أهل فاس و " الفايسبوك "

أهل فاس و " الفايسبوك "
الإثنين 22 مارس 2010 - 23:59

يتداول عدد من مرتادي موقع فيسبوك المغاربة منذ مدة عريضة غريبة، عريضة يدعون فيها المغاربة الآخرين المسجلين بالموقع للانضمام إلى حلف ضد ما يسمونه ب “الفاسيين”. فكرة إنشاء هذه العريضة، كما يظهر، أصلها مغاربة مغتربون، ومضمونها يتلخص في دعوة كل “المتضررين” من نفوذ الفاسيين بالمغرب إلى التكتل والتوحد. والحقيقة أن موقفا كهذا، و تصورا كهذا يتهم “أهل فاس” بالاستيلاء على خيرات البلاد والتحكم في دواليبها الاقتصادية والسياسية والاستفراد بالسلطة والجاه، هو تصور قديم نسبيا، وأسبابه متعددة. نفوذ أهل فاس، والمورسكيين عموما، منذ أن دخلوا المغرب في نهاية القرن الخامس عشر  بعد طردهم من الأندلس، كان دائما قويا، وهذا ما تشهد به أحداث تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، وما تشهد به كتابات الضعيف الرباطي والناصري، فما من سلطان مغربي إلا وكان لأهل فاس معه شأن، ففاس محل أهل الحل و العقد، وهي أول حاضرة كان السلاطين يسعون لنيل بيعة أهلها. والمواقف السلبية من أهل فاس هي أيضا قديمة، سواء كانت، كما في السابق، مجرد “كليشيهات” شعبية و”نكتا” ينتجها أهل البادية والجبل الذين يعانون شظف العيش، نكاية بهؤلاء “البيض” المترفين، وريثي الرفاهية و الرقي الأندلسيين في المطعم و الملبس، أو كانت تعبيرا عن طموح سياسي في تغيير المجتمع، كما كان عليه الحال مع فصائل اليسار الثوري، في مغرب الاستقلال الذين كانوا لايتورعون في نعت أعيان فاس ب”أغنياء حرب” وبحلفاء “المخزن“.

لكن، وبعيدا عن مضمون هذه “الوثيقة” الرقمية، وعن الموقف الأخلاقي الذي يمكن أن نقفه إزاءها، ومن الاستهجان الذي قد نبديه تجاه النزعة “العرقية” التي تسكنها؛ بعيدا عن هذه الكليشهات التي غالبا ما تكون خاطئة وغير دقيقة، بعيدا عن كل ذلك  يبقى سؤال هو: ما الذي يبرر أن ينتج مغاربة الويب مبادرة كهاته ؟ ففاس الأمس عمليا انتهت؛ فاس  العدوتين والقرويين انكسرت، وأهل فاس الأوائل هجروها، وأهلها اليوم أغلبهم من سكان الضواحي المجاورة، وهم في واقعهم اليومي ليسوا أقل قهرا أو ضنكا من باقي المغاربة، وتطاحنات مغرب الستينيات والسبعينيات انحلت، وخطاب التشكيك في المؤسسة الملكية و مسانديها انفرط، فما العلة في أمر كهذا؟ لماذا تكون مثل هذه الوثيقة ممكنة أصلا؟ لماذا في هذا التوقيت بالذات؟ و إلى ماذا تشير؟

الأمر بسيط للغاية، في نظري، لأن أصله يعود “للسلوك” السياسي لقادة حزب الاستقلال الآخذ بزمام الشأن العام اليوم. الأمر ليس متعلقا بفاس كمدينة، و لا بالفاسيين كعرق، بل بطبقة متنفذة تسير الشأن العام، فعندما يتأمل المواطن البسيط “شبكة” العلاقات الأسرية “الاستقلالية”، وكيف تتمدد هذه الشبكة كل يوم في أوصال المجتمع السياسي والاقتصادي الحيوية؛ عندما ينظر إلى ما آلت إليه وزارة السكنى من “تفويس”، و ما تفعله “وزيرة” مثل ياسمينة بادو، تمثل شخص الملك و شرعية الشعب، و كيف تبث، رفقة كاتب وزارتها الوسيم، آلها و أهلها في كل قطاعات وزارتها، بمعيار واحد وحيد هو مدى القرب أو البعد عن حزب الاستقلال؛ عندما يتأمل ما يفعله أصهارها و أقرباؤها  من آل الفهري و آل الفاسي و آل العراقي، لا يمكن أن يسلك إلا طريقين : إما أن يركب الشعبوية ويسقط في اتهام فاس والفاسيين وسبهم و الدعوة إلى نبذهم؛ وإما أن يبحث عن صيغة أكثر تحضرا، و لو أنها ليست الأفضل، للتعبير عن “وعيه” هذا، فيلجأ إلى الفيسبوك مثلا.

كثير من المغاربة البسطاء اليوم يترحمون على ادريس البصري، ليس لأنهم ينسون ما فعله هذا الرجل أيام سطوته و بطشه، بل لأنهم لا ينسون أيضا أنه كان الشخص الذي فتح الإدارات و المناصب أمام “العروبية” من المغاربة، و كسر بذلك احتكار أهل فاس لها. ومهما يكن رأينا في إدريس البصري، ومهما يكن تقويمنا لهذا “الحنين” الذي يعبر عنه بعض البسطاء لعهد البصري، إلا أن هذا الأمر يحمل دلالة ويعبر عن وعي سياسي. المغاربة يميزون و يعرفون، ولو بالسليقة، أن دولة حقيقية لا يمكن أن تتأسس على الولاءات والأنساب والمصاهرات والزيجات؛ المغاربة يدركون أن المساواة في الواجبات والحقوق، والإيمان بالانتماء المشترك لهذا البلد، في الضراء و السراء، هو ما يمكن أن يحافظ على عقدنا الاجتماعي، غير أن هذا الوعي، في نظري، هو الذي لا نجده متحققا عند كثير من “قادة” المرحلة.

‫تعليقات الزوار

12
  • ait
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:09

    مادا يعني مصطلح الكليشهات؟

  • karim marokino
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:15

    السلام عليكم
    انا ابن مدينتي العزيزة فاس واشعر بقمة الفخر والاعتزاز لانتمائي لهذه المدينة الغالية
    واحب ا اقول لكل من يكرهها بسبب اولئك الوزرآء والسياسيين الذي يحملون اسم كنيتهم(فاسي،فهري،بنكيران،الحلو،العراقي…….الخ) احب ان اقول لكم فرقو بين هؤلاء كاشخاص وبين المدينة كمدينة لادخل لها في ذلك،بل ان كان هناك من يشتكي ويتذمر فستكون فاس هي الاولى بذلك،لان اولئك الوزرآء يحملون اسمها وتخلو عنها واهملوها ونكروها ولايزورنها ماعذا في المناسبات او الزيارات الملكية،الدور القديمة تسقط والشوارع متسخة والاجرام هنا لايوصف فان كان هناك من يجب ان يشتكي ويتذمر يوسخط على الوزرآء الافسيين فهم اولاد وساكنة فاس

  • قارئ
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:07

    تحليل ممتاز، صحيح أن الحنين للبصري ليس هو الحل، لأن البصري كان جلاد و مجرم، ولكن ما تبدل صاحبك غي بما كرف منو

  • simousimou
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:21

    السلام عليكم،
    فقط من أجل التصحيح، فالمغاربة ليسوا مع أي احتقان مع إخوانهم في فاس، و العريضة التي يتم تداولهاهي موجهة فقط ل”آل الفاسي” و ليس لعموم أهل فاس..

  • ولد الحومة والدرب
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:17

    اخواني الاعزاء انا ابن فاس واحسب نفسي من النازحين هزلا رغم كوني ولدت وكبرت بفاس العالمةالتي احب ناسها بجميع اطيافهم (اهل فاس وطرف عربي كما يقال هنا )
    صراحة اهل فاس جديرون بالاحترام والتقدير لعدة امور
    هم حافظوا على الاواصر التي تربطهم
    ناس درسوا ابناءهم وعلموهم
    ناس يضاهون الاوروبيين في طرق العيش والنظافة في المظهر والملبس والاكل
    ناس رفعوا من منتوج المعيش اليومي
    ناس حافظوا على الفن والاصالة المغربية عموما
    ناس سماههم على وجوههم يعني ماركة مسجلة الفاسي باين من السماء
    ناس حافظوا على علوم الدين وكرموا العلماء
    ناس لا ينكرون اصلهم رغم كون اغلبهم ابتعدوا عن فاس

  • فاسي و لكن
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:11

    أريد القول بأن فاس براءة من هؤلاء ، فكما قال أحد المعلقين ، غالبية أعيان فاس أثرياؤها ، قد غادروها مند زمن ، و فاس لم تربح من أبنائها اللدين تحملوا مسؤوليات كبيرة في الدولة أية شيء. فاس مدينة تعاني من تهميش واضح ، فبعد أن كانت ثاني أكبر مدينة صناعية في المغرب ، أصبحت تحتل حاليا المرتبة العاشرة ، يعاني سكانها البطالة و الفقر. أما بالنسبة لبنيتها التحتية فانها لم تتغير مند سنوات 60 ، شوارع ضيقة متسخة غير مرصفة. أل الفاسي الفهري و اللدين يتحملون مسؤوليات حالية بالحكومة و أبرز المهمات الرسمية ،لا يعرفون عن فاس الا الاسم ، و لا يكنون لها أي حنين أو عطف ، ينعمون في قصورهم و قيلاتهم ، و بداخل جيوبهم جوازات سفر أجنبية لكل غاية قد تبدو لهم مفيدة مستقبلا. هم يفكرون بمنطلق نفسي أولا و بعدي الطوفان و لو كانوا من أبناء عمومتنا الفاسيين. هم لا يفكرون الا في عائلاتهم الصغيرة و في مصالحهم الشخصية. لدا فباسم باقي العائلات الفاسية ، الممحوقة و التي توجد بنفس خندق باقي المغاربة المقموعين و مهضومي الخقوق، نؤكد لكم بأن فاس براءة منهم.

  • ramzi chami
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:19

    فلسفتك خارجة عن نطاق الموضوع و تحليلك هذا يدعوا الى المشادات الكلامية

  • youssef
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:13

    الموضوع هو حول آل الفاسي و هو الإسم العائلي لأناس في الوزارة المغربية او تقريبا كلها.
    فكفاكم فخرا بفاس و الارجح ان نفتخر بعضنا ببعض و ان نتوحد من اجل حياة اكرم و مغرب افضل،
    فلا فرق بين فاسي و مراكشي (انا دكالي) إلا بتقوى الله .فالمرجو من الإخوة عدم السقوط في فخ الفتنة و التعليق بشكل موضوعي .

  • ديكارت
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:01

    ان مثل هده المبادرات الفايسبوكية لاكبر شاهد على الحركية التي بدات تميز الوعي الجماعي بخصوص ما الت اليه الوضعية السوسيوقتصادية من تردي و تدهور في مقابل الاغتناء الصاروخي لشخصيات بعينها بسبب شجرة انسابها التي نبتت في تربة “خيانة الوطن و الولاء للمستعمر” و نحن ان كنا ندعم مثل هده المبادرات رغم ضعف فعاليتها فدلك لا يمكن باي شكل من الاشكال ان يفسر على انه تمييز عنصري ضد فئة كغيرها من فئات الشعب المغربي لان دلك تجني مقصود و بنية مبيتة ترمي الى اشعال نيران الفتنة لدلك يجب ان نستوظح الامور الملتبسة و نبتعد عن الشبهات و نوحد الصفوف لاننا نستحق مسؤولين و وزراء افضل و ادكى و اكثر كفاءة و ليس كراكيز فرنسية الصنع تنمو و تتكاثر كالجراد لتاتي على الاخضر و اليابس و لتجعل حياتنا مستحيلة.
    ديكارت – المغرب جزء لا يتجزا ادن لا تدعو الحثالة تلعب بعقولكم

  • ayiss
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:03

    ان النخبة الفاسية قد استحودت على خيرات المغرب من خلال تحالفاتها الدائمة مع المخزن.فقبل حصول المغرب على الاستقلال دخلت هده النخبة الفاسية في مفاوضات مع سلطات الحماية الفرنسية قصد تطمينها على مستقبلها الاقتصادي والثقافي في مغرب الاستقلال.وهدا ما تحقق واقعيا بالنظر الى الاستثمارات الفرنسية في المغرب وكدا تكريس اللغة والثقافة الفرنسية في مجالات الاقتصاد والماال.مند دالك التاريخ والنفود الفاسي يتكرس .في حين كان ابناء المغرب الاحرار يقاومون المحتل.وكان هدا سببا في اقصائهم من الاستفادة من خيرات بلدهم المغرب.وكان مسلسل تعريب التعليم الية لتكريس والمحافضة على تميز النخبة الفاسية التي تلقت تعليمها بالديار الفرنسية والكندية وبمنح من خزينة الدولة,الشئ الايجابي الدي قام به البصري هو وضعه الحد للنفود الفاس وفتحه لاجهزة الدوللة في وجوه النخب الاخرى .ان العداء للنخبة الفاسية قديم وثقه احد الشعراء في هجائه :
    ياأهل فاس لقد ساءت ضمائركم * فاصبحت فيكم الاراء متفرقة
    كل امرء منكم قد حاز منقصة * بها أحاط كدور العين بالحدقة
    وربما اجتمعت في بعض سادتكم نقئص *اصبحت في الناس متفرقة
    كالقرن والقود المشهور والكدب * المعروف والحلة الشنعاء والسرقة
    فلا تهابن فاسيا مررت به *وان تقل فيه خيرا حول الدرقة
    والعنه شيخا وكهلا واجفه حدثا * واضربه طفلا ولو الفيته علقه
    فلا سقا الله فاسا صوب عادية *نعم ولا اخضر في ارجائها ورقة
    كتاب زاد المسافر لصاحبه صفوان ابن ادريس.
    حبدا لو وجهت النخبة الفاسية مجهوداتها راسمالها المادي والرمزي لخدمة الوطن .عوض المصالح الاسرية الضيقة .فالمغرب بلد المغاربة عامة وليس بلد اقلية ولدت وفي افواهها الدهب كله وليس الملاعق فقط.

  • هناء
    الثلاثاء 23 مارس 2010 - 00:05

    في الحقيقة اغلهم من الاسر المذكورة
    والعلاقة الي تربطهم هي امتن و اقوى مما يتصور وهذا اب عن جد
    ستجدهم اما في ” الشرق المغربي الكبير Le Grand Orient du Maroc
    او
    La Grande loge unie du Maroc

  • abdou
    الجمعة 19 دجنبر 2014 - 16:18

    الله ينصر دينك عاش الملك هد هو المضمون فيك

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين