هل فعلا حرم الإسلام الإجهاض؟

هل فعلا حرم الإسلام الإجهاض؟
الإثنين 23 مارس 2015 - 13:04

تقنين الإجهاض (وليس الإجهاض بالمطلق) واحد من القضايا التي يعيشها المغاربة على شكل موجات فكرية للنقاش المجتمعي من حين إلى آخر، وللتوضيح، لا نتحدث البتة عن الإجهاض من باب الحرية الجنسية واستخدامه كوسيلة لتحديد النسل، وإنما المقصود هو البحث في سبل مساعدة المتعرضات للاغتصاب وحالات التشوه الخلقي وغيرهما من الحالات الطبية والاجتماعية الصعبة.

خصوصية هذا الموضوع تتمثل في تشكل مادته القانونية من الجوانب الطبية والإجتماعية والدينية ، إلا أن الأخيرة هي ما تجعل من الإجهاض قضية جدلية أصلا؛ إذ بالنسبة للمتحدثين باسم الدين، الإجهاض هو ((قتل لنفس بغير حق)) من جهة، و((تشجيع على الفساد)) من جهة أخرى، وأكبر مرونة يقدمها فريق من رجال الدين، هي السماح بالإجهاض (وقبل 120 يوما) في بعض الحالات التي تكون فيه حياة الأم في خطر، متجاهلين بذلك الإحصائيات المعبرة عن الواقع والتي لا يتسع المجال للخوض فيها. هنا من حقنا أن نتساءل، هل فعلا الدين يحرم تقنين الإجهاض؟

فعلا، السؤال يشي بشيء مغاير تماما لما يتوهمه حتى رجال الدين ((المحافظين))، إذ كوننا لا نجد آية واحدة تحرم الإجهاض، إلى جانب أن الأحاديث النبوية التي يستند إليها رجال الدين لا تنص صراحة على التحريم، هذا يعطينا الحق في طلب حجة الفقه، المغربي على الأقل، في هذه المسألة التي تشغل مجتمعنا بكل أطيافه، وبالمقابل سنحاججهم بكلام الله لا بكلام غيره.

أولا، الآية التي استنبط منها الفقهاء حكم تحريم تقنين الإجهاض، هي قوله تعالى ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) [الأنعام 151]. إذا تجاوزنا هنا غياب ورود الإجهاض بشكل صريح، ألا يعتبر إنقاذ حياة الأم حق، فضلا عن الحالات الطبية والاجتماعية الصعبة التي لا تخفى على أحد؟ هذا كل ما له صلة بالموضوع في كتاب الله الذي من المفترض أن يكون الحاسم في الموضوع، إلا أن جعبة الفقهاء مليئة بما لا ينقطع من أحاديث ضعيفة، والأخطر، باجتهادات ((فقهاء السلف)) الذين اجتهدوا لأزمنتهم لا لزماننا ولظروفنا نحن!

أشهر حديث استنبط منه الفقهاء تحريم تقنين الإجهاض، هو ما يعرف بحديث ((الغامدية))؛ وهي قصة سادومازوشية تطمس معالم الرحمة من الدين الإسلامي وتجعل من حدوده انتقاما أسطوريا لم ينزل الله به من سلطان في كتابه، ومع ذلك لا ينفك الفقهاء يرددونه في معرضه حديثهم عن حد الرجم المزعوم وتحريم تقنين الإجهاض.

أساس القصة بدأت ما روي عن الإمام مالك بكتاب الموطأ (عن يعقوب بن يزيد عن أبيه عن عبد الله بن أبي مليكة، أن امرأة أتت إلى النبي فأخبرته أنها زنت وهي حامل، فقال لها اذهبي حتى تضعي، فلما وضعت أتته فقال لها اذهبي حتى ترضعيه، فلما أرضعته أتته فقال لها اذهبي حتى تستودعيه، فاستودعته، ثم جاءته فأمر بها فأقيم عليها الحد) ثم زِيد لهذه المرأة في كتب الرواة أسماء تتراوح بين الغامدية والجهنية…ثم أضيفت للقصة فصول وتفاصيل غريبة… كل هذا ليثبتوا أن الزاني المحصن (المتزوج) يرجم حتى الموت رغم أن هذا الحد لا يوجد بكتاب الله، بل اعتبروا أن حديث الآحاد هذا (غير المتواتر) نسخ (ألغى) آية حد الجلد للزاني المذكور بالقرآن! وكأن النبي (ص) يشرع من مصدر آخر غير وحي الله تعالى! أما الحكم الجانبي الذي استنبطه الفقهاء من هذا الحديث، فهو حرص الرسول (ص) على سلامة حياة الجنين!!!

حتى لا ننجرف وراء إشكالية أخطر بكثير من قضية الإجهاض التي يخفيها هذا ((الحديث))، نقدم رواية أخرى نسبت إلى النبي (ص) وهي حديث ((نفخ الروح)) إذ روى البخاري ‍(عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

علاقة هذا الحديث بالإجهاض، هو استنتاج الفقهاء أن الحياة تتشكل بعد مائة وعشرين يوما؛ أي بعد نفخ الملك للروح… مع العلم أن الله تعالى ربط في كتابه الحكيم الروح بالوحي والتعاليم، أما ما تتشكل منه الحياة وتنتفي بسببها بحسب القرآن فهي النفس وليس الروح. كما أن الحديث يخفي في طياته إشكالية القدر والاستسلام للسلطة بشكل لا يتسع معه المقام للخوض فيه أكثر، فضلا على أن الطب يخبرنا بمراحل مغايرة تماما لما جاء في هذه الرواية.

بعد هذا اجتهد بعض السلف، كابن تيمية في شرح تفاصيل الجنين وانتقاله من الحياة النباتية إلى الحياة الحيوانية إلى ما غير ذلك مما يجبرنا الفقهاء على الاستماع إليه رغم أن هذا القول ما هو بدين ولا بطب!

هو تهافت إذن ما يجمد المجتمع بتقييد المساطر القانونية، إذ يرد الفقهاء على إشكاليات مغرب الألفية الثالثة بفقه عصور الأمويين والعباسيين (وهي عصور تدوين الحديث والذي منعه النبي نفسه على صحابته حتى لا يدونوا شيئا من الدين غير القرآن!) أيام هؤلاء كان وضع الأحاديث هو وسيلة التراشق السياسي كلما ضعف بطش السيف أو احتاج إلى سند ايديولوجي، من تم تحول فكر الفرق الغالبة دين! وعليه فحتى تقنين الإجهاض لا يستند حسب فقهائنا إلى كتاب الله، أو على الأقل إلى صحيح سنة رسول الله مما لا يتعارض والتنزيل الحكيم، ولكن المرجعية الأساسية هي أحكام السلف وإجماعهم المزعوم.

‫تعليقات الزوار

9
  • إن الباطل كان زهوقا
    الإثنين 23 مارس 2015 - 18:12

    1- مصطلح (رجال الدين) له دلالة منحرفة عند النصارى، حيث مبدأ الوساطة بين الله تعالى وبين عباده، فيكون لطبقة رجال الدين الحكم في شئون الناس باسم السماء أو باسم الرب، حتى يبلغوا مرحلة النيابة عن الله سبحانه ويعطون حق التحريم والتحليل، وهذا ما يعرف عندهم باسم " الإكليروس "! وهذا لا ينطبق على علماء الإسلام.

    2- وردت كلمة الروح في القرآن الكريم بستة معاني وهي:

    1/ الروح التي هي قوام الحياة؛ قال تعالي:(فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).

    2/ الروح بمعني عيسي عليه السلام .قال تعالي:( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ..)

    3/ الروح بمعني جبريل عليه السلام .قال تعالي (نزل به الروح الأمين).

    4/ الروح بمعني السكينة والنصر و التأييد .قال تعالي:(أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ).

    5/ الروح بمعني الوحي .قال تعالي:( رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق).

    6/ الروح بمعني القرآن .قال تعالي:( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان…)

  • مهاجرة
    الإثنين 23 مارس 2015 - 20:06

    قبل ان نناقش شرعية الاجهاض من عدمها واصدار قانونا او حكما في هذا الخصوص، يجب اولا معالجة الزلات التي يتخذ اصحابها من الاجهاض حلا وما اكثرها كالامهات العازبات و زنا المحارم…
    لا يمكن تقنين وشرعنت الاجهاض في وجود مثل هذه الزلات ان صح التعبير، وحتى ان شرعن بالفعل سيبقى المشروع محطة انتقاد وجذب بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، على سبيل مثال يكفي ان ندرج هنا المقولة الشهيرة لعالم علماء المغرب(الريسوني) "تحرير الفروج وتعطيل الارحام".

  • إن الباطل كان زهوقا
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 01:39

    1-(شاع فهم بين كثير من علماء المسلمين السابقين والمعاصرين على أن زمن أطوار الجنين الأولى: النطفة والعلقة، والمضغ، مدته مائة وعشرون يوما ؛ بناء على فهم منطوق حديث جمع الخلق الذي رواه الإمام البخاري وغيره…لكن هذا المفهوم لزمن أطوار الجنين الأولى وأنها تقع في ثلاثة أربعينات ؛ قد ثبت يقينا اليوم أنه يتعارض مع الحقائق العليمة المعتمدة في علم الأجنة الحديث مما جعل غير الراسخين في العلم من المسلمين يرددون مثل هذه الأحاديث ويشككون في صحتها، كما توهم بعض المحاربين للإسلام أن هذا الموضوع يعد خنجرا بأيديهم يمكن أن يطعنوا به سنة النبي صلى الله عليه وسلم ..) انظر:(أثر بحوث الإعجاز العلمي في بعض القضايا الفقهية) بقلم الدكتور عبد الجواد الصاوي الباحث في الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

    2- إن الآثار الواردة في المنع من كتابة الحديث ثابتة عن النبي، ولكن هناك آثار ثابتة في الإذن في الكتابة.

    – أحاديث المنع مقدمة على أحاديث الإذن بالكتابة .

    – لم يحمل الصحابة أحاديث الإذن على نسخ أحاديث النهي.

    -وهذا يبطل شبهة العلمانيين حول تدوين السُّنة النبوية لهدم الاحتجاج بها.

  • رضوان اسبانيا
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 09:55

    اخي. من الافضل ان ننظر الاسلام بنضرة ايجابية فهذا الدين او النعمة التي كرمنا الله بها.،دين وقاية وتبات ، قبل ان نقع في زلات يصعب علينا الخروج بسلامة منها. ،.الان نصير مسلمين والكل يجتهد في تشريع القتل. بتزكيةاسلامية. والاسلام بريئ منا !انحلل؟ الزنا ونحلل؟ قتل النفس او نتركها هكذا. اطفال من علاقات غير شرعية و ايتام بدون ماوا يتخبطون في الفقر والجهل. والنتيجة هي السقوط في الرذيلة الاجرام الإرهاب

  • abdelali
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 12:44

    هناك من يفكر في إسعاد الله بالإنتقام من الإنسان، وهناك من يفكر في سعادة الإنسان، أولا، ولو على حساب النصوص الدينية. الفريق الأول يعتقد أن تعاسة الإنسان سببها الزيغ عن شرع الله… الفريق التاني يعتقد أن تعاسة الإنسان سببها تطبيق شرع الله مند مايزيد عن 14 قرنا في العديد من الدول الإسلامية التي لم تنهج نهج تركيا العلمانية. الفريق التاني يعطي دليل نجاح الغرب العلماني الدي لم ينجح إلا بالإبتعاد عن الدين. الفريق الأول يرى في الغرب عدوا، لا لشئ إلا لكونه يدحض الزعم القائل بأن الإنسان لا يزدهر إلا بتقوى الله وسلك سبيله… الفريق الأول يسعى إلى " مواطنة دينية" (الإخوان)، بينما الفريق التاني يسعى إلى مواطنة إنسانية، يغيب فيها شرط التقوى، مواطنة شاملة، لايشكل فيها الإيمان أو الكفر أية قيمة مضافة…. فأي الفريقين يسعى للسلم ياترى ؟

  • krimou
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 13:10

    اعتقد ان مسالة الاجهاض مسالة شخصية لايمكن اخضاعها لاللدين ولا للسياسة بل ربطها فقط بالعلم اي انعكاساتها الصحية نفسيا واجتماعيا فرجال الدين يحرمونها تحريما لقتل النفس بدون حق لكنهم لايحرمون قتل الابرياء من دون حق من قبل التطرف الديني بل ان اكثر الائمة في المساجد يحرضون على القتل والعنف والدولة في دار غفلون مع ان الدي استي تكون حاضرة في المساجد تراقب كل صغيرة وكبيرة وتلرفع التقارير في شان ذلك الى السلطات العليا في البلد
    الدين اصبح مشكلة حقيقية لاتهمه الا الاخرة اما الحياة فاصبحت من المحرمات فهم ينصبون انفسهم الهة وشرعهم اكبر من شرع الله فالله رحيم بالعباد وكل المخلوقات على الارض لانه غني عن العالمين لايكره احدا رحمان رحيم والمسلم تحول الى شيطان رجيم الى قردة لان اصلهم قرد فاصحاب اللحى تحولوا الى قردة يرهبون الكبير قبل الصغير
    فاين اللحية التي كانت عنوانا للوقار والوسطية والحكمة والاعتدال
    حتى لانعمم ولكن اغلبيتهم من جنس القردة فالمسلم حين يبلغ اشده ويلتحي يتحول الى قرد رحم الله داروين الذي جعل الاخوان من اصول حيوانية وذوي طبيعة عدوانية دينهم الوحيد هو الترهيب والارهاب فسحقا لهم

  • إن الباطل كان زهوقا
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 13:12

    1- الذي يتسرع في رد بعض الأحاديث الصحيحة، لمجرد أنها تخالف الاكتشافات العلمية؛ لابد أن يعلم ما يأتي:

    – لابد أن يكون الباحث حسن الظن بأئمة الحديث، خصوصا المشهورين منهم عند كافة العلماء؛ وإلا فإنه من البداية سيميل إلى عدم النزاهة في البحث!

    – لابد أن يكون هذا الاكتشاف العلمي حقيقة علمية، لا مجرد نظرية قابلة للنسف.

    – لابد من جمع جميع الآيات القرآنية-إن وجدت- وجميع الأحاديث المتعلقة بالموضوع.

    – لابد من أخذ رأي الاختصاصيين الموثوقين في ميدان البحث.

    2- الذي يرفض فقه عصور الأمويين والعباسيين عليه أن يرفض -أيضا- ما وصلنا من أدبائهم، وشعرائهم، ومفكريهم! إن هذا الرفض فيه احتقار لأجدادنا، واستهانة بعقولهم وأبحاثهم! ألا كم من كريم منهم كان يركب البغال والحمير، وكم من حقير من معاصرينا يركب السيارات والطائرات؛ ألا ( ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )

  • HICHAM LOTFI
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 13:37

    يجب على المغرب إتخاد قرارات صارمة في حق كل متورط في مساعدة العنصر الأنتوي على الإجهاض فما في ذلك العناصر الطبية التي تخالف القوانين . وكذلك مخالفة التشريعات الإسلامية ذالك ما يدل على البعد عن الدين وتفاشي الفساد بالمغرب بشتى انواعه .( فمن إتبع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فقد اهتدى ).

  • متتبع
    الثلاثاء 24 مارس 2015 - 18:45

    قل اسقاط ولا تقل اجهاض
    نقول اسقطت المرأة و أجهضت الناقة
    انظر كتاب فقه اللغة و اسرار العربية للثعالبي
    وشكرا

صوت وصورة
اعتصام ممرضين في سلا
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 19:08 1

اعتصام ممرضين في سلا

صوت وصورة
وزير الفلاحة وعيد الأضحى
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 17:34 24

وزير الفلاحة وعيد الأضحى

صوت وصورة
تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:12 3

تكافؤ الفرص التربوية بين الجنسين

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02 2

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15 4

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات