سلا ...كان يا ما كان

سلا ...كان يا ما كان
الأربعاء 13 ماي 2015 - 15:44

و كأن أصابعي أصيبت بتكلس مؤقت، و أضحت غير قادرة على حمل القلم، كلما سرح خيالي يفتش في حكايات و قصص دروب و أزقة المحروسة بالله سلا العتيقة، التي غلفها الصمت. سلوك غريب و ممارسات غامضة تلك التي تصدر عن أناملي، كلما هممت بالتنقيب في أعراف و ثقافة مدينتي العريقة، للحفر في تجاعيد ذاكرةها. لربما هو شعور يعكس إحساس إبهامي و سبابتي بأن لا جدوى في استلهام الماضي، و استخلاص العبر، لاستشراف المستقبل.

الجميع يعلم أن مدينة سلا أصبحت بدون هوية، لا حاضر لها، و لا آمال تلوح في أفقها و تبعث على التفاؤل. فقط ماضيها يشفع، و يشهد بعظمة رجالاتها المجاهدين، الذين لم يسألوا عن جهادهم أجرا.

في عيون كثيرة أقرئ لغة الصمت و الألم و الفشل و الإحباط… إحباط من يدرك وقع الغدر الذي يصيبه، حين يتصرف الناس بأنانية من خلف ظهره، ليمارسوا ساديتهم، و ينفذوا أجنداتهم المليئة بأغراضهم الضيقة. إنهم رعاة الانتهازية. في زمان كثر فيه المحبون للخير، و المبعثون للأمل.

سلا تحتضر، و لا أمل في الأفق، فلندعها تموت في صمت. و لنعجل بدفنها إكراما لها. هذا مبلغ تفاؤلنا. سنقيم لها جنازة تليق بماضيها. سيكون حملها على آلة حدباء، هو آخر موعد يسجله الانتهازيون في أجندتهم.

أشعر و كأن أصابعي تتحرك الآن و قد فك تكلسها، إنها تريد التعبير عن ما يخالجني من آلم و حسرة. أستنشق نفسا عميقا، من عبير طفولتي و شبابي بين أحضانك أيتها المحبوبة. كم كنت أكره نوم الناس في الليل، كم كنت أحبهم حولي، استأنس صحبتهم حتى البلج. كم كنت أعشق صباحك و أنا أترنح بين متاهات دروبك الضيقة، التي اتسخت و تعفنت من كثرة الأكياس البلاستيكية الممتلئة بالأزبال و الفضلات، الملقاة في كل مكان.

كم كان يحلو لي السهر مع الرفاق و أنا أتنقل ليلا بين سينماتها الكوليزي و الملكي و لوبيرا، لمشاهدة أفلام بروس لي و ترينيتا و مول المشطة و شارلي شابلين. ليكتمل السهر بمقهى الأطلس بباب الخميس حتى الصبح. لقد أوصدت السينمات الثلاث أبوابها. و هدمت مقهى أطلس، ليصبح مكانها فضاء أريد به أن يكون حديقة عمومية، فأضحى مرحاضا عموميا طبيعيا يزكم الأنوف. و أجزم لكم أن كل الحدائق العمومية بسلا هي شبه مراحيض عمومية. و هذا نتاج طبيعي لوضع شاد، تغيبه فيه المراحيض العمومية الحقيقية، تلبي حاجة المحتاجين الكثر.

لن أعدد ما لحق بك من تدمير و إهمال لمعالمك و مواقعك الطبيعية و قصباتك و أسوارك، فقد سبق و أن تكلمت عن هذا الموضوع، دون أن أجد آذانا صاغية.

لا شيء يفرح بهذه المدينة، اللهم عزيمة بعض الهيئات الجمعوية و الأفراد، الذين يبادرون للتحسيس بأهمية النهوض بقطاعات حيوية حساسة، في مبادرات محمودة. فلنعقد العزم، كل من منبره، لتنشئة أجيال لها من الغيرة، ما قد يعيد مجد مدينتنا لسالف العصر و الأوان. فبقدر العزم تأتي العزائم.

‫تعليقات الزوار

10
  • KITAB
    الأربعاء 13 ماي 2015 - 22:35

    ياأستاذ ، مرثيتك هذه تنسحب على جميع المدن المغربية