أزمة الموقف

أزمة الموقف
السبت 17 أبريل 2010 - 18:27

من عادات المثقف والمفكر الذي لم يفهم جواهر الذات في التاريخ أن يتذبذب حسب المرحلة. من سماته كذلك الرجوع إلى الماضي الماضي لفهم الذي تجدًًََد، ذاك الذي يغير في الشكل ويحافظ على الجوهر. إن الأمراض الثقافية الكبرى عند المثقفين العرب هي عدم الاستقرار على الجوهر من جواهر الذات الكل، فهم في كثير من الأحيان يجوهرون الشكل كما يتشكلن الجوهر عندهم.


كثير منهم يعتقد أن العالم العربي والإسلامي أنجزت فيه ثورات. ما هي الثورة؟ لم تنجز ثورة لحد الآن. كل ما كان هو نزعات نحو العقل.


إبان القرن الماضي، أي زمن الاشتراكية، مال الإنسان في هذه المجتمعات إلى الأخذ بالمادية التاريخية والمادية الجدلية كخلاص للإنسان من القهر والاضطهاد. كان هذا الإنسان يعتقد أن هذا الفكر قد يحرره من وضعه هذا. سرعان ما أثبت التاريخ العكس. ما الذي حدث؟


إن الإشكال في هذه المجتمعات أعمق وأقدم من تاريخ الشيوعية وكذا الليبرالية، فهو إشكال يتخذ من جواهر الذات الكل مستقر له. لقد حاول الجيش قيادة “الثورة”، وهل يمكن لهذا الأخير أن يقود؟. فكل ما يسمى بالاشتراكية العربية ما هو إلا نزاعات لبعض أفراد الجيش لتحرير الأوطان من التبعية السياسية للدول العظمى، سواء تعلق الأمر بالبعث أو ضباط الجيش في مصر، أما بعض التنظيمات السياسية فكانت تدور في فلك هؤلاء. وفي زمن كهذا، حيث كل شيء تفتت على ذاته، سيميل الكثير إلى تبني اللاهوت كمنهج لتحرير المجتمع، هذه هي حقيقة هذه المجتمعات إلى حد الآن، أما النظريات ذي النزعة العقلية فكانت مجرد ظاهر لم يتجوهر بعد.


إنني هنا لأقف على بعض الميولات التي لا تنفصل عن الجواهر المؤسسة للذات. هذه المجتمعات سواء تعلق الأمر بالفرد، طبقة أو مجتمع، ها أنا ذا أقرأ كتاب لـ “المهدي المنجرة” يعلن “التوبة” الحقيقية من حيث لا يدري، يحلل الحضارة الغربية كأنها نتاج للمسيحية واليهوية، بالمقابل، يريد القول، إن الحضارة العربية والإسلامية ما عليها إلا الرجوع إلى أصولها التاريخية. و ها هو ينسى أن الحضارة الغربية مؤسسة على جواهر أربعة متعاقبة في التاريخ.


ماذا بقي من اللاهوت في الغرب كي نؤكد على سيطرة هذه الديانات؟ كيف يمكن لنا أن نفهم الصراع الإيديولوجي بين الغرب الليبرالي والغرب الاشتراكي؟.


لقد ذهب العديد من المثقفين إلى تأكيد لاهوتية الغرب، لكن التاريخ يؤكد عكس هذا. فالصراع على هذه القاعدة انتهى منذ زمن بعيد، وما بقي إلا بعض التمظهرات القديمة العهد وفقط. لقد انتقل الغرب إلى العقل الأخلاقي الإعترافي و العقل الجاف منذ زمن بعيد. والعقل الأخلاقي في الغرب ليس مؤسسا على الدين بقدر ما هو مؤسس على مبدأ القوة الذي يجد في العقل الجاف مصدره ودعامته الأساسية. ليس الإشكال قائما في فهم الفكر الغربي بقدر ما هو قائم في تجوهر الفكر “الغربي” في ذات الإنسان العربي المسلم والمسلم العجمي.


فعدم التجوهر هذا يأخذ شكله في كل مجالات الحياة. فعدم الاستقرار على قاعدة فلسفية واضحة هو الأصل في غياب ثقافة الاستقرار على جوهر من جواهر الذات الكل. إن الفلسفة في تطورها تصير ثقافة يتسلح بها الفرد والجماعة، وإعمال العقل الجاف ما هو إلا إرادة العقل الأخلاقي تحقيق ذاته في التاريخ. هذا العقل بالمقابل انتقل من أخلاق الضعف إلى أخلاق القوة.


إن مبدأ القوة في الغرب تعقلن أكثر عبر إعمال العقل الجاف بشكل مفرط. فعندما ترى الولاية المتحدة الأمريكية والغرب بشكل عام يلهثون وراء أدمغة العالم رغم انتماءاتهم الأخلاقية المتعددة إنما يلهثون وراء العقل الجاف الذي يشكل حاليا في الغرب أساس المجتمع والقوة. فالذي سماه نتشه “أناس بدون جرأة” هو هذا النوع من الإنسان الذي أعطى الأسبقية للعقل الجاف، إنه الإنسان الذي يعتمد على قوة الموضوع أكثر من اعتماد على قوة الذات المباشرة. هناك فرق واضح بين نظام النازيين ونظام الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أنهم يشتركون في صفة العلمانية. فالعلمانية لا تعني الديمقراطية في كل الأحوال، بل تعني الديكتاتورية حتى، وأنصار هذه الأخيرة لديهم وجود في الغرب.


إن الدول التي لديها رغبة واضحة في السيطرة هي المحتاجة إلى العقل الجاف، أما الدول الراضية بالاستمرار في الوجود وفقط لا حاجة لها في العقل الجاف. لقد ذهب عبد الله العروي إلى فهم نتشه على أنه فيلسوف إرادة الحياة، وهذا خطأ فادح في استيعاب هذا الفكر. فنتشه هو فيلسوف إرادة القوة بامتياز، والفرق شاسع بين إرادة الحياة ومبدأ هذا الفيلسوف. إن إرادة الحياة هو جوهر الحيوان ونظام الطبيعة، فعندما أكد داروين أن الصراع هو صراع من أجل البقاء (الحياة) لم يعمم هذا على عالم الثقافة عند الإنسان وكان انتقاده من طرف نتشه هو انتقاد هذا المبدأ بذات و الانتصار لمبدأ إرادة القوة، والواقع يقول بكل المبدأين، لكل مبدأ مجاله.


كل ما أريده قوله هو أن العقل الجاف عند ممارسة لمهامه في التاريخ يجب عليه أن يتجرد من كل الموروث الثقافي ويتخذ بالمقابل هذا الموروث موضوعا لدراسته، لا أََُسسا لإرساء الفكر عليه. وأذكركم بذاك اللاهوتي الذي وصل إلى عالم الجنات، إنه مانديل. لو أخذ من حيث لا يشعر بمبدأ أن الأمور وجدت على هذا الشكل منذ القدم لما استطاع أن يلاحظ الاختلاف والتشابه بين الأنواع والنوع حتى الكنيسة اخترقها المتهج العلمي.


إن التذبذب عند المجتمعات العربية من جهة، والمثقف من جهة أخرى ما هو إلا انعكاس مباشر للجواهر المسيطرة.

‫تعليقات الزوار

1
  • عبد الواحد ابروح
    السبت 17 أبريل 2010 - 18:29

    فعلا يتبين في العالم العربي سقوط المثقف و تراجع دور المفكر امام السياسي لكن الحقيقة انه هو الذي يشكل المواقف لانه يصنع الافكار الثورية و يبث المبادئ و المثل الخالدة عبر الاجيال و سيظل الفكر الخالص هو جوهر الانسان لما يتسم به من نزوع نحو المثل من هنا تنبني الحضارة بتراكم الاخطاء و استثمار التراث البشري في زمن التلاقح الفكري و التكامل لا مجال للصدام الليبرالي بل كشف جلي كل يوم للشر والغطرسة و كره للعدوان فالارض استوت بالقسط و لاجله

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات