات و لا أحد أكدها او اعترف بها ، سواء الجرائد او في الاخبار ،، و لا شيىء ،، و هذا يدل على كل واحد ينش على كبالتووو 🙂

  • عدي
    الخميس 11 مارس 2010 - 00:15

    نعم هذه دعوة انسانية وسلامية تنبع من قلوب مليئة بالايمان الحي الدال على
    حب المسلمين وجميع الناس خاصة في زمن المحن.هذا هو الجهر بالحق.اذن على الجميع ان ينهظ لتقديم اية مساعدة ممكنة كل واحد حسب موقعه في المجتمع .جزاك الله خيرا يا سي محمد بولوز واشد في يدك ومع من يشاطرك في هذه الروح الاخوية والتضامنية وشكرا

  • لحسين أبوخالد
    الخميس 11 مارس 2010 - 00:11

    بسم الله الرحمن الرحيم
    {من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم …} والأولى أبناء البلدوإن كان الجميع تحت أي مسمى معني بالأمر ، دون أن ننتظر سماع الأنين ، والشكاوى أوإلقاء اللوم بعضنا على بعض ، أو أن ننتظر مبادرات من شعوب أخرى أو دول أخرى للمساعدة والنجدة ، ومعلوم أن المغاربة مسلمون بفطرتهم وهم كالجسد الواحدلن يتخلى ,,,وكعادتهم في أمثال هذه المحن، فإنهم سيواجهونها بالصبر والتآزر وهي شدة وتزول إن شاء الله [ وسينجح المغرب كما كان دائما(بإنسانه الطيب الصالح) ناجحا في كل امتحاناته ] ولن تضيع الكلمات الطيبة ….لكن ينبغي أن تصل ، ولن تصل إلا بأصوات تحب هذا البلد وأهل هذا البلد والمبادرة على قدر ما يحتل كل منا من موقع ، [وأعدك أن يكون محور الخطبة ليوم الجمعة هذا الموضوع إن شاء الله ]/ وشكرا ذ: بولوز

  • غيــــور
    الخميس 11 مارس 2010 - 00:17

    ماتكلفوش روسكم راكم تعبتو بتضامنكم مع فلسطين و العراق و اليمن و افغانستان و الشيشان ..
    “لا.. لا .. شكرا ما بقى فيه لزوم”

  • عبدالاله عاوفي
    الخميس 11 مارس 2010 - 00:19

    ماذا فعلنا تجاه ضحايا قوارب الموت؟ ماذا فعلنا تجاه ضحايا المتاجرة باللحوم البشرية عبر قنوات القوادة والدعارة العلنية والسرية؟ لإن بداخل المغرب أو خارجه؟
    ماذا فعلنا تجاه كل ضحايا الاستغلال الطبقي بالمغرب الجديد؟
    ماذا فعلنا تجاه البطالة التي تلتهم خيرة شبابنا وطاقاتنا من حملة الشواهد العليا؟
    ماذا فعلنا وماذا أنجزنا حيال كل هذه المشاكل المتراكمة والمتراصدة كعوائق بنيوية مستهدفة وممنهجة عبر كل محطات تاريخ وأرجاء جغرافيا هذا الوطن العليل والمعاق؟
    أتنمى جوابا موضوعيا وعمليا، حتى نرقى فعلا وسويا إلى إيجاد حلول عملية وتطبيقية، وإن كانت ترقيعية، لإن مسؤولية ما يجري وما جرى من مآسي اجتماعية ما هي إلا نتيجة طبيعية وحتمية لخلل صارخ وسافر بأسس المنظومة التدبيرية والتسييرية الفاشلة للدولة وأولي الأمور من علية القوم بهذا البلد الجميل.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات