الصوت والخطاب

الصوت والخطاب
الأحد 18 يناير 2015 - 16:15

طموح السياسي الظاهر أن يسمع صوته، أن يجعل عمله ذا جدوى. أن تنعكس صورته ووجوده خطابا مادحا في أوساط المجتمع. وهو في مهامه لا يستند، من منظوره، إلى الهوى أو الصدفة، منزه عن كل ذلك، بل ينطلق من رؤى منطقية ويجسد الواقع ويترجمه ويعمل على تغييره كما أريد له من طرف الشعب. تلك أحلام فردية لها ما يبررها وليست طموحات تترجم تطلعات الشعب ما دام الفرق بين الخطاب والواقع فرقا فاضحا لم يبق مستورا البتة.

لقد أصبح خطاب السياسي حتى عند الأمي الذي يبيع صوته في موسم الانتخابات معادا مكرورا لا جدوى منه ولا أمل يرجى منه (هذاوصف للمعيش) . ليس كل خطاب يروجه السياسي لا سيما في مثل هذه السياقات (الانتخابات) خطابا واعيا؛ إذ إن الخطاب شيء والوعي به شيء اخر. كل شيء أصبح يحتكم للزمن، للتأثير والتلميع، كما يرى ذلك السياسي، للرفض والتأويل كما يرى الفرد /المواطن .

يرى المواطن أن الرقعة هي التي تحدد الانتماء الذي يتعالى عن كونه انتماء حزبيا ضيقا أو عقديا أو ثقافيا. لم يعد الخطاب مؤثرا، بل الانعكاس. وحتى في أبسط تجليات الخطاب سواء أكان مؤسساتيا أو إعلاميا تابعا نجد أن (المواطن) أو الفرد لا صوت مستقل له في الغالب، صوت يكتسب من خلال انتمائه ورغبته وطموحه في التغيير بل سيتحول إلى فرد يجند يتعامل معه بالمحاباة تارة وبالقمع تارة أخرى.

لو كان الرهان بناء فرد مسؤول، مشارك وبالتالي مواطن يشعر بانتمائه ويعيه لما طرح مشكل الخطاب وتأويله وإن كان النقد لازما، أو فضيحة الانخراط مثلا. الفرد المسلوب لا صوت له إلا بالقمع الرمزي مرة أخرى. فنسبة الأمية كبيرة جدا وهي دافع أساس للنخب لتقوم بالتجنيد والحشد في كل مناسبة. أن يكون الفرد حرا مشاركا واعيا شيء وأن يكون مسلوبا مجندا محكوما بمنطق الغيب شيء اخر. يتساءل الفرد ما الذي تحقق فعلا على أرض الواقع..أفي كل مرة نعيد العملية من دون جدوى، إذ الأجير يبقى أجيرا والعاطل عاطل والموظف مثقلا، مقيدا…الخ؟

لا أحد يساند الأمي أو يدافع عنه. إنه منتوج نخب. ولا يمكن لهذه النخب أن يتحقق وجودها وأن تستمر إلا من خلال الأدوار التاريخية لهذه الفئة. كلما سألت فردا كيف تفهم الإدلاء ينتفض في وجهك. لكنه يدلي استجابة للتجنيد لا المواطنة. وقد يبيع دمه لا للقطع مع مرحلة مظلمة لم تتحقق فيها أمور كثيرة لكن للوفاء بناء على التزام ضمني بينه وبين ممثله الفاسد. ينزل الناخب، كلما قرب موعد الإدلاء، من السماء إلى الأرض وينخرط في الواقع من جديد لكن بخطاب مغاير ومظهر كذلك.

يعد بأشياء كثيرة حيث يبني أحلاما مغرية. لكنه مع كل ذلك لن يذكر على الإطلاق الإكراه والمعيق. ما إن يصل حتى تبدأ المبررات المنطقية وغير المنطقية والمعيقات الحقيقية للإصلاح والتغيير. يرث الفقر والمشاكل ويورثها بل يعمقها من غير تذمر.

لا يبدو أن بناء فرد مواطن هم سياسي. فالمنطق مغاير والمرجعية مختلفة. لكل طموحات وامال. السياسي الفرد غير المواطن، منطقه محدود عكس خطابه. وللمواطن هدف كوني لا يقف عند حدود تحقيق الطموحات والامال الفردية..

إذ يسعى المواطن إلى أن يكون له استقلال وحرية وهو ما لا يريده السياسي غير المواطن. أن يكون ممثلا بمعنى أن يكون شيخا يتكلم عبثا باسم الجماعة ويناقش حاجياتها لكن في نطاق محدود لا يضر بمصالحه وكيانه المتعالي عن كل ما ينطق به.

بين المواطن والسياسي، فردا أو مواطنا، ميثاق يترجم على الواقع. وبين السياسي والفرد ميثاق زمني، ليس غير، حيث الأخذ والعطاء. عند حلول الموعد يبدأ التجنيد وتباع الذمم. وقد نصل، إذا لم تنفع وسائل الاتصال، إلى أن تقتحم السلطات القرى والمدن لحث الأفراد، و(بلباقة غير خافية)، للإدلاء بالصوت. ممارسات غير مفهومة كما يشعر بذلك الفرد. مجرد ذكرى مؤلمة.

الإدلاء من تجليات الديموقراطية، لا شك في ذلك، لكنها صورة ناقصة. الانخراط وعي قبل أن يكون ممارسة. والديموقراطية واقع قبل أن تكون خطابا. مع الديموقراطية يتلاشى الإلزام ويحل محله نداء الضمير. عندما يغيب الوعي الديموقراطي عند السياسي كيف يمكن أن ينعكس على المواطن. للتاريخ والتحولات دورها في تحديد حتمية التحول. مع هذا المعطى ستكون تداعيات جارفة حيث إن المحرك دافع للحاجة. الرغبة ترتبط بالاستقرار حيث كل شروط التفكير والتغيير ملائمة.

الصوت المواطن لا يحتاج تجنيدا. يحتاج الصوت المواطن إلى ثقة تبنى، واقعا يتجلى فيه التغيير ويقل فيه الخطاب. وحتى النوايا لا تكفي. إذ سرعان ما تتحول المعطيات والشروط إلى الأسوء. لا نقول إذاك إن كل شيء مسؤول عنه السياسي والأحزاب. بل نقول إن كل الأسوء نتيجة سوء تخطيط قريب وبعيد. نتيجة تدبير معقلن يراعي الحاجيات والتغيرات والمجالات. إذاك يلزم التعامل مع المتغيرات بذكاء. الواقع يقول النوايا حاصلة لكن الذكاء/ الشرط غائب.

ثمة ما يبعث على التذمر من السياسية والانخراط فيها، وإن كان التذمر لا يعني التشاؤم. نوايا قد تكون حسنة مع خطابات مهدمة وواقع مأزوم حيث تنعكس مختلف السلوكات المنحرفة. لنا أن نتأمل الإدارات وأن نسمع صوت كل موظف كيف تنعكس الديكتاتورية في أقصى تخوم تمظهرها…تراكم خانق. أأكثر من ذلك يمكن أن يجعل الفرد مواطنا؟ كيف نتكلم على المواطنة مع الترهيب، على الانخراط مع الغصب؟

قبل الصوت لا بد من الوعي بالخطاب وإن كثر. ومع أن البلاغة لم تكن أبدا بريئة التوظيف فكذلك الخطاب. لا قيمة لخطابات مهما بلغت من التنويع والتفنن مع تنامي الفساد وتناسل الترهيب وهضم الحقوق. للمواطنة شروط، شروط لا تقل عن تلك التي صيغت لقتل الفرد رمزيا، لذلك لم تكن ذكرى الإدلاء مفرحة وقد تتحقق بالإرادة.

[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • يونس مراكش
    الأربعاء 21 يناير 2015 - 21:57

    مقال رائع واسلوب أروع يعكس واقعنا بكل دقة، حيث أن اليأس أصابه الملل من هذا الواقع المرير، وكتب على الأمي أن يكون وفيا وعلى الفاسد أن يبقى فاسدا، وكأنما تلك أدوار وزعت عليهم منذ المهد حتى اللحد. أملا في غذ أفضل .
    تحياتي الخالصة

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 2

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز