بنيتنا التحتية أحق بأموال المهرجانات!

بنيتنا التحتية أحق بأموال المهرجانات!
الجمعة 26 مارس 2010 - 05:30

شهد بلدنا هذه السنة هطول أمطار لم يعرف لها مثيلا منذ عقود خلت، أمطار استثنائية بكل المقاييس، سواء تعلق الأمر بقوتها وشدتها، إذ تجاوزت 100 مم في يوم واحد في بعض المناطق، أو تعلق الأمر باستمرارها لمدة زمنية طويلة، حيث لم تتوقف عن بعض المناطق لمدة 5 أشهر كاملة، وبشكل شبه مسترسل؛ هذه الكمية من الأمطار، بقدر ما كان لها من آثار إيجابية على الفرشة المائية الوطنية، وعلى حقينة السدود، كان لها أيضا آثار مدمرة على الممتلكات الخاصة والعامة، إذ شردت الكثير من المواطنين، بعد أن أتت على منازلهم وممتلكاتهم، كما أرجعت البنية التحتية ببعض المناطق سنوات كثيرة للوراء، بعدما تساقطت القناطر والجسور كأوراق الخريف، وتصدعت وتهالكت الطرق المعبدة، واختفت المسالك القروية، إلى حد أن قرى ومداشر، بل وقبائل كاملة أصبحت تعيش العزلة التامة، وأصبح إرجاع الوضع لما كان عليه يحتاج غلافا ماليا مهما، ومجهودا وطنيا ضخما، ولم يمنع الحكومة، غير الحياء ربما ، أن تعلنها مناطق منكوبة، بعد أن انقطع عنها التيار الكهربائي، وغرقت في الظلام، وتحول حلم الكهربة القروية الشاملة، لظلام دامس شامل، خاصة وأن معظم السكان في القرى قد تخلصوا من وسائل الإنارة التقليدية، اعتقادا منهم أن زمنها ولى لغير رجعة، كما تعطلت بهذه المناطق الدراسة والمرافق الإدارية، وأصبح التنقل منها واليها متعذرا بالمرة، ناهيك عن توقف إيصال المواد التموينية لها، وهو وضع سمعت مواطنا يقول أنه أسوء حالا من زلزال الحسيمة.


كل هذه الخسائر الفادحة لا يرجعها الإعلام العمومي والجهات الرسمية إلا لفاعل واحد، الأمطار الغزيرة، التي مع ذلك هي في نظرهم أمطار خير، مع أن النبي الكريم كان في دعائه يقول “اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب”، متناسين مشاركين آخرين في الجريمة، عامل الغش في إنجاز مشاريع البنية التحتية، وسوء تقدير المسؤولين، الذين أصبحوا يخططون ويتصرفون على اعتبار أن الجفاف عاملا ثابتا، وعلى أن الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية لن تحمل للمغرب غير مزيد من ارتفاع في درجات الحرارة، وتراجع مضطرد في التساقطات.


إن هذه النكبة أظهرت غياب أية خطة متكاملة للطوارئ والتدخل السريع عند وقوع أحداث كبيرة وكوارث كهاته، فلا حل لإيواء من هدمت مساكنهم، ولا حل للإيصال المستعجل للمواد الأساسية لكل المناطق المعزولة، عوض الاقتصار على مناطق بعينها للدعاية الإعلامية، وحتى الإعلام الرسمي ظل شاردا، ولم يستطع التكيف مع مقتضيات الحالة الصعبة لمعظم مناطق البلاد، فبقيت برامجه العادية بسهراته الأسبوعية ومسلسلاته المملة، وأخباره مركزة على زلازل هايتي والشيلي، متناسيا ما يقع حوله، ويكفي كمثال على ذلك،أن سقوط منزل بدوار تزران بجماعة كيسان إقليم تاونات، وحصده لروح شخصين، لم يعلن عنه إلا ثلاثة أيام تقريبا بعد وقوعه، أما انهيار منازل بدواوير وجماعات أخرى بنفس الإقليم فلا أحد التفت له إطلاقا،ما دام أن هذا الإقليم الشاسع لا زال خارج التغطية الحكومية والإعلامية.


في ظل هذه الحالة المأساوية، تجري على قدم وساق الاستعدادات لاحتضان مدننا لمزيد من المهرجانات، أبرزها مهرجان موازين بالرباط، ومهرجان الموسيقى العريقة بفاس، فقد عقد القائمون على المهرجانين في عز العواصف المطرية الأخيرة لقاءين صحفيين، زفوا فيه لنا أخبارا ظنوها سعيدة، واعتبرناها تشفيا في الضحايا، فقد بشرونا بارتفاع عدد الدول المشاركة في المهرجانين، واتساع عدد وحجم النجوم الذين سيصعدون الخشبات، وطبعا مع ما سيكلفه ذلك من ملايين الدراهم، التي سيتقاضونها ويعودون بها لبلدانهم، في استهتار واضح بمشاعرنا، واضطراب جلي للأولويات، فالأموال التي ستضخ في جيوب هؤلاء مقابل دقائق معدودة، كان الأولى، في الأيام العادية، تخصيصها للمعطلين من الشباب الذين يلقي بعضهم بنفسه في البحر، ويركب قوارب الموت بحثا عن لقمة عيش، ويتلقى بعضهم الآخر ضربات عصي التدخل السريع أمام البرلمان، أو تخصيصها لتوفير السكن اللائق لآلاف الأسر التي تسكن بالكهوف والبيوت القصديرية في كبد مختلف المدن، ناهيك عن المساكن الترابية الهشة بمعظم المجال القروي للمغرب، والتي لا تختلف كثيرا عن مساكن الإنسان البدائي، أو تخصيصها لدعم المؤسسات الصحية والتعليمية بالعالم القروي، حيث لا زال المواطن يلفظ أنفاسه الأخيرة لأتفه الأسباب، وتنعدم الحجرات المدرسية، أو توجد في وضعية يستحي المرء أن يسميها مدرسة، و مهما علا قدر الفن والترفيه، فما أكثر القطاعات والمجالات التي لها أولوية أكبر وأشد لو أزاح أصحاب الحال عن عيونهم النظارات التي تريهم المغرب كما يظنون، لا كما هو. أما في مثل هذه المناسبات الأليمة، فكان الأولى تخصيصها للمتضررين، لتوفير الحاجيات الأساسية لهم، ومساعدتهم على إعادة ما تهدم من مساكنهم، والأكثر إلحاحا إصلاح ما يمكن إصلاحه من طرق ومسالك، لفك العزلة عن السكان المحاصرين.


بعد أيام إذا ستصرف أموال طائلة لفناني وفنانات الغناء من مختلف أنحاء المعمور مقابل دقائق معدودة سيقفون فيها على خشبات مبثوثة بأحياء مختلفة بمدينتي الرباط وفاس، وستبقى أحياء كاملة داخل هذه المدن تعاني الهشاشة والتهميش، وقبائل ومناطق مجاورة لهاتين المدينتين، كحال قبائل اولاد جامع والحياينة واشراكة المطوقة لفاس، وأقاليم الخميسات وسيدي سليمان والقنيطرة وسيدي قاسم المجاورة للرباط، ستبقى غارقة في أوحالها ومياه الأنهار التي ظلت طريقها نحو البحر، واقتحمت البيوت والضيعات والإسطبلات، وستبقى طرقها مقطوعة أو متصدعة، وسيبقى سكانها يعانون الأمرين لقضاء أغراضهم الاقتصادية والاجتماعية، وسيبقى بعضهم ممن تهدمت منازلهم بدون مأوى، والمحظوظ منهم من حصل على خيمة، أو آوته عائلته، ولن تنفع هؤلاء سهرات المهرجانين في شيء، بل ستزيد الأوعى منهم كمدا على كمد، وحسرة على حسرة، بعد أن يعتبر فقرات المهرجانين رقصا على جراحه.


كم كان سيفرح الشعب، أن يطل عليه الناطق الرسمي باسم الحكومة، ولو لمرة واحدة يشعر فيها المواطنون أن الحكومة تشعر بنبض قلوبهم، وتقاسمهم أفراحهم وأقراحهم، وتحترم مشاعرهم، ليقول بصوت مرتفع: أن الحكومة واعتبارا للوضعية الصعبة التي خلفتها الأمطار والفيضانات، واحتراما لمشاعر المتضررين والمشردين والمنكوبين ممن فقدوا منازلهم وأقاربهم، قررت وقف تنظيم جميع المهرجانات والتظاهرات الفنية المكلفة، على الأقل حتى تندمل الجروح، وتتقادم الفواجع، وتخصيص أموال هذه المهرجانات لإصلاح البنية التحتية ودعم من تضرر من المواطنين.


عندما يقع مأثم مجاور لبيت به حفل زفاف، على طول مغربنا وعرضه، يعمد أصحاب العرس كأقل مواساة منهم للعائلة المحزونة، إلغاء مظاهر الفرح ، إن لم يقوموا بأكثر من ذلك ويخصصوا جزءا من أموال الحفل لتلك العائلة، ويبدو أن المسؤولين لم يرقوا حتى لمستوى هذا التفكير، ففي نظر مسؤولينا لا ينقص مواطنوهم المنكوبون غير السهرات، ومغنيات لبنان وأمريكا اللاتينية، فربما تضاريس أجسادهن شبه العارية، ستنسي المنكوبين ويلات الطقس والتضاريس، ولقد صدق من قال ” أش خصك يا عريان، خاتم أمولاي“.


*مهندس، فاعل جمعوي ومستشار جماعي

‫تعليقات الزوار

4
  • عبد الرحيم جوهاري
    الجمعة 26 مارس 2010 - 05:34

    لقد أصبحت هذه الحملة على المهرجانات تثير التقزز فعلا، وكأنها هي السبب في كل ما يعانيه الشعب المغربي من مشاكل. الانحرافات الخلقية سببها المهرجانات، تخلف البنيات التحتية سببه المهرجانات، الخ. لا يا سيدي، المهرجانات بريئة من كل ما تفترون. فقد عرفت المجتمعات البشرية منذ الأزل أنواعا مختلفة من الفرح الجماعي باعتباره ترويحا عن الأنفس وترويجا اقتصاديا. هل يعقل أن نطلب من المغاربة محاربة الفرح لبناء قنطرة؟ فأين هي اذن ميزانيات القناطر؟ ان السبب الوحيد والأوحد هو اختلاس الأموال العامة، وانعدام المراقبة والمحاسبة وترتيب الجزاءات على كل المخالفين. ان ثقافة عدم المحاسبة هي السبب في غش البناءات، والسبب في نهب الميزانيات ووو….
    أما هذه المحاولات التي تركب على مآسي الناس وتدغدغ أحاسيسهم لتمرير خطابات رجعية غارقة في الجهل، فانها باعتقادي أخطر من الكوارث الطبيعية لأن الهدف منها تدمير الذات المغربية وخلق جيل يكره الفرح، ويمقت التفاؤل. ان الخطر قي هذه الاديولوجيا ركوبها جناح التعميم، أي أن فكرة المهرجانات هي السبب، أما لو انصب النقد على طريقة تنفيذ أو تنظيمهافهذا شأن آخر. بالله عليكم، لا تقتلوا فينا شهية الفرح، فبدونها لن تحصدوا الا الدمار الحقيقي، لأن الفرح هو سماد التفاؤل الذي يدفع الأجيال للايمان بالمستقبل، والعمل على تغيير واقع الحال.

  • ABDELKADER
    الجمعة 26 مارس 2010 - 05:38

    هذه المهرجانات تصرف فيها ميزانيات ظخمة هذا تبذير واسراف وديننا الاسلام وقرآننا ينهانا على هذه الامور…ان المبذرين والمسرفين اخوان الشياطين…الشعب المغربي محتاج لهذه الملايين التي تضخ في حسابات المفسدين في الارض ….هذا نداء لمسؤولي هذه المهرجانات …كفوا عنا هذه السخافات …ولاحول ولا قوة الا بالله …العنوا الشيطان وثوبوا الى ربكم ستحاسبون حسابا عسيرا يوم القيامة ماذا تقولون لربكم …؟؟؟ارجوا النشر

  • 3dnane
    الجمعة 26 مارس 2010 - 05:32

    لقد بلغ السيل الزبى إلى متى إهدار مال الشعب على المغنيات الساقطات في حين البلاد من سيئ لأسوأ لا بنية تحتية لا أفاق للمستقبل حتى حاجة ما تباشر بالخير وهاد المسؤولين دعيناهووم لله فحال ما عايشينش فهد البلاد & الحاصل المناقشات حول المهرجانات فارغة لأنها واضحة الضرر ولا فائدة فيها مطلقا دعيناكووم لله المسؤولين الله تعالى سوف يحاسبكم على هادشي إمضاء مواطن ضد المهرجانات

  • بوشابل
    الجمعة 26 مارس 2010 - 05:36

    في الحقيقة أضحت هاته المهرجانات ذخيلة على هويتنا وتقاليدنا. . . بتنا نصرف الملايين لأجناس من فناني لبنان ومصر بينما أبناء بلدتنامن بعض الفنانين يصارعون الموت واللم في صمت، لا يتم الالتفات إليهم إلا عندما يموتون.
    وبعد، أليس من الإنصاف أن نقول أن مثل تلك المهرجانات العارية تساهم في تمييع فلذات الكباد والشباب . . .
    كفاكم تغطية للشمس بالغربال، تجاوزوا متع النفس الهالكة وتعالوا إلى كلمة حق سواء.

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة