مجتمع الأنا

مجتمع الأنا
السبت 24 أبريل 2010 - 01:07


كل يقول نفسي ، كل يبحث أين مصلحتي ، كل يردد : أنا وبعدي الطوفان . مجتمع فقد مقومات الحياة الاجتماعية المستقرة الآمنة ، الغني لا يعترف بحق الفقير ، و القوي لا يكترث لحال الضعيف ، وذو المسؤولية مترفع عنها لتواجده خارج دائرة من هم يعانون وآهاتهم مسترسلة، و التسابق نحو المقدمة بالطرق غير المشروعة آخذ مداه .


في مجتمع الأنا بسطت الأنانية نفوذها على الأفراد ، صار كل واحد منهم لا يفكر الا في نفسه ولا يشعر الا بها ولا يتصرف الا وفق ما يتناسب و انتفاعه الشخصي . كل فرد يركز اهتمامه على ذاته فحسب ، لا يهم أذية الغير ولا الحاق الضرر به ما دامت المصلحة الذاتية ستتحقق و الغرض الفردي سيقضى . خصلة الإيثار اندثرت ، معالم الاحساس الراقي الذي يجلب السعادة الروحية انمحت ، الغيرة المحمودة بين الأفراد قتلت والأنا علا صوتها فداست على من سواها وحرمت الآخرين أشياءهم التي يمتلكونها وهي تنزعها منهم حتى وهي ليست في حاجة اليها ، فقط ارضاء لغرورها وكبريائها وتغذية لهواها ونرجسيتها .


حظ هذا المجتمع من كلمة * مجتمع * الاسم فقط ، فحق الجماعة فيه مهدور ، والاحساس بمعاناة الآخرين معدومة ، والاتحاد و التضامن من أجل صنع قرار أو بلورة فكرة تعود نتائجها بالايجابية على عموم الناس أضحى من المستحيلات .مجتمع متفكك بنيانه غير متماسك ، تقطعت الروابط بين أفراده وتحولت العلاقة بينهم الى علاقة تنافسية بطابع شرس عوض علاقة تكاملية بصيغة سلمية الهدف منها السمو بالحياة الاجتماعية واقصاء الأنا المتمردة . مجتمع هش ضعيف لم يعد يقوى على النهوض و مقاومة الركود ، العداء منتشر بين الناس ، الكذب و الحسد والكره و الخداع و الطمع و النصب وحب الصعود على أكتاف الغير و..و.. معيقات مصدرها حب الذات وتفضيلها على كل الكائنات ، وليست كل الأنا مذمومة ، بل هناك حد مسموح به طالما فيه احترام لوجود الغير وعناية بكينونته وأخذ بنصحه وتوجيهه وارشاده ، حد من خلاله تبرز شخصية الفرد الخاصة المستقلة عن البقية ، حد يمكن الفرد من تسلق سلم التميز في أسلوب التفكير و التصرف و المشاعر التي لا تضر بمصلحة الغير ولا تتطاول عليها بشكل أو بآخر . فالقدر القليل من الأنانية مطلوب في حياتنا و التخلي عنه بصفة نهائية فيه انكار لحضورنا وفتح لباب التبعية و التقليد الأعمى الذي لا يجب ان يكون ، كما ان تجاوز الأنا لحدها الطبيعي يحولها الى معضلة يتحتم الاسراع لمعالجتها لكونها تؤطر الفرد في خانة معزولة عن اللآخرين لا يرى فيها الا ذاته ولايستمع الا لصوت نفسه ولا يقتنع الا بفكره الذي يفرضه على الآخرين كلما سنحت الفرصة معتقدا انه الصواب دائما وغيره المخطئون باستمرار .


فالانسان الأناني يرى كل من حوله عبيد وخدم عنده ، يغيب عنه انه لولا أولئك الذين يحتقرهم ويرميهم بالسخرية والاستهزاء ويكره مشاركتهم له الحياة ، لولاهم لمل وتعب وعجز عن القيام بأبسط الواجبات اتجاه ذاته التي يمنحها الكمال والكمال في الأصل لله تعالى تعالى وحده ، اذ قبل أن يستصغر الغير في أعينه كان عليه أن يستصغر نفسه ويجعلها تندمج مع الاخرين ليكونوا سويا خلية شبيهة بالشمعة التي تحرق نفسها في سبيل أن تنير الطريق لعموم الناس .


نخلص للقول الى أنه لا مكان للأفضلية المجانية بين أفراد مجتمعاتنا ، الأفضل فينا من يستخلص المفيد من آراء الجماعة ويأخذ بالأصلح له ولكل الناس في آن واحد وليس الأصلح لنفسه ويقف ، دون ان يصغي لهم ويستفيد من وجهات نظرهم في كل الظروف.

‫تعليقات الزوار

4
  • الجلخة
    السبت 24 أبريل 2010 - 01:11

    شكرا لصاحبة مدونة القلم البريئ
    المميزة بالمواضيع الاجتماعية
    الاستاذة اسماء التمالح .

    حب النفس رأس كل خطيئة
    والأنانية هي أساس كل بلاء ٍ يصيب الإنسان ونحن لا ننكر أن لا أحد في هذه الدنيا لا يجب نفسه ويسعى جاهدا لتحقق أهدافه ومآربه وطموحه ولكن ليس بخصلة الأنانية والكره والمصلحة الفردية وعلى حساب المجتمع فالأناني شخص مستقبل قليل الصحبة آخذ وغير قابل للبذل والعطاء ويصعب التعامل معه وارضاؤه من الصعوبات بل من المستحيلات
    عمر ابن الخطاب ينادي في الناس : الصلاة جامعة
    وكانت هذا النداء حين ذاك بمثابة صفارة إنذار فاما– نفير او عدوداهم او توزيع غنائم ….
    فاجتمع الناس واعتلى امير المؤمنين المنبر ثم قال:
    ما زلت أذكر يوم كنت رويعي((سارح )) الغنم …. أرعى غنيمات باجرة هي كف من التمر …
    فقال علي كرم الله وجهه الهذا جمعتنا يا أمير المؤمنين …
    فقال عمر: حدثتني نفسي بأني امير المؤمنين فأردت أن اذلها أمامكم .
    فهل من مسؤولينا اليوم من يفعلهاام ان شعارهم هو ما ردده
    أبو فراس في هذا المعنى:
    “معللتي بالوصل والموت دونه
    إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر”

  • morad
    السبت 24 أبريل 2010 - 01:13

    مقال أكثر من رائع تم فيه تشريح مجتمع اللامبلاة بطريقة ممتازة,فحتى هاته الصحوة الدينية للأسف لم تغير كثيرا من هاته السلوكات فقد اهتمت بالمظهر أكثر من الجوهر.يقول الله سبحانه و تعالى:”لاخير في كثير من نجواهم,إلاّ من أمر بصدقة أو إصلاح بين الناس”.صدق الله العظيم

  • dalia
    السبت 24 أبريل 2010 - 01:15

    شكرا اسماء على الموضوع الرائع
    واقول لك شئ أهلا بك فى عالمنا اليوم
    عزيزتى الجميع اصبح يدور على مصلحته والانا الخاصة به فقط ولا احد بيعرف واجباته الكل فقط بيدور على مصلحته والله يعينا على العيش فى الدنيا دى لانها اصبحت غريبه جداااااا

  • عبد القادر
    السبت 24 أبريل 2010 - 01:09

    لا أعتقد بأن الأمر يتعلق بمجتمع الأنا بقدر ما يتعلق بمجتمع الأمراض العقلية. من ينكر بأن تصرفات غالبية الناس تفضح بأنهم يعانون من عقد و أزمات نفسية و اضرابات و أمراض عقلية. أما الأنا فتبقى مجرد مؤشر يدل على وجود تلك العقد و الاضطرابات العقلية. الإنسان العاقل المتزن يعيش حياة عادية و يتصرف بعفوية دون تصنع أو نفاق، و يتسم سلوكه بالإستقامة و التواضع و الأخلاق الحميدة. أما أصحاب الأنا خاصة تلك المتضخمة فهم يتصرفون بكثير من الوقاحة و الغرور و التحايل حتى على أنفسهم، لأنهم يكذبون على أنفسهم و يصدقون الكذبة. باختصار، عندما يبدأ المرء في عبادة المال و تقديم القرابين طمعا في تسلق درجات مجتمع المادة، فإن شعلة الإيمان تنطفأ و يحل محلها الظلام، لهذا فنفس الأناني مظلمة و باردة و مآلها النار و ليس النور.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة