شعب " الانتظارات "

شعب " الانتظارات "
السبت 24 أبريل 2010 - 00:29

يحب بعض الغوغائيين من طحالب السياسة أحيانا أن يدغدغوا غرائز الشعب، و أن يغازلوا نزعاته الرجعية، فيتحدثوا إليه بما يحب أن يسمع، ويضفوا عليه صفات الطهر والقداسة، وينعتوا أفراده بالأخيار المساكين، وينعتوا من هم فوقهم بالأشرار الظالمين، فالشعب هو هذا “المسكين الطيب” الذي لا حول له و لا قوة؛ و الحكام هم “الشياطين” التي تمتص دمه و تقهره .


على أن الأمور ليست بهذه البساطة التي تشبه أفلام هوليود الرديئة، حيث الأشرار يقابلون الأخيار، وحيث الخير ينتصر في النهاية دائما، لأن التسلّط حين يكون، فذلك لأن ثقافة الناس تقبل التسلµط، بل تطلبه أحيانا، فالتسلط موجود لأننا متسلطون في العمق، المعلم في قسمه، و الأب في أسرته، و المقدم في “حومته”. بل إننا أحيانا نجد حكاما أكثر “نضجا” من شعوبهم، وأكثر رغبة في الانفتاح، و لكن دينامية الشعوب لا تسايرهم، فيضطرون لأن يسايروها، والنموذج في ذلك هو ما يحصل في بعض دول الخليج، حيث بعض الأمراء المتنورين يجاهدون لفتح بلدانهم على العالم الحديث، ولكن الشعب لا يستجيب لهم، فيتراجعون عن ذلك، لأن الحاكم مسئول عن مصالح وتوازنات موضوعية كبرى، ليس له أن يغامر أو يخاطر بها، والحاكم الذي يحب البقاء في منصبه، كما قال ماكيافيل الرهيب، لا يتسلّى بمنازعة الشعب في قناعاته العميقة، لأن ذلك سلوك خطير، تسقط دونه العروش.


وليس المغاربة، قياسا إلى غيرهم من هذه الشعوب ، استثناء ، فأغلبهم ما يزال متخلّفا من الناحية السياسية، لم يدخل – ذهنيا – بعد إلى زمن الدولة، رغم كل مظاهر “التحديث” الشكلية. أغلب المغاربة ما يزال يحيى وفق منطق العشيرة و القبيلة و الأسرة، والأدلة على هذا الأمر كثيرة لا حدّ لها، أشهرها و أشنعها أن يجد الشعب عندنا طبيعيا أن تتملك َ أسرة واحدة هي “آل الفهري” “المجيدة”، كل أمور الدولة، فيوزّعوها بينهم كما إرث عقاري، فلا يجد أغلب أفراد هذا الشعب عيبا في أن يبوِّأ وزير حكومتهم الأول كل من يحمل جزءا من رصيد أسرته الجيني، أعماما و أخوالا و أصهارا، المراكز و المناصب ، و لا يجدوا عيبا بأن تسيّر أمر مدنه و مجالسها عصبة من “البوليتيكار” المحترفين، وأن يبقوا منتظرين لأن يأتي الملك فيغضب على أحد الولاة، كما حدث في البيضاء منذ أيام، فيهلّل ويفرح و يردد ،في حق المسئول المغضوب عليه، المأثور الشعبي “لك يوم يا ظالم“.


قد يقول قائل بأن “الإرادة السياسية” من الجهات العليا غير متوفرة، وأنها هي من يسمح بذلك، ولكن عفوا أسألكم : من سمح لأفراد الأسرة “إياها” أن يعودوا لمناصبهم في المدن والجماعات في الانتخابات الأخيرة؟ أوليس الشعب نفسه ؟


قد يقال أيضا إن الانتخابات فاسدة، و أنها “لا تعكس الإرادة الشعبية”، كما يكرر كل من أخذ “علقة في الانتخابات”، ولكن عفوا مرة أخرى، من سمح بإفسادها ؟ ومن قَبِلَ بأن يباع صوته ب مائة درهم أو أقل ؟ أوليس أفراد من هذا الشعب “الخير الطيب” نفسه ؟


و كأن المغاربة جماعة من الفصاميين، أو في أحسن الأحوال جماعة من القاصرين، يباركوا لمن يقهرهم تسلّطه في صناديق الاقتراع، ثم يطالبون فيما بعد بمن يأتي ليرفع عنهم حيفه و ظلمه.



المغاربة لم يدخلوا بعد زمن السياسة، لأنهم مازالوا غارقين في التصور “الخلاصي” و”النبوي” عن الفعل السياسي وعن شخص القائد، لم يفهموا بعد معنى صناديق الاقتراع و جدوى الانتخابات و قيمة المبادرة الحرة المدنية، ما يزالوا حبيسي سياسة انتظار “المهدي المنتظر”، ما يزال الأمر عندهم متعلقا ب”شخص” استثنائي يمتلك قوى خارقة هو الذي سيأتي فيرفع عنهم الحيف ويلج بهم أفق الخلاص. أغلب المغاربة في العمق لم يفهموا بأن التاريخ قد تغيّر، وأن زمن المعجزات قد ولّى، و أن أنبياء الخلاص قد انقطعوا، ولم يعد بمقدور شخص واحد، مهما بلغت قوته و حسنت نيته، أن يأتي لوحده، كما سيدنا علي في الأزليات، بسيفه “ذو الفقار، الذي يقطع في كل ضربة ألف رأس” “فيقتل” الأشرار ويملأ الأرض عدلا، بعد أن امتلأت جورا. وتصورهم الخلاصي هذا عن السياسة هو ما يفسّر مثلا ميلهم الفطري لتزكية الأحزاب الإسلامية، لأن هذه الأحزاب تمتح من نفس الروح، و تخاطبهم بنفس المنطق، منطق “الخلاص” والمعجزة والمهدي المنتظر.


و أنا أستقل سيارة أجرة منذ أيام في مدينة الدار البيضاء، سمعت حديثا بين السائق و أحد الركاب. كان مدار الحديث، كالعادة، حول مشاكل المرور و الطرقات والاكتظاظ و فساد الأجهزة الوصية في الدار البيضاء. تحدث السائق فقال : إن الدار البيضاء لا تكون على ما يرام إلا حين يأتي إليها الملك، حينها يكون البوليس و المسئولين مضطرين للقيام بعملهم، لأنهم يعرفون أن “القضية حامضة”؛ فما كان من الراكب – الذي بدا، بحسب بذلته الأنيقة و الملفات التي يحمل بيده، رجلا متعلما – إلا أن أجاب : “الأمر طبيعي، فالملك كالأستاذ، إذا حضر انتبه التلاميذ و التزموا، و إذا غاب، فمن الطبيعي أن يشاغبوا يتهاونوا“.


إلا أن ما فات صاحبنا المتعلم هو أن الملك ليس أستاذا، و المواطنين ليسوا تلاميذ، بل هم شركاء في عقد اجتماعي و سياسي تضبطه حقوق وواجبات، أو هذا هو المفروض، ويوم ما سيفهم المغاربة ذلك، ويتحرروا من هذه الروح “التلميذية” ليصيروا مواطنين “بالغين”، حينها سنلج مجال السياسة، ولن نحتاج حينها – ربما- لحضور الملك “شخصيا”، أو أن يتصرف كأستاذ، حتى تستقيم أحوالنا.

‫تعليقات الزوار

6
  • hassia
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:31

    pour sauver le paysage politique au maroc,l,intervention du ROI ne doit pas se laisser attendre de proposer un seuil de scrutin d,au moins 5%pour acceder au parlement et chambre des representants et en finir avec ce BAZAR des partis,il n,est pas normal qu.un parti avec un score de 1%sinon moins merite de representer les citoyens et l,etat ,c,est croire au pere noel,par contre cela encourage les votes tribales,familiales et clienteles pour leurs interets personnellles,laissant les fonds des problemes du royaume a la marge,comment peut on parler de democratie s,il n,existe meme pas au sein des partis qui pretndent nous representer,ou chaque membre ne pense qu,a ses ambition et sa part du gateau,au lieu de servir le peuple,s,il n,arrive pas a cause de rivalite ou mesentente,donne naissance a un nouveau parti sans exce de poids et broiller le ciel politique,augmenter le seuil est sauhaitable,ces petits leaders n,ont qu,a se fusionner et trouver un compromis dans leurs programmes,sinon le maroc ne fera que des pas en arriere,les progres tant attendu ne verront jamais le jour,les medias comme la presse doivent eclairer,expliquer aux citoyens les lois de votes,les voix donne pour ces petits parti qui peuvent rien changer sur le terrain sont des voix jete par la fenetre

  • Ahmed Sweden
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:35

    هذا الموضوع يشمل فكرة هامة لها أبعاد و مدلول في الفكر السياسي ألا وهي العقد الإجتماعي. فالفلسفة السياسية تقول: بأننا كمواطين لنا عقدا إجتماعيا مع الحاكم والحكومة. فالحاكم في المغرب هو الملك يحكم حسب صلاحيات الدستور وله صلاحيات أخلاقية تجاه البلد والمواطنين بحكم البيعة الشرعية وتقاليد الشورى.أما الحكومة فلها دور التدبير ومسؤولة أمام البرلمان الذي يهتم بقضايا المجتمع. المشكلة تكمن في فهم مفهوم السلطة وإنني أرى أن بعض المسؤولين يسيؤون إستخدامه. وهذا هو مصدر البلاء والفساد الإداري والإجتماعي. فالمعلم والطبيب والشرطي والعامل والوزير والبرلماني مسؤولون أمام ثقة العقد التي يمنحها المواطن في الإنتخابات. نمنح أصواتنا لحمايتنا إجتماعيا و أمنيا. نتمنى أن تكون العدالة واضحة اتجاه كل من يسيئ إستخذام السلطة في غير محلهاوأن يعاقب حسب القوانين ويكون عبرة لللآخرين. أما أن أسرة واحدة هي “آل الفهري” وأنها تملك كل كل أمورالدولة. فأتساءل: هل رأساء المجالس البلدية و العمالات كلهم من آل الفهري? هل البرلمانيين كلهم من آل الفهري? هل كل اللصوص في الإدارات الإجتماعية من آل الفهري? هل كل من يحتقرون المواطن في الإدارة أو السفارة المغربية كلهم من آل الفهري??
    يجب أن نكون واضحين فالسلطة يمتلكها كل من له عمل في الإدارة وهو مسؤول عنها. الكاتب يقول بأن “المغاربة لم يدخلوا بعد زمن السياسة” وما “يزالوا حبيسي سياسة انتظار “المهدي المنتظر”. إذا كان الأمر كذلك فهذه كارثة سياسية. أتمنى أن نتجاوزهذه الذهنية بالمسؤولية.أتفق مع الكاتب بأن بقايا “الذهنية الفصامية” مازالت تحكم بعض العقليات التي يصعب عليها هضم أليات التغيير في المجتمع المغربي. نعم هناك عقليات إنتظارية تنتظر إلى حين يأتي إليها الملك حينها يكون البوليس و المسئولين مضطرين للقيام بعملهم. وهذا مرض عضال يأخرإهتمامات التحول الساسي الوطني ويكرس ثقافة التسويف والتهاون. يجب أن تصدى لهذا المرض الذي ينخر المجتمع كالسرطان بالنقد الديموقرطي ومحاكمة أعداء العقد الإجتماعي بالقوانين.

  • متامل
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:41

    رغم ماجاء في مقالك من كلام حق فهو لا يخلو من جعجعة لرحى ليس بها طحين . حينما تتجاهل ثقل الارث الاسلامي وتمسك الشعوب به فتستخف بهذا وتنعت الشعب بالسلبية اكثر مما يستحق فانت مخطء.فالانتظار من باب ان يأتي اليها من هو اهل لها بدون خدش….غير اسمك يا عادل

  • الرايس
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:37

    هي انتظارية قاتلة…ربما تجارب الانتفاضات السابقة كانت مؤلمة مكلفة و جد محبطة، فكانت كافية لكي ينطوي المجتمع على نفسه و يستسلم لجميع الموبقات اللتي تمزقه اليوم. هذا كله و الجيل الثاني و الثالث من برجوازيتنا المجيدة تتمرغ في بحبوحة عيش من اموال الشعب المنهوبة على امتداد خمسين سنة.

  • Haytam
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:39

    لا أعرف لماذا إدخال الدين في المشكلة ومن قال بك أن الناس بنتظرون المهدي المنتظر أو ينتظرون أمثالك الناس يعيشون أقدارهم بعيدا عن تحليلاتكمأكبر المتخلفين أنتم لأن الآخر ربما لم يقرأ على هيكل ولا العقد الاجتماعي أناس عاديين يا رجل احترموا أنفسكم واحترموا عدم وعي الناس

  • شواف
    السبت 24 أبريل 2010 - 00:33

    السلام عليكم
    الحقيقة انني اقرأ في الصور ما لا يقرأه العامة فمثلا اقرأ في صورة المتوفى الحسن الثاني حين كان عمره في العشرينات اندفاعة وصولة استكبار محمد على الملاكم الذي كان يقول لا يقهرني احد ولكن اقرا في صورة هذا الكاتب غيابه عن نفسه وعن الواقع فعيناه توحيان بأنه لا يعيش في وافع افتراضي يريد ان يفهمه الناس ولعله هو شخصيا لا يفهمه ولعل الابتسامة المرسومة على خده بعد محاولات ومحاولات تمكن من رسمها وفي ابتسامته ترى تكلفا وشده في صنع هذه الابتسامة
    والحقيقة اضنه يقرأ كتبا كثيره من النوع الافتراضي او المثالي الخالي من الحس والنغم بل كله كلمات فلسفية جعلت وجهه صلدا
    انصحهه بمراجعة مايقرا واليقرا
    الذر المنثور او كتاب الفوائد لتلميذ ابن تيمية او يقرأ مجلة سيدتي نكتة

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين