أبطال الفقر

أبطال الفقر
الثلاثاء 3 مارس 2015 - 17:25

عندما كنت اسمع أن الفقير غريب في بلده، كان ينتابني إحساس غريب وأتساءل كيف يمكن للمرء أن تُسْرَقَ منه جنسيته وهويته الأصيلة التي نَبَتَتْ معه كشجرة الزيزفون ؟ وكيف يمكن أن يتحول إلى متسول مع سبق الإصرار والترصد لاسترجاعها من العدم ؟هؤلاء فقراء صنعتهم فطرة الطبقية المخدومة، لا يملكون سوى مقاومة لصوص الوطن ليستعيدوا بطاقة هويتهم وطبيعة اندماجهم في السُلَم الإجتماعي، وهذه تحتاج إلى معجزة لتحقيقها في الوطن العربي. لكن ماذا عن “الفقراء” الذين يغيبون أنفسهم بإرادتهم في المبادرات المصيرية وهم يفتخرون بعظمة هذا الإنجاز؟

عندما يتحول العالم إلى قرية صغيرة بفعل جاذبية العلم وسطوته، وأحدث شروخا عميقة في بنية التصورات والبنيات، تطفوا هذه الطائفة الهجينة وتتحول إلى حيوان مفترس نافثة سمومها و أنا نيتها وإحساسها بالتفوق والغلبة على حساب قواعد المناصفة والتعاقدات المشتركة وصوت الحياة. هذا الكائن، يعتبر فصيلاً استثنائيا بكل المقاييس يصنع خريطته الشهوانية وشبكاته العنكبوتية البرجماتية في كل قنوات الريع، بدون رحمة وهوادة، إنه سرطان القرن الجديد.

الصورة التي يبرزون بها هؤلاء” الفقراء الجدد” هو قوة الاستهلاك لكل أنواع الماركات من الألبسة الحريرية والعطور الباريسية، الهواتف النقالة والجنس الافتراضي، الإدمان على المخدرات بكل أنواعها أهمها مجلات التجميل وحمامات المساج والتدليك ، والسهرات الجماعية وأنواع الشكولاطة. إنه تحالف جديد لصناعة امبراطورية الاستهلاك والاحتفال بالجسد واغتيال الروح.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يصبح أكثر خطورة وإيلاما عندما تقوم هذه الطبقة باستقطاب العديد من الضحايا من عامة الناس، الذين ينبهرون بطقوسهم البراقة، فيرقصون” لِجَدْباتِهِمْ” ويَيَنْدُبونَ في جنائزهم ويَحْلِفونَ بِأيْمانِهِم، وأقل ما يمكن وصفهم بأنهم فقراء بالتبعية.

حزب جديد، وفلسفة جديدة يقوم بعرضها هؤلاء المستعمرون الجدد على سوق يزداد اتساعا كل يوم بمفاهيم مغلفة بشعارات الحداثة والتقدم، ووحدها الإثارة، تُنْتَهَجْ كآلية لإيقاظ الغرائز والمكبوتات المدفونة مند قرون. إنه استعمار جديد لملكات الإنسان وحواسه.

سباق خطير يحاول هؤلاء الأبطال من كلا الجنسين، أن يشاركوا فيه بكل ما يملكون، بأصواتهم، بوجوههم، بأجسادهم أو بقلوبهم وذلك أضعف الإيمان، وذلك اعتقاداً منهم أنهم يصنعون الوجود الاجتماعي الراقي والمحترم . إنهم يتحولون مع مرور الوقت دون أن يشعروا إلى كائنات هلامية.

والغريب أن هؤلاء المُسْتَقْطَبِينْ، دون وعْيٍ منهم يصبحون يلعنون التاريخ وأمجاده والحضارة وقيمها النبيلة والقصيدة وقوافيها الملتهبة، فيعلنون العصيان ويتمردون على كل القيم التي تدافع عن الأساس الإنساني، فيلعنون النضال ورجاله، ويسخرون من الاحتجاجات والمطالب،ويتحرشون بالبيانات عند استعمالهم لها في المراحيض، ويشككون في كل ثقافة تذكرهم بفصيلتهم الطبقية والاجتماعية. وهو ما يجعلهم يعيشون اغتراب الذات وفقدان المناعة، ويستسلمون لحضرة الغياب المعلن رغم كل محاولات الحضور والتواجد. إنه سيادة التيه والاستلاب المؤلم والعنيف.

إن انفصال العديد من الناس عن ذواتهم والإلتحاق بالحلف المقدس الذي يحاول بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة أن يصنع سجنا كبيرا وعبيدا جدد، يعتبر انتحارا اجتماعيا وثقافيا، وتبعية قاتلة في كل مستوياتها الحياتية والنفسية . انتبهوا فالثروة الحقيقية هي ثقتكم في أنفسكم ،في ملكاتكم ،في حواسكم، هنا فقط يتحقق شرط الخلاص والإرتقاء.

-كاتب وصحفي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة