كارثتنا الأخلاقية أكبر وأشد!

كارثتنا الأخلاقية أكبر وأشد!
الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:11

خلال القرن الماضي، سمعنا كثيرا عن نهاية التاريخ وموت الإنسان عند مجموعة من العلماء والمفكرين من أمثال الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو والإستراتيجي الأمريكي فرانسيس فوكوياما، لكننا لم نسمع بعد «بنهاية العالم» إلا في بعض الأفلام السينمائية التي تتميز بأكاذيبها الهوليودية الواضحة أكثر من واقعيتها البئيسة بعيدا عن ” حركاتها ” البارعة . ولا بأس أن نطرح السؤال التالي: هل يسير العالم نحو نهايته حقا ؟


ليس من السهل أن نجيب عن هذا السؤال، لكن نستطيع أن نقول أن العالم ليس بألف خير­ وربما­ ليس بواحد في الألف على خير ! العديد من المناطق في العالم تعرف أزمات طبيعية كارثية؛ أخرها بركان أيسلندا، وفيضانات باكستان والصين وحرائق روسيا، وزلزال هايتي … ولن تكون هي الأخيرة حسب علماء الفلك وعلماء الطقس وكل من له تخصص من قريب أو من بعيد بالظواهر الطبيعية والأرض والحياة؛ حيث سيعرف العالم خلال السنوات القليلة القادمة حالة مما يسميه علماء الفلك بــ” استيقاظ الشمس” وكأنها وحش أو تنين خرافي حان الوقت لاستيقاظه وفي يقظته دمار وخراب للمعمورة، على زرعها ونباتها وبشرها وحيواناتها، وكأن نومها كان فيه حضارة لنا وسعادة لحياتنا. لن تعود الشمس هي تلك الجميلة التي يحبها الشعراء والعشاق لكونها تشبه وجه الحبيبة أو المدينة أو القصيدة، ستصبح بلا شك بعد سنوات قليلة، ووفقا لما يحكيه « خبراء الشمس» مخلوقا يهابونه ! سيكون عاديا أن نجد جملا مثل” تسونامي الشمس ” تملأ قصائدهـم في الوقت الذي يقف الشعراء على أطلال بلاد كانت تسمى الشمس الجميلة، كانت تسمى المنيرة الجميلة . كما أنه غالبا، لم يكن العلم يلتقي مع الأدب أبدا؛ ففي الوقت الذي يجتهد فيه الأدب على أن يعطينا في بعض الأحيان عالما له وجه جميل وهادئ بمساحيق مستوردة وأخرى محلية، يصر العلم على كشف الوجه الآخر الذي خربه الإنسان بيديه، أليس أعذب الشعـر أكذبه !


يقول الخبراء عن الشمس هذه الأيام أنها تنشط بسرعة فائقة جراء الانفجارات القوية التي حدثت فيها منذ أيام قليلة والتي أطلقت عليها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا وصف تسونامى الشمس . الانفجارات الشمسية التي تحدث عنها الخبراء مؤخرا أدت إلى ارتفاع درجة الحرارة وأثرت على الغلاف الجوى للأرض وبالتالي تكون هذه الانفجارات مصدرا لارتفاع درجة الحرارة، وكل الخبراء يؤكدون أن النتائج الحالية من ارتفاع درجة الحرارة في الكرة الأرضية كان غير متوقعا؛ لأن الدورة الشمسية الحالية في الجزء الأول لصعود النشاط الشمسي من القاع للقمة، بدايتها كانت قبل عامين ورغم هذا فقد حدثت طفرات فيها فعلى الرغم من أن بدايتها من المفترض أن تكون هادئة إلا أنها تميزت بنوع من النشاط غير الهادئ .


والسؤال الذي يأتينا في هذا السياق هـو : من المسؤول عن إيقاظ الشمس حقا ؟ قد يتوجه تفكيرنا مباشرة إلى أنه من أسباب ارتفاع درجة الحرارة هو الاحتباس الحراري الذي سببه بني آدم .


علينا أن ننظر جيدا إلى المصير الذي يهدد الإنسانية، ففي مثل هـذه الأوقات والظروف يظهر الجد والعمل، وأصحاب النوايا الحسنة، والحكومات ورجالاتها الذين يقفون تحت الشمس، من أجل تلبية نداء الواجب والامتثال للمسؤولية، لكن ماﺫا تستطيع أن تفعله هـﺫه الحكومات أمام ” تسونامي الشمس” ؟ وبما أن حكوماتنا نراها اليوم غارقة في مشاكل عظيمة تجعلها لا تعطي أية أهمية تعادل ” أولوياتها ” الأخرى أعيد صياغة السؤال بصيغة المفرد ، لأنه في الأصل هو الحكم والفصل لما للفرد من قوة وعزيمة وإرادة في تغيير المجتمع والظواهر السلبية التي يعاني منها .


السؤال يصبح على الشكل الآتي : ما الـﺫي يمكن أن يقدمه الفرد حتى نتجنب مثل هـﺫه الظواهر “الاحتباس الحراري” أو باقي المشاكل البيئية الأخرى ؟ . حقيقة كل المشاريع والحلول المقترحة من طرف كل الجهات على أهميتها تبقى دون مستوى الطرح الـﺫي قدمه فيلسوفنا المتصوف المغربي طه عبد الرحمن؛ ففي كتابه « روح الحداثة » ربط علاقة الإنسان بالطبيعة بقانون الواجبات الـﺫي يجري على علاقة الولد بأمه ؛ مع العلم أن هـﺫه العلاقة هي النموﺫج الأمثل لصلة الرحم، وكما تكون الأم أقرب قريب لولدها فكـﺫلك الطبيعة أقرب إلى الإنسان . ومادام ليس في الكون موجود لا يحتاج إلى دفع شيء عنه أو جلبه إليه، بل ما من حركة أو سكنة لموجود، كائنا ما كان، إلا ـ وجبت أن تكون ـ رحمة يتجلى بها الرحمان عليه كما يقول عبد الرحمن ؛ وبالتالي فإن علاقة الإنسان بالطبيعة يجب أن تكون علاقة رحمة فهي الأصل في كل شيء؛ فأنا موجود، لأني مرحوم، وسؤال آخر مثل ” لم كان ثمة وجود ولم يكن عدم ؟” جوابه هو أن الرحمة سابقة؛ فلولا الرحمة، لما وجد شيء .


كما أن صاحب ” سؤال الأخلاق” لا يتوقف عند الحديث أن الرحمة تختص بأولئك الـﺫين لحقهم ضرر، فهـﺫا غير صحيح تماما : فالرحماء لا يكتفون بصرف الأﺫى عن المضرورين، بل يتعدونه إلى إيصال المنافع إلى أولئك الـﺫين لا يتعرضون لضرر ملحوظ، بل قد يكونون سالمين راضين؛ ومن هنا، فالرحمة حسب طه تتجاوز الإسعاف بالحاجات إلى الانتماء للقدرات، أي أنها تتسع لما يدخل في باب زيادة الخير والتنمية والتقدم . من ثم فإن الرحمة لا تتعلق فقط بالإنسان وحده؛ فما يزيد من المنفعة والخير والتنمية والتقدم ليس الإنسان فحسب، بل كل تلك الأهداف تتعلق بأشياء أخرى تحيط بها الطبيعة، وإﺫا فسدت الطبيعة ودمرت لا خير ولا تنمية ولا تقدم للبشرية . فكما أننا نرحم بني جنسنا، يجب أن نرحم الأشياء التي من حولنا أيضا؛ ورحمتنا لها كما يقول طه كرحمتنا للإنسان، نوعا وقدرا، إﺫ ندفع عنها هي الأخرى الشرور ونجلب لها الخيرات، حتى نحفظ كيانها ونضمن بقاءها ؛ من سائر تلك الأشياء كما قلنا الطبيعة التي تجملها والبيئة التي نقصدها هنا. والغريب أن هـﺫه الأشياء لا تقف عند حد تلقي الرحمة منا، بل إنها لا تنفك تبادلنا هـﺫه الرحمة، هـﺫا إﺫا لم تبق رحمتها رحمتنا، فهل ـ يقول طه ـ من رحمة أسبق من أن يحتضن واحد منها ـ وهو هـﺫه الأرض الأم ـ وجودنا ولما نحصل الوعي بهـﺫا الوجود، إﺫ نكون ما زلنا في غيب الأرحام !


إن الحلول المقترحة لتجاوز المخاطر التي تهدد سلامة البيئة والإنسان لا يمكن أن تتجسد بمجملها في العقل الأداتي، أو العقل العلمي، لأنها وكلاهما معا يتصفان ببرودة الأحاسيس والمشاعر وفراغ العاطفة وانسلاخ الوجدان ؛ فرابط الصلة بين الإنسان والطبيعة ـ بيئته الأولى والأخيرة هـو الرحمة؛ فبقدر ما تمارس الرحمة بين الناس والطبيعة بقدر ما نقترب إلى السعادة ! والقضية بعيدة هنا عن العداوة للعقلانية، لكن حسبي أن أؤكد أن العقلانية المجردة من الرحمة ـ العقلانية الأداتية على الخصوص ـ والتي تتعامل مع الإنسان كآلة ومع الطبيعة كـ”دولاب” ملابس .. عقلانية باردة؛ لهـﺫا فكارثتنا أخلاقية مع الطبيعة قبل أن تكون شيئا آخـر !


[email protected]

‫تعليقات الزوار

7
  • عبد المجيد
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:13

    آخر حل هو التوبة إلى الله فإن الساعة قريبة ولا الحكومات و لا الأفراد برادّين لقضاء الله
    اللهم إني أستغفرك و أتوب إليك
    اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا

  • ahmed meknassi
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:15

    Merci si Badr pour votre article. vous avez traité un sujet de l’actualité brulante. malheureusement les gens sont loin d’être conscient des dangers qui nous menacent.le choix du titre est malin.

  • تسونامي الشمس
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:21

    السلام عليكم ورمضان مبارك.
    ياخي انا لم افهم ماعلاقة ” تسونامي الشمس” بما جاء في المقال ” والسؤال الذي يأتينا في هذا السياق هـو : من المسؤول عن إيقاظ الشمس حقا ؟ قد يتوجه تفكيرنا مباشرة إلى أنه من أسباب ارتفاع درجة الحرارة هو الاحتباس الحراري الذي سببه بني آدم .”
    الشمس دائما نشيطة وتعرف عدة انفجارات.

  • NAKAMURA
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:19

    bn sujet , continu

  • محتسب
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:25

    السلام عليكم
    غريب امركم كان الله لم يخبرنا أن الساعة آتية لا ريب فيهاوأن يوم الحساب قريب وأننا موقوفون للحساب وأن هناك جنة ونار. وأن العالم سيشتعل فتنا وكوارث حتى تقوم الساعة كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه لا راد لقضاء لله .اللهم إرحمنا

  • زيري بن مناد
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:17

    ‏{‏فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ، رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ، أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ‏}‏ ‏[‏سورة الدخان‏:‏ الآيات 10-13‏]

  • بدر
    الأربعاء 18 غشت 2010 - 18:23

    علينا أن نضع النص القرآني في سياقه وفهمه الصحيح، وإلا سنمضي في متاهات لا قرار لها.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32 7

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52 1

“أش كاين” تغني للأولمبيين