الإسلاميون يعانون نفسانيا

الإسلاميون يعانون نفسانيا
الأحد 15 مارس 2015 - 13:31

عند أي محاولة لفهم تصريحات حزب العدالة و التنمية، يجب الانتباه إلى القاعدة الاحترازية التالية: بما أن ايديولجيتهم متخلفة كثيرا بالنسبة للمجتمع و الدولة التي يحكومونها، فإن مخرجات نقاشات قيادييه تكون بالتعريف إما مُخرجات مخالفة لمشروعهم و إما مُخرجات مجنونة”. و الدليل على ما نقوله هو على أي منطق يعتمدون عندما يصرحون بأن شباط هو من يقف وراء وفاة باها؟ و أي عقل يسمح لهم، من جهة، بالدفاع عن الحق في الحياة بتحريم الإجهاض و، من جهة أخرى، الضرب عرض الحائط بهذا الحق بتمسكهم المستميت بعقوبة الإعدام؟. هذا اضطراب خطير في النفسانية و السلوك السياسي يصعب حتى على فرويد الإلمام بكل جوانبه.

لتوضيح أسباب هذا الإضطراب، يجب أن نذكّر بأن حزب العدالة و التنمية لم يكن يتوقع و لو في أحلى أحلامه أن يحكم. لكن ذات صباح وجد نفسه في مقدمة الناجحين في الإنتخابات و السبب معروف و هو هلع المخزن من الربيع المغربي و بحثه عن وسيلة لتجاوز العاصفة، فوجد في الإسلاميين تلك الأداة الناجعة. ماذا نجَمَ عن ذلك؟

أولا، صدمة “النجاح بدون مُؤهَّل”، و هي صدمة زعزعت التوازن النفسي لقياديي العدالة و التنمية عندما انتبهوا إلى أن مشروعهم الأيديولوجي متخلف و ليس مؤهلا البتة لحكم بلد كالمغرب الذي قطع أشواطا كبيرة على درب الحداثة الفكرية و الثقافية على الأقل.

ثانيا، فات الإسلاميين ان يقدروا حق قدره بأن المخزن نفسه قد أصبح يلبس بدلة عصرية (كوسْطَارْ) و ربطة عنق عوض الجلباب و الطربوش، فاصطدموا بإكتشافهم أنه قد تحول إلى ما يمكن أن نسميه المخزن الجديد أو “النيو مخزن” و أنه ما زال قويا و مُسفّهًا لكل الأطروحات التي بشرت بإنقراضه، بل برهن على أنه يتحكم، بعد مرور عاصفة الربيع المغربي، في كل الملفات الحاسمة التي تشكل خارطة مستقبل المغرب.

ثم إصصدم الإسلاميون، ثالثا، عندما اكتشفوا أن الحرب الباردة بين المحافظين و اليساريين التي اندلعت مباشرة بعد حصول المغرب على إستقلاله قد وضعت أوزارها و أن العولمة قد أجبرت الجميع على التقدم إلى الأمام أو الموت (حكومة التناوب أو السكتة القلبية).

لنسجل إذن أن الإسلاميين متخلفون عن الدينامية الحداثية للدولة و عن سياسة “المخزن الجديد” و عن التوازن الجديد بين المحافظين و اليساريين. لهذا نجدهم بطبيعة الحال تائهون، ممزقون نفسانيا و مصابين بالهذيان، و تلك أعراض تظهر بوضوح في تصريحاتهم الهجومية وفي قرارات بنكيران الوفية لأيديولوجيتهم.

يمكن لقائل أن يقول إن بنكيران يتماهي، على الأقل، مع مستوى التوافق الذي وصله المخزن الجديد مع اليساريين في ملفات معينة كملف حقوق الإنسان مِما يدل على أن سلوكه السياسي سويٌّ لا غبار عليه. لا و ألف لا، يجب ان لا نتسرع، ما هي قناعة بنكيران بخصوص المرأة التي يراهن الجميع في العالم الحديث على أن إدماجها الكامل في الحياة السياسية و الإقتصادية سيُحدث ثورة هائلة إلى الأمام في الدول التي تعمل بجد و صدق في هذا الإتجاه؟ الجواب: قناعة بنكيران هي أن مكان المرأة هو البيت و مهمتها الوحيدة هو خدمة الزوج و تربية الأبناء. هكذا قناعة تدل بالملموس على مستوى خَبل الإسلاميين و كساد مشروعهم السياسي.

و بخصوص هذا الأخير، أي المشروع السياسي للإسلاميين، أدْلى معارضي بنكيران بمعلومات صائبة تتهمه بزرع اتباعه في مفاصل الدولة المغربية: فتماما كما أن في كيان كل عربي قليلا من حلم تحرير فلسطين، هناك في كيان كل إسلامي قليلا من حلم الدولة الإسلامية. و عليه فإن بنكيران لا يحلم ببناء دولة الحق و القانون الخالية من الفساد و إنما يحلم ببناء الدولة الإسلامية التي سيقودها حزب العدالة و التنمية إلى أن يرث الله الأرض و من عليها. بل يمكنه الذهاب أبعد من ذلك لأن ببناءه الدولة الإسلامية في المغرب سيكون بنكيران قد ساهم في تنفيذ مرحلة أولية و أساسية في بناء دولة الخلافة: الكيان السياسي-التاريخي العابر للحدود و الذي تحكمه الشريعة و التقاليد الإسلامية.

بالنتيجة، و بالرغم من أن أكثرية اعضاء و قياديي العدالة و التنمية يعارضون تماما مفهوم الخلافة و يعللون ذلك بكون المغرب إمارة المؤمنين و الملك أمير المؤمنين، فإن علاقاتهم الثابتة بالمشروع الدولي للإخوان المسلمين الذي يقوده أردوغان يدل على أنهم متأثرين و ماضون في إحياء دولة الخلافة كرد فعل على ضعف و تآكل العالم الإسلامي.

و بالتالي نرى، و بكل وضوح، أن كثيرا من الأحلام اللاواقعية و المجنونة، و هي في حقيقة الأمر كوابيس، تسيطر على عقل و منطق قياديي حزب العدالة و التنمية و جناحه الدعوي “حركة التوحيد و الإصلاح”. إنها أحلام و كوابيس يستعصي حتى على فرويد شخصيا أن يحللها إذ نجدها متضاربة و متناقضة حتى التمزق. لهذا يمكن أن نتساءل عن الحالة الذهنية لبعض أولائك القياديين بحيث أن مجرد التعبير الشفوي عن رغبتهم في تنفيذ كوابسهم من شأنه أن يزعزع جملة و تفصيلا كل البناء الحداثي الذي راكمه المغرب لغاية يومنا هذا. نحن إذن في حاجة لحماية حلمنا الحداثي من كوابيس الإسلاميين الذي يحكموننا الآن. يجب ان لا نتشكك أو نستصغر خطورة نواياهم المضمرة و الموجودة في كل واحد منهم من قمة قيادتهم حتى أسفل قواعدهم. إن عنادهم اللاعقلي و اللامنطقي سيُتلف مستقبل المغرب إذا لم نقم إنطلاقا من الآن بما ينبغي القيام به في أفق عزلهم عبر صناديق الإقتراع.

‫تعليقات الزوار

1
  • أسامة المهدي
    الإثنين 16 مارس 2015 - 20:43

    البيجيدي كاتمارس السياسة ، ماقالوش صراحة شباط مسؤول عن وفاة باها ، عقوبة الاعدام كاينة في الاسلام هو ما كان يسمى بالقصاص ، الاجهاض حرمه الاسلام "ولا تقتلوا أولادكم خشية املاق ، نحن نرزقكم و اياهم " ،

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 1

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 5

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 3

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال