أين مربط هذا الفرس الجامح؟

أين مربط هذا الفرس الجامح؟
الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 22:31

في محاولة لتحليل ابرز الاشكالات التي تعيشها الجامعة المغربية حاليا، تصدمك للوهلة الأولى شساعة وتعقيد الموضوع، كيف لا وهو أحد أهم أسباب التخلف والتعثر الإقتصادي، السياسي، الإجتماعي والفكري الذي يعيشه البلد منذ عقود. إشكالية التعليم عموما وإشكالية التعليم العالي خصوصا تلقي بثقلها على الواقع المغربي، خاصة مع استفحال ظواهر سلبية عديدة في ظل الفشل المستمر للسياسات الإصلاحية التي لم تجد مكامن الخلل ناهيك عن اصلاحها.

الجامعة المغربية وما ادراك ما الجامعة المغربية بمفهومها الجامع ، تجمع في كنفها جل امراض التعليم العالي العليل، لم تسلم منها لا المعاهد والمدارس العليا، ولا الكليات ذات التخصصات الخاصة او الكليات العامة التي تعاني اكثر من غيرها، كل ونوعية الاشكالات التي يواجهها، مع ضرورة الاشارة الى تداخل وترابط هذه الاشكالات بين هذه الهياكل. كل ذلك نفصله في ما يلي.

تنقسم اشكالات الجامعة المغربية الى ثلاثة اقسام:

القسم الاول: مرتبط بما هو تخطيطي اداري تدبيري

تتحمل فيه الوزارة الوصية على القطاع جزءا كبيرا من المسؤولية من خلال ضعف ميزانية الوزارة ككل ( وهذا متعلق بالسياسات الحكومية)، والميزانية المرصودة للبحث العلمي والابتكار كمعيار دولي على مدى الاهتمام بتنمية القطاع، والتي لا تتجاوز 0,8 % من الناتج الداخلي الخام (300 مليون الدرهم)، مع الاشارة الى كونها عرفت تحسن ملحوظ خلال العامين الماضيين، بالإضافة الى اشكالية عدم توفر المناصب المالية اللازمة لتغطية العدد المتزايد من الطلبة عاما بعد اخر.

السندان الثابت الذي عصي على جل الحكومات المتعاقبة تحريكه نحو موضع افضل، يتمثل في المنظومة التعليمية، وان وصفناها بالسندان فلأنها الأساس الذي تنبني عليه كل المسائل البيداغوجية، التقنية، والبشرية اللازمة لتحقيق التصور الذي تُنَظّر له، ظل جل الوزراء يَنْظُمونها على هواهم، ابتداء من النظام الجامعي الذي خلفه المستعمر، مرورا بزلزال التعريب الذي قلب كل شيء رأسا على عقب، ووصولا الى نظام الوحدات الذي أبان عن فشل في التنظير والتطبيق، واخر الترقيعات النظام الجامعي الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في الموسم الدراسي الحالي 2014 ـ 2015. كل هذا يأتي في ظل غياب ارادة حقيقية لا تشوبها شائبة تعمل على بلورة تصور شمولي يُخرج المأزق من ورطته.

حتى وان حدث وأوجد التصور، فتطبيقه ليس بالهين، خاصة مع ما تنفرد به المؤسسات الساهرة على التنفيذ من نواقص، نتحدث هنا عن الجامعات ومجالسها التربوية والادارية، التي مازالت تسير وفق المنهج العمودي المتسلط المغلف بالمنهجية التشاركية. زد على ذلك التدبير المتخبط للوحدات الجامعية، المقررات الدراسية، لغة التدريس ـ في ظل الدعوات المتكررة الى التخلص من الفرنسية والاعتماد على اللغة الانجليزية ـ، الزمن الجامعي، وأنظمة التقويم… ناهيك عن قصر النظر الذي تعانيه في برامجها، انتهاء بأكثر الاشكالات تداولا، محدودية الموارد المالية، اللوجستيكية والتقنية.

القسم الثاني: مرتبط بالموارد المالية وكل ما هو لوجستيكي تقني.

العمود الذي تسند اليه جل اشكالات التعليم المغربي، والذي لطالما تخفى وراءه المسؤولون: الدعم المالي للجامعات المغربية، الذي يكلف خزينة الدولة ما يقارب 05 ملايير من الدراهم، مازال يراه الفاعلون الجامعيون غير كاف، رغم ان ما ينتجه صرف كل هاته الملايير ما هو الا مجرد خرجين معطلين محدودي القدرات في تخصصاتهم، وبحث علمي عقيم لا يتجاوز ألفين مقال علمي سنويا حسب احصائيات اليونسكوا. ومن بين المؤشرات السلبية ايضا، ان اغلب هذه الموارد تصرف على الكتلة البشرية والبنيات الأساسية على حساب الجانب التقني ، وهذا مؤشر انه مازال الطريق طويلا حتى ننتهي من الاساسيات لنتفرغ بعد ذلك لما يعتبر عندنا من المكملات.

اشكالية الاكتظاظ، التوزيع الجغرافي الغير العادل للمؤسسات، كلاسيكية الوسائل التعليمية، تقادم البنيات الجامعية، تقادم الاحياء الجامعية وعدم صلاحيتها، رداءة المطاعم الجامعية … كلها من صميم المعضلة الجامعية المغربية.

ضعف الجانب التقني الذي اصبح من الضروري ان يعتمد على وسائل التكنولوجيا الحديثة، اصبح الشغل الشاغل للدولة من اجل اللحاق بالركب العالمي، ميزانيات كبيرة تصرف، لكن الاهداف لم تتحقق لأسباب متعددة منها الاتكال الكلي على هذا الجانب كأنه الحل السحري، عنصر بشري غير مؤهل لاستغلال هذه الوسائل بالفعالية اللازمة، الاعتماد على استيراد هذه الوسائل في ظل ضعف ان لم نقل انعدام الانتاج الوطني التكنولوجي، عكس ما تنهجه معظم الدول ذات التعليم المنتج التي تعتمد الذاتية مبدأ اساسيا في السياسة التعليمية.

الاشكال هنا يكمن في كون جل سياسات الاصلاح تتمركز حول الجانب التقني دون اعطاء نفس الاهمية للعنصر الأهم في أي تنمية او أي اصلاح: العنصر البشري، المسؤول الاول والاخير لإنجاح أي مبادرة.

القسم الثالث: اشكالية العنصر البشري

الوحيد الذي يملك المفتاح السحري لحل معضلة التعليم المغربي، لكنه للأسف يضل الحلقة الاضعف في المنظومة الجامعية.

مكونات العنصر البشري في التعليم الجامعي المغربي ثلاث: المكون الاداري، المكون التربوي، والمستفيد: العنصر الطلابي. العلاقة بينهما تتسم بالتشاحن وعدم التوافق، تتقاذفها الصراعات السياسية، النقابية والشخصية. الفاعلون الاداريون يشتكون من كثرة ضغط العمل عليهم ويطالبون بمناصب اكثر من أجل مواكبة الازدياد المهول لأعداد الطلبة، وبتحسين ظروف العمل، والزيادة في الرواتب. كذلك الفاعل التربوي، الأساتذة يطالبون بظروف أفضل، ويبحثون عن مكانة ابرز داخل السياسة التقريرية للوزارة، وينتقذون احادية التخطيط والتسيير، ويطالبون بالاستقلالية التامة للجامعة المغربية.

العنصر الطلابي، المفعول به في هذه المنظومة، تحيط به اشكالات عديدة: ضعف القدرات ( ناتج التعليم الاساسي)، تسييس الحركات الطلابية، العنف الجامعي خاصة في الكليات ذات الاستقطاب المفتوح. مناهج تعليمية لا تتوافق مع القدرات، تتسم بطغيان المنهج التقليدي الذي يعتمد على الحفظ والاستظهار بدل تطوير مهارات الملاحظة والتأمل والبحث عن الحلول، وهذا ذو اثر سلبي خاصة في الكليات التقنية وذات التخصصات المحددة … زد على ذلك علاقته المتوترة بالإدارة والاساتذة التي يجب ان يغلب عليها في الاصل الود والاحترام.

العنصر البشري في التعليم المغربي عموما والتعليم العالي خصوصا، بغض النظر عن الجانب المادي والتقني، تفتقد جل مكوناته الى مبدأ اساسي يعتبر المحرك الاساس في نجاح أي امر كان، نتحدث هنا عن ضعف الإرادة والشغف، فقدان هذه الخاصية مرده الى اسباب ذات ارتباط بالمنظومة ككل، واسباب ذاتية مرتبطة بنشأة ومبادئ كل متدخل داخل هذه المنظومة. التجربة تظهر انه متى أوجد الشغف وأوجدت الإرادة، وُجد النجاح رغم ضعف الامكانيات، وأوجدت الفعالية في استغلال الموارد المحدودة، وهذا يلزمه تكوين شامل يأخذ جميع المتداخلات يعين الاعتبار من اجل انتاج هذا العنصر المتميز بهذه الخاصيتين. ما يحيلنا الى ان العنصر البشري في التعليم المغربي ما زال يدور في حلقة مفرغة لا أبعاد لها.

في ظل كل هذه التعقيدات يطرح السؤال، ماذا عن استقلالية الجامعة المغربية ؟ كيف السبيل الى منظومة أفضل ؟ أي السبل كفيلة بتحقيق التوازن بين مكونات قطاع التعليم العالي في ظل القطبية التي يعيشها بين الكليات ذات الاستقطاب المفتوح وذات الولوج المحدود ؟ أي الوسائل قادرة على تحقيق الاكتفاء المادي والتقني للجامعة المغربية ؟ ماذا عن الفعالية داخل المنظومة الجامعية ؟ كلها تساؤلات تزيد الصورة قتامة مادام انفراج الازمة بعيدا، وتجعلنا نتساءل بدورنا: أين مربط هذا الفرس الجامح ؟.

*طالب في كلية الطب مراكش

‫تعليقات الزوار

2
  • bada
    الثلاثاء 3 مارس 2015 - 14:49

    تحليل موفق .بالتوفيق .ألامل ان يستفيق الضمير ويصحو التعليم .

  • ر. اعبدي
    الثلاثاء 3 مارس 2015 - 15:52

    مقال موفق الاخ يونس من بين الاشكالات ايضا طريقة تدبير البحوت الجامعية و غياب المواكبة للطفل المتمدرس , فشل السياسات العمومية في ربط الجامعة بسوق الشغل .

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00

صحتك النفسانية | الزواج