ماجدوى الاستمرار في إنجاب أطفال ؟

ماجدوى الاستمرار في إنجاب أطفال ؟
الأربعاء 11 فبراير 2015 - 10:46

وأنت تسير،تباغتك امرأة تحمل رضيعا،تسألك عن مساعدة مادية،لأنها لاتملك من ملكوت الدنيا،غير قطعة اللحم تلك.

بعدها،بقليل،يعترض سبيلك ،شخص من نفس طول وعرض محترفي كرة السلة الأمريكيين،متوسلا بكل الأدعية الدينية والدنيوية،أن تمده بما أمكنك من النقود طبعا،لأن “المرا- يقصد زوجته- يلاه ولدات في السبيطار”،وهو بصدد تجميع تكاليف المستشفى.في الجانب الآخر من الشارع،تجلس امرأة على قارعة الطريق،مكتسية كليا لباسا أبيض،إخبارا للمارة، أنها تعيش فترة حداد على رحيل زوجها،محاطة بثلاثة أطفال على الأقل،كل واحد منهم قد أخذ وضعية ما،منحنية الرأس،كئيبة، يستغرقها حزن صامت،تعرض أمامها وصفات أدوية في غاية الاهتراء،تبقيها على الأرض من هزات الريح،قروش بيضاء وصفراء،بمعنى صمتها أبلغ من الكلام.ما إن تبلغ مستشفى عموميا،يضم قسما للولادة،حتى ترمق على امتداد لمح البصر،حشدا من المنتظرين،ينتظرون بانقباض أخبارا عن ولادات،وكل واحد منهم يعمل على قتل وقت الانتظار،بالحكي للمجاورين عن قصص من عوالم فرانكشتاين المرعبة، عن “المرا” أو “المدام”في أفضل الأحوال، والمخاض والعودة ثانية إلى المنزل من أجل الإتيان ب”البطانية”،والوجع الشديد وعدم وجود سرير والاكتفاء بوضعها في زاوية من زاوية عند مدخل المستشفى،وبعض الممرضات المتمايلات تبخترا،وأجهزة الحرب العالمية الثانية،والشتم واللكم،لاسيما إذا كانت “المرا” منتسبة إلى دهماء القوم وأسفله،ثم المعارك الطاحنة بين القطط والكلاب حول أطباق الأجنة،إلخ.تقتني الجريدة،تتصفحها يمنة ويسرة،على قصص بالجملة لجحافل من الرضع، متخلى عنهم.

نهارا، على امتداد طرق المدينة،أطفال،من مختلف الأعمار يلحون على المارة،جيئة وذهابا،يعرضون عليهم أي خدمة ،لقاء دريهمات. ليلا،وأينما وجدت أقبية في المدينة،ترى حفنا من الأطفال والشباب،ملقى بعضهم فوق بعض،كقطع السردين.أي طفولة ؟لأي أطفال؟لأي غد؟يقول غاندي:((إذا أردنا أن نعلم السلام الحقيقي،ونخوض حربا ضد الحرب،فعلينا أن نبدأ بأطفالنا)).المجتمع،الذي يغتال أطفاله،يحكم على نفسه منذ البداية، بشتى أنواع الشرور، ماظهر منها ومابطن.

مع كل هذه المعطيات، تحتفظ دائما أفرشة فقرائنا على خصوبتها،وماكينة القذف، بالبشر، لا تتوقف.لازالت عقلية النمط البطريركي هي المهيمنة،فكلما التقيت شخصا،لم تلتقيه منذ مدة،أضحى مألوفا أن يقتحمك بسؤال-كليشه، دون مقدمات :”واش درتي شي وليدات؟”،مادامت قصة النجاح المتداولة لدى الجميع،هو إعلانك ”الفحولي” لهم،بالدليل المادي الملموس، أنك ساهمت بدورك في تفعيل المنظومة الإنتاجية العامة،بالأولاد،مع العلم أن السؤال الجوهري،المغيب الذي يجدر أن يطرحه كل واحد على نفسه قبل التنقيب في خصوصية غيره :”ماهو المشروع،الذي تمكنت من تهيئه أنت وأنا والآخر،لهؤلاء الأولاد،قبل وبعد ولادتهم،ليس فقط مشروعك الحياتي على المستوى الذاتي،بل المجتمعي عموما؟هل تملك من المؤهلات الوجودية،كي تصنع مسلكا لأفضل المصائر؟”دون الاستكانة التواكلية إلى الحدوثة الميسرة والشهيرة لانتظار غودو ،حيث أكثرية الآباء جالسين في بيوتهم مختفين وراء حواسبهم،يفدلكون حزما من النميمة،ويتوهمون أن هناك من سيصنع قدرا أفضل لهم ولأبنائهم.يقول جون لوك :((يولد الطفل عبارة عن ورقة بيضاء،نكتب عليها مانشاء))،ويضيف روسو :((إن الإنسان يولد طيبا بطبعه ولكن المجتمع هو الذي يفسده)).

البعد البيولوجي للعملية الإنجابية في حد ذاتها،من أسهل الفتوحات في الكون،ولا تقتضي موهبة استثنائية ولا بطولة أو شجاعة،ولاهي ميزة للتفوق الفردي أو الجدارة المجتمعية،لكن الأهم فيها مقتضياتها القبلية والبعدية،والسياقات المتفرعة عنها .إنجاب طفل،ليس بفكرة تسقط علينا ليلا ونحاول تنفيذها في اليوم التالي،لكنها أساسا قضية وجودية بالمعنى الحقيقي لدلالة الكلمة،التي تضع الإنسان في قلب المعادلة المؤرقة، للمسؤولية والحرية،مثل كل الاختيارات الكبرى.

بناء عليه،حين إقدام أحدهم على إنجاب طفل،فهل يمتلك من المؤهلات والقدرات،كي يخلق من وليده ذاك إنسانا،والاحتفاء بالنوع وليس الكم،لأن العالم في حاجة ماسة،كي ينتشل نفسه قليلا من مستنقعه،إلى بشر حقيقيين، وليس إلى مزيد من الأفواه الجائعة،والأطياف المتراكمة.يقول روسو، مشيرا إلى تلميذه “إميل”:((أن يحيا هي المهمة التي أردت له تعلمها.أعترف،أني لا أريد أن أخلق منه قاضيا أو عسكريا ولا كاهنا،بل عليه أن يكون إنسانا، أولا)).

لكن في موقع آخر،سيكشف روسو بكل عبقريته التربوية،عن نوع من الإخفاق،مما يظهر بأن الطفل ليس مجرد ولادة عبثية من أجل الولادة،إذا استشعر الجميع طبعا،التطلع نحو مجتمع صلب وسوي :((قبل أن أتزوج،كان لدي ستة نظريات في تربية الأطفال،أما الآن،فعندي ستة أطفال وليس عندي نظريات لهم)).ربما،الجواب أدلت به “الكونتيسة دي سيجور”،بتأكيدها :(( تربية الطفل،يجب أن تبدأ عشرين عاما، قبل ولادته، بتربية أمه)).تأملات هؤلاء، من يموضع حقا الكائن البشري،في أقصى درجات سموه.

أتساءل حاليا،ماهي نوعية القيم الأولى التي ستلقنها لصغيرك في مجتمعنا،كي تكون من جهة منسجما مع قناعاتك،ثم تجسد له باستمرار المرجعية المثلى،ويحتفظ لك باحترامه المطلق؟إشكال من هذا القبيل،يطرح بحدة قياسا،لوضع سيكوباتي، غيرعقلاني بتاتا،ونحن نعلم أن أهم مطلب سلوكي يبتغيه الطفل من الكبار،هو صدقهم وصفاء سريرتهم،يقول أوسكار وايلد:((يبدأ الأطفال بحب آبائهم،وبعد فترة من الزمن يحكمون عليهم،ونادرا مايسامحونهم، إن فعلوا)).

أسرنا هشة فكريا واقتصاديا،مدرستنا تقول شيئا والشارع يمارس شيئا مغايرا كليا،وإعلامنا العمومي يلقي في وجوهنا بأي شيء،و”النخب” في مجملها تطبل وتزمر لكل الأشياء،تحقيقا لمآربها الضيقة لاغير، والمنظومة العامة ممزقة فكريا وسيكولوجيا،جراء اختزال المنظورات المصيرية للأجيال المقبلة،في مقاربات يومية مصلحية سريعة،لأهداف سياسية ضيقة جدا،مما يؤدي إلى تفتيت المشروع المجتمعي الكبيرالمفترض،الذي سيوحد النظام السياسي والمدرسة والشارع والإعلام والنخبة والجامعة والجامع والجمعية والحزب والنقابة والمصنع والحقل والملعب الرياضي والمعهد الموسيقي والمتحف والملتقى الفني والثقافي… ،كل في مجاله،يشتغل من جهته في أفق تكريس أرضية عتيدة لتهذيب صفاء الأطفال، على القيم التي يستحيل تنمية الحياة بغيرها،أقصد العقل والعلم والعدالة والمواطنة.وإلا فيكفي مالدينا من أطفال،يؤدون غاليا جدا، نزوات لامسؤولة للكبار؟.

‫تعليقات الزوار

2
  • صوت من مراكش
    الخميس 12 فبراير 2015 - 16:48

    شعرت وانا امر على سطورك قارئ انك تكتب اشياء امنت انا ايضا بها ولكم رددت مقولة "البطون الجائعة هي اللتي تلد"
    ولكن هلا سمعت انين وعذابات من لم يرزق بمولود قط وهو على امله ساهر
    ما الفائدة من انجاب اطفال سؤال لكل اداب ادبيات شروحه
    التربية نعم الحل لكن لو اتضح ان المربي بحاجة لتربية هو ايضا
    هل نؤجل انجابهم حتى يتحقق الشرط لذلك دع الجواب لفطرتك ككائن بشري قيل ان من طبائعه التملك واستخلاف

  • حنان بودرقة
    الخميس 12 فبراير 2015 - 18:35

    يجب فرض بالقوة وبالعقوبات الجزرية التخطيط العائلي ببلادنا والا فمصير المغرب في المستقبل القريب جحافل من المجرمين ومن بائعي المخدرات والمتطرفين الدينيين

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال