إفلاس الفلسفة بين أيدي المتفلسفين العرب

إفلاس الفلسفة بين أيدي المتفلسفين العرب
الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:31

“الفلسفة الحقيقية تَسْخَر من الفلسفة [السائدة]!” (“بليز ﭙسكال”)


من الشائع بين عامّة الناس أن “الفلسفة” ليست سوى “ثرثرة” (كثرة كلام) أو “لغو” (كلام بلا فائدة ولا معنى) أو “تعقيد وتكلُّف” (تعقيدٌ للبسائط ولُزومُ ما لا يَلزم)، مما يجعلها في أَعيُنهم مجرد “مَضيعة للوقت” بحيث تتحدَّد كممارسة نظرية و/أو عملية بلا جدوى. لكن قَبول هذا المنظور العامّيّ (والموقف المترتب عنه: رفض “الفلسفة”، بل تحريمها) يقود إلى جعل “الإنسان العادي” نفسه أكبر المشتغلين بـ”الفلسفة”، إذ أن “الثرثرة” و”اللغو” و”التعقيد” من لوازم الحياة اليومية لدى معظم الناس الذين نجد بينهم أشد “الثرثارين” و”اللَّاغِين” و”المُتكلِّفين” على نحو يُؤكد أنهم لا يحرصون على شيء بقدر ما يحرصون على تضييع الوقت من خلال تعاطي كل ما يُسلِّي ويُلَهِّي، بحيث تَثبُت جدوى “الفلسفة” بما هي “مَضيعة للوقت” فتدخل، بذلك، ضمن اهتمامهم اليومي! غير أن العجيب هو أن المرء لن يَعْدَم بين المُنتسبِين إلى “الفلسفة” (“أدعياء التفلسف”) من يأتي تفلسُفا هو أقرب، بالتأكيد، إلى “الثرثرة” و”اللغو” و”التعقيد/التكلُّف” من حيث إن هناك كثيرا من “المُتفلسفين” يَستغلُّون ما تُحاط به “الفلسفة” الصناعية من صُنوف “التعقيد” و”التكلُّف” و”التعمُّق” فيأخذون في ممارسة نوع من الكلام النافِل والباطل والمُستغلِق!


وعلى الرغم من أن واقع الممارسة الفكرية بالعالم العربي-الإسلامي يشهد بأن كثيرا من المُتفلسفة ليسوا سوى أدعياء للتفلسف، فإنه ليس من الصعب أن تجد بينهم من يَظُنّ (أو يُظَنّ به) أنه يُضاهِي، بل يَبُزّ عُظماء الفلاسفة المعروفين في الماضي أو الحاضر (مثلا: أفلاطون، أرسطو، ديكارت، كنط، هيغل، نيتشه، هُسُّرل، هيدغر، فتغنشتاين، راسل، هبرماس، ﭙـوتنام، رُورتي، تيلور). تُرى، ما حقيقة “التفلسف” العربي المعاصر وما مقامه في العالم الحاضر؟


بعيدا عن أسطورة أن “الفلسفة” لا تَقبل التعريف بدعوى أن “السؤال عنها” يتحدَّد كـ”سؤال فيها” (فيصير بذلك مُقَوِّما أساسيا لها كما يُؤكِّد كثير من الفلاسفة)، يُمكِن (ويجب) أن يُنظَر إلى “الفلسفة” بصفتها «ﭐشتغالا خاصّا بكيفية الانتقال من حال “الغَفْلة المُطبِقة” إلى حال “اليقظة الشاملة”» على نحو يجعل “التفلسُف” يتحدَّد أساسا كـ«سعي لتحصيل أكبر ما يُمكِن من “التَيقُّظ”». فإذا كان “الإنسان العادي” غارقا (أو مُغْرَقًا) في خِضَمّ مُجريات الحياة اليومية ومَطالبها بشكل يُورِثُه “غَفْلةً” تُبعِده عن التفكير في حقائق الأشياء بهذا العالم، فإن “الفلسفة” ما فَتِئت تُحدَّد كـ”دهشة” (أو “تعجُّب”) و”شكّـ” (أو “ﭐرتياب”) و”ﭐهتمام قَلِق بالوجود” (اهتمام بوجود الذات ومكانتها في هذا العالم)، بحيث يكون “المُتفلسف” ذاك الشخص الذي يَملِك أن يندهش مُتعجِّبا فيتساءل مُتشكِّكا (في قُوَاه ومُدركَاته) ويَقْلَق، من ثم، لِيهتمّ بوُجوده الخاص ضمن الوجود العام. ومن البَيِّن أن هذه هي حال من أمكنه الخروج من “الغفلة” التي تجعل الناس، عادةً، مُتبلِّدي الأحاسيس كأنهم لا يشعرون، حيث إنهم يستسلمون لمعطيات “الحس المشترك” كبداهات يقينية، فلا تكاد تَراهُم قلقين جدّا بشأن وجودهم في ذاته ومقامهم بين أشياء وكائنات هذا العالم.


لذلك، فإن “المُتفلسف” لا يَرْكَن إلى “المألوف” و”الشائع” كما يفعل “الإنسان العادي”، بل يَجِدُ في أحقر وأتفه الأمور ما يُثير أكبر دهشة ويدفع إلى أعمق تعجُّب. فما يبدو واضحا وبديهيا في الاستعمال العادي لا يكون كذلك في نظر “المتفلسف” الذي يَلمَس فيه من “الإشكال” (أي “الغُموض” و”الِالتباس”) ما يُحَرِّكـ في نفسه أكثر من سؤال، بحيث إذا كان “الإنسان العادي” يَستسهلُ الأمور فيَقبَل كل ما يُعطيه إياه “الحس المشترك”، فإن المتفلسف يجد نفسه “يستشكل” باستمرار “مُعطيات الحواس” ويُراجِع “الفِكَر الشائعة” ليكشف تناقُضها ويُبيِّن خُلُوّها من الِاتِّساق وعدم كفايتها المعرفية، باحثا بذلك عن فهم يتجاوز “الظاهر” و”المألوف” و”بادئ الرأي” حتى على مستوى الاستعمال اللغوي السائد.


