المدرسة المغربية، هل هي مؤسسة تأهيل أم إعاقة ؟

المدرسة المغربية، هل هي مؤسسة تأهيل أم إعاقة ؟
الإثنين 26 يناير 2015 - 19:01

تخيل إذا لم تكن كذلك ، أنك قروي تسكن قرية أو مدشرا المنتشرة في طول المملكة وعرضها .وأنك شخص بسيط تعيش على فلاحة معيشة ، الرعي أو بعض الأعمال الحرفية التي لا يكفيك دخلها الاستجابة لمتطلبات الحياة .في هذه القرية التي تنتمي إليها توجد مدرسة يتيمة يؤمها على الأقل واحد من أبنائك . يذهب هذا الابن إلى المدرسة طوال السنة ،وبغض النظر عن الفترات التي لا يجد فيها الأستاذ في المدرسة بسبب الإكراهات المناخية والتضاريسية أو لأسباب ذاتية وما أكثرها ،فإن السنوات تتوالى الواحدة تلو الأخرى يتدرج خلالها ابنك في العديد من المستويات إلى أن يصل إلى المرحلة الإعدادية ثم الثانوية والجامعية .طبعا هنا نفترض أن ابنك محظوظ لأنه على عكس الكثير من أصدقائه الذي غادروا مقاعد المدرسة لأنهم لم يتمكنوا من مواصلة دراستهم لعدة أسباب قد صمد هذا الولد وتمكن من نيل شهادة جامعية .إذن بعد صبر ومصاريف تحملتها بمشقة رأيت ابنك يحصل على شهادة جامعية :إجازة أو حتى الماستر على أبعد تقدير ، تفرح كثيرا وتعقد آمالا طولا عراضا على هذا الابن ،وتحلم بأن تراه إطارا مشرفا في وزارة من الوزارات .لكن سرعان ما تتبخر الأحلام حين يخبرك أبنك أنه لم يوفق في الحصول على وظيفة لا كبيرة ولا صغيرة .يعدك كي لا تحزن كثيرا أنه سيعتصم مع زملائه أمام قبة البرلمان ليقنع الحكومة بأن تجد له وظيفة ـ تكذب على نفسك وتعقد آمالا أخرى واهية .تفاجأ وربما في المضمر كنت تنتظر ذلك بابنك وقد عاد إليك مستسلما كئيبا حزينا ، يخبرك أن لا أمل في الحصول على عمل وأن كل ما ناله من الاعتصام هو الضرب و الاهانة و لا شيء غير ذلك.

لا شك أنك كأب ستلعن اليوم الذي فكرت فيه أن ترسل هذا الابن إلى المدرسة ،لأنك وحتى لو لم تصرح بذلك ستحمل نفسك وزر ما حدث لفلذة كبدك ، لأنك لو كنت قد حرمته حق ولوج هذه المؤسسة لضمنت له حق التخرج في مدرستك الخاصة ، مدرسة الحياة ،وحياة القرية بالخصوص حيث يبدأ العمل والرجولة منذ نعومة ألأظافر . كنت ستعلمه كيف يتقن حرفة أبوه وبذلك تعده لمواجهة الحياة بنفس المقاربة البيداغوجية التي اعتمدها والدك في إعدادك للحياة ، مما كان سيجنبه أن يصبح كالغراب الذي أراد أن يتعلم مشي الحمامة فأضاع مشيته ولم يتعلم مشيتها ، فابنك الغراب لم يستفد من تعليمه ، ولم تستفد أنت منه وهكذا خاب الأب والابن معا .

هذا المثال الذي يسري أيضا على نفس الأب في المدينة ، يجعلنا نتساءل عن ألأدوار التي تضطلع بها المدرسة المغربية في الألفية الثالثة ، هل ستظل منظومتنا التربوية وإلى الأبد تقدم للمتعلمين معارف لا تؤهلهم للحياة ، معارف كلها ماضوية والحديث منها نظري لا يمكن استغلاله في ميدان الحياة الذي ينتظره كما ينتظر الحيوان المفترس فريسته.سوق الشغل يطلب شباب مؤهل للانخراط فيه ،والمؤسسة التعليمية تقدم له شباب متعلم لكنه معاق عمليا مؤهلاته لا تنفعه في إيجاد إي عمل نافع لأن العرض لا يستجيب للطلب .

نعم مناهجنا التعليمية الحالية لا تقدم للتلميذ سوى معارف صورية تندرج ضمن الثقافة العامة ، دون أن تمكنه من الكفايات اللازمة للواقع وبالخصوص لسوق الشغل .سبب هذه المعضلة هو أن مدارسنا على الرغم من أن أبوابها مفتوحة فإن نسقها التعليمي مغلق على نفسه بشكل طوباوي .البراد يغم الذي كان ولا يزال يحكم العملية التعليمية التعلمية ، هو براد يغم قسري يظل فيه الأستاذ محور العملية التعليمية .التلميذ دائم الاعتماد على الأستاذ لا يحرك ساكنا إلا بإذنه ، مما يحرم المتعلم من أي فرصة لتحقيق الاستقلالية الذاتية التي تمكنه من الاستعداد لمواجهة الحياة.

المشكلة أن هذا البراديغم مرشح لأن يبقى مستمرا حتى في ظل محاولة الإصلاح التي يقوده المستشار الملكي السيد عزيمان ، أو ما تحاول الوزارة الوصية أن تقوم به من ترميم لمنظومة متهالكة ، يحتاج علاجها إلى التأسيس لبراديغم جديد يفك الارتباط بالبراديغم السابق ،مما يحقق للمتعلم القدرة على الاستقلالية وروح الإبداع ، لا الاستهلاك المعرفي الذي تصبح فيه معارف محنطة لا علاقة لها بسوق الشغل خاصة ولا بالحياة عامة سببا في جعل إعاقته دائمة ومستمرة .

الإصلاح المرتقب سيعيد إنتاج الإعاقة نفسها لدى المتعلمين ،والتي تقدر بعض الدراسات الغير منشورة أنها تصل إلى 85في المائة لدى المتعلمين ، إذا لم يعمل على تدارك نواقص المناهج التعليمية الحالية ، ولكي نتمكن من تربية وتعليم أجيال مستقلة قادرة على الاندماج في سوق الشغل ، لا بد أن تهدم فلسفة التعليم الخدماتي الذي يوفر أطر تقدم خدمة وظيفة للمجتمع إلى فلسفة تعليم إنتاجي يبتكر وقادر على الانتاج في كل المجالات التي يتطلبها السوق المحلي والدولي .وطبعا لن يتأتى هذا بتغير المنظور التربوي التقليدي ، بل أيضا بتأهيل الأساتذة وتأطيرهم بالشكل الصحيح حتى لا يبقى أغلبهم مجرد تلميذ نجيب في القسم .

‫تعليقات الزوار

6
  • موسى نضاو
    الثلاثاء 27 يناير 2015 - 13:15

    التعليم في المغرب ينقسم إلى قسمين : تعليم نافع وآخر غير نافع ،التعليم الفارغ والمتخلف والشبيه بمحاربة الأمية والذي لا آفاق له مستقبلية هو الذي تحتويه منظومة التعليم العمومي ،بكل هذه الجيوش من التلاميذ والأساتذة وهو المستهدف الآن بالإصلاح ولكن هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ، هل يمكنك أن تنعش جثة ماعادت تدب فيها الحياة . التعليم النافع هو الذي يؤدى عنه الآن له سماسرته ويوجد حتى خارج المغرب وهو الخاص بالطبقة البورجوازية والكوبرادور المغربي هو التعليم الذي يحافظ على التوازنات ويحافظ على أن تبقى المدرسة المغربية العمومية في الحضيض ولا تخرج إلا العطالة على مدى القرون التي ستأتي .

  • L autre
    الثلاثاء 27 يناير 2015 - 14:44

    الأخ الكاتب المحترم: هل سبق وان قمت ببحث في نشأة موسسة التعليم النظامي وفي السبب وراء هذا التعليم (مناهج/أهداف/ مقررات ….)؟ ان مشروع التعليم العمومي في الأصل مخطط ماسوني يهدف الى إيجاد طريقة للتحكم في الفلول (أنا وانت) وتوجيهها وفق مخططاتهم التي تهدف الى السيطرة الكاملة على ثروات العالم ومن تم الحياة على وجه الارض. ولما استعصى عليه التحكم بابن الفلاح والصانع والتاجر الذي تعلم في كنف أسرته وعشيرته كونه راكم إحساسا قويا بالكرامة والأنفة (اهم أسس الثورة) اهتدى الى انتزاعه من موطنه الأصلي ووضعه في إطار مغلق (المدرسة) وسط مجموعة غرباء (القسم ) تحت إدارة اداة (المعلم) تُمارس عليه القهر والغباء الى ان يصبح عاجزا عن التفكير وفاقدا للكرامة… آنذاك يخرج للمجتمع دون ان يمثل خطرا على على النظام (التماسيح والعفاريت بالمغربي)…

  • Akim
    الثلاثاء 27 يناير 2015 - 22:23

    واعجبي من آفاق مغلقة ومنغلقة لاتبث في نفوس المدرسين والممدرسين إلا الكآبة وكل أنواع الانهيار !! واأسفي على سنين العمر مرت وتمر دون إيجابيات تذكر !! واجزعي من مستقبل يلفه الغموض لفلذات أكبادنا !! واحسرتي على عمر وقد ضاع في متاهات عنيدة وأحلام لم يتحقق منها ولا حلما واحدا !! واخوفي على مستقبل أجيال تائهة كأسماك في موج مضطرب خلال ليل طويل لانور ولا ضياء فيه !! واحزني على مسؤولين غارقين في البحث عن مصالحهم متناسين وعاجزين عن صنع ولو قليل من الفرحة والبهجة والبسمة على شفاه كل التائهين والتائهات في أجمل بلد في العالم !!

  • aziz
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 12:09

    لا مجال لطرح هذا السؤال؛شرح الواضحات من المفضحات؛إبتلينا وإبتليت الدول العربية بأناس جهلاء؛كل همهم المال؛بدل حشد جهودهم لتنوير البشرية؛يحشدون أوقاتهم ويتسابقون للساعات الإضافية؛ضاربين عرض الحائط ؛متجاهلين فلذات أكبادنا؛هؤلاء يسمون المعلمون أو الأساتذة؛مع هكذا أناس لا تستغرب من منظومة تعليمية ينخرها الفساد؛عندما تلتقي معلما وتستنكر أفعاله؛يجيبك المهم بالنسبة لي أن أعيش جيدا بغض النظر عن الآخرين؛أرثي حال ٱطفالنا و أعاتب أمير الشعراء الذي قال قم للمعلم وفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا؛أفكر جليا في الأمر؛وصل إلى خلاصة؛الأكيد أن أحمد شوقي يقصد معلم سباحة أو غناء أو رقص؛أو مسرح؛أو ي شيء آخر إلا المجال الدراسي

  • almansy
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 12:21

    كل من هب ودب صاريناقش مشكلة التعليم…كل من هب ودب صار يشتم الاستاذ والمعلم…كل من لا يحسن حتى الكتابة صار يتخذ التعليم هدفا وغرضا يرمى ….هزلت والله هزلت …
    لقد هزلت حتى بدا من هزالها ****كلاهما وحتى سامها كل مفلس

  • jamila
    الأربعاء 28 يناير 2015 - 15:12

    يجب أن نعرف الظروف القاسية التي يشتغل فيها الاستاذ خصوصا في العالم القروي الذي تفتقر فيه االمدرسة لأدني شروط الإشتغال بدءا من انعدام المرافق الصحية والتعليم أولي وقاعات متعددة وسائط و.‏..غيرها و يقول مثل مغربي:ماحاس بمزود غير لي مضروب بيه

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 1

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال