أخوة اللحى.. !

أخوة اللحى.. !
الإثنين 16 مارس 2015 - 16:04

أية أخوة بين المسلمين اليوم؟

يعاني المجتمع المغربي اليوم من إشكالية كبرى، و هي ظهور بعض الجماعات الإسلامية التي تدعي أنها على منهج السلف الصالح، وترى أنها هي المتشبثة بالدين الحق، وغيرها في ضلال مبين؛ حيث أقامت لنفسها بناء مظهريا عرفت به، وتميزت عن الناس بالغلظة في القول والفعل، والقصور في الفهم والممارسة.

وإذا ما رجعنا إلى تربية الرسول صلى الله عليه وسلم للمجتمع الإسلامي، نجدها اعتمدت على دعامتين أساسيتين افتقدنا، في وقتنا الحاضر، إشراقاتهما الإيمانية والتربوية والاجتماعية.

الدعامة الأولى: هي المسجد وما يمثله في فكر وقلب المسلم من قيم، فهو مكان عبادته وبكائه على ربه، ومدرسة تربيته و تعلمه، وملتقى إخوته وأحبائه من المسلمين.

والدعامة الثانية: الأخوة التي جعلها الرسول الكريم الباب الأساس لشيوع قيم الدين، من مودة ورحمة، وتعاون وتعاطف، ونبذ الخصام والفرقة، والتنافر والتنازع، وقد نبه الله تعالى في كتابه العزيز إلى أهمية الأخوة وكمالاتها الإيمانية فقال: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)الحجرات/ 10.

فلماذا أصبح خطاب الأخوة بيننا فارغا من مضمونه الإيماني والاجتماعي والتربوي؟ولماذا نسعى اليوم إلى التنازع والفرقة والخصام وإفساد ذات البين؟

إن مفهوم الأخوة، تؤطره نصوص قرآنية وأحاديثية متعددة. قال تعالى:( وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنْ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران / 103. وأخرج البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار، وألف بينهم بأخوة الإسلام والإيمان. وهذا المفهوم من الإخاء، والمؤاخاة. والتآخي: اتخاذ الإخوان . قال النبي عليه الصلاة والسلام في حق أبي بكر رضي الله عنه: ” لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام”. غير أننا نعيش اليوم مفهوما آخر جديدا للأخوة، يدل على انتكاسة كبيرة في الأفهام، وضيق في الأفق. إنها أخوة اللحى.. ! التي اتخذتها الجماعات الإسلامية شعارا لها، وأسست عليها مفهوم الولاء والبراء.. ! فإذا كنت صاحب لحية بواصفات محددة، تمطر بتحية الإسلام من كل اتجاه،ويفسحك لك المكان في المساجد، وإذا كنت محلوقها، تتبعك نظرات مريبة وغريبة، وتحرم من قول: “السلام عليكم.. !” إنها الحقيقة المرة التي نراها ونعيشها في مجتمعنا. وقد علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسلم على من نعرف ولا نعرف لنحقق في المجتمع هذا الشعور الرائع بمفهوم الأخوة المؤدي للمحبة. فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهمَا أنَّ رَجُلاً سَألَ النَّبِيَّ أيُّ الإسْلامِ خَيْرٌ؟ قال: ( تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأ السَّلامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ). متفق عليه. وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( لا تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ) أخرجه مسلم. ومن الآداب الباعثة على السلام، سلامة الفكر، وسلام الرؤى والممارسة. إلا أن هؤلاء تعاموا على المفهوم فيما يوجه إليه من سلوك المحبة والخير لجميع الناس، حيث ابتدعوا أخوة اللحى التي لا يعرفها الدين؛ فبها يتحابون، ويتزاورون، ويقضون حاجات بعضهم البعض، وهي دلالة الإيمان عندهم، والالتزام بالسنة، والسير على هدي السلف الصالح… ! ورحم الله المختار السوسي، لما كتب عن أهل العلم، وسيرتهم، وأخلاقهم، قال: فلان ترك اللحية على وجه السنة. فكان علماء سوس مثالا رائعا في التواضع، والأخلاق الكريمة. أما اليوم فإن بعض الجماعات، تعتبر اللحية من أبرز مرتكزات منهجها ، وتسوق الأحاديث المروية فيها دون فهم متبصر، ولا تعرف في مباحث علم الأصول شيئا، وهل الأمر الوارد في الأحاديث للوجوب أم الندب؟ و في كل ذلك تجعل شيخها ابن تيمية، الحامل للواء التشدد والتكفير هو المثال، به تخوض معاركها وتقاتل..! مع أن المسألة فيها سعة، ولا يمكن أن تكون سببا للمعاداة ! والرسول صلى الله عليه وسلم ربى في الناس قلوبهم، ولم يرب فيهم لحاهم. حتى يكون هذا القلب متوجها إلى الله، دائم الذكر، يظلل الناس بالمحبة الحقيقية التي تقوم على صفاء الروح، وطهارة النفس. وعندما تتحول الأخوة الإسلامية، إلى أخوة اللحى، فإن ذلك يدل على الشرود في باب الله، وتنامي أمراض القلوب الغافلة عن الذكر، مما يجعل هذه الجماعات تتشبث بالمظاهر، وتنسى قلبها محل نظر الله. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم). فالقلوب اليوم فيها حقد وكراهية، وأمراض الغفلة والحسد، والرياء، وأعمال الناس تتنافى مع الإسلام، وما يدعو إليه من إخاء ومحبة. وقد نبه الإمام الغزالي إلى مسألة إهمال القلب والاعتناء بالظاهر ، فقال: “بل يُهمِله – أي القلب – بفضائح وأقذار وقبائح، لو اطلع الخلق على واحد منها لهجروه وتبرأوا منه وطردوه ! والله المستعان” .

ولو تتبعنا حياة أهل الله، في موضوع التربية والذكر، والنصح، و الإرشاد، والتوجيه، لوجدنا كل جهودهم منصبة على إصلاح القلوب، فأقاموا بذلك منارات الإيمان، والعلم، والإخلاص في العمل، ومحبة الخلق، والخوف على القلوب أن يذهب نورها، واتصالها بربها، مع أخوة حقيقية في الله. إنها أخوة الشعور، وليس أخوة الشعر.

قال ابن مفرغ الحميري :

ألا ليت اللحى كانت حشيشا … فنعلفها خيول المسلمينا

‫تعليقات الزوار

8
  • المعلق الرياضي
    الإثنين 16 مارس 2015 - 17:11

    كم كنت أكرههم قبل أن أعرفهم جيدا فصرت منهم و وجدت أن كثيرا مما يقال عنهم لا أساس له من الصحة، و أن الغلظة التي فيهم هم أول من ينتقدها. و هي رد فعل طبيعي لمن يلمس من مجتمعه رفضا و ازدراء خصوصا و أن بداية ظهورهم كانت بين الطبقات الدنيا اجتماعيا فأثر ذلك على رأي الناس فيهم و رأيهم في الناس رغم أن مبادئهم تنهاهم عن سوء الظن بالناس. إنه الخوف و الخوف المضاد فلا تزال ذكريات التعسف عالقة في أذهان بعضهم. و مع أنهم أقلية فالأغليبة تهول منهم و تشيطنهم خوفا و مقتا و جهلا بحالهم و بأدبياتهم رغم أنها أغلبية و هم أقلية !! هم لا يعرفون أنفسهم بجماعة فهم من جماعة المسلمين يصلون في مساجد الأوقاف و يأكلون ذبائح البوطوار المحلي و يوثقون زواجهم في محاكم الأسرة كغيرهم. فإلى متى هذا الجفاء المفضي إلى الإقصاء؟ ماذا تتوقعون من إنسان تشعرونه بالدونية و توصمونه بالتخلف و ترمونه بالبداوة و التصحر و تسفهونه بالجهل، و تتصيدون هفواته سوى أن يدافع عن نفسه منكم؟

  • محمد العالم
    الإثنين 16 مارس 2015 - 17:14

    والله صدقت يا أخي فكم من مرة أبادر أحدهم بالسلام وبمجرد أن يرفع رأسه ويرى أني حليق اللحية حتى يتجاهل سلامي فلا يرد علي!!! وهذا الشيئ يتكرر معي حتى عند خروجي من المسجد فتخيلوا أننا نصلي معا صلاة واحدة وفي نفس المسجد ورغم ذلك لا يرد عليك السلام…

  • KITAB
    الإثنين 16 مارس 2015 - 19:44

    "إخوة اللحى" هذا قذف،،، مجاني لا موجب له ، فالكاتب كنا ننتظر منه تحليل ظاهرة شيوع الفقهاء والمفتون (من الفتوى) في كل شيء… ولكن بأسلوب يحفظ للشخص أو الجهة كرامتها بدلا من استعمال المعول والتوجه إلى كل ذي لحية لحية ، فهناك فقهاء بوجوه خالية لا من الشارب ولا من اللحية وهم يزعمون أنهم يمتلكون السلطة المطلقة في المعرفة..

  • MOSLIM
    الثلاثاء 17 مارس 2015 - 08:48

    لو أنصفت ياصاحب المقال لقلت أن فيهم من يلقاك بوجه طليق وأن فيهم من يفشي سلام وأن فيهم من يحب الخير للناس ويدعوا لهم ويرجو أن يكونو على نفس الهدي النبوي الذي عليه . هذا على أني لا أنكر جل ماقلت إذ فيه الحقيقة المرّة لكن هذا في كل فكر حيث أن الحليق يرى الملتحي رجعي و إرهابي….أما ماذكرت عن إبن تيمية فلعلك ما عرفته حقا وقرأ له في الرقائق وأحوال القلوب ترى ما يسرك، وتلميذه إبن القيم خير دليل على ذلك فهو صاحب القلم الفياض والخبير بأحوال القلوب وعلومها كما شهد له بذلك معارضوه لكن عزائنا أننا ثوب أبيض تعيبه النقطة السوداء وغيرنا من المسلمين هم على ما عليه أهل زمانهم.للهم ألّف بين قلوب المسلمين أجمعين.

  • انصر أخاك ضالما أو مضلوما
    الثلاثاء 17 مارس 2015 - 21:31

    كلام جميل، لكن إذا كانت النصوص المحرضة على الإجرام هي نفسها النصوص المقدسة التي نزلت من عند الله، فلماذا محاكمة أخوة اللحى. خرافة المقاصد يا أخي تصطدم ب" حكمة" الله وقدرته المطلقة، لأنه كان بإمكانه أن أن ينزل وحيا كله مقاصد ويعفينا من اقتتال عن الفهم والتفسير يسير إلآن إلى عامه الخمسمئة بعد الألف. كيف نقرأ ونرتل ونصلي خمس مرات بالآيات الآمرة بتحطيم الأصنام وقتل المخالف ومضايقة اليهود والنصاري وجز الرقاب، وعندما يمر أحدنا إلى الفعل نتباكى بصوتين، واحد يقول أنها مؤامرة صهيونية أمريكية موصادية للنيل من العرب والمسلمين وكأنهم لم ينالوا من أنفسهم منذ تأسيس الدولة الاسلامية، والثاني يقول إنها قراءة للاسلام زائغة عن المقاصد وقاصرة وكل السمفونية الركيكة التي تحاول القفز على نصوص قاطعة لا تقبل التأويل وغاية في الهمجية والانحطاط. عنما ستكون عندنا الشجاعة للنظر إلى أنفسنا بعين خالية من العدسات المجملة للقبيح، آنذاك سنكتشف فداحة قبحنا ونتوقف على الأقل عن التهكم على قبح الآخرين. السيرة تعج كذلك بالأفعال المشينة للنبي، فكما هو مثل أعلى للرقة والأخوة هو في نفس الوقت مثل أعلى للخسة والدواعش.

  • عبد العليم الحليم
    الثلاثاء 17 مارس 2015 - 23:36

    بسم الله

    قال ابن تيمية رحمه الله : " والرفق سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    ولهذا قيل: ليكن أمرك بالمعروف معروفاً ونهيك عن المنكر غير منكر."اهـ

    (الاستقامة)

    و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(وكانت البدع مثل بدعة الخوارج،

    إنما هي من سوء فهمهم للقرآن،

    ولم يقصدوا معارضته

    لكن فهموا منه ما لم يدل عليه فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب، إذ المؤمن هو البر التقي،

    قالوا: فمن لم يكن برا تقيا فهو كافر وهو مخلد في النار.

    ثم قالوا: وعثمان وعلي من والاهما ليسوا بمؤمنين لأنهم حكموا بغير ما أنزل الله،

    فكانت بدعتهم لها مقدمتان:

    الأولى: أن من خالف القرآن بعمل أو برأي أخطأ فيه فهو كافر.

    الثانية: أن عثمان وعلياً ومن والاهما كانوا كذلك….)

    إلى أن قال رحمه الله: ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المؤمنين بالذنوب

    والخطايا فإنهم (أي بدعة الخوارج) أول بدعة ظهرت في الإسلام فكفر أهلها

    المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم.

    وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ذمهم والأمر

    بقتالهم)

    وقال ابن تيمية عن الخوارج : "هم جُهَّال فارَقوا السُّنة والجماعة عن جهل".

  • ابو الحسن الادريسي
    الأربعاء 18 مارس 2015 - 10:02

    سبحانك اللهم ان هذا بهتان عظيم, المقال مليئ بالمغالطات ان لم اقل الكذب الصراح والله اننا نعياين ونشاهد عكس ما قلت فاصحاب اللحى كما يحلو لك تسميتهم من افضل الناس واطيبهم, نعم فيهم المجتهد وفيهم المقصر فليسوا ملائكة, لكن ان تتهجم عليهم بهذه الدرجة فليس مقبولا لا شرعا ولا عقلا والائمة الاربعة مجمعون على وجوبها (اللحية)وعدم حلقها فماذا تقول في هذا الصدد, اما شيخ الاسلام بن تيمية الذي رميته زورا وبهتانا بحامل لواء التشدد والتكفير فهو من ابعد الناس عن التكفير فسبحان الله ما هذا البهتان العظيم واقول لك اعد نفسك للسؤال فقذف الناس بما ليس فيهم بهتان والبهتان حرام كما تعلم في دين الاسلام والسلام
    انشري ياهسبريس للمرة الثانية بارك الله فيك

  • عزيز ازدو
    الخميس 19 مارس 2015 - 22:07

    اتفق معك استاذي في جل كلامك ما عدا وصفك للعالم ابن تيمية بالتكفير والتشدد

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة