الطبقة الوسطى بالمغرب ورهانات المجتمع

الطبقة الوسطى بالمغرب ورهانات المجتمع
الخميس 5 غشت 2010 - 00:23

ثـمة تـحولات جوهرية وعميقة ذات أثر واضح وجلي على النسيج الاجتماعي المغربي حدثت في مغرب ما بعد المرحلة الكولونيالية وحصول المغرب على الاستقلال نتيجة للتحولات البنيوية العميقة في كل المناحي الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية بالشكل الذي أسهم في حدوث انزياحات وتغييرات سوسيولوجية جذرية على صعيد بناء الدولة المغربية وطبيعة تشكيلات نخبها وخاصة النخبة الفرانكفونية المتنفذة التي استفادت من تعليمها و من تعاملها مع المستعمر وباقي أطياف المجتمع المغربي التي خرجت من معركة التحرير خاوية الوفاض.


و لاشك أنه بـمعاينتنا للخريطة الاجتماعية و لأشكال الـحراك المجتمعي بالمغرب وحضور الوعي الطبقي بطبيعة الصراع ضد أشكال الاستغلال، الاحتكار والنهب الذي تمارسه النخب السائدة والمتحالفة فيما بينها ضد مقدرات وثروات المجتمع، وأيضا بـمعاينة حجم الفوارق الطبقية الكبيرة بالمغرب والتي ازدادت استفحالا في غياب شبه كامل لإرادة سياسية حقيقة في تقليصها والحد منها تتشكل عوالم رؤية متكاملة لما يفترض أنه يمثل ردة اجتماعية و وعيا زائفا لمقولة المجتمع الـحي الذي يتحرك ويتغير وينتقل من وضع الثبات والـجمود إلى وضع التحول و التغيير. وفي ظل هذا الوضع الذي لا يمكن وصفه إلا بالطبقي برعت النخب الحاكمة في اللعب على وتر صراع الطبقات وتأجيج المعارك الوهمية بينها بهدف خلق التوازنات و بالتالي حماية نفسها من عدوها الأول الشعب أو الرعاع كما رسخت ذلك ثقافة الاستبداد، فالرعاع في نظر السلطة ليسوا أكثر من أدوات أو عقبة أو عبأ وحمل ثقيل ينبغي التخلص منه، وحتى لا نذهب بعيدا في سياق البحث عن الميكانزمات و الآليات التي يستثمرها مهندسو وصناع الطبقية لجعلها أمرا واقعا و تأبيدها كشر لابد منه، وبعيدا كذلك عن أدبيات كل من صاحب رأس المال كارل ماركس وماكس فيبر وجيمس ماديسون حول مفهوم الطبقة وما يطرحه من التباس في التحديد وغموض في التعريف نظرا لأن مفهوم الطبقة ليس متجانسا إلا أن هـذا لا يعني أنه لا يمكننا الإمساك ببعض الأسس و المحددات التي تجعل مفهوم الطبقة ممكنا من وعي طبقي وسلوك نضالي و مواقف سياسية مستقلة، وإذا كان المحدد الاقتصادي والمكانة الاجتماعية والوعي الثقافي والمعرفي هي الأكثر تحديدا لمفهوم الطبقة وأيضا من المحددات المتضافرة والمتكاملة لخلق جبهة للدفاع عن المصالح الضيقة لهذه الطبقة أو تلك الأمر الذي يشكل فيما يبدو حركية مجتمعية نخبوية، يكون من نتائجها تشتت النضال الجماهيري والشعبي و تشرذم القوى الفاعلة في المجتمع أحزابا وشيعا مما يجعل من مسألة النضال هامشا ضيقا يقتصر فقط مطالب اجتماعية و خبزية لا أقل ولا أكثر.


إن محاولة التركيز على مفهوم الطبقة و خاصة الطبقة الوسطى يكتسي أهمية قصوى لما أصبحت تلعبه هذه الطبقة من أدوار مركزية في جميع المجتمعات الحية، خاصة مشاركتها الفعالة والمؤثرة في دورة الإنتاج المادي والرمزي بما يعنيه ذلك مساهمتها المتعددة وعلى جميع المستويات سواء الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية في خلق و إغناء حركية مجتمعية تتأسس على مدى و حجم مساهمتها في الجانب الاقتصادي خاصة مسألة توزيع الثروة و نصيبها منها، وكذلك مساهمتها من خلال وعيها الطبقي المتقدم واستقلاليتها التامة عن التبعية للدولة في إغناء الـحياة السياسية وإثرائها، دون أن ننسى رهانها على مشروع ثقافي تنويري يهدف إلى خلخلة منظومة التزييف والتمييع التي ترمي إلى تدجين الإنسان وأن تقف بالمرصاد لكل أشكال الوصاية التي تنال من كرامة الإنسان. لكن السؤال المطروح بحدة ما موقع الطبقة الوسطى في المغرب من مجمل هذه الرهانات المجتمعية! وما مقياس ودرجة وعيها الطبقي في لعب أدوار مركزية عنوانها تغيير اللعبة الذي تديرها الدولة بدهاء و حنكة لتعميق الفوارق الاجتماعية!


قد لا نبالغ إذا قلنا بأن الطبقة الوسطى في المغرب تفتقد لوجودها الاعتباري المؤسس كما أشرنا على الوعي الطبقي المتقدم والسلوك النضالي والتأثير المباشر والفعلي في صناعة القرار السياسي والاجتماعي الأمر الذي يجعل منها عائقا موضوعيا أكثر منها طبقة موجودة بالفعل تمارس وجودها وكينونتها لتحقيق التغيير المنشود، وعلى أنـها قد تكون القاطرة لتغيير بؤس الواقع و تغيير المجتمع برمته. و انطلاقا من هذا الوضع المفبرك يتبدى وبشكل لا يقبل النقاش أن هذه الطبقة لا تمتلك أيا من المقومات التي تحدثنا عنها، فلا هي طبقة منتجة بما يعنيه الإنتاج هنا من جهة أولى تقديمها لـمنتوج مادي و رمزي يختلف عن منتوج الدولة الايديولوجي ومن جهة ثانية استقلاليتها بمنتوج خالص يثبت براءة منتوجها و بالتالي يثبت براءتها من أن تكون هي ذاتها منتوجا خالصا وأحد الأعمدة القوية و الصلبة لتثبيت واستمرارية الدولة، وما يؤكد قولنا هذا هو أن أغلب المنتمين لهذه الطبقة لا يساهمون في دورة الإنتاج بأي شيء يمكن أن ننعته أنه منتوج وسلعة تتمتع بالجودة والبراءة الفكرية أو الصناعية التي تجعلها قابلة للتداول في بورصة القيم بل أن السمة الغالبة على بنية هذه الطبقة بمختلف مكوناتها ومختلف الأنشطة القطاعية التي تمارسها أنها لا تخرج عن الطابع الخدماتي أي القيام بخدمة ما مقابل راتب شهري مما يجعلها مجرد طبقة استهلاكية موجهة لتغطية الاستهلاك الماكرو اقتصادي العالمي وذلك تبعا لتوصيات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي القاضية بضرورة خلق طبقة وسطى استهلاكية لتصريف منتجات الدول الصناعية الكبرى، ليس هذا فحسب بل كاختيار استراتيجي للدولة تهدف من وراءه تثبيت الوضع من خلال رعايتها لهذه الطبقة وحمايتها و تمتيعها بكافة الامتيازات مادامت تشكل الذراع الايديولوجي والأمني الكفيل بحماية الدولة من الهزات الاجتماعية وطرفا لتبرير السياسات اللاشعبية و اللاديمقراطية ضد الجماهير الشعبية الكادحة.

‫تعليقات الزوار

1
  • محب للحق والحقيقة
    الخميس 5 غشت 2010 - 00:25

    من وجهة نظري أن هذه الطبقة قد اصبحت جزء من المشكلة بدل ان تكون طرفا في حل المعضلة المجتمعية المغربية ،فهي طبقة مزينة للواقع المر،كالمسحوق المزين للوجه البشع،ومحافظة على توازن مزيف هو أقرب لمصلحة السلطة في الداخل، ومصلحة الاقتصاد العولمي على المستوى الخارجي،منه لمصلحة الشرائح المجتمعية المتضررة.
    السؤال الذي لم يطرحه الموضوع هو لماذا تراجعت هذه الطبقة عن القيام بوظيفتها في الإنتاج والإبداع والنضال في وجه طوفان ثقافة العولمة المبنية على قيم الاستهلاك والبهرجة والمظاهر الخارجية والاهتمام الى حد الهوس بالنصف السفلي للإنسان؟ لماذا لم يعد لديها الإحساس بالمسؤولية في تغيير الواقع وخلق الحراك المطلوب لنيل المطالب وإحقاق الحقوق لكافة شرائح المجتمع؟ هل رضيت بما قدم لها من فتات؟أم هي الأنانية؟أم هو انعدام الوعي- بسبب انعدام التأطير- لدى الغالبية العظمى من هذه الطبقة؟
    يبدو لي أنه في ظل غياب أيديولوجية فاعلة ومحركة على الساحة بسبب هجوم ثقافة العولمة التي دفعت بالأيديولوجيات الى الهامش أو جعلتها تعيش حالة من الميوعة؛ثم بسبب فشل تجارب أصحاب هذه الأيديولوجيات في تقديم البديل الحقيقي في التغيير(وقد يكون العجز ذاتيا وليس كامنا في الأيديولوجيا،وهذا ما لمسناه ونلمسه على مستوى القوى الفاعلة في الساحة المغربية بكل توجهاتها..)،في ظل كل هذا ظهرت طبقة متوسطة هجينة في تفكيرها، سطحية في وعيها،ميالة الى الحياة وملذاتها،طموحها الارتقاء في سلم الماديات،ولا تهتم سوى بفلذات أكبادها كيف توفر لهم إمكانيات العيش الرغيدأو كيف ترسلهم الى التعليم الحر لينالوا أعلى المعدلات(ولو كذبا!)،أو الى أحسن المعاهد والجامعات…حتى يضمنوا مستقبلا ماديا ممتازا.
    إذا جلست في مقهى يأويه أفراد من هذه الطبقة فلن تلتقط أذناك حديثا غير هذا! لا حديث في السياسة ولا في الثقافة ولا في الفكر،ولا فهم للواقع ولا قدرة على تحليله وفك رموزه…ولا هم يحزنون.إنها الأمية المقنعة الناتجة عن انعدام التأطير كما ذكرت وعن انعدام القراءة والتتبع والاهتمام…
    فماذ تنتظر من فئة متعلمة/مثقفة بالنظر الى شواهدهاومناصبها الاجتماعية،لكن للأسف أمية في واقعها وحقيقتها!(دون تعميم الحكم طبعا).

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز