صَيِّبُ الربيعِ العربي ج 2

صَيِّبُ الربيعِ العربي ج 2
الثلاثاء 24 فبراير 2015 - 22:16

إن هذا الربيع وما اعتراه من سجال بين الحق والباطل، وبين الظالم والمظلوم؛ ما هو إلا حلقة في سلسلة تدافعية تتكرر على مدى تاريخ البشرية وفق سنة: “ينال منا وننال منه”؛ والعارف بسنن نواميس الكون؛ يعلم أن الله ابتلى الصالحين بأعظم مما نرى في هذه الثورات من ظلم وعدوان ..

وكانت العاقبة للتقوى فيهم أو لمن جاء بعدهم؛ ومعاذ الله أن يندم مواجه للباطل وقوال بالحق وصادع بما أمره الله؛ بل يفرح جذلاً وحبوراً أن أقامه الله ذلك المقام الشرعي المشرف ..

فإن قال قائلٌ عن حسن نية منه: وأي فائدة لذلك؟

قلنا:

أولاً: ما نص عليه الإمام القرطبي بقوله: “فائدتها امتثال الأمر؛ وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمراً واجتنابها نهياً”. [تفسيره الجامع 1/88]

ثانيا: وخير نتيجة وأعظم فائدة؛ هو تعرية الظالمين والنصيحة في الدين لأئمة وعموم المسلمين؛ حتى لا يحرفه المبطلون ولا يتأوله الجاهلون ولا ينتحله الغالون والغالبون والغامطون ..

ثالثاً: تفويت الإجماع السكوتي على الظالمين؛ أن يظنوا صواب ما فعلوا، وبالأخص إذا زينه لهم علماء السوء من أحفاد بلعام بن باعوراء الذي آتاه الله آياته وعلمه الاسم الأعظم فما كان منه إلا أن رفع يديه مبتعدا بالدعاء على نبي الله موسى عليه السلام والتخذيل في جيشه الذي سيدخل به الأرض المقدسة؛ يبينه:

رابعاً: أن الظالمين استعانوا بسحرة الدين من أصحاب العمائم المضلين؛ فتكلموا باسم الدين وبتوقيع وحي رب العالمين؛ فمن سكت عنهم لم يسكت عن طاغية طمع في سلطة ولم ينافح من أجل سياسة أو دنيا؛ وإنما هو في جهاد ديني أن يُستغل نور الوحي لظلام الإجرام، وتفسرَ به آيات العدل والإحسان، وتحمل بالضلالة أحاديث المصطفى على أسوأ المحامل وتنزل أقبح تنزيل على المحقين وعلى المسلمين وعلى المستضعفين وعلى الأخيار والأبرار والعلماء والصلحاء؛ ولعمري ماذا تفيد “شرعية الردود” إن لم تفدنا في الرد على هذه “الفئة الهامانية” التي تعطي صكوك الشرعية “للفرعونية” و”للقارونية”؟!

وهو عين الربانية في العلم التي خلدها الإمام أحمد في خطبته الشهيرة:

“الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله -عز وجل- الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه, فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين”اهـ. [من كتاب الرد على الجهمية (1/6)].

وقال رحمه الله: “ما ثبتني في الأمر الذي نزل بي (المحنة)؛ ما ثبتني أعرابي لقيني فقال لي: يا أحمد: إن يقتلك الحق تمت شهيداً، وإن تعش تعش على الحق حميداً”. [الآداب لابن مفلح 3/387].

خامساً: ليكتب التاريخ أن الصدق كان له رجال، وأن الأرض لا تخلو من قائم لله بالحجة.

سادسا: وما يدريك أن الظالم أو ناصره؛ في حيرة، أو أن له للحق رجعة أو أنه يستغيث في سره أو سمع في العلانية صوتاً آخر غير من حوله في بطانته؛ أو ليس بشراً شرعت بالإجماع نصيحته سراًّ وجهراً، وأن توجيهه وتذكيره يمثل القلب من الدين الذي بني على النصيحة؟؟

سابعا: وليكن الأمر كما قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف: 164 – 166]

وعلى قول جمهور المفسرين -كما حكاه القرطبي وغيره-؛ بأن الفِرق في هذه الآيات ثلاث:

العاصية، والناهية، والساكتة التي لم تعص ولم تنه.

وأن الله ألحق الساكتة بالعاصية، وخص الناهية بأنها الناجية، وأنها الطائفة المنصورة العالية.

فالساكتون تركوا وعظ الظالمين اتكالاً على هلاكهم، ونسوا بأن ذلك ليس كافياً في إبراز الحق والتعبد لله بنصرته؛ فكأنهم بسكوتهم هذا؛ يجادلون عن الضُلال ويخففون عنهم وطأة الموعظة والصدع بكلمة الحق؛ ولذا ذكروا في التفسير عن ابن عباس؛ أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى وقال:

“إن هؤلاء الذين سكتوا عن النهي عن المنكر هلكوا؛ ونحن نرى أشياء ننكرها ثم نسكت ولا نقول شيئا”.

فكيف بالذين ينكرون على الذين يعظون الظالمين المستبيحين لدماء المضطهدين المقهورين؟؟

فكأنهم من هذا الوجه كانوا شبه مجادلين عن الذين يختانون أنفسهم خُصماء للخائنين؛ ومن ناحيةٍ أخرى مضعفين بادعاء عدم الجدوى جناب الناصحين وصوت الصادعين؛ وكفرهم ملامةً و ذماً ..

بل وسيكون في مذهبهم الفاسد نقيض قصدهم؛ كما قال جل ذكره بعد ذلك: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا} [الأعراف: 168]

وأن وراثة الكتاب حقا وميثاق مدارسته صدقاً؛ أن لا نأخذ “بالعَرَضِ الأدنى” ثم نمني النفس بالصلاح والسلامة: “ويقولون سيغفر لنا”.

بل الصلاح والإصلاح: “تمسك بالدين من أجل إقامة شموله”.

قال سبحانه توقيعاً لمشهد السبت هذا وانتهاك المجازفين حرمة صيد الحيتان -لا حرمة قتل الإنسان ولا اغتصاب النسوان وفتنة الزمان و المكان- من سورة الأعراف المباركة:

{وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} [الأعراف: 170]

قال الحسن البصري: “أكلوا واللهِ أوخمَ أكلةٍ أكلها أهلها؛ أثقلها خزياً في الدنيا وأطولها عذاباً في الآخرة؛ هَاهْ وآيْمُ اللهِ ما حوتٌ أخذه قوم فأكلوه أعظم عند الله من قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ؛ ولكن الله جعل موعداً والساعةُ أدهى و أمر”اهـ [من تفسير رغائب الفرقان].

إن الحق والفرج الذي سيعقب أباطيل هذا الربيع ومضايق منافقيه والمحرضين على مضطهديه؛ هو أشبه بما ضرب الله للناس مثلا من أصحاب المطر الذي يُصَوَّبُ نازلاً من علوٍّ إلى سفلٍ؛ فهو حياة عند من أحيا الله قلبه وثبت على الحق جأشه، ولم يخلط بين حكمة وحماسة وابتغى بين ذلك سبيلا؛ شهادة لله وقياماً له بالقسط مهما أوذي في الله وبهت وأخيف فيه، ورُهِّبَ ورُغِّبَ واشتُريَ وباعَ ..

فكل هذه الصواعق التي تهيكل الموت حاضراً وأن الساعة قائمةٌ؛ إنما هي لصرف المبطئين الموضعين في الخلال؛ خيانةً أو سذاجةً: {كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 19]

ولله در الحافظ ابن القيم الذي يقول في الجيوش الإسلامية (ص 63-64):

“ونصيب المنافقين من هذا الهدي بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو المقصود بالصيب من حياة البلاد والعباد والشجر والدواب.

وإن تلك الظلمات التي فيه، وذلك الرعد والبرق؛ مقصود لغيره؛ وهو وسيلة إلى كمال الانتفاع بذلك الصيب؛ فالجاهل لفرط جهله يقتصر على الإحساس بما في الصيب من ظلمة ورعد وبرق ولوازم ذلك من برد شديد، وتعطيل مسافر عن سفره، وصانع عن صنعته، ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام.

وهكذا شأن كل قاصر النظر ضعيف العقل؛ لا يجاوز نظره الأمر المكروه الظاهر إلى ما وراءه من كل محبوب؛ وهذه حال أكثر الخلق إلا من صحت بصيرته.

فإذا رأى ضعيف البصيرة ما في الجهاد من التعب والمشاق والتعرض لإتلاف المهجة والجراحات الشديدة وملامة اللوام ومعاداة من يخاف معاداته؛ لم يقدم عليه لأنه لم يشهد ما يؤول إليه من العواقب الحميدة والغايات التي إليها تسابق المتسابقون وفيها تنافس المتنافسون.

وكذلك من عزم على سفر الحج إلى البيت الحرام فلم يعلم من سفره ذلك إلا مشقة السفر ومفارقة الأهل والوطن ومقاساة الشدائد وفراق المألوفات ولا يجاوز نظره وبصيرته آخر ذلك السفر ومآله وعاقبته فإنه لا يخرج إليه ولا يعزم عليه.

وحال هؤلاء؛ حال ضعيف البصيرة والإيمان الذي يرى ما في القرآن من الوعد والوعيد والزواجر والنواهي والأوامر الشاقة على النفوس التي تفطمها عن رضاعها من ثدي المألوفات والشهوات؛ والفطام على الصبي أصعب شيء وأشقه.

والناس كلهم صبيان العقول إلا من بلغ مبالغ الرجال العقلاء الألباء، وأدرك الحق علما وعملا ومعرفة؛ فهو الذي ينظر إلى ما وراء الصيب وما فيه من الرعد والبرق والصواعق ويعلم أنه حياة الوجود”. انتهى كلام ابن القيم نور الله ضريحه وروحه.

إن هذه الذرائع الموهومة باسم مصالح أقوام أو مفاسد آخرين؛ لا تمت إلى حماية الدين ومصلحة الدعوة وعصامية الأمة بصلة؛ بل هي لا تخرج عن حيز “التمتيع القليل”، الناشئ عن “الفرار الجبان” الذي ذمه القرآن على من يخشون بعض شدائد نصرة الحق والعدل؛ إذ يقول جل في علاه:

{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 16]

فالقرآن صريحٌ في التهوين من شأن الأرواح إن كان الحق والعدل والدين مستهدفاً؛ وأما بعض تضييق أو نوع خسائر؛ فهذا أولى أن يلغى ولا يعتبر؛ وعاجلا أو آجلاً سيجيء “ما كنتَ منه تحيد” ..

وربما سرت إليه بخطاك: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154]

{وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ} [النساء: 77]

وهذه أوضح آية لفهم حديث: “ولكنكم قوم تستعجلون”؛ إنهم يستعجلون رفع البلاء ثم النصر؛ فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ مقتضى الصدق: تحمل المكاره في طريق التدافع والصبر على الشدائد عند مخالطة الناس وأفكارهم وسياساتهم؛ فهو نهي للعاملين على كل أبواب النصر أن لا يستعجلوا النصر حتى ولو قطعوا وذبحوا؛ و ليس كما يُشرح عند غير الراسخين أنك تبحث عن سبيلٍ أسلم من التدافع وأقرب للرخاء بحيث لا تصاب ولا بشوكة؛ فإن أصبت؛ فتلك مفسدة تدل على فساد المنهج!

فهؤلاء الذي ذم الله في آية النساء ليسوا مستعجلين؛ بل متريثين جدا؛ بل ويطلبون التأخير بصريح العبارة: “لولا أخرتنا”.

ويقترحون تشريعاً على رب العالمين: “إلى أجلٍ قريبٍ”!

وكأنهم من خلق الزمان وَبَرَأ المكان؛ فيجيبهم القرآن: “قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً”.

وقد قرعهم الله؛ إذ قالوا لإخوانهم: “هلم إلينا”، وقالوا عنهم: “لو أطاعونا ما قتلوا”؛ ببطانة التبطيء؛ وهو مُشاكِلٌ لمعنى: “لولا أخرتنا”، وإن ادعوا فيه لبوس حكمة حديث: “ولكنم قوم تستعجلون”.

قال سبحانه: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا} [النساء: 72] الآيات

وكلما قوي اليقين بأن المنتهى إلى الله؛ هان على أهله طالوت وجنوده؛ فلن يقولوا: “لا طاقة لنا اليوم بطالوت وجنوده”.

ولن يقترحوا على ربهم تشريعاً جديدا بدعوى: “ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به”؛ لأن الله لم يفعل أصلا؛ و كل ما شرع ميسور في الحاضرة أو العاقبة، وظواهر المكاره هي رعود الصيب النافع فقط.

فصاحب اللواء ليس من يقول: “نفسي نفسي”، ولكن هو من يقول: “أمتي أمتي”.

ولولا أنه فضل خص برسول الله صلى الله عليه وسلم يوم التغابن؛ لتسابق فيه الأنبياء عليهم السلام؛ لأنهم أصحاب عزم، وكذلك كانوا في الدنيا حتى بلغ الأمر بالحليم الأواه المنيب أن يجادل ربه في قوم لوط ..

إن الصادقين لا يعيشون لأنفسهم ولا لبيوتهم ولا لجماعاتهم؛ التي هي في أحسن أحوالهم -إن كانت قائمة على تقوى من الله ورضوان-؛ أنها عود صغيرٌ في حصير الأمة الكبير ..

والصالحون حقاًّ والدعاةُ صدقاً؛ إنما يعيشون لصالح أمتهم، ولتحقيق معالم الدين فيها جسداً واحدا “إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر”.

إن الذين عاشوا لبيوتهم فقالوا: “إن بيوتنا عورة”؛ كشف الله عوارهم بأنهم {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب: 13، 14]

الشكر القليل كفر، والإيمان القليل لغو، والبأس القليل جبن وخور ونفاق ..

ومن كان يظن أنه سيأتي على الناس زمان يرون الظلم والفساد واضطهاد العباد وتحريف دين رب العباد؛ ثم يشُكّون في أن الحق في الطرف المقابل؟!

فتحتاج أن تستدل لهم وتفند شبهات العلمانيين والانقلابيين والمفسدين؛ ليقتنعوا بأنهم قوم سوء، وأن رأيهم ليس برشيد، وأن الدائرة عليكم بعد إخوانكم؟؟!

ولله در الدارمي؛ إذ يقول في “الرد على الجهمية” (ص8):

“وما ظننا أن نضطر إلى الاحتجاج على أحد ممن يدعي الإسلام في إثبات العرش والإيمان به؛ حتى ابتلينا بهذه العصابة الملحدة في آيات الله؛ فشغلونا بالاحتجاج لما لم تختلف فيه الأمم قبلنا”!

والمقصود أن هذا الربيع بسلبياته وإيجابيته؛ لم يكن العلماء من بعثه من الأجداث؛ ولكنها أعمال الظالمين انبجست في شعوبهم اثنتا عشرة عيناً في ست دُوَلٍ؛ وكانت موعظةً للآخرين؛ (عين الفقر عين القهر عين العهر عين المكر عين الكفر عين الغصب عين الخيانة عين الأثرةِ عين النسيان عين الجاه عين الجهل وعين الفرقة).

فلما رأى علماء الأمة هذا الحدث الجلل وهم من كان يعلم بيقين بأن خنزير الاستبداد قد ابتلعهم لعشرات السنين ومارس عليهم عيونه الآثمة -الاثنا عشرة- بعصاه الجائرة؛ فلما تقيأهم من بطنه بعد مراس طويل منعه من هضمهم؛ حلفوا بالله أن لن يعودوا لبطنه الأنتن اختياراً.

وقد يسر الله من قدره الكوني سببا لمبارزته من خارج بطنه النجس، وبقوة أكثر وأصلح إذا حسن استغلالها؛ كما مثّل ذلك الأستاذ الصالح العالم الداعية السلفي المرابط: حازم صلاح أبو إسماعيل؛ فك الله أسره ورفع درجته وأذهب كربته وسائر المظلومين المقهورين ..

فقالوا للأمة: توحدي ضد الظلم، وأجازوا ما هو جائز ومنعوا ما هو ممنوع، وحاولوا قيادة الشعوب بكلمة الله للأصلح دون انبطاح، وللأكرم دون سلاح؛ ولم يستسلموا للثورات المضادة وحاولوا أن يكونوا أصبر من الطغاة: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 104]

وقالوا: يا عباد الله هذا صيب نافع؛ اللهم حوالينا ولا علينا؛ فلا هم سألوا الله غرقاً ولا هم رضوا أن يبقوا في القحط والجفاف؛ بل تتبعوا النافع، وتجلدوا أمام الرعود والبروق، وتجنبوا المشي في الوحل إلا بقدر الزرع والضرع.

ومهما وقعت من خسائر؛ فإنها لن تقايس بالمكاسب والغيث الذي بعث الله بمحض فضله يقظة لعباده؛ فمن أحسن الاستغلال ودخل الباب رغم شدة الخوف انتفع وغَلَبَ.

ومن أرهبته صولة الجبارين وترك المستضعفين وربهم؛ فإنهم لن يزدادوا إلا تيها في الأرض واستعباداً من الظالمين؛ كلما فتحوا عليهم باب تحريف للدين واضطهاد للمسلمين فتحوا لأنفسهم أنقاباً في المترخصين المغلوبين!

ولن يزيد المبتلى بخذلانهم كالشيخ حازم وجماعة الإخوان المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وأضرابهم؛ فرج الله كرباتهم ونصرهم على من ظلمهم ومن بهتهم؛ إلا أن يقولوا ما قال موسى عليه السلام للمخذلين:

{رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة: 25]

وإن من أنفع الأدوية الشرعية لمدافعة “رهبة الظالمين”، ولمواجهة “خشية بطشهم”؛ هو قول الحق في وجههم والإنكار عليهم بالمعروف؛ قال أصدق القائلين:

{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]

فالقول السديد من الأمر بالمعروف والشهادة لله والقيام بالقسط؛ من أوثق العرى التي تحفظ بها الذرية والجهود الدعوية والبيضة الإسلامية؛ وليس في كتمانه أو التحايل حوله وعليه؛ حفظٌ لا لدنيا ولا لدين إلا لأجل قريب موهومٍ؛ {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39، 40]

والله المستعان.

‫تعليقات الزوار

7
  • شوقي
    الأربعاء 25 فبراير 2015 - 14:54

    بيض الله وجهك شيخنا يوم تبيض وجوه وتسود وجوه. ورفع قدرك في الدنيا والآخرة. ووفق الأمة الإسلامية لما فيه خيرها وصلاحها يا رب. اللهم فك أسر المظلومين وانتقم من الظالمين. وخذ بنواصينا إلى الحق.

  • فاضل
    الأربعاء 25 فبراير 2015 - 23:22

    لقد أثلجت صدري؛ وأقول كما قال الشافعي:

    أحب الصالحين ولست منهم *** وأرجو أن أنال بهم شفاعة
    وأكره من تجارته المعاصي *** وإن كنا سواء في البضاعة

  • حاتم
    الخميس 26 فبراير 2015 - 00:11

    وفقكم الله و نفع بكم وجزاكم عنا خير الجزاء ..
    فحقا إن اتباع منهج السلف يكمن في اتباع هدي الأنبياء في مواجهة الظلم و العدوان .. لا في الركون إلى الظالمين باسم اجتناب الفتن و مصلحة الدعوة … أي دعوة صالحة صادقة إذا كان أهلها يسكتون عن بيان الحق بل و يحذرون ممن يبين الحق وينكر على المبطل ؟!!

  • مسلم
    الخميس 26 فبراير 2015 - 04:37

    الاسلام دين عظيم صنع رجالا خلدوا في تاريخ الامم بامجادهم ورقي نفوسهم ونقاء سيرهم.فلماذا لانكون مثلهم وننكب على صناعة الغظماء وهذا دور العلماءورثة الانبياء.ياعلماء الامة ياحراس الثغور لاتنسوا دوركم في تربية الاجيال من المهد الى اللحد حتى يصلح اخرها بما صلح به اولها.

  • محمد الفيلالي.
    الخميس 26 فبراير 2015 - 21:26

    موقفك عادل ياعادل…خططت كلمات من معين العلم تنساب، لا الشك في الحق ينتاب، ولا القلب يرتاب، جعلك الحق للمبتغين للحق إماما،وإني ألتمس منك للموضوع إتماما.

  • كميل المراكشي
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 11:22

    ما احوج الأمة أن ترجع الى أصولها ،في مشروع البناء الذي نخاله قد انطلق ،ان خيرية هذه الأمة الممجدة تكمن في منهجها الصلب والمتين منهج السلف الصالح منهج القرون الثلاثة الأولى المفضلة…بوادر نهضة أمة قد لاحت في الأفق، تباشيرها تبدت وانقشعت عنها غيوم الظلام مع الأئمة الأعلام أهل الغيرة على المنهج -من أمثال الشيخ عادل رفوش ابن محجوب…فاللهم بارك لنا في ولي أمرنا وفي علمائنا انك سميع مجيب…..

  • عبد الحق
    الجمعة 27 فبراير 2015 - 11:46

    هذي هي السلفية وليس الانبطاح والذل أمام الظالمين

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس