مول الحانوت بين مطرقة الشركات وسندان الرخص

مول الحانوت بين مطرقة الشركات وسندان الرخص
الأربعاء 14 ماي 2014 - 18:21

بكل الصدق الذي أعتقد أنني أمتلكه وتزامنا مع إختمار فكرة الشراء الجماعي لدى مجموعة من التجار كخطوة لابد منها لردع الجبروت الذي مافتيء يطغى على المعاملات النتنة لبعض الشركات ، وإنطلاقا من الخمسة وعشرين سنة من الدْراز التي قضيتها خلف كونطوَار الحانوت ، وإنسجاما مع الواجب النقابي الذي يحتم علينا مساندة المنتسبين إلى القطاع التجاري والمهني عند أي إخلال بحقوقهم ، وترسيخا لمبدأ التكافل المنوط بنا التّخلق به ، وتأييدا

ومساندة لشريحة من المواطننين تقع تحت وطأة الظلم وتُكابد أضرارا جماعية ، وصدّاً لمكروه الحيوف التي نشهد شيوعها وتفاقمها ، وتنويرا للرأي العام ، وتعاونا مع كل الضمائر الحية ، والقائمة تطول . لكل هذا القاموس من الدوافع أجد نفسي على ذات العهد مُجبرا على نجْر قلمي ليلبث رصاصه مُسنّنا ، وإن كان يُنظر لدخيرتي على أنها بالكاد سخرية ، فكم من الطرائد تتهاوى لِطلقةِ لسانٍ بارودُه الحِكَمُ .

من جملة طرائف قدماء التجار المتداولة بين خلفهم المهدد بالإبادة والآيل إلى الإنقراض ، موعظة ( هاكا فلوس أتاي وعْقال على القالب ) . وهي موجهة بالخصوص الى المبتدئين منهم في أوائل لحظات إحتكاكاتهم بالزبون ، لأجل نهْيِهم عن ارتكاب معصية الكْريدي تخليدا للشعار الصّوري (ممنوع الطلق والرزق على الله ) .

هذا قبل أن يسقط البقال نتيجة سريان مفعول القالب بالضربة القاضية بين ثنايا كناش أوله شهامة وآخره ندامة ، وكل المحكومين بالعقوبات الحبسية القابعين في زنازن الدكاكين يدركون تماما العلاقة المصيرية التي تجمع بين الباكية ديال أتاي والقالب ديال السكار في الموروث المعيشي ، إذ تُعتبر من المكونات الأساسية في تركيبة المغاربة على مناحٍ عدة ، يتجلى شقها المادي كمشتل خصب في إنبات الثروات من بذور المال السائب تحت مسميات فضفاضة ، منها مخطط البون سيء السمعة ، هذا الذي أسال الكثير من لعاب سماسرة الأزمات من جهة ومن جهة أخرى الكثير من عرق المسهلكين ، فكان بينهما مول الحانوت بقدر ما تتعصر الظروف بقدر ما يغوص هو في وحل الميزيرية ، إذ كان و لا يزال بالأساس يعتمد على التقشف للحفاظ على التوازن في الحي الذي يشرف على تموينه ، مُقدما مصالح الكليان على أولوياته .

ففي كل العصور والأزمنة يستحيل أن تعثرعلى تاجر لايقيم لمنطق الربح والخسارة وزنا ، إلاّ أن النسب كما لا يخفى على الجميع تظل متفاوتة تتراوح بين الدسمة والهزيلة إلى المنعدمة ، تُغدّي تقلباتها أجواء السوق المندرجة حسب القياس المفاهمي للأباطرة في نفس سياق أجواء الحظيرة ، تطورت بفعل التكيّف مع التغيرات المزاجية إلى حد إعتبارها منطقة نفوذ تسمى لذى أهل التشرميل ب ( مرارة البزناس ) .

تعددت الأسباب ولكن الموز واحد ، في اللبّ لذةُ طعم وبالقشرة مطبّ لغم ، والحصيلة دوما أن هنالك جزء بغدقِ البواطن يَنعَم ، بينما الأجزاء الأخرى تؤدي ضرائب كارتية على المعالم ، نجم عنها ما نجم ، ليظهر الأمر طبيعيا يوم سنلقى على أرصفة الشوارع كما هو كل شيء معروض للبيع إلى جانب الشاي والزيت قوالب السكر . فقد تدهورت أوضاع التجار الملتزمين إلى الدرك الأسفل من الحضيض ، وسيق الذين كفروا بهذا الباطل إلى الإفلاس زُمرا ، سيما بعد شيوع آفة الفرّاشة والباعة الجائلين على إثر موجة الربيع العربي التي إكتسحت بلدانا بعينها ، مرفوقة بجراد ينخر هياكل المؤسسات ويأتي على أخضرها ويابسها ، فكان الإرتباك سيد الموقف في أواسط شعوب ملت القمع ورفست القمح ، حتى أنه عندنا وحسب تصريحات رسمية قد أصبح المغرب يعيش فوق طاقته ، إذ تجاوزنا كل الخطوط قزحية الألوان وأصبحنا نقترض من أجل الإستهلاك .

