لا تحرق نفسك

لا تحرق نفسك
الإثنين 9 يونيو 2014 - 01:21

أينما حللت وارتحلت، ستجد أناسا يتمتعون بفكر إقصائي، الذي تتحكم فيه الأنانية المبالغ فيها أو الغير مبررة . فالمجتمع الذي تظهر به هذه الآفة يكون دائما يعيش تحت وطأة الظلم ، وتكرس فيه الغلبة لفئة معينة من البشر على حساب أخرى، أو بمعنى آخر الفئة المتمكنة حسبا ونسبا وسلطة، ترى كل من حولها عبيدا ولا يحق لهم الانتساب لكوكبهم ، وفي نفس الوقت حين يتعلق الأمر بتقسيم الثروات ، فلا يحق للفئة المستضعفة أخذ نصيبها من الفيء – إن وجد- وبالتالي يمكن أن نطلق على هذا السلوك العبارة التالية :”أنا وبعدي الطوفان” .فإذا تنامت هذه “الأنا” في بيئة معينة، فسترى الإنسان لا يعشق سوى نفسه .

فبقدر ما تعتبر الأنانية غريزة فطرية في كل إنسان والتي تتيح له معرفة الذات ، ووضعها في موضعها الطبيعي ، قد تصبح حارقة لصاحبها في حالة ما تجاوزت حدود الذات إلى احتقار الآخرين وتسفيه آرائهم والرغبة في السيطرة، وهنا تكمن الخطورة . ومن الأسباب المساهمة في استفحال هذه الظاهرة – الأنانية – هي التربية الغير المتزنة للأبوين، التي تخلق نوعا من الاحتقان بين الأبناء ، فترى بعض الآباء لا يقومون بتوعية أبنائهم بالابتعاد عن الأحقاد ، وعدم العدل بين الأبناء وذلك بتفضيل ابن على آخر، ومن أسبابها كذلك الضغط الاقتصادي الذي يدفع بالفرد للاهتمام بنفسه فقط، ويطارد كل ما يخدم مصلحته ويبعده عن دائرة الخطر.

وحتى من يصارحك بالود جهرا قد يجاملك ويثني عليك في بعض الأحيان، وأحيان أخرى قد يدير لك ظهره، ويتعمد إقصاءك إذا ما استنزف طاقتك ،واستطعت أن تقضي مآربه في أحلك الظروف ،ومن مثل هذا الصنف البشري نحذر كل من يخدم الناس بإخلاص ويتورط في مثل هذه العلاقات، احذروا فللذئاب أنياب .فنحن ومن هذا المنبر نود أن نضع أصبعنا على الداء ونحاول جميعا الإسهام في اقتراح الدواء، وذلك بإيجاد حلول ناجعة لمحاربة مثل هذه الظواهر المشينة اللصيقة بمجتمعاتنا حتى يعم الحب والوئام بين الناس، وفي نفس الوقت التحلي بصفة التواضع لتقريب المسافات بين الناس، ونصبح خداما لبعضنا البعض، مصداقا لقوله تعالى :”ليتخذ بعضكم بعضا سخريا”(سورة الزخرف).

وفي هذا المقام نقترح بعض الأمثلة لمعالجة هذه الآفة حتى لا تحرق أصحابها ،ففي الحقيقة آفة الأنانية لا يمكن التغلب عليها إلا إذا بينا مساوئها للناشئة، وحصناهم أخلاقيا وروحيا لكي لا يسقطوا في مستنقعها ، وذلك بتعويد الصغار على أن يحب لغيره ما يحبه لنفسه ، وأن يحمل نفسه على تقبل تأثير الآخرين على نفسه ،فيما يرضي الله بطبيعة الحال، ولنا في رسول الله أسوة حسنة ، فلنمعن النظر في سيرة خير الأنام ونقتفي أثره في الجود والكرم والتواضع .ومسك ما نختم به موضوعنا الآية الكريمة التي تلخص وتعالج هذا المرض العضال .فيقول عزل وجل في محكم تنزيله بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : ” والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون(سورة الحشر).

‫تعليقات الزوار

2
  • خاي أحمد الصحيح
    الإثنين 9 يونيو 2014 - 20:38

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    نورت المنبر بموضوعك الهادف . وللاضافة :
    ما الأنانية إلا حب الدنيا ونسيان الآخرة والانكباب على هذه الدار الفانية.
    سئل أحد الائمة ما الذي أوصل المسلمين الى هذه الدرجة من الذل والهوان وتكالب الاعداء فرد ذلك الشيخ قائلا ( عندما فضلنا الثمانية على الثلاثة )
    فسئل ما هي الثمانية وما هي الثلاثة ؟
    فاجاب أقرؤوها في قوله سبحانه وتعالي (( قل ان كان آباؤكم وابناؤكم واخوانكم وازواجكم وعشيرتكم واموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتي الله بأمره والله لايهدي القوم الفاسقين ( الاية 24 من سورة التوبة ).
    قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها قالوا : أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله ؟ ، قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعــن الله المهابة من صدور أعدائكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ".

    بانتظار نزف قلمـك أخي الفاضل…
    دمت بألف خير….

  • عبد العليم الحليم
    الجمعة 13 يونيو 2014 - 13:44

    بسم الله

    " إن أردت أن يحبك الله فاتخذ من الإحسان وسيلة تنل تلك الغاية {وأَحْسِنوا إِنَّ اللَّهَ يُحبُّ الْمُحْسِنينَ} وإن كنت متطلعا إلى الخلود في جنات النعيم والنظر إلى الرب العظيم فعليك بالإحسان،{لِلَّذِينَ أَحْسَنوا الْحُسْنَى وَزِيادةٌ} فالحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الرب الكريم.
    ثم الإسلام يريد أن يشمل الإحسان كل ذي كبد رطبة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل بطريق فاشتد به العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه فسقى الكلب فشكر الله فغفر له" قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: "في كل ذات كبد رطبة أجر" ترى كيف يعلم الإسلام المؤمنين وكيف يربيهم ويدفع نوازع الخير وعواطف الرحمة إلى الإحسان والبر فتشمل كل ذي كبد رطبة ولو كان خسيسا في أحط وأدنى مراتب الحيوانات.
    بينما نرى في الجانب الآخر يحرم الظلم "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا"،"المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله"حتى ولو كان كافرا في ذمة المسلمين فيحرم الإسلام دمه وماله "

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 2

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 19

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 9

جدل فيديو “المواعدة العمياء”