ومن ثم، فإن ممارسة “السؤال” (كتعجُّب دائم واندهاش شامل) تجعل “التفلسف” يتحدَّد أساسا كـ”ﭐستـ-ـشكال” (« problématisation ») يقود إلى بناء ما هو “عادي/مألوف” أو “واضح/بديهي” في صورة ما هو “مُشكِل” أو “إشكالي” (« problématique »)، أي له أكثر من وجه ويَقبَل أن يُنظَر فيه من أكثر من ناحية (يَحتمِل إمكانات متعددة من الإجابة)، مما يجعله شديد الصعوبة ويُبقِيه موضوعا للتساؤُل. ويتم “الِاستـ-ـشكال” (كمُراجعة للمعتقدات الراسخة لِاطِّراح الأحكام المُسبقة وإعادة النظر في “الفِكَر الشائعة”) بقصد “طلب الفهم” من خلال “بناء المفاهيم” وتحديدها (“الِاستـ-ـفهام” بالمعنى الحقيقي)، أي أن طلب إزالة الغُموض والِالتباس يصير طلبًا لبناء مجموعة من الأسئلة الأساسية والمترابطة التي تتحدَّد بأنها ذات “طابع إشكالي” (أي أنها تَتَّسمُ بـ”الإشكاليّة” [« la problématicité »])، والتي تُبَلْوِر -بكل صفاتها تلك- في ذهن ونفس المُتفلسف “مُشكِلًا” أو “مُشكِلة” (« problème ») يُحْتَاج إلى تناوُله (أو تناوُلها) بشكل منهجي يأخذ بعين الِاعتبار “الطابع الإشكالي” (« problématicité ») الذي يجعله (أو يجعلُها) يتحدّد/تتحدّد كـ”إشكال” حول موضوع ما وخاصّ بمجال مُحدَّد (“إشكال” في مقابل اللفظ الفرنسي « une problématique »، وهو اللفظ الذي لا نحتاج في نقله إلى تأنيثه كما شاع بين الناس، وإلَّا لَـﭑنتقلنا إلى المعنى الآخر:” “إشكالية” بمعنى “الطابع الإشكالي” المُميِّز لشيء ما).


إن “الِاستـ-ـشكال” كمُساءلة نقدية ليرتبط بـ”طلب تحصيل الفهم” الذي يقود إلى الِاشتغال بـ”بناء المفاهيم” كـ”استـ-ـفهام” (« conceptualisation ») يَنْصبّ على تحديد المُحتوى الدلالي والتصوُّري للكلمات كـ”فِكَر عامّة ومُجردة” تقبل أن تَأتلف (أو تُؤلَّف) فيما بينها لتركيب عبارات تَدخُل في علاقات ترتيبية وتراتُبية تجعلها في صورة مُقدمات تستلزم، على نحو معين، نتائج خاصة. وهذا “الترتيب” و”التراتُب” على مستوى “الفِكَر” (كمحتويات دلالية مُلازِمة لتأليف الجُمل وتنسيق العبارات كبناء مُترابط ومُحكَم) هو الذي يجعل “الِاستـ-ـشكال” و”الِاستـ-ـفهام” كليهما يَؤُولان إلى “الِاستـ-ـدلال” (« reasoning/raisonnement ») الذي هو “طلب/بناء الدليل” (خصوصا كـ”حِجَاج” بلاغي وخِطابي في اللغة الطبيعية « argumentation ») والذي يُعَدّ قِوام “التفلسُف” كتفكير عقلي يدور فيه الِانتقاد والِاعتقاد مع “الدليل” حيثما دار.


يتبين من ذلك أن “التفلسُف” عملٌ يَنهض بتحصيل “المزيد من اليقظة” من خلال الاجتهاد الجادّ والدائم في ممارسة ﭐستشكالية-ﭐستفهامية-ﭐستدلالية كفيلة بابتكارٍ مُستقِلّ لكيفياتٍ في الفكر والفعل جديرة بالإنسان ككائن مُتعقِّل ومسؤول. وتحديدُ “التفلسُف” على هذا النحو يقود إلى التساؤُل عن حقيقة ممارسته في المجال العربي-الإسلامي. فماذا نجد من ابتكار أو إبداع في “الإشكالات” و”المفاهيم” و”الأدلة” على مستوى خطابات وكتابات المُتفلسفين العرب و/أو المسلمين؟


لا يخفى أن ثمة صلة وُثْقَى بين “التفلسُف” و”اللغة”، ليس فقط من حيث إن ﭐشتغال كثير من كبار الفلاسفة كان تأمُّلا في وُجوه وشروط ﭐستعمال “اللغة” أو في إمكاناتها وحُدودها، وإنما من جهة كون “التفلسف” يتحدّد أساسا كممارسة ﭐستشكالية-ﭐستفهامية-ﭐستدلالية لا تَنْفَكُّـ عن الفَعَالِيّة اللغوية. وإذا كان هذا الأمر ليس بغريب، باعتبار أن “اللغة” جهةٌ أساسيّة من جِهات “الوجود” و”الفعل” الإنسانيين، فإن المستغرَب بالفعل إنما هو أن “التفلسف” العربي (أي الذي يستعمل اللسان العربي) ظل محكوما بنوع من التوتُّر والقلق في علاقته بلغة الاستعمال، إلى الحد الذي لا نَعْدَم معه أن نجد “المتفلسف” العربي يأتي -في معظم الأحيان- من أشكال التعبير ما لا يُستساغ في لُغته وما لا تكاد تُخطِئُه عين الناقد أو أُذنُه، مما يُؤكد بلا ريب ﭐستهانته و/أو عدم تَمكُّنه من اللسان المستعمل. ولعل أغرب ما يُمكِنُكـ أن تُصادفه، بهذا الصدد، أن بعض المُتطفِّلين على التفلسف صاروا يَتَّخذون من ضعف مَلَكتهم اللغوية في “العربية” موضوعا للتفلسف بشكل يُبْدِي، في الواقع، تَحذلُقهم ويُؤكد استخفافهم بهذه اللغة (والعجيب أنهما تَحذلُق واستخفاف سرعان ما يزولان حينما يُفرَض على أحدهم أن يُعبِّر بلغة أخرى، حيث لا يُتْرَكـ عادةً أي مُتَّسع لِأنواع التساهُل أو الاستسهال!).


وأكيد أن ظهور كون “التفلسف” أوثق صلة باللغة لا ينبغي أن يُفهَم كما لو كان يُعبِّر عن إرادة لإغراقه في أَوْدِيَة اللغة أو دَفْنه في كُهوفها، بل إنه ليأتي من أجل تفادي ذلك المصير المُحزِن الذي تؤول إليه أعمال كثير من المُتفلسفين الذين يَستخِفُّون باللغة المستعملة إلى الحد الذي لا يَعُودون معه قادرين على التمييز بين فوائد الكلام المستقيم وعيوب الكلام المُعوجّ، على نحو قد يُيسِّر لديهم الانزلاق إلى قَبُول كُلّ ما يُلقَى به إليهم من شبيه الكلام أو ما يُلْقُون به، هم أنفسهم، من عَواهِنِ القول. ذلكـ بأن تأكيد أن “التفلسف” إحكامٌ لِلُّغة يُعدّ، في الآن نفسه، تأكيدا لكون إحكام اللغة لا يكون من دون التحكُّم في ﭐنسيابها التلقائي أو جُموحها الطبيعي خارج كل ﭐنعكاسية نقدية تَسهَر على تعطيل ﭐشتغال اللغة تحت إِمرة نوع من “اللاوعي” الاجتماعي واللغوي الذي يجعل المُتكلِّم، في معظم الأحيان، ناطقا باسم العالَم الاجتماعي حيث نُشِّئ فأُنشئ فاعلا على الرغم منه.


ولعل مما يزيد أزمة الخطاب الفلسفي العربي إنما هو كونُه ظل، بأكثر من شكل، مُرتهنا للترجمة كعمل ناقل. فالفلسفة كصناعة لم تَقُم، في الأصل، لدى العرب إلا بفضل الترجمة. ولقد بَقِيت، منذ أن ظهرت الحاجة إلى استئنافها، حبيسةَ النقل من اللغات الأجنبية، ليس فقط لمُصطلحاتها، بل أيضا للفِكَر والمعاني، كما لو كان التفلسُف بالطبع حِكْرا على أصحاب تلكـ الألسن ومُخاصِما للِّسان العربي. لذا، فإن “المُتفلسف” في المجال العربي-الإسلامي لا يكاد يستقل في وضع إشكالاته ومفاهيمه وبناء أدلته عما يتِمّ على مستوى الفكر الغربي من أنواع التفلسف حسب تعدّد المجالات واختلاف اللغات. إذ أنه، في الغالب، يُكرِّر ويستنسخ كل ما ينتهي إليه من ذلك من دون أن يُحسِن نقله ولا أن يَظهَر على مختلف الأسباب المُحدِّدة لإنتاجه وتداوُله الخاصيَّن.


ونجد، بهذا الصدد، كثيرا من التعابير الفاسدة التي تدل على تعثُّر وإخفاق المتفلسفين بين ظَهْرَانَيْنا على مستويات الاستعمال اللغوي والتوليد المصطلحي والنقل الترجمي، وبَلْه ضُروب الاستشكال والاستدلال التي يأتونها في ما يَدَّعونه من تفلسُف. ذلك بأنهم، في مُعظمهم، لا يتورَّعُون عن اللحن في استعمال الألفاظ (عدم التمييز بين “حُجَج” [جمع “حُجّة”] و”حِجاج” [اسم بمعنى “مُحاجّة” من “حَاجَّه”]، “يُنفِي” بدل “يَنْفي”، “يُصيغ” بدل “يَصُوغ”!) وفي مخالفة ضوابط التركيب (تَعْدِيَة الفعل بما لا يُعدَّى به: مثلا، إطباقهم على القول [“قَطَع معه”] بدل “قَطَعَه” أو “قطع صلته به” أو “انقطع عنه” بمعنى “نَبَذه/ﭐطَّرَحه” ومن ثم “القطيعة عن الشيء” و”الانقطاع عنه” وليس [“القطيعة معه”] ؛ وكل هذا تعثّر منهم في نقل التعبير الأجنبي « rompre avec/to break with » !)، والنَّسب إلى الجمع من غير داعٍ (“أَلْسُني” بدل “لِساني” ؛ “مفاهيمي” بدل “مَفهُوميّ” ؛ و”علائقي” بدل “عَلَاقِيّ” ؛ و”نماذجي” بدل “نموذجي” ؛ “مُؤسساتي” بدل “مُؤسَّسي”!). كما أنهم يحرصون على تعنيف “العربية” في نقل المصطلحات، حيث إنهم يُؤنِّثون ما حقّه التذكير (“عدالة” بدل “عَدْل” ؛ “استقلالية” بدل “استقلال” ؛ “شُمولية” بدل “شُمُول” ؛ “إشكالية” بدل “إشكال”!) أو العكس (“مَوضوعة” بدل “مَوضوع” في ترجمة « thème/notion » ؛ “مَصُوغة” بدل “مَصُوغ” في ترجمة « module » ؛ “مَجْزوءة” بدل “مَجْزوء” في ترجمة المصطلح نفسه!)، ويَشتقُّون من الأسماء ما لا يستقيم (“أَشْكلةٌ” بتعدية فعلٍ لازم في الأصل [“أشكلَ الشيءُ”] ! ؛ “مَفهمةٌ” من فعل غير موجود [“مَفْهَمَهُ”] ! ؛ “مأسسة” من فعل لا يستقيم [“مَأْسسهُ”] !)، ويضعون بكل تكلُّف وتَمحُّل مصطلحات لا حاجة إليها ([“أُفْهُوم”] بدل “مفهوم” ؛ [“سِسْتام”] و[“منظومة”] و[“نَظِيمة”] بدل “نسق” و”نظام”)، ويميلون إلى تعريب المصطلحات بدل نقلها تأصيلا اشتقاقيا ([“إيديولوجيا”] بدل “أُفكُورة” أو “فِكْرى” أو “فِكْرانية” ؛ [“فينومينولوجيا”] بدل “ظاهريات” ؛ [“هرمينوطيقا”] بدل “تأويليات”!)، بل يُخطِئُون في نقل كثير منها ([“ذَرائِعية”] في مقابل “براغماتيزم” بمعنى “فلسفة الفعل” أي “فِعْلَانِيّة” التي أحد أنواعها “الوَسِيلِيّة” ؛ [“حَفْريّات”] في مقابل “أركيولوجيا” بمعنى “علم رَبائِد الخطاب” أو “رَبَدِيّات” ؛ [“التفكيك”] بدلا من “النَّقْض” في مُقابَلته لـ”البناء”!). وأما على مستوى النقل الترجمي، فإنّ ثُبوت الإخفاق في نقل ألفاظ بعينها يُشير إلى وجود إخفاق أكبر في نقل عبارات أطول ونصوص أعقد. ولعل عبارة “الكوجيطو” الديكارتي (« je pense, donc je suis ») أشهر مثال في هذا المجال، حيث تضاربت النُّقُول والترجمات إلى حدِّ نَقْض المعنى وتهويله كما هو مُؤكَّد في مَظانّه على الرغم من مُكابرة المُتنطِّعين. ويكفي أن يُشار، هنا، إلى أن ترجمة النصوص إلى العربية تُحوِّلُها، في كثير من الحالات، إلى مُعمَّيَات وألغاز تُحْوِج إلى الاستعانة من جديد بالترجمان والشارح!


وحينما نأتي إلى الممارسة النقدية، التي يَعُدّها كثيرون أخصّ ما يُميِّز تفلسُفهم، نجد أن نقد “المتفلسف” العربي يَتوجّه نحو المواضيع ذات الامتياز (“التراث”، “العقل”، “الحداثة”)، كأنه لا يستطيع أن يَضمن قيمةَ عمله النقدي إلا بإسناده إلى ما يَكتسي مُسبقا أهميةً في التداول العام! ومن العجيب أن “النقد” المُنْصبّ على “التراث” يَؤُول، بين يدي “المتفلسف” العربي، إلى “نَقْضٍ” يُقَوِّض البُنْيان القِيمِي لـ”تُراث” كان هو الأصل في “حضارة عالَمية” استمرت عدة قرون، فإذا بهذا “التراث” يتحول، من خلال مُهاتَرات أدعياء التفلسف، إلى «لَاشُعور إديولوجي جماعي» واقع إما تحت وَطْأة استعمال “لَاتاريخي” لآلية “المُقايَسة” (“قياس التمثيل”) أو آلية “المُفارقة” (“القياس الفاسد”) وإما تحت نِيرِ مركزيةٍ لُغوية وقومية تَعرِض نَمَطها الخاصّ في “العقل” كـ”شَرْع” كُلّي ومطلق خارج كل تحديد اجتماعي وتاريخي. وأعجب من هذا أنّ تناوُل “المتفلسف” العربي لـ”العقل” و”التراث” يأتي من موقع يتحدَّد كجهل أو تجاهُل لواقعَيْهما في الماضي والحاضر معا. فَمَنْ ﭐختص بنقد “العقل التراثي” (سواء أَسَمّاه عربيا أم إسلاميا)، يصطنع لنفسه بالتَّشهِّي موضوعا هُو أبْعَد ما يكون عن الموضوع الأصلي لكي يَسهُل عليه بناء خطاب هِجائي يَصِمُ ولا يَصِف، ويُفَرِّس (أي “يُذَبِّح”) ولا يُفسِّر! ومن ﭐتَّخذ من “الحداثة” موضوعا لِتَفلسُفه، تجده يَنْقُل نُتَفًا من هنا وهناك عاملا على تَرتيقها من أجل إعلاء شأنه بـ”التخريق” وليس بـ”التخليق”، كما لو أن “الحداثة” يكفي في حصولها مجرد “الحديث” عنها و”التحادُث” بها بشكل مُستهلِك ومُستهلَك كل شأنه أن يُغْنِي عن السعي الفعلي إلى “إحداثها” (أو إبداعها)، حتى لو تم ذلك بالِانقطاع عن المسارات المُوطَّأة!


تُرى، كيف يكون فيلسوفا من لا يستطيع أن يُبِين عن فكره إلا ﭐستسهالا للنثر أو ﭐستسلاما لِغَواية الشعر؟! وكيف يكون فيلسوفا من لا يرى في الإحكام الأسلوبي والتشقيق البياني والتوليد الاصطلاحي إلا لَعِبا لُغويا يُوصَم في ظنه، لغوا وسهوا، بـ”اللَّغْوانيّة”؟ وكيف يكون فيلسوفا من لا يستطيع أن يرى في التحليل والتنسيق المنطقيين إلا وُقوفا عند الصورة المنطقية للفكر، ليس بمعنى الوقوف الذي يستبدل -كما ثَبَت في نقد الراسخين- “أشياء المنطق” مكان “منطق الأشياء”، وإنما وُقوفا يكفي لوصفه -في ظَنّ أدعياء التفلسُف- نَحْت صفة المبالغة لِنَعْته بـ”المنطقانية”؟! وكيف يكون فيلسوفا من لا يُحسِن سوى تمجيد القُدامى من المُقلِّدين أو مُحاكاة المشاهير من المُحدَثِين من دون الاقتدار على تجاوُز الجميع نحو الإبداع المستقل؟!


أَلَا إِنّ من كان ذاك شأنه في “التفلسُف”، لا يكون مُشتغلا بـ”الحكمة” طَلَبا لها ووُقوفا عندها (بممارسة “الاستـ-ـحكام” الذي هو قِوام “التفلسف”)، وإنما يصير مُدَّعيا لها ومُتظاهرا بها (بـ”التَّحاكُم” و”التَّحكُّم” الذي هو الأصل في التضليل “السُّوفِسطائي” كما هو معروف). وإنه لَيَجدُر بمن كانت هذه حاله أن يُسمَّى “إِفْلِيس” (مِن “أَفْلَس” على غِرار ﭐسم “إبليس” من “أَبْلَس”)! وإذا كان من المقبول أن تتفاوت أقدار المُتفلسفين ومقاماتُهم بحيث يُميَّز فيهم بين “الفيلسوف” (المتمكِّن والمُجيد) وبين “الفُلَيْسِيف” (الناشئ والمجتهد)، فإنّ ما لا يُحتمَل قَبُوله أن يَغْتَصِب بعض الأدعياء المقام الأكبر لـ”الحكيم” (المُتبحِّر والواصل) باسم التعالُم المُسيَّب والِاستكلاب المُتواقِح، في حين أنهم يَبْقون مجرد أدعياء لا يَرقَوْن إلى مقام “الفلاسفة”، بل يَنزلون دونه دَرَكاتٍ يَتَّضِعُون بها تماما لإفلاسهم في “التفلسُف” فيكونون جديرين باسم “أَفالِسة” ما فَتِئُوا يَتفَالَسُون (على شاكلة “أبالسة” يَتبالسُون) في واقع صار يَعِزّ فيه الاجتهاد الجادّ للانفكاك عن إغراءات “خطاب اللَّغوى” كما يستسهله أدعياء التفلسُف تحت شَتّى العناوين والشعارات!


[email protected]

‫تعليقات الزوار

15
  • hassia
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:41

    c,est difficile,voir impossible de definir la philosophie,qui n,est d,autre qu,un lavage de cerveau ou soulagement,chaque philosophe est fidele a ses idees,rejette les idees des autres,la philosophie antique n,est pas celle du 19eme siecle,si sartre voit dans la gauche radicale ses ambition,MARX trouve dans l,atheisme sa tranquilite etant de confession juive pour echapper des poursuites,toutes ces ideologies ne sont plus valble de nos jours.dans un monde qui evolue vite ou l,individu dispose d,un vaste domaine de liberte,qui rend difficile de lui imposer des idees qui ne repond pas a ses attente suite a sa naissance biologique,et lois et conventions qui le protege

  • انس ابو وردة
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:39

    لقدكرم الله الانسان بالعقل.فضله على كثير من خلقه.وهبه وسائل الاتصال فجعل له سمعا وابصارا وافئدة وءاتاه بينات من الامر فمااغنى عنهم سمعهم ولاابصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بئايات الله..ان كان افلاطون ومن ساماه قدتدينوا فلسفة وبث اشكالات فهذا طبيعي ومقبول ممن لم يعرف طريق الوحي.اليس ابراهيم عليه السلام المحبوب عندكل الطوائف قداعمل العقل وءاتاه الله رشده وهولايزال صغيرا يدلل امام قومه طريق العلم النافع الدال على الله فينظرالى الكواكب المعبودة ءانداك والشمس والقمرقائلا لااحب الافلين هذا ربي هذا اكبر ليحفز العقول الكسولة الخمولة للبحث عن حقيقةالايجاد (ان لكل سبب مسبب ولكل موجود موجد)والله علمه هذا العمل وارتضاه لانه يدل عليه فهو من قبيل العلم الواجب( وله في كل شيء ءاية تدل على انه الواحد).ولكن في المقابل اوحى لرسوله صلى الله عليه وسلم قوله(ان احدكم ياتيه الشيطان فيقول من خلق كذا فيقول الله .فيقول من خلقك فيقول الله.فيقول من خلق الله فاذا وجد ذلك احدكم فليقل ءامنت بالله وفي رواية فليقرا قل هو الله احد..الايات.نحن امة اخي كفاها الله مؤنة البحث المظني عن الحقيقة.فجعل اركان الايمان مبتداة باعظم غيب وهو الله سبحانه.واخبرنا عن ذاته العلية وافعاله المبنية على العلم والقدرة والحكمةالالهية في تدبير شئون الخلائقية.ولكنا عزفناعن النبع الصافي ووردناه كدرا حتى صار من يتسمى بمحمدوعبدالله الذ خصوم دين الله.الم يكف الامة الاسلامية جنايتها على نفسها ان ترجمت كتب القوم المتفلسفة (المشككة في كل شيء حتى في وجود المشاهد)التي ضلت بها طائفة عظيمة من المتكلمة وما ادراك ماعاناه من عاصرهم من السنيةاثر تبني حكام المسلمين للاراء الكفرية والقاء الشبه الريبية.سامحوني ان قلت ان الفلاسفة دينهم الحيرةمذهبهم الشك.اصولهم انفعالات سيلات عصبية.مظهرهم يوحي بالامراض النفسية.وكثير منهم رغم شهرته ليس له سوى بضع كلمات واقعية في حياته الفلسية.(قدم عمرابن الخطاب فرحابيده صحيفةتوراة على النبي عليه السلام فاغضبه ذلك وقال لقد جئتكم بها نقية لو كان موسى حياماوسعه الا اتباعي)افلا يسعنا ما وسع الانبياء.انماالمومنون الذين ءامنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابواوجاهدوا

  • متابع
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:45

    يظهر أن طموحك كبير لكن علمك قليل، إذن طموحك أكبر من قدراتك. هذه الدعاوي التي سردتها تنتمي إلى مدرسة قديمة، لكنها لا تزال تنهش حرية التفكير باسم قلق العبارة.يظهر أنك تريد افساد احتفاء البعض بالجابري فشرعت في تقليد خصمه طه عبد الرحمان في تحاملك الشديد بعض الكتاب وكأنك فيلسوف وهم أبالسة. يا لك من مقلد تافه…

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:47

    الذي علق باسم “المتابع” توجَّه مباشرة إلى شخص الكاتب فاتَّهمه بأنه صاحب «طموح كبير، لكنه قليل العلم، بل طموحه أكبر من قدراته». حبذا لو كشف المعلق –القليل الطموح، الكثير العلم- ما يدل في المقال على قلة علم صاحبه! ثم قال المعلق بأن «هذه الدعاوي (التي سردها الكاتب) تنتمي إلى مدرسة قديمة، لكنها لا تزال تنهش حرية التفكير باسم قلق العبارة». وحبذا لو بيَّن المعلق ما يدل على قِدم المدرسة التي يصدر عنها الكاتب وكيف تنهش حرية التفكير باسم قلق العبارة! ولم يكتف المعلق بذلك، بل اتهم الكاتب بأنه يريد «إفساد احتفاء البعض بالجابري»، كما لو أن الاحتفاء بالمرحوم لا يكون إلا بالبكاء والتصدية على شاكلة من لا يستطيع إثبات وجوده إلا بالقفز فوق قبور الأموات! والكاتب، في ظن “المعلق”، إنما فعل ذلك لـ«تقليد خصم الجابري (الذي هو في ظنه المريض “طه عبد الرحمان”)»، فيقترف مرة واحدة اتهامين: أحدهما للكاتب بالتقليد والآخر لـ”طه عبد الرحمن” بأنه مجرد خصم لا يرقى إلى مستوى الفيلسوف الناقد! وبعد كل التهم السابقة تأتي أخرى، هي: «التحامل الشديد على بعض الكتاب بوصفهم “أبالسة” أمام فيلسوف أوحد هو الكاتب». ليت “المعلق” العلَّامة يُظهر المزايا الحقيقية لأولئك الكتاب التي أغفلها الكاتب أو سكت عنها جهلا وغَبْنا! وأخيرا، أنهى المعلق كلامه متعجبا ومستنكرا: «يا لك من مقلد تافه!». تُرى، إذا لم يكن هذا دليلا آخر على “إفلاس التفلسف” بقلم “إفليس” مفضوح بلحن القول رغم التخفي، فما هو بالضبط؟ تعليق من بضعة أسطر يحمل ست تُهم كبيرات! هكذا هو شأن “الأفالسة” الذين يتعاطون “اللغوى” بلا قيد ولا شرط! فليت شعري، من يستغل التَسيُّب باسم حرية التفكير لينهش الفكر واللغة معا؟!

  • عادل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:51

    صحيح ما قال المتابع فظاهر من كلامك و طريقة تفلسفك المحاكاة الواضحة لطه عبد الرحمان،خاصة في مسألتين : نقد من يخوض في أي سؤال،دون أن تكون هناك مسؤولية ،مسؤولية الجواب،ثم مسؤولية باعتبارك مسؤول(اسم مفعول) ثم الاهتمام بالجانب اللغوي،كان عليك أن تحيل إلى الكتب التي اعتمدتها في مقالك،و أنصحك بقراءة موانع الابداع لطه حتى تتعلم إبداع نصوص فلسفية من عندك،و شكرا

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:55

    تابع المعلق “عادل” المعلق “المتابع” فوافقه في القول بأن الكاتب يُحاكي بوضوح طريقة “طه عبد الرحمان” خصوصا في مسألتين: نقد من يخوض في أي سؤال من دون أن يتحمل مسؤولية الجواب (هكذا بالتعميم، مع العلم أن المقال لم يتكلم عن “السؤال” إلا كاستشكال وليس عن المسئولية الأخلاقية) ؛ ثم الاهتمام بالجانب اللغوي (هل كل من يهتم بالجانب اللغوي لا يصدر إلا عن محاكاة “طه عبد الرحمن”؟ وهل الفيلسوف يفعل شيئا آخر سوى تقليب “نحو الفكر” من خلال تقليبه لـ”نحو اللغة”؟ وهل يجد حساسية من الاهتمام باللغة إلا من كان غير متمكن منها أو غير متغلغل في معرفة كتابات الفلاسفة منذ القديم؟). التمس المعلق من الكاتب لو أنه أحال إلى الكتب التي اعتمدها في مقاله. والحال أن المقال كُتب من دون الاعتماد المباشر على أي كتاب أو مقال بعينه، اللهم إلا استحضار ذهني لمقروءات كثيرة من هنا وهناك. وتعفف الكاتب عن تعيين أسماء لفلاسفة يُدركها كل من كان له اطلاع على كتاباتهم. أخيرا، نصح المعلق الكاتب بقراءة “موانع الإبداع” لطه حتى يتعلم إبداع نصوص فلسفية خاصة به. والنصح مطلوب، لكن ليس لذاته. فإما أن الكاتب يعرف كتابات “طه” على نحو يجعله مجرد مُحاك بحيث لا مجال لنصحه بقراءتها من جديد، وإما أنه لا يعرف على الأقل بعضها فيكون مقلدا ناقصا وناشئا (فأين الدليل خارج الكلام المرسل؟). وعموما، فإن حكاية أن الكاتب مجرد مقلد تهمة مفضوحة لا يقول بها إلا من بقي متعلقا بظاهر نصوص “طه عبد الرحمن” أو من لم يظهر على شيء ذي بال في الكتابة الفلسفية المعاصرة أو من لم يتبيّن أن أسلوب الكاتب ينهل من مشارب متعددة بشكل يمنع من رده إلى أحدها بدافع حصره لانتقاصه. إن أعجب ما في إفلاس المتفلسفين هو أنهم لا يستطيعون تبيّن سبيل يمكنهم من النفاذ إلى فحوى الموضوع.

  • متابع
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:33

    فحوى الموضوع هو أن التفلسف كله لك، وأن الإبداع كله لك، بينما غيرك أفالسة وأبالسة. يا ليت اقتدر المتفلسف العربي المسلم أن يأتي تفلسفه دون تهجم ولا عويل؟؟
    اعلم يا أخي أن التفكر شيء والمحاججة شيء اخر. فلو سلمنا لك بقوة المجادلة ومحاسبة الغير، فهل تعلم أن التفلسف فعل لا يستحصل كله دفعة واحدة؟ الا تعلم أن المبدع يسلك طريقا يتعلم منه ويجتهد، أم أنك من ادعياء ميتافيزيقا الكمال الروحي الخبيثة؟؟؟؟
    فهل لك الشجاعة الفلسفية لتعترف للآخر بالحق في التعلم؟
    نورد عليك هذا الاعتراض ليس من باب المجادلة، بل لكونك تنفت السم والأشواك في الطريق من حيث لا تعلم..
    أما ما يدل على قصر زادك من العلم فهو واضح بين في ما كتبته في مرافعتك هذه ضد الأخر الذي سميته بابليس. فبربك هل هذا يدخل في النقد، فحتى لو سلمنا لك بالتشبيه والمقارنات التعسفية، فإنه لا يرقى من يتخذ السباب طريقه في التفلسف إلى مقام المتفلسف وما بالك الفيلسوف. أما تهجمك على طريق الشعر فهذا برهان واضح على قصور ادراكك لحقيقة التفلسف.
    اعلم اخي أن التفلسف ليس نزوة ولا خاطرة ولا اطلاق العنان للسب والتجريح، وكذلك التعميم الفج. فمن جعل الناس سواسية فليس لعقله دواء. ومن لا عقل له لا حكم سديد عنده، ومن لا حكم سديد لذيه لا تفلسف يملكه…..

  • mederr
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:53

    كل ما قاله الكاتب ليس سوى محاكاة لرؤية الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن لواقع الفلسفة و المتفلسفة العرب و موقفه من تبعيتهم وتقليدهم لغيرهم …
    لذالك كان حريا بالكاتب ذكر صاحب تلك الافكار على الاقل عملا بمبدا حفظ حق الابداع لصاحبه

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:57

    يأبى المعلق “المتابع” إلا أن يزيد في إثبات تفالُسه اقتداء بصَحبه من الأفالسة. ففحوى المقال صارت لديه أن كاتبه يريد أن يُوقف التفلسف والإبداع على نفسه وأن يمنعهما عن غيره! وليت “المعلق” يأخذ فقرة واحدة من أصل 14 تُكوِّن المقال ويُعيِّن فيها بالتحديد ما يُلقي به من تُهَم. وإذا كان مذموما أن يأتي المرء بالتهجم في موقع النقد، فأين هو التهجم في المقال؟ ألهذا الحد يكون النقد مزعجا؟ إني لأريد حقا أن أعلم منك كيف يتميز “التفكّر” عن “المُحاجّة” (وليس “المحاججة”!): هل يتم “التفكر” كحديث للنفس في انطوائها المطلق (والممتنع) أم يتم كمحادثة تستحضر الغير واعتراضه حتى لو كان آخَرها المأخوذ منها فيكون كل تفكر مُحاجّة؟! والذي أعلمه أن “التفلسف” قد يبتدئ بفعل، ثم يتكرر ويتراكم فيصير “فلسفة”، وسواء أكان التفلسف فعلا أم جملة من الأفعال، فلا مفر من أن يكون اجتهادا قد يُوفَّق إلى الصواب وقد لا يُوفق إليه. فالأول مقبول من فاعله، والثاني مردود على صاحبه. وحديثك عن ميتافيزيقا الكمال الروحي وأدعيائها سوء فهم منك يزدوج بخبث. فالكمال، سواء أكان ماديا أم روحيا (هل لا زال هناك من يصدق هذا التفريق؟)، غاية ومطلب وليس هبة تُعطى مرة واحدة ونهائية (من هو الكامل؟ ومن ذا الذي يدّعي الكمال؟). وهل الحق في التعلم يحتاج إلى شجاعة فلسفية ليُعترف به أم أنه يُنتزع بنضال تاريخي وسياسي كأي حق آخر؟ وهل ثمة حق للتضليل باسم الحق في الاجتهاد يُراد منا أن نعترف به ليُقال عنا بأننا أصحاب شجاعة فلسفية أمام كسالى الفكر؟ أي سم ينفثه الكاتب وأية أشواك يزرع في رده لخطاب اللغوى المستشري باسم التفلسف؟ وهل يكفي دليلا على قلة زاد الكاتب من العلم أن يُقال بأن ذلك واضح في ما كتبه ضد الآخر الذي سمّاه “إفليس” (وليس “إبليس” كما ألقيت)؟ أهو واضح وبَيِّن مثل بداهة “الكوجيطو” عند من وصل إليه فتردد في إظهار طريقه خوفا من كشف أنه استدلال أُضمرت حقيقته؟ أهكذا يكون الرد على المطالبة بالدليل في إسناد الأقوال؟

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 20:01

    أين هي التشبيهات والمقارنات التعسفية التي كان يجب عليك كشفها لأنه لم يُطلَب أن تُقبَل تسليما؟ وأين هو السباب والتجريح الذي يتوجه إلى الأشخاص بدل الأفكار؟ ألا تدري أنه لو كان غرض الكاتب مجرد التهجم والتجريح، كما تدعي، لما تعفف عن ذكر الأسماء أم أنك لن تفهم حتى هذا سوى كجبن منه وفُسولة فكرية فيه؟ وكيف صح لك القول بأن تهجم الكاتب، في ظنك، على طريق الشعر يكفي برهانا على قصور إدراكه لحقيقة التفلسف؟ كيف يغيب عنك أن مثل هذا القول يعبر عن سوء فهم لعبارة «استسلاما لغَواية الشعر»، كما لو أن التعبير القرآني «والشعراء يتبعهم الغاوون» يُعد أيضا برهانا على قصوره في إدراك حقيقة الشعر؟ ألا تدري أن تعريضك هذا يؤكد بالفعل أنك لم تظهر، مثلك كمثل كثيرين، على الانقلاب القرآني في الاعتراض على غَواية الشعر؟ أي عقل يرتضي الوقوع في مثل هذه السخافات؟ وأي سداد فيه يصلح لتقويم تفلسف يبدو مُعوجا؟ كيف يغيب عنك أن من يشيع الخطأ اللغوي في كتابته فأولى به أن يكثر الخطأ المنطقي والفكري في خطابه المزعوم فلسفيا؟ حَقِّق لنا القول في تعبير “قَطع معه” و”القطيعة معه” لكي نتعلم منك؟ أم تريد أن أعدِّد لك أمثاله بالعشرات في كتابات من تراهم فلاسفة بلا منازع؟ بل إني لأترك لك اختيار أيهم تشاء لاختباره من هذا الجانب. أما الجوانب الأخرى، فإن من عجز عن تبيُّن الفساد اللغوي في تلك الكتابات فأنّى له أن يظهر على أنواع الفساد الأخرى التي تتراكم كأمواج البحر اللُّجيّ الذي يُغرق كثيرا ممن يخوضون فيما لا يُحسنون!

  • حميد
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:43

    لم يبقى الا ان تخرج على لتقول لهم انك تملك الحقيقة اولا يجب ان تعلم ان الفلسفة خطاب تعدد واختلاف لا خطاب وحدة وتطابق مما يعني ان النقد لا معنى له ان لم ينطلق من الذات والنقد هو اعادة هيكلة انظمة المعرفة بما يخدم تطور الفكر الانساني بما فيه الفلسفي زد على ذلك انك تمجد الاخر وتبخس وتجلد تجربة الذات اي العقل الفلسفي العربي وهذا تجني في حق الافلاسفة المسلمون من الكندي الى ابن رشد ولن ننسى الجابري رحمه الله والعروي اطال الله عمره نضيف انك عندما تتحدث عن الترجمة فانك صورت الفيلسوف العربي انه ناقل وعممت تصورك دون ان تكون مطلعا على الكتابات الفلسفية سواء تهافت الفلاسفة او تهافت التهافت ان عنت تعلم لمن ينتسبان فهما نموذجا يصور الرقي الفكري الابداع الفلسفة الاسلامية نهيك عن الكتابات الكلامية انك تهاجم كل من يشتغل في الفلسفة وهذا يعود الى عدم اطلاعك حتى على البعض من الفلاسفة بدليل انك لم تدعم ماتقول بسند فلسفي صريح ان امثالك هم الذين جعلواهذه المجتمعات تعيش على الوهن والفقر والجهل وعيره من مظاهر التخلف التي تدافع عليها بوعي اوبغير وعي وهذا مايثير الشفقة ادهب لتمحي الامية الفكرية التي يتكلم بها مقالك السخيف الذي لايستحق ان يعلق عليه احد ولكن للضرورة احكام ان كنت تعلم ………………….

  • فؤاد
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:49

    تفوح رائحة الإيديولوجية من شطحاتك المستقيلة بتعبير العقل المستقيل لرائد الفلسفة العربية محمد عابد الجابري .
    لا يمكن سيدي للعرفان أن يمسخ نفسه و يتحول إلى برهان؛ حتى و لو ركب سنام آخر موضات المنطق .
    إن الذي يهرطق مع الغزالي في شطحاتهالعرفانية بأن القطن يلتقي مع النار و لا يشتعل لا يمكنه أن يكون متفلسفا حتى بله الفيلسوف .
    إن أهم مقومات العقلانية الحديثة هو مبدأ السببية؛ الذي يحطمه شيخكم من منظور آليات المنطق الحديث؛و يعتبر أن الغزالي سبق عصره و كان مابعد-حداثيا قبل الأوان.
    لا يمكن للعب بالكلمات و خرق المألوف في الترجمات أن يصوغ فلسفة لأن جوهر التفلسف و هدفه هو ترسيخ العقلنة ؛ و هذا ما فعله رائد التراث الفلسفي العربي (ابن رشد)في رده الفلسفي العميق على (تهافت الفلاسفة)الذي لا يتجاوز محاولة متهافتة و يائسة من منطقي مرتد إلى العرفان ؛ و لا يمكنها بتهافتها أن تؤسس إلا لإفلاس العقل و استقالته .
    و جوهر هذا الرد هو ما صاغه صاحب العقل العربي (محمد عابد الجابري) كما صاغه صاحب العقل الإسلامي (محمد أركون) و صاغة كذلك رائد العقلانية المغربية و العربية (عبد الله العروي) .
    إنها جبال شامخة في مسيرة الفلسفة العربية و الإسلامية؛و لا يمكن أن تنال منها شطحات صوفية بئيسة في الزاوية البوتشيشية تدعي أنها تمتلك العلم اللدني الذي هو الحقيقة عينهاو من عارضها هالك .

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:35

    يأبى المعلق “المتابع” إلا أن يزيد في إثبات تفالُسه اقتداء بصَحبه من الأفالسة. ففحوى المقال صارت لديه أن كاتبه يريد أن يُوقف التفلسف والإبداع على نفسه وأن يمنعهما عن غيره! وليت “المعلق” يأخذ فقرة واحدة من أصل 14 تُكوِّن المقال ويُعيِّن فيها بالتحديد ما يُلقي به من تُهَم. وإذا كان مذموما أن يأتي المرء بالتهجم في موقع النقد، فأين هو التهجم في المقال؟ ألهذا الحد يكون النقد مزعجا؟ إني لأريد حقا أن أعلم منك كيف يتميز “التفكّر” عن “المُحاجّة” (وليس “المحاججة”!): هل يتم “التفكر” كحديث للنفس في انطوائها المطلق (والممتنع) أم يتم كمحادثة تستحضر الغير واعتراضه حتى لو كان آخَرها المأخوذ منها فيكون كل تفكر مُحاجّة؟! والذي أعلمه أن “التفلسف” قد يبتدئ بفعل، ثم يتكرر ويتراكم فيصير “فلسفة”، وسواء أكان التفلسف فعلا أم جملة من الأفعال، فلا مفر من أن يكون اجتهادا قد يُوفَّق إلى الصواب وقد لا يُوفق إليه. فالأول مقبول من فاعله، والثاني مردود على صاحبه. وحديثك عن ميتافيزيقا الكمال الروحي وأدعيائها سوء فهم منك يزدوج بخبث. فالكمال، سواء أكان ماديا أم روحيا (هل لا زال هناك من يصدق هذا التفريق؟)، غاية ومطلب وليس هبة تُعطى مرة واحدة ونهائية (من هو الكامل؟ ومن ذا الذي يدّعي الكمال؟). وهل الحق في التعلم يحتاج إلى شجاعة فلسفية ليُعترف به أم أنه يُنتزع بنضال تاريخي وسياسي كأي حق آخر؟ وهل ثمة حق للتضليل باسم الحق في الاجتهاد يُراد منا أن نعترف به ليُقال عنا بأننا أصحاب شجاعة فلسفية أمام كسالى الفكر؟ أي سم ينفثه الكاتب وأية أشواك يزرع في رده لخطاب اللغوى المستشري باسم التفلسف؟ وهل يكفي دليلا على قلة زاد الكاتب من العلم أن يُقال بأن ذلك واضح في ما كتبه ضد الآخر الذي سمّاه “إفليس” (وليس “إبليس” كما ألقيت)؟ أهو واضح وبَيِّن مثل بداهة “الكوجيطو” عند من وصل إليه فتردد في إظهار طريقه خوفا من كشف أنه استدلال أُضمرت حقيقته؟ أهكذا يكون الرد على المطالبة بالدليل في إسناد الأقوال؟

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:37

    أين هي التشبيهات والمقارنات التعسفية التي يجب كشفها لأنه لم يُطلَب أن تُقبَل تسليما؟ وأين هو السباب والتجريح الذي يتوجه إلى الأشخاص بدل الأفكار؟ ألا تدري أنه لو كان غرض الكاتب مجرد التهجم والتجريح، كما تدعي، لما تعفف عن ذكر الأسماء أم أنك لن تفهم حتى هذا سوى كجبن منه وفُسولة فكرية فيه؟ وكيف صح لك القول بأن تهجم الكاتب، في ظنك، على طريق الشعر يكفي برهانا على قصور إدراكه لحقيقة التفلسف؟ كيف يغيب عنك أن مثل هذا القول يعبر عن سوء فهم لعبارة «استسلاما لغَواية الشعر»، كما لو أن التعبير القرآني «والشعراء يتبعهم الغاوون» يُعد أيضا برهانا على قصوره في إدراك حقيقة الشعر؟ ألا تدري أن تعريضك هذا يؤكد بالفعل أنك لم تظهر، مثلك كمثل كثيرين، على الانقلاب القرآني في الاعتراض على غَواية الشعر؟ أي عقل يرتضي الوقوع في مثل هذه السخافات؟ وأي سداد فيه يصلح لتقويم تفلسف يبدو مُعوجا؟ كيف يغيب عنك أن من يشيع الخطأ اللغوي في كتابته فأولى به أن يكثر الخطأ المنطقي والفكري في خطابه المزعوم فلسفيا؟ حَقِّق لنا القول في تعبير “قَطع معه” و”القطيعة معه” لكي نتعلم منك؟ أم تريد أن أعدِّد لك أمثاله بالعشرات في كتابات من تراهم فلاسفة بلا منازع؟ بل إني لأترك لك اختيار أيهم تشاء لاختباره من هذا الجانب. أما الجوانب الأخرى، فإن من عجز عن تبيُّن الفساد اللغوي في تلك الكتابات فأنّى له أن يظهر على أنواع الفساد الأخرى التي تتراكم كأمواج البحر اللُّجيّ الذي يُغرق كثيرا ممن يخوضون فيما لا يُحسنون!

  • عبد الجليل
    الثلاثاء 18 ماي 2010 - 19:59

    ما أسهل “النقد” على من رسخ في نفسه أن “التفلسف” يُساوي “اللغو” بلا قيد ولا شرط. يبدو أن المعلق “فؤاد” يقبل دعوى المرحوم “الجابري” عن أن “العقل المستقيل” يقوم على ما سمّاه “العرفان” في تعارضه مع “البرهان” الذي هو في ظنه وظن كثيرين جوهر العقلانية. نريد فقط أن نعرف: كيف يتحدد هذا “البرهان” من الناحية العلمية والابستمولوجية؟ وهل وفَّى به “أرسطو” نفسه ومقلده “ابن رشد؟ وهل تحقق منه وبه “الجابري” نفسه في كتاباته؟ نطمع أن تُنوِّر عقولنا خارج “الإنشاء” السهل. ولن أطالبك بمصير “مبدإ السببية” في فلسفة العلوم المعاصرة منذ “هيوم”، لأنه يبدو أنك مُغيَّب تماما عن أهم ما أصبح مُوطأ في هذا المجال. وهكذا، إذا كانت رائحة الإديولوجيا كريهة ومستكرهة (وليس فقط لديك)، فقل لنا من الناحية الإبستمولوجية المستجدة ما حقيقة ما تزعمه عمن تُسميهم فلاسفة العقلنة؟ اكتب وقل لنا بالتحديد وبالأسانيد ما حقيقة تفلسفهم على ضوء ما هو مقرر في كل المجالات التي يدّعون الاختصاص بها؟ أما إرسال الكلام ادّعاء وتطاولا، فأمر مفضوح، اللهم إلا أن يكون المرء ممن يجدون فيه كفاية!

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 1

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 20

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”