انعطافة عاصفة الحزم

انعطافة عاصفة الحزم
الثلاثاء 21 أبريل 2015 - 23:10

إن المتتبع للصراع الدولي الجاري المحتدم يرصد تطورات متتالية ومتزامنة وغير مسبوقة وغير متوقعة أدخلت العالم مراحل متقدمة من الصراع؛ إعلان يوم 26 مارس 2015 تحالف عربي بقيادة السعودية ومشاركة مصر لشن عمليات عسكرية من أجل إعادة الشرعية في اليمن، تلاه وصول الدول الست الكبرى(أمريكا) وإيران إلى اتفاق بخصوص الملف النووي الإيراني، ثم بدأ هجوم الدواعش على مخيم اليرموك الفلسطيني بدمشق منذ 06 أبريل 2015، وقيامهم في نفس الآن بعملية انتحارية وحيدة ضد النظام السوري، بعد فقدانهم السيطرة على تكريت في العراق!

فهل لملك السعودية الجديد علاقة بإبداع “عاصفة الحزم”؟ ولِمَ توالت إشارات إيران الايجابية لتنتهي بإبرام اتفاق يخص ملفها النووي بعد تواصل العمليات النوعية لعاصفة الحزم؟ وما دلالات المشاركة المصرية في تحالف يهدف إلى إعادة الشرعية !؟ وما جريرة فلسطينيو اليرموك ليلحق بهم كل ذلك التنكيل الداعشي؟

لا نعلم يقينا أصل فكرة “عاصفة الحزم” أكانت إبداعا يؤشر على التحول السياسي في السعودية أم مناورة أمريكية ترمي إلى تقوية الضغط على تحالف الديكتاتورية والإرهاب الدولي؟ لكن في كل الأحوال يظل الانسجام والتنسيق بين الطرفين غالبا أكثر من أي وقت مضى، بخاصة بعد استقطاب مصر إلى نادي الدفاع عن الشرعية.

قد يكون الدفاع عن الشرعية غطاء مناسبا للعملية العسكرية في اليمن، وقد يكون اختيارا استراتيجيا للملك سلمان، غير أن المغزى الكبير من عاصفة الحزم يكمن في المساءلة القاسية لاختيارات السعودية السالفة، إذ لم تُلْغ تلك الاختيارات سلطة شرعية في مصر فحسب، بل توالت الأحداث بعد ذلك لتشكل تهديدا خطيرا للأمن القومي السعودي.

تمكنت السعودية من حشد دعم دول مجلس التعاون الخليجي لعملياتها العسكرية، كما استقطبت دولا عربية أخرى كالأردن والمغرب، علاوة على تركيا وباكستان اللتين أعربتا عن دعمهما السياسي لعاصفة الحزم متريثتين عن اتخاذ قرار الدعم العسكري، بعد نجاح مساعي إيران ببث الشك والتوجس فيهما.

ربما شعرت تركيا بإغفال السعودية مبدأ الشرعية الديمقراطية في معالجة الأزمة المصرية، أو يمكن أن تجنح إلى ترجيح مصالح وطنية ثابتة مثلما أحجمت عن التدخل أثناء اقتحام داعش بلدة “كوباني” وفضلت فك أسراها من داعش، وقد تبرر غيابها بكفاية قوة التحالف المنخرطة لحسم المعركة أو بمشاركة مصر التي يمثلها منقلبون على الشرعية.

وحتى لا نضل في جزئيات الأحداث المتناقضة بهذا الشأن ينبغي قراءة مبادرة عاصفة الحزم في سياق التقاطب الدولي الجديد حيال تحولات الربيع الديمقراطي.

إذا انطلقنا من الفاعل الإيراني الذي استأسد في المنطقة العربية مغتنما التناقضات الدولية القائمة ليسارع إلى توسيع نفوذه، وربما تعاظم طموحه حتى بات يحلم بإدارة شؤون مكة المكرمة. غير أنه استفاق بعد الضربات الخاطفة لعاصفة الحزم، وهرول إلى إبرام اتفاق مع الدول الست ليضمن تخصيبا سلميا لليورانيوم وليرفع عقوبات ظلت تحول دون تحقيق الرفاه للفرس.

أما الإرهاب الدولي الذي حل في جسم “داعش” فقد خسر تكريت في العراق، وسار ينكل بالفلسطينيين في مخيم اليرموك بدمشق، ثم فجر عملية انتحارية ضد النظام السوري للتمويه عن أجندته المكشوفة، بل توجه بتهديد مباشر إلى حماس في غزة العزة متذرعا باعتقالها أحد نشطاء السلفية الجهادية.

إن توجيه تنظيم الدولة “داعش” إلى هذه الأهداف المشبوهة يكشف سباق الزمن الذي دخله معسكر اللاستقرار وانتهاك السيادة لإنجاز أقصى أهدافه المرسومة بعد عرقلة الربيع الديمقراطي، ويُثْبت توظيف داعش لتجاوز أعظم التحديات التي تواجه إسرائيل، ذلك أن الهجوم على الفلسطينيين بدمشق وتهديد حماس في غزة يعد تصعيدا غايته توريط حماس في معركة لإضعاف قدراتها العسكرية. وقد نجحوا من قبل بتشويه وإضعاف حزب الله في لبنان.

وقد وُظِّف تنظيم السيسي لمثل هذه المساعي في مصر بعد إدراج إحدى محاكمه حركة حماس ضمن قائمة الإرهاب مستجيبا لذات أهداف تحالف الإرهاب الدولي. ولذلك يبدو أن قرار مشاركة مصر في تحالف عاصفة الحزم كان قرارا صعبا؛ فمن جهة وضع هذا التحالف شعار إعادة الشرعية لتبرير عملياته العسكرية، ولطالما قض هذا الشعار مضجع نظام السيسي، ومن ناحية أخرى، ثمة تناقض جذري بين أهداف حلف عاصفة الحزم وأهداف حلف الإرهاب والدكتاتورية الذي ساعده بالوصول إلى الحكم، ولذلك فهو يسارع إلى إصدار أحكام إعدام قيادات المعارضة لإرضاء تحالفه السابق ولخلق واقع أكثر تعقيدا يدعم مفاوضاته داخل حلفه الجديد.

لقد وُفقت إدارة “أوباما” عند هذا الحد بوضع مقومات التحكم في إدارة الصراع الدولي القائم، إذ يشير تعجيل زيارة حيدر العبادي إلى أمريكا عقب عاصفة الحزم والتسوية مع إيران إلى إمكان إبعاد التدخل العسكري الإيراني في العراق عبر الضباط والجنرالات والمليشيات، فإبعاد إيران عسكريا يمهد لإنهاء الأزمة العراقية، ويلقي بظلاله على حل الأزمة السورية. وتسوية الملف النووي الإيراني يشكل آلة ضغط على إسرائيل واللوبي الصهيوني- بخاصة بعد مسارعة روسيا إلى تصدير صواريخ “إس 300” إلى إيران- ليُساهما باستقرار المنطقة ويَخضعا لحل الدولتين. فبعد قيام وضع بتلك المعالم لن يبقى معنى لوجود وامتداد “داعش” أوالحوثيين.

كلما تقدم الزمن يشعرنا بتلاشي ثورات الربيع، لكن سرعان ما يقودنا المسار إلى انعطافة تمنحنا الأمل، أسوق هذا الكلام عن انعطافة عاصفة الحزم التي نجحت بإرغام القوى المعادية للديمقراطية وسيادة الدول داخل مجلس الأمن على اتخاذ قرار يَحْضُر تسليح جماعة الحوثي ويفرض عقوبات على قياداتها وعلى فلول قيادات النظام الديكتاتوري السابق.

يبدو أن عاصفة الحزم لن تقف عند هذا الحد، سيكون لنجاحاتها المتواصلة تأثير عسكري ودبلوماسي على المجال السوري معقل الردة عن الربيع.

[email protected]

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 4

احتجاج أساتذة موقوفين

صوت وصورة
جمعية حقوق الإنسان ومدونة الأسرة
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:35 4

جمعية حقوق الإنسان ومدونة الأسرة

صوت وصورة
نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"
الأربعاء 27 مارس 2024 - 19:15

نتائج "بارومتر الصناعة المغربية"

صوت وصورة
الفهم عن الله | الاحتواء والاحتضان الرباني
الأربعاء 27 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | الاحتواء والاحتضان الرباني