هي إذن الأزمة قد دفعت بمجالس المدن والجماعات إلى حد العجز عن الوفاء بأدبيات التدبير ، ولَما ساهم مول الحانوت في تهدئة الأوضاع بتعاون معهود ونكران للذات جُبل عليهما كواجب وطني دأب وأسلافه من المقاومين على الإمتثال له عبر أبرز المحطات التاريخية ، آخرها تجاوبه السلمي مع ظاهرة الفرّاشة ، جوبه باللامبالاة واليوم يُمارَس ضده التضييق بإثارة بدعة الرخص عوض الإلتفات إلى معاناته ، كما تُرك أمام واقعة تحولت من مجرد نزوة إلى شبه غزوة والطايح أكثر من النايض ، رغم أنه على الأقل مع هذا الكائن التجاري لن يَعدَمَ المرء منا ما يسد به الرمق عند قحطٍ يصيبُ الميزانية ، مصداقا لما جاء في نكتة تحكي أن موظفا بسيطا بالكاد يغطي راتبُه المصاريفَ الأساسية ، كان كلما ضرب الأخماس في الأسداس تعود به الدوائر إلى نفس الخيبة ، فحصل أن إحتار لأمره الخبراء إلى أن سأله ذات يوم أحدهم : – بالله عليك ماذا تأكل ؟ فكان الجواب تلقائيا : – مول الحانوت .. فهل تتدرّع السلطات هي الأخرى بالرخص على إعتبار أن هذا الكائن لقمة سائغة في متناول الجميع ؟

نتمنى على إخواننا التجار أن يرقوا إلى درجة الوعي المناسبة لإدراك أبعاد المخططات المصيرية ، والتفنن في إنتقاء القرارات الإنسيابية التي تُترجم مدى تعلقنا بالمرونة العقلانية التي نُناضل من أجل تفعيلها كمؤهلات لم نكتسبها من فراغ ، لأن ما يروج في الكواليس من قبيل التفكير في الإنتقال بتجاراتنا من الدكاكين إلى العرض المباشر في الشوارع قد يزيد الطين بلة ، هذا وأن مقايضة العبث بالعبث كمواجهة النار بالنار ، ما من شأنه أن يستدرجنا إلى دائرة مغلقة ملئى عن آخرها بقشور موز إستُهلك لبه .

شخصيا أنا العبد المدنب الذي قضى ربع قرن من الزمن في ممارسة التجارة صنف مواد الغدايد ، لن أفوّت هاته الفرصة كي أصرح أنه طيلة السنوات الأولى من الجد والنشاط ، ظل يراودني حلم إستعصى عليَّ تحقيقه مع رفاق الأمس ، ويتلخص في إنشاء مجموعة مقننة ننضَمّ إليها سويا ، كلٌ حسب طاقته وحجم وعائه التجاري للظفر بأجود أسعار التبضع من الشركات المنتجة آنذاك ، عوض التعامل مع المحتكرين كل على حدى .

تصوروا لو كنا قد شارفنا اليوم على بلوغ مرحلة التفاوض مع الشركات على المستوى الإقليمي مثلا ، فهل يا ترى كانت المراكز التجارية ستنتشر بدون وجه حق كالفطر بين ظهرانينا ، شأنها شأن شركات التوزيع التي باتت تُلاحق المستهلك في عقر داره ؟ أوَلم نكن لنتخطى اليومَ لو تحقق الحلم مرحلة التسويق ، لنراهن على المساهمة بالرساميل في عمليات الإنتاج وبالتالي إمتلاك أسهم لا يستهان بها في حصص شركات مرموقة ؟ ماذا لو إستجمعنا قوانا بالطرق المشروعة ونظرنا إلى الأمل بعيون مِلؤُها التفاؤل لِما تستدعيه اللحظة من إلتحام وإستنهاض للعزائم ؟ أسئلة لن تعدَمَ من تجاوب كوننا نضع دوما وبدون شروط المصلحة العليا لهذا الوطن فوق كل إعتبار .

لكن بالمقابل ما الجدوى من كل هذا وبماذا يفيدنا أن نتحسر مؤخرا على تفويت حصص من شركة كوسومار الخاصة بإنتاج السكر في المغرب إلى شركة أجنبية ومستثمرين مغاربة فيما يشبه مجازا لازمة ( هاكا فلوس أتاي وعْقال على القالب ) ؟ ألم يكن الأولى أن يغنم التجار ولو عضّة من هذا الفكرون ، بدل الخوض في متاهة فلتان إداري حاصل ، مَثله كمَثل لغز الدجاجة والبيضة ؟ شكون سْبق الحانوت أوْلاّ الرخصة ؟

‫تعليقات الزوار

4
  • الدا برايم
    الخميس 15 ماي 2014 - 00:50

    ازول استادي .. قبل كل شيء نسيت ان عائلة مول الحانوت التي غالبا يتركها في اعماق المغرب غير النافع تعيش في الحضيض لا تعليم و لا اي شيء لاولاده اقول لا ايء شيء حتى الملابس نادرا ما يشترونها ليصبحوا عبارة عن جزر من الرقع متحركة. بينما ينعم العرب في الاحياء بمول الحانوت موحماد الدي يكون موسخ و صقرام و الشلح حتى مع للكريدي يتنعمون باكل عرقه غالبا ترحل الاسر تاركة لموحماد الامازيغي اوراق ممتلئة بحسابات و هو النائم في الحانوت المستيقظ فجرا و النائم اخر الليل .. و قد نسيت ايضا مقولة لا احد الاعراب بين اخوانه عندما تهكم على العرق الاخر وبخله لمادا لا تكتب انداك الا تعلم ان تلك الشركات و رؤوساؤها هم من جماعات الرحل الجدد لا يتعلقون بالارض متل موحماد الامازيغي بل يتعلقون باي ارض كانت المصلحة لا غير و شركاتهم هي المواشي التي تاكل خيرات البلاد و العباد عندما يفيق و يعيق الامازيغي البسيط ليعرف كيف انه اخطاء الصندوق و جلس على القال. وحدها الحركة الامازيغية هي منقدكم لا النقابات و لا غيرها فكونوا مع اخوتكم الامازيغ و لا تتعلقوا باوهام

  • a 3aoune rabi
    الجمعة 16 ماي 2014 - 15:57

    أتمنى أخي أن تتحدوا لتنظيم قطاعكم والدفاع عن مصالحكم أنتم تعملون كثيرا ولساعات طويلة إتحدوا لتقفوا أمام قوانين لا تخدمكم وكفى من تهميشكم إتحدوا لمواجهة زحف المراكز التجارية للتماسيح التي ستقضي على نشاطكم وتشرد العديد من الأسر تنتظر ما يرسله الأب أو الأخ إتحدوا فالإتحاد قوة لتكونوا قوة للتصدي لمن يريد القضاء على تجارتكم وتعويضها بالمراكز التجارية أسلوبك جميل يظهر من خلال حملك لهم ممتهني التجارة بالتقسيط

  • mohajir
    السبت 17 ماي 2014 - 15:45

    salam 3laykom.
    اخي الكريم اتمنى ان لا يحدث ما وقع هنا باسبانيا عندما دخلت في الاتحاد اووربي1986.واجتاحت المراكز التجارية الكبرى كل قرية و مدينة,و لم تسطع الدكاكين الصغرى المنافسة.فلم تجد سوى خيارين اما ان تغير نوع الخدمة للزبون,فهناك من تحول الى بائع فواكىه.او ان تسد.الان 2014 اندثرت99% منها بشكلها القديم.

  • houssa
    الأحد 18 ماي 2014 - 00:52

    شكرا لكل مول الحانوة في جميع الاحياء الشعبة مول الحانوة كان ومازال يلعب دورا في المساعدة الاجتماعية دلك بمساهمته في حل المشاكل الاقتصادية لبعض الاسر حين يستعصي الامر عن رب الاسرة فانه يلتجأ الى مول الحانوة ويقتني مايحتاجه من مؤونة دون دفع ثمنها وبدون ضمنات حتى يجد حلا فيؤدي ما بدمته ان كان يخاف الله طبعا ، عجيب امر الناس كان يقف امام مول الحانوة يقول:قالت ليك مي عطيني د قيق وزيت واحد الستيلو ازرق حتى يجي ابا ،وطبعا الان كبر وتوضف و اصبح ياخد سيارته ويدهب الى ما يسما الاسواق الممتازة
    مول الحانوة ساهم في وجود حل لزبناءه ولان اصبح وحيدا يتخبط في مشاكه في راي لو تكونت جمعات اصدفاء مول الحانوة وتحارب التجارة الغير المتكافئة اي ان فلوش الشعب اصبحت تصب في الاسواق الكبيرة وبالتالي تصب مباشرة في جيوب اصحاب الكروش الكبيرة

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين