المحكمة الدستورية من حوار المؤسسات إلى حوار القضاة

المحكمة الدستورية  من حوار المؤسسات إلى حوار القضاة
الأحد 29 يونيو 2014 - 13:34

اعتاد المجلس الدستوري في النموذج المغربي، و منذ ولادته الأولى، الدخول في حوار مع المؤسسات السياسية والمعارضات المشكلة لها، فتدخله وفق آلية المراقبة القبلية خلال المسطرة التشريعية، مباشرة بعد التصويت و قبل إصدار الأمر بتنفيذ القانون، قد جعل من صورة الرقابة الفعلية للقوانين تتوارى عن عمله لفائدة صورة ” الضابط لنشاط السلطات العامة ” في الفضاء السياسي المغربي، و كذلك بمثابة ” جزء من السلطات العامة” يحافظ على دور استشاري لدى بعض المؤسسات، وبالتالي، أخذ شكل ” مؤسسة ذات خصوصية تلعب دور رئيسي في توازن السلطات الدستورية ، من خلال تذكيره لمجموع الفرقاء ب” منطوق الدستور”.

هذا المعطى، سيتعرض للتغيير، بعد دستور 2011، بفعل القراءة الجديدة التي حملتها آلية ” الدفع بعدم الدستورية ” عبر مطالبة المحكمة الدستورية بالتدخل بشكل بعدي، في مواجهة قانون ساري النفاذ. هذه المسألة ستجعل المحكمة الدستورية بمثابة ” مؤسسة قضائية مستقلة ” خارجة عن الجهاز القضائي العادي و بدون أي رابط تراتبي معه، و مجبرة في الدخول في حوار مع القضاة للوصول إلى توازنات جديدة.

و باكتشافها لدور جديد ” المدافع عن الحقوق و الحريات ” و تطويرها لدورها القضائي، خصوصا بعد التكريس الدستوري لدورها الرقابي عبر تنويع حالات اللجوء إليها بإقرارها الرقابة الدستورية البعدية، من المفترض أن تعمل المحكمة الدستورية باجتهاداتها على تجاوز السقف السياسي الموضوع لها من قبل المشرع الدستوري ما قبل 2011.

و يستتبع أن مساءلة ” الدفع بعدم الدستورية ” ستمكن المحكمة الدستورية من مصدر متزايد للسلطة المؤسسية و الاجتهادية، عبر إفراز دستورا نية فروع أخرى من القانون، كانت بسبب عدم الإحالة غير موظفة من قبله. كما ستسمح ” رقابة الامتناع ” من توسيع مجال الاجتهاد ليشمل ليس فقط المقتضيات التشريعية، بل أيضا التأويلات الممنوحة لها من قبل الاجتهاد القضائي العادي أثناء النظر في نزاع، و هذا ما سيؤدي إلى بروز أسئلة تطرح ” تنامي السلطة التأويلية للمحكمة الدستورية، و تداعياتها على فرضية التحول إلى مجلس أعلى”.

هذا التغيير في طبيعة المراقبة الدستورية، كما مارسها المجلس الدستوري من قبل، ستجعل من المحكمة الدستورية مراقبا فعليا لقرارات محاكم الموضوع، مما سيؤدي إلى تحويل هذه الآلية من طريق لفحص مدى مطابقة القانون للدستور إلى صيغة للطعن القضائي في قرارات الاجتهاد القضائي لمحاكم القضاء العادي.

ثلاث ملامح كبرى تعكس تأثير مسألة الدفع بعدم الدستورية على هوية المجلس الدستوري:

الأولى، تتجلى في كون هذا التحول، من جهة، غير من مفهوم الدستور نفسه حيث لم يعد فضاء لتأطير إشكالات الدولة والسلطة، فقط، بل أيضا وثيقة أساسية لتحديد علاقات الدولة و المجتمع، القائمة على ضمان و حماية الحريات بعدما أدى تقليديا وظيفة ” الكابح لتسلطية السلط ”، و بالتالي، هيأ الطريق للانتقال من الدستور السياسي إلى الدستور الاجتماعي بالتأسيس لمجال عمومي للمواطنة خارج وصاية الدولة. و من جهة أخرى، أصبح الدستور من الآن فصاعدا ” وسيلة للمتقاضي ” للدفاع عن حقوقه ضد تعسف القانون.

الثانية، في انتقاله من الرقابة السياسية القبلية إلى الرقابة القضائية البعدية، بمعنى انتقاله من حوار المؤسسات إلى حوار القضاة، و هو ملمح يعيد النظر بشكل كبير في موقع المجلس الدستوري و مكانته داخل الهندسة الدستورية العامة.

الثالثة، إن التحول إلى المحكمة الدستورية يفرض مسطرة قضائية جديدة ، فاستعارة الدعوى الدستورية لإجراءات الدعوى العادية : احترام قواعد الأجل المعقول و مسطرة التواجهية و حقوق الدفاع و علنية الجلسات و تجرد القضاة….كلها ضوابط لا تتلاءم مع تجربة ” المجلس الدستوري ” السابقة، و تفرض وجود مؤسسة قضائية مستقلة في شكل المحكمة الدستورية.

و يستخلص، ان تحويل المجلس الدستوري إلى محكمة دستورية حقيقية، يترتب عنه إعادة التفكير في دور اشتغال المجلس الدستوري السابق و طريقته….هذا الأخير الذي من المفترض أن يطور مناهج اشتغاله و المسطرة المتبعة أمامه، لكي تصبح أكثر شفافية و تترك مجالا للتواجهية، و هكذا فان دخول آلية الدفع بعدم الدستورية، إلى حيز التنفيذ تلزم المجلس الدستوري السابق بتخطي مرحلة جديدة….حتى يصل مسلسل قضائية المحكمة الدستورية الجديدة إلى مداه.

أستاذ باحث في سلك الدكتوراه

كلية العلوم القانونية و الاقتصادية بطنجة

[email protected]

صوت وصورة
نظرة حقوقية إلى مدونة الأسرة
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:35 4

نظرة حقوقية إلى مدونة الأسرة

صوت وصورة
نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:15

نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"

صوت وصورة
الفهم عن الله | الاحتضان الرباني
الأربعاء 27 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | الاحتضان الرباني

صوت وصورة
نصومو مرتاحين | مشاكل الأسنان
الأربعاء 27 مارس 2024 - 17:00

نصومو مرتاحين | مشاكل الأسنان

صوت وصورة
البياض يكسو جبال مودج
الأربعاء 27 مارس 2024 - 12:15 2

البياض يكسو جبال مودج

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 20

مغاربة والتعادل مع موريتانيا