أماني مواطنة وهمية على ما جناه أمثال الناصري على الديمقراطية

أماني مواطنة وهمية على ما جناه أمثال الناصري على الديمقراطية
الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:09

يكاد يتّفق الناظر إلى مسار ومسيرة الديمقراطية الوطنية، وتحديث الدولة والمجتمع، وترسيخ قيم العدل والمساواة وتكافئ الفرص، وإدماج المقاربات التنموية والحقوقية في السياسات العامة والمحلية… على فداحة الثمن الذي وهبه الديمقراطيون والوطنيون من أجل الاعتراف بحق طرح مثل تلك الأهداف علنا والتفكير فيها والإقناع بنجاعتها. وما تلا ذلك من الكدّ والجهد والبحث الهادف إلى إقرار دولة الحق والقانون، وتأكيد واجبات وحقوق المواطنة والإسهام في بلورة تنمية وطنية، تضمن الرخاء والعيش الكريم لكافة المواطنات والمواطنين، وتسير بالمغرب إلى المكانة الحضارية والجيوسياسية التي يستحقها، وتُرضي طموحه الاقتصادي والسياسي على المستويات القومية والجهوية والدولية.


وقد كان المدخل المفصلي لهدا النزوع الوطني المشروع، ِفي بداية الألفية الثالثة، هو الإرادة المعلنة وغير المعلنة، التي عبر عنها ويمارسها العهد الجديد في شتّى الميادين والمجالات. غير أن ضمان ترسيخ ذلك على أرٍض الواقع، والتوافق الوطني على النهوض المجتمعي والسياسي بالمهام العزيزة السالفة الذكر، لن يتأتّى من غير استتباب ديمقراطية وطنية حقيقية، ومشاركة كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، وكافة المواطنات والمواطنين في بناء وتشييد المغرب الذي نريد.


وكيف المآل لعزيز المنى، ومخلفات العهد البائد تنوء بحمل تلك الآمال، وتحيل أغلبها إلى سراب وأضغاث أحلام: تفشي مظاهر الأنا والفردانية والرشوة والمحسوبية، وفقدان الثقة في المؤسسات والأحزاب والرموز والوطن، وضياع قيم أخلاقية ودينية ووطنية، وسيادة الجشع والنهب والتسيب، وغياب الحساب والمحاسبة، وانتهاز الفرص على حساب الوطن والمواطنين… وما كان على الوطنيين المخلصين ـ عندما غابت الإيديولوجية ـ سوى أن يحملوا صخرة سيزيف، بصبر وإصرار، لإعادة الثقة إلى النفوس وإحياء الآمال في الوطن ومؤسساته الضامنة وحدها لنموه ووحدته واستقراره.


غير أن ما وقع لأحد وزرائنا، ورمز من رموز ما كان يحسب على الصف الوطني التقدّمي، ومؤسس لثقافة نضالية كانت تتوق إلى التغيير والعدل والديمقراطية… أعاد طرح مصداقية الرغبة الوطنية في تأسيس دولة الحق والقانون، والقطع مع سلوكات المال والجاه والفتونة على خارطة طريق التحديث والعصرنة. وهو إشكال مطروح على الجميع. تصوّر معي أخي القارئ، لو فطن السيد الوزير التقدّمي النموذج لما ينبغي أن… إلى زلّته البشرية، وفاجأ الجميع وأحرجهم بتقديم استقالته من مهام الدولة، لكونه انساق مع عاطفة إنسانية مشروعة، لنصرة فلذة كبده المدلّل، بدل أن يترك القانون، الذي رفع شعار احترامه ردحا غير يسير من الزمن، يجري مجراه. تصوّروا لو طالبت اللجنة المركزية لحزب السيد الوزير التقدّمي، أن يحال ملفه على اللجنة التأديبية للحزب، وتوصي بعزله، لأن فعله يشين لأخلاقيات المناضلين والرفاق. تصوّروا لو فرض الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية على ممثله الوحيد في الحكومة أن يستقيل، حفاظا على ماء وجه حزب تقدّمي، وعلى ماضيه النضالي والاحتجاجي ضدّ سلوكات تماثل أو تقلّ عمّا اقترفه الرفيق خالد. تصوروا لو التمس السيد عباس الفاسي، الوزير الأول، من جلالة الملك إعفاء وزيره غي الإعلام والناطق الرسمي باسم حكومته من مهامه، ما دام قد أعطى مادة إعلامية لا تليق بوزير الإعلام، وصرح ـ فوق ذلك ـ أنه منشغل بقضايا الوطن الكبرى ولا يهتمّ بالتفاهات. وكأن تخليق الحياة العامة تندرج عند سيادته في القضايا الصغرى. تصوروا لو مارس صاحب الجلالة حقّه الدستوري، مع وزير وناطق رسمي لحكومته، يعرق ويهرول في الشارع العام، لكي لا يجري القانون مجراه. تصوّروا لو تمسّك الدكتور الجريح بحقه في متابعة ابن الوزير، ولم تنل منه التدخلات وبوسان الراس، وطالب بالبحث النزيه والتحقيق الشفاف في إهانته وسبه وضربه. تصوروا كم يمكن أن نسرد من “لو”. وواحدة منها جميعا، تفعيل واجب وحيد من هذه الواجبات القانونية والدستورية والأخلاقية والنضالية، كفيل بتأكيد مصداقية الجميع في إشاعة خطاب دولة الحق والقانون، كفيل بإعطاء النموذج العيني أن لا أحد فوق القانون، كفيل بإحراج اليسراويين والمتطرفين والعازفين والقانتين، وإفهامهم بالملموس أن الأحزاب ليست كلها في سلّة واحدة، وأن سلطة القانون فوق الجميع، وأن هناك أشياء كثيرة تغيرت نحو الأفضل عمّا كانت عليه في الماضي، وأن ورش الانخراط والمشاركة الجماعية في بناء وطن الحريات وتكافئ الحقوق والفرص قد انطلقت بالفعل بحزم وعزيمة الجميع.


تحتاج الدول والمجتمعات، وهي تشقّ طريقها نحو التقدم والتحديث، إلى منهج حازم وصارم كفيل بإرجاع الثقة إلى الذات والمؤسسات، وإلى نماذج بشرية ومؤسساتية تعطي أمثلة واقعية على مصداقية هذا المنهج، وتوثر في ذلك المصلحة الكبرى للوطن، وتتمسّك ضدّ النفس الأمارة بالسوء والأهل والأهواء بالتفاني والامتثال للعدل وللقانون والوطن. والفعل هنا ـ إن لم نقل ردّ الفعل ـ يستوجب إشارة من جميع المتدخلين، أومن بعضهم، تثير وتندّد أو تصحّح مثل هذه الأفعال. أما أن يصمت الجميع، وينتظر الوقت المناسب والحساب الدقيق اللذان يخدمان المصلحة والظرف الذاتيين الضيّقين، فهذا دليل على أنّ قطار التحديث لم يوضع بعد على سكّته القويمة، وعلى أن أفواج الرافضين والناكرين والعازفين ستتعزّز بكثير ممن كان يؤمن بالتغيير السلس وبمصداقية الفعل الديمقراطي الطويل النفس.


إن سلوكا في مثل عنجهية السيد الوزير، وصمتا كموت كل الفاعلين، ليعيد طرح السؤال على كافة الديمقراطيين: هل نحن في الاتجاه الصحيح ؟ وهل تتساوق خطبنا وشعاراتنا مع سلوكنا اليومي، من احترام الضوء الأحمر إلى دفع الضرائب وعقاب الذات والابن قبل رشق الآخرين بمواويل التغيير. ولي الأمل كل الأمل بنجاعة المسار الديمقراطي التحديثي، وبضرورة مصاحبته بالإشارات الرادعة والتقويم الصارم الخليق.


*أستاذ باحث وفاعل حقوقي

‫تعليقات الزوار

6
  • وطني
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:19

    نلاحظ ان من يدوس على القانون غالبا هم من رجال السلطة وهناك امثلة عديدة منها مثلا رجال الامن الدين جلهم لا يتوفرون على اي ورقة لسياراتهم الخاصة وحينما يوقفون مواطنا فان اول ما يطالبون به هي اوراق السيارة …. ان رجال الشرطة بمختلف رتبهم يكيفهم وضع مجلة او علامة الشرطة على متن السيارة لكي يعفوا من من المساءلة وتطبيق القانون في حقهم ….يجب على وزير الداخلية ان يتدخل للحد من مثل هده السلوكات التي تسيء الى سمعة الوزارة المعنية

  • غالمي
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:17

    يحكى أن مواطنا كان في خمارة يستهلك الروج وبجواره قاض يستهلك الويسكي, عندما خرج المواطن وجد الشرطة في انتظاره وفي الصباخ قدمته للمحكمو بتهمة السكر العلني وصدفة كان القاضي هو الذي كان بجواره في الخمارة, نطق القاضي يالحكم فقال له المواطن لمسكين :نعام سيدي القاضي الويسكي يحكم على الروج,

  • مروان المهند
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:15

    وهل لنا الحق في أن نتصور؟ لا، لا، وألف لا، يا سيدي إن الأحلام تبقى مجرد أحلام أما الواقع فشيء آخر، طالما حلمنا بغد أفضل يسوده القانون ويحترم الفرد لذاتهلا لصفته أو مركز أبيه، لكن خاب أملنا وضاقت أنفسنا وأفل وهج شوقنا. فأين الديموقراطية حتى نبحث عن الديموقراطيين؟ أما الشعارات التي كانت ما سمت نفسها الكتلة الديموقراطية تطلقهاا وتكسر بها الدنيا فهي شعارات جوفاء لا تستحق المداد الذي سكب في كتابتها، إن السياسيين عندنا مجموعة من الانتهازيين والمنتفعين وأرباب المصالح، ألا تذكرون فتح الله ولعلو الذي كان يملأ “قبة البرلمان ” ضجيجا بمطالبته بتخفيض الضرائب وإخراج لائحة المعفويين من الضريبة من وزارة المالية ثم فرض الضريبة على الجميع؟ ألم يكن يقول “والله حتى نقرس؟” فماذا فعل حين كان وزيرا للمالية؟ هل وفى؟ ألم يشهد في عهده زيادات مهولة في الأسعار والرسوم؟ وتحدثوا كما تشاؤون عن عبد الواحد الراضي الذي ما زال صياحه يتردد في الآذان بإصلاح القضاء وسيادة العدل؟ فماذا فعل إذ أسندت له الحقيبة، لا شيء سوى أحكام جائرة بالجملة، باختصار: عشر سنوات في ظل حكومة اليسار لم نجن منها سوى مزيد من تكريس الفوارق ومزيجا من الظلم والمحسوبية والفقر. وها هو حزب الاستقلال الذي شارك في حكومات سابقة عديدة ثم بقدرة قادر تحول إلى المعارضة في سنة 83 ليبقى فيها إلى سنة 2007، ليأتي على البقية “إن كانت هناك بقية” من المصداقية، والسؤال الاخير: هل نواصل حلمنا أم نفيق ونتعامل مع الواقع كما هو لا كما نأمل أن يكون.

  • عبد القادر
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:21

    يمكن للأخ كاتب المقال أن يسرد العديد من اللاوات إلى أن يجف حلقه و قلمه و لن يجد أي تفسير للنفاق الذي تربى عليه الكثيرون و على الخصوص من يدعون الدفاع عن الحق و تطبيق القانون و تخليق الحياة العامة. لكن الله لهم بالمرصاد، فكلهم يفتضح أمرهم عاجلا أم آجلا و يظهر مكرهم أمام الملأ. و كأني بهم يطرحون على طاولة الإختبار، و في أغلب الوقت تكون النتيجة سلبية. و مثل هذه النتائج هي التي تدفع الشباب إلى إدارة ظهره للسياسة و متابعة كل ما يمت للشأن العام بصلة، مؤمنين بأن اقتصاد و أمن و سياسة الدولة ليست بيد الشعب أو من يدعون أنهم يمثلونه بل في يد جماعة مصالح، تفعل ما تشاء في العباد عن طريق القهر و التدجين الممنهج، إن عبر وسائل الإعلام أو الرياضة أو الأعيان و عبيدهم.
    إن من يعتقد بأنه يعيش في المغرب خارج القرون الوسطى يعاني حتما من الزهايمر، و يحتاج للعلاج. ربما استبدلت البغال بالدرجات النارية و الأحصنة بسيارات الكات كات و النوايل بالزنازن التي يسمونها مساكن اقتصادية، لكن المؤكد اننا لم نغادر القرون الوسطى لا سلوكيا و لا اجتماعيا، لا زال الأمر كما كان عليه و لم يتغير أي شيء. مع ذلك أين الناصري من معلم البشرية محمد صلى الله عليه و سلم.
    عن عائشة،أن قريشاً أهمّهم المرأة المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يكلم فيها رسول الله ، ومن يجترىء
    عليه إلا اسامة ، فكلمه أسامة ، فقال الرسول : أتشفع في حد من حدود الله ، ثم خطب فقال : إنما أهلك من كان قبلكم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق الضعيف
    أقاموا عليه الحد ، وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ، فأمر النبي بقطع يدها.
    لكن الرفيق الناصري شريف و إبنه كذلك و ما قاله الرسول و ما أمر به لا يهمه، و لهذا علينا أن ننتظر الصاعقة، لأن الظلم و الطغيان صعدا إلى عنان السماء على أجنحة النفاق.

  • عبدالكربم السوسي
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:11

    اخبراكشف الناصري عن وجهه الحقيقي انه مجرد دجال لاغبر

  • حر
    الأربعاء 2 يونيو 2010 - 23:13

    من يخرق القانون هم واضعوه

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 2

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 3

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية