قضية الصحراء والحاجة إلى منظور جديد للتدبير

قضية الصحراء والحاجة إلى منظور جديد للتدبير
السبت 17 أبريل 2010 - 18:27

النخبة التقليدية تتخوف من إصلاح الأوضاع


إن المتتبع لتطور الشأن السياسي في الصحراء سوف يقف عند الإختلالات التي صاحبت استرجاع الصحراء وإدماج مكونات المجتمع الصحراوي في إطار الوحدة والذي تزامن مع بروز الإنفصاليين ومظاهر غريبة على المجتمع الصحراوي،تمثلت في تأسيس علاقات انتهازية مع بعض الأشخاص ومتعتهم بامتيازات وفي المقابل همشت الأطر والكفاءات الشابة من أبناء المنطقة ،ناهيك عن التدخلات السافرة في تزوير الإرادة الشعبية في الانتخابات وشراء الذمم وكافة أشكال الاحتكار الممارس في الثروات الطبيعية للمنطقة .


هذا المعطى أثر على السير الطبيعي للدواليب الإدارة المحلية ،مما يتطلب من الدولة الانتقال من دبلوماسية الخطاب مع النخبة القبلية التقليدية إلى دبلوماسية الحوار الفعلي مع كافة فئات المجتمع ،وأن تخرج من سياسة الترقب والانتظار إلي سياسة المبادرة الفعلية في إعادة هيكلة المجتمع الصحراوي على أسس وطنية وتاريخية والنظر إلي حل المشاكل من الداخل باعتبار أن الحكم الذاتي كحل لم يأتي من الخارج، لأننا إذا عدنا إلي السياق التاريخي للمشكل نجد أن فهم الدولة لطبيعة المجتمع كانت و ماتزال مجحفة ،وهذا ما عمق الفارق الحقيقي بين الطرفين ،لأن اختزال الدولة للمجتمع في نخبة من خلال المعيار القبلي الذي يعرف بالمد والجزر في منطقة المغرب العربي وعلي أناس لم تكن مسؤولياتهم من صميم التكليف الشعبي بالمهام الوطنية ولا يمثلون إلا أنفسهم مع العلم أن هذه النخبة لا تتوفر على برنامج سياسي يفيد الدولة والوطن سواء الكلام الفارق الذي ملئوا به آذان السلطة في الدولة ليضمنوا لأنفسهم الجلوس على المقاعد الفخمة كي يستفيدوا بما تمنحه تلك المقاعد من امتيازات متجاهلين مصلحة الوطن و المواطن من خلال إشرافهم المباشر وغير المباشر على ملفات ساكنة المنطقة زاد من اهتزاز الصورة ومصداقية الدولة .


لقد اعتمد المغرب فى استرجاع الصحراء على رباط مقدس يجمع بين المؤسسة الملكية وسكان الصحراء وهو البيعة الشرعية التي تعتبر عهدا وأمانة في عنق كل صحراوي مما يجعل تشبثهم بها ليس شعار أجوف أو دعاية دماغوجية بل اختيار مذهبي أكيد ونهج حقيقي وموضوعي يجب الدفاع عنه. لكن في خضم هذا ابتعدت الدولة عن تحرير الإنسان في هذه الأرض، صحيح ان النظام القبلي ساد في الصحراء وكان بمثابة السلطة السياسية لكنه مع مرور الوقت وارتباطا بالمتغيرات في نمط الفكر ونمط الحياة وكذالك ارتباط الإنسان الصحراوي بعد الاستعمار بالمؤسسات الوطنية المغربية والتي تهدف الى تحرير الصحراويين من كل رواسب ومخلفات الماضي الاستعماري وعلى رأسه القبلية هذه الأخيرة التي أصبحت متجاوز لأنها أدت دورها التاريخي ولا يجب ان نبقى محدودي الرؤية بالياته إن حاضر الصحراء ومستقبلها يتطلب أفكار جديدة وليس بنيات ماضوية مهما كانت قيمة هذا الماضي المعنوية والرمزية، قد نحدد هويتنا الاجتماعية أحيانا من هذا المنطق القبلي لكن أن نختار من يسير شاننا العام ويدبر حياتنا السياسية والاقتصادية انطلاقا من هذه الهوية لا انطلاقا من وطنيته وكفاءته فهذا يعتبر سلوكا سلبيا يكرس استمرار النخبة في الدوران في فلك القبلية السلبي .


ولا يمكن بأى حال أن تربط مجتمعا مدنيا في دولة مؤسسات بنخبة قبلية تقليدية قصيرة الرؤيا ،مع العلم أن الإرادة الفردية والجماعية ونسبة درجة الوعي في هذا المجتمع ،كفيلتان لتحقيق نقلة نوعية لما نبتغيه للخروج من المنطق القبلي ي تعاملنا مع الواقع السياسي ،لأن القبلية ليست قدرا تاريخيا والمجتمع ليس متصلبا في بنياته ، بل قادرا عل التكيف ومسايرة المشاريع والأفكار التى يري فيها مصلحة مشتركة لأن الصحراويين الوحداويين قد بلغوا سن الرشد بعد تجربة دامت أكثر من 40 عاما في وطنهم ومع شعبهم في إطار مؤسساتي مكنتهم من ملامسة الفارق الحقيقي بين سنوات الاحتجاز في تندوف وواقعهم الحالي في ظل وحدة المغرب ،مما يجعل كل ممارسة للوصاية القبلية عليهم عملا بدون جدوي، بل من شأنه عرقلة تدبير شؤونهم بأنفسهم كأداة رئيسية لتنمية شاملة ومستديمة و متكاملة الخدمات وسليمة التدبير .وفي هذا الإطار لا يمكن لخطاب النخبة التقليدية أن يستمر ومحتم عليه أن يطرح بدائل ترقي بالواقع بدل أن تكون سجينة وانعكاسا سلبيا له وهو أمر تفرضه حسابات الواجب الوطني لا حسابات سياسية .وبالفعل انتقلت الشعوب في تطورها من القبلية الي المؤسسات ،وهذا أساسي في نهاية المطاف ،لأن مغربية الصحراء لا يمكن أن تكون منتوجا قبليا فقط ،يمكن القول أن هناك وجود رواسب قبلية ،


وأن هناك عقليات لا تزال قبلية لكن لا يمكن القول إن دور القبلية محدد في ما يجري ويدور في الصحراء لأن معيار المواطنة مجرد من كل انتماء عرقي ،ولكي نكون صرحاء مع أنفسنا ،فقضية الصحراء ليست نزاعا قبليا ،بل هي إنتاج ظروف أتت من الخارج يعرفها القاصي والداني ،ظروف تزامنت مع التهميش والإقصاء الذي تعرضت له مجموعة من الشباب من طرف السلطات آنذاك، مما خلق موجة الغضب والسخط الشعبيين ووجدوا ضالتهم في الأفكار والمبادئ الثورية السائدة في تلك الحقبة ومخلفات الحرب الباردة .


إننا لسنا هنا بمعرض الحديث عن أسباب الأزمة ومراحلها التاريخية ،ولكن المهم هو ملامسة ماهية المشاكل الإجتماعية والاقتصادية الموجودة في أقاليمنا الجنوبية ،لأننا أمام مشكل معقد يتداخل فيه ماهو سياسي وإيديولوجي ،بما هو تاريخي ،فالدولة في البداية لم تعتمد على العناصر الوطنية الكفؤة وغيبت الديمقراطية منذ البداية . وأخيرا تم إنشاء مجلس استشاري عين على رأسه من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله ،شخص من العيار الثقيل يتمتع بشرعية تاريخية في صراع المنطقة المتنازع بشأنها ،كونه انتخب رئيسا للحزب{بونس} المنتخب انذاك من طرف الجمعية العامة للصحراويين { مجلس الشيوخ}إبان الاستعمار الإسباني وهم الذين تبنتهم الأمم المتحدة إبان تحديد الهوية ،وبصفته وحدوي لن تغره الأطماع ولم يكن أجيرا للمخابرات الجزائرية كغيره مما يجعله قادر على اختراق صفوف البوليساريو في تفنيد شرعية تمثيلها للصحراويين ولم يقع في فخ الابتلاع من طرفها ، إلا أن بقية عناصر المجلس تم انتقاؤها بصفة عشوائية مما جعله لا يسير سيرا عاديا ونسبة الامية فيه أكثر من ستين في المئة ، وتجد العائلة الواحدة ممثلة بكل أفرادها داخله ،وهذه الإشكالية هي التي جعلت المؤسسة بدون مصداقية عند البعض وبدون مردودية على الجميع، كما تم استقبال آلاف العائدين من تندوف ،رغم أنهم جاؤوا من جهة ،فالبعض منهم تم إكرامه ومنحه امتيازات وتوظيفات وسكننا فاخرا وبدون إشراك فعلي في أي عمل يذكر ،والبعض الآخر مزال يجر خيبة الأمل بسبب افتقاده أدني ظروف العيش . بالفعل نجح المغرب في تنمية الأقاليم وبني مدننا بين الرمال لكنه لم ينجح في بناء الإنسان الصحراوي المؤمن بالوحدة الترابية للمغرب ،وهذا يستدعي من الدولة أن تخلق بديلا يقوم على مشروع حيث الولاء ليس لنخبة القبلية التقليدية ،لكن للمبادئ والأفكار القائمة على الإيمان بالوحدة الوطنية الترابية لكي لا تعطى الفرصة من جديد لإعادة التلاعب بقضية الوحدة الترابية للشعب المغربي من طرف النخبة التقليدية الذي كان من المفروض أن تنتهي صلاحيتها مع إقالة أدريس البصري صانع جلها علما إننا لا نملك الطعن في وطنيتها بقدر ما نملك الطعن في قدراتهم وكفاءاتهم .والتي نراها اليوم تطل علينا بوجه جديد بعيد كل البعد عن المشروع الحداثي والديمقراطي للعهد الجديد للمغرب بتأسيس “جمعية البرلمانيين الصحراويين “متنكرين لإنتماءاتهم السياسية التي لها برامج وإيديولوجيات ومذاهب مختلفة أنتخبوا من أجلها ،مما يدل على أن قضية الصحراء أصبحت مآرب يستقلها البعض في الصراعات حول الصدارات والزعامات ،وهذا النوع من المبادرات والتصرفات لا يخدم مصلحة الوطن والمواطن ، وسوف يعيدنا إلي الوراء لأن من لم تتسع له قبة برلمان الأمة وأحزابها السياسية العرقية المتفقة على الإيمان بالوحدة الترابية ،ماذا سيحقق خارج هاتين المؤسستين ؟……


وهذا النوع من السلوك يطرح سؤال جديد ما الفائدة من قبة البرلمان والأحزاب إذا كانت مجموعة من معينة من البرلمانين سيحققوا ما لم تحققه هاتين المؤسستين .


مع إننا نؤمن أن في الصحراء قوى شبابية استكلمت القناعة والإيماء بمغربية الصحراء ،و لا تعتبر الوطنية شعار للإستهلاك المناسباتي ،لكن هذه القوى مهمشة من طرف النخبة التقليدية التي تتخوف من سحب البساط منها ، إذا ما فتح المجال أمام قوى جديدة لا تخضع للمنطق القبلي في تعاملها مع الواقع السياسي الذي ساد في العقود الماضية والذي سام في تكريس الإنفصال ،ولو كملج من ملاجئ الضغوط في الممارسة السياسية ،ناتج عن تغيب التنظيمات الشبابية المنبثق عن المجتمع الصحراوي . ولولا حب هذا المجتمع الصحراوي لملكه وإيمانه بالبيعة لكانت الظروف أسوء بكثير ،ولولا الملكية في المغرب لفقدت كل التجارب السياسية في الصحراء مصداقيتها .


*خبير في الشؤون الصحراوية

‫تعليقات الزوار

4
  • ماء العينين
    السبت 17 أبريل 2010 - 18:33

    يدكر المقال عبارة “أسباب الأزمة”، وكان عليه أن يعطيها ولو جملة واحدة في مقاله الطويل. قضية الصحراء فبركها الجنرالات الخونة عميلي الإستعمار الفرنسي لكي يُغطّو على مشاكل الشعب الجزائري: فقر بطالة تهميش حريك إرهاب و…تبدير عشرات الملاييرمن عائدات الغاز والبترول

  • أوالحاج ابراهيم.
    السبت 17 أبريل 2010 - 18:31

    مقالك يا أستاذنا الكريم تشع منه روحية تقدمية و نقدية مستنيرة و أنا معك على طول الخط في ضرورة فسح المجال أمام النخبة الواعية لواجباتها الوطنية في أقاليمنا الصحراوية و من سيحملون أمانة وحدة الوطن الغالي من طنجة الى الكويرة بعد جيل الشيوخ الذين لا يجب أن نغمط حقهم و خدماتهم و تمرسهم و خبرتهم في الدفاع عن وحدة أراضي المملكة المغربية قبل هذا النزاع المفتعل من الشقيقة الجزائر.
    لكنك مع الاسف ابتعدت قليلا عن الحقائق و الواقع الاجتماعي المعاش مغربيا بصفة عامة و لن أدخل معك في نقاش لست أهلا لخوضه فيما يخص العقلية القبلية و العشائرية و بنياتها و هيكليتها في أقاليمنا الصحراوية الجنوبية.
    لكن ثمة مؤشر ذو دلالة أسوقه كمثال ففي باقي ربوع المغرب بعد 54 سنة من الاستقلال و رغم شبه اندثار للعصبيات القبلية و العشائرية و المناطقية و اللغوية في المدن الكبرى الدار البيضاء/الرباط-سلا/ أكادير /فاس/مراكش/طنجة و في عامنا هذا 2010 لا زلت أسمع السؤال شبه البريىء!!!.. يتم طرحه كالتالي:
    شكون أنت في الخوت ؟
    أي استفسارا عن جذوري الاصلية أي من أية منطقة؟ و أية قبيلة أو عشيرة و حتى لو صدقته القول بأن مسقط رأسك مدينة ما لا ينقطع فضول السائل حتى تسرد أمامه شجرة عائلة أبيك و أمك و جدتك من أمك و أبيك من المنطقة الفلانية و القبيلة أو العشيرة الفلانية!..
    هذه العقلية المناطقية و الجهوية و القبلية و العشائرية و اللغوية المتخلفة ما زالت موجودة مع الاسف..أي نعم ستجد الريفي و الزياني و الدكالي و السوسي و الصحراوي رغم انقطاعهم الا لمما عن جذورهم الاصلية يحنون لرحم القبيلة و أمجادها الغابرة أو الجهة أو المنطقة رغم كل التمدن الحضاري النسبي البادي في مددنا العامرة.
    و ستجد دائما تحت هذا الديكور حمية الجاهلية عملة ما زالت رائجة دفاعا عن هوية مفترضة لغوية أو مناطقية أو قبلية معشعشة في من في نفوسهم مركب نقص لا يستقوون الا بها.

  • said
    السبت 17 أبريل 2010 - 18:29

    بسم الله الرحمان الرحيم
    أخي الفاضل شكرا على مشاركتك لنا لهذا المقال، فلا مشاحة أن كل صحراوي غيور سوف يقرأه و يرسخ معلوماته أكثر،
    أخي الفاضل أتفق معك في كل صغيرة و كبيرة لكن بكوننا تقدميين فقد أدخلت سطرين للمحاباة بالرغم من كونها واقعية فلنتساءل جميعا من هي الجهة التي اقترحت على جلالة الملك نصره الله الأسماء المعينة في الكوركاس, كما أن فضيحة الفيكات من كان صاحبها و عقلها المدبر إلى جانب أنني أعتبر بأن مدينة العيون تسير هي كذلك من طرف بنية تقليدية و صلت إلى سدة التدبير المحلي بطرق أو أخرى ,,,,,,,,,,
    كما اني لا أتفق معك على و جود نخبة صحراوية بمعنى الكلمة إضافة إلى ضعف الباحثين الصحراويين

  • fatima ezzahra
    السبت 17 أبريل 2010 - 18:35

    merci beucoup pour cette information

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة