القانون الجنائي في طريقهِ إلى الأسلمة

القانون الجنائي في طريقهِ إلى الأسلمة
الأربعاء 8 أبريل 2015 - 13:12

لقد تم الإفراج عن مسودة القانون الجنائي التي تم إعدادها في دهاليز وزارة العدل و الحريات تحت إشراف الوزير الإسلامي الرميد. تُقدم هذه المسودة مثالا صارخا على أن الإسلاميين ماضون على قدم و ساق في أسلمة القوانين المغربية. هذه الأسلمة تُزاوج بين تعديلات و إضافات حداثية قليلة و بنود كثيرة تحكمها العقلية الماضوية و الإستبدادية و الإنتقامية. من غير المعقول ان يكون لنا قانون جنائي جانبٌ منه واعد ومحفز و جانبٌ أخر مُوغِل في التخلف و اللّإنسانية. من الجنون أن تعيش في بلدٍ تحكمه شرائع القرون الغابرة وفي نفس الوقت يُقال بأنه بلد ينتمي إلى القرن الواحد و العشرين.

عندما علِمتُ بمحتوى المسودة، تخيَّلتُ أن فرقةً من الإسلاميين قامت بمداهمة مقرات وزارة العدل و الحريات و أخذت القائمين على صياغة تلك المسودة كرهائن و أجبرتهم على تخريب بنودها في الوقت الذي تتبختر فرقة إسلامية أخرى في البرلمان و في مختلف المحافل مُروِّجة أن القانون الجنائي القادم سيُلبِّي انتظارات الشعب. الهدم سهل جدا أيها السادة، يكفي تمرير مادة واحدة تنتمي لزمن غابر لتخريب المنظومة الجنائية بالكامل.

فَفِي المسودة نجد مادة تنص على:” يتوّفر عذر مخفض للعقوبة في جرائم الجرح، أو الضرب دون نية القتل، حتى ولو نتج عنها موت، إذا ارتكبها أحد أفراد الأسرة على أشخاص فاجأهم بمنزله وهم في حالة اتصال جنسي غير مشروع”. هذه إضافة خطيرة للقانون الجنائي المغربي، ففي الوقت الذي ننتظر فيه تقننين الإجهاض و سحب كل المتابعات الجنائية التي تخصه، يُفاجئنا الإسلاميون بتبرير جرائم الشرف و شرعنة تقتيل المواطنين بعضهم البعض بسبب العلاقات الجنسية.

و نجد أيضا في المسودة مادة تنص على “المعاقبة بالحبس ما بين شهر واحد وسنتين، وغرامة مادية قد تصل إلى 20 ألف درهم، كلّ من ارتكب إخلالًا علنيا بالحياء، وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات والأفعال”. هذه كارثة تشريعية و ليس حلاً تشريعيا. إذا ركزنا في مقاصد هذه المادة فسنجدُها تتدخّل تدريجيا في حرية المَلبَس و حرية التعبير، إذ مع مرور الزمن سيصبح ما لا يثير متابعة جنائية اليوم هدفا سهلا لكي يصبح كذلك في المستقبل، سيغدو ارتداء المرأة لسروال طويل على سبيل المثال عُرْيا صريحا و بالتالي مسّاً بالحياء كما هو الشأن في السودان حاليا. سيصبح بنفس المنطق الرقص و المسرح و الأغنية بذاءة في الإشارات و الأفعال، مِمَّا سيفتح الباب على مصراعيه لكي يُسجن المواطنون بسبب لباسهم و الأشكال التعبيرية المختلفة التي سيتقمصونها.

إذن “الخْبَار في راسْكُوم”. فَفِي الوقت الذي يتُوق المغاربة إلى قوانين تضمن لهم المزيد من الحرية على ذواتهم و أفعالهم و أقوالهم، يتم إحياء و تنزيل أفكار و مبادئ عتيقة تُمجِّد الاستعباد و القهر و التضييق على الحريات. إن أردت ممارسة هذه الأخيرة، أي الحريات، فأنت تدخل مناطق عالية المخاطر لن يتردد أحدُهُمْ عن قَتلِكَ فيها و سيفوز بالظروف المخفِّفة إن لم نقل بحكم مع وقف التنفيذ أو ببراءة بكل بساطة.

أين تَكمُن المشكلة؟ إنها تَكمُن في أن بنكيران يُقدم لنا ملْهاةً عندما يقول بأنه جاء إلى الحكم لكي يقوم بإصلاحات حقيقية و أنّ من ينتظر منه التدخل في حرية مَلْبَس و مأكل و مَشرَب و سلوك المغاربة فهو خاطئ. لقد صفقنا لذلك. لكن تبيَّن مع تناسُل القوانين التي تمت صياغتها في عهده بأن تلك الملْهاة تُخفي تراجيديا تستهدف بالذات تطويق تلك الحرية بالسلاسل و الأغلال و السجون عبر قوانين ماضوية إسلاموية مثل مسودة القانون الجنائي التي بين يدينا.

يمكننا أن نقارن في هذا الصدد بين موقف الدكتاتوريات و موقف الإسلاميين. فعندما وصلتْ الديكتاتوريات إلى الحُكم قالت للشعب:” أيها الشعب سنأخذ منك حريتك و لكن سنوجِّهُك في طريق التعليم الجيّد و البنية التحتية القويّة و السياسيات التنموية المُوَجَّهَة نحو التصدير، وفي نهاية المطاف يُمكنك أن تبني طبقة وسطى كبيرة و تستَرِد حريتك”. و عندما وصل الإسلاميون إلى الحكم قالوا للشعب:”أيها الشعب، سنأخذ منك حريتك و سنعطيك تعدد الزوجات و زواج المتعة و عقوبة الإعدام.”

تميل الدكتاتوريات إلى الحداثة، و نرى النتائج اليوم: أغلبية الشعب المصري بنُخبِه المثقفة المُنتجة تُعظّم السيسي و ترى فيه قائدا في اتجاه غذٍ حداثتي مشرق رغم كل العنف و التضييق على الحريات التي تمُر بها مصر حاليا. بينما الحكام الإسلاميون يتصرفون كزواحف تَستخدم المرجعية الإسلامية كشئ بَرَّاق لصرف انتباه الشعب عن مساوئ حُكمها و عن المهاوي القانونية التي يصنعونها له و يستعدون لإلقائه فيها إلى الأبد. الأخطر هو أنهم سيُحوِّلون المغرب إلى بلد منكوب عَبْر ترسانته القانونية.

هذه الأسلمة للقانون الجنائي يُنذِر بأن المغرب يُجرُّ قسراً إلى بيت الطاعة و يجعلنا نرى أن مستقبل المغرب هو حاضر أفغانستان اليوم. طريق المستقبل بالنسبة للإسلاميين هو طريق كابول. عندما تصبح كل نساءنا لابساتٍ للبرقع و عندما تتطابق كل قوانينا الوطنية مع الشريعة الإسلامية إلى أقصى حدودها و عندما تُغتال الحرية تماما و يُبسط الجهل في ربوع البلاد و عندما تَتمتلئ شوارعنا بالشباب العاطل الغاضب و تتحول مدارسنا كلها إلى كتاتيب و معاهد للشريعة و عندما تنهار الدولة و يبدأ مَرْجَل الحرب الأهلية يَغْلِي، فتلك ستكون بالنسبة للإسلاميين المؤشرات الهائلة على مدى تقدُّم المغرب و سيكونون جد فرحين يهنئ بعضهم بعضا على نجاحاتهم الباهرة.

لقد صرح بنكيران ذات يوم بأن الخطر الذي يهدد الأمة المغربية هي الخروج عن شرع الله. هل هذا كلام معقول يا بنكيران؟ إن الأغلبية الساحقة للشعب المغربي مُسلِمة و جميعهم حريصون على إسلامهم المغربي المعتدل. هل أنتظركم الإسلام في هذا البلد الأمين لمدة تزيد عن 13 قرنا حتى تأتي أنتَ و حزبك لكي ترسخه و تحفظه بهكذا قانون جنائي متخلف؟ إن المغاربة يميزون بين الدين و مسائل الدنيا فلا يخلطون بينها، أما أنتم فقد تَشابه عليكم البَقر و فقدتم التمييز و وجَب عليكم الحَجْر و العزل السياسي.

‫تعليقات الزوار

7
  • عبد الرحمان
    الأربعاء 8 أبريل 2015 - 15:17

    نحن شعب مسلم يا اخي لماذا تتكلم عن اسلمة القوانين وكل ما يسير في نطاق القوانين التشريعية فلا بد له ان يحترم اصولنا الدينية الا اذا كنا نريد الانسلاخ عن هويتنا

  • marocain
    الخميس 9 أبريل 2015 - 10:31

    Tout á fait d´accord. En plus je pose seulement une question et j´espere lire une reponse raisonnable. pourquoi a-t-on besoin de religion pour vivre une vie normale? par exemple a-t-on besoin de relegion pour savoir qu´il faut pas tuer ou voler ou mentir ou faire du mal á autres….??? óu est la raison humaine dans tout ca?

  • khalil
    الخميس 9 أبريل 2015 - 11:13

    Ce qui est vraiment bizarre cher monsieur, c'est de voir un musulman se révolter contre l'islamisation des lois de son pays!!! Il y a quelque chose qui ne rime pas !! Ce qui est également étrange, c'est de ne pas accepter l'islamisation des lois d'un pays musulman de part la religion de la majorité écrasante de sa population, de part son histoire, de part sa constitution et de par du statut d'amir almoaminine de son roi!!!!. C'est tout à fait normal d'harmoniser nos lois avec celles de notre religion. je vous rappelle cher monsieur qu'on est des musulmans. et que la loi qui était appliquée au Maroc depuis le 7ème siècle jusqu'''au 20 siècle était la sharia et que c'est l'occupant français qui a supprimé plusieurs lois islamiques et l'a remplacé par ses propres lois. la question qui se pose: est-ce que les marocains acceptent d'etre gouvernés par des lois posés par leur Ex occupant ?

  • Youssef
    الخميس 9 أبريل 2015 - 11:51

    Il n'y a aucune islamisation

    dans bcp de pays il y'a la notion du crime passionnelle, et est interdit de se balader nu dans les lieux public.

    il faut juste remplir les vides juridiques pour protéger les valeurs de base.

  • ابو الحسن الادريسي
    الخميس 9 أبريل 2015 - 17:00

    علاش كتخافوا من شرع الله
    لا يخاف من شرع الله الا…واراه لخبار فراسك حتى نتا
    المغاربة مسلمون وان سالتهم عن تطبيق شرع الله ستندهش بالجواب الذي سيكون بطبيعة الحال بالايجاب
    وشرع الله يشمل جميع مناحي الشريعة بما فيها الحدود ,وليس ما يروجه الاعداء بان شرع الله هو الحدود فقط فهناك الصلاة والزكاة والصيام والاخلاق واحترام الجار والمعاملات…….ووووووووالحدود والقصاص…….هذا هو الاسلام.

  • محمد
    الجمعة 10 أبريل 2015 - 13:53

    في الأخير. أنتم من صوتم على حزب ال PJD، فما لكم إلا أن تبلعوا الريق. لا يخفى على احد منذ امد بعيد ان خلفية اي حزب او إديولوجيا اسلامية فهي خلفية تكرس استبدادية قهرية ولها نفس منطق الحركات المتشددة كداعش و القاعدة بدون ادنى استثناء.

  • نور على نور
    الجمعة 10 أبريل 2015 - 17:25

    إن شاء الله سنجدد انتخابنا و ثقتنا في الحزب ذو المرجعية الإسلامية و قريبا إن شاء الله ستكون جميع قوانينا متطابقة مع شرع الله في جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقضائية وسيعم الخير و الأمان و السكينة و الكرامة وسيتحسرالذين يحرصون على نشر الفساد و الانحلال و الرذيلة في المجتمع المغربي المسلم . تضامنوا و تعاونوا يا محبي رسول الله و اصبروا حتى يتحقق الحكم بما أنزل الله و لا نكون لا من الكافرين ولا من المنافقين ولا من الفاسقين الذين لا يحكمون بما أنزل الله .

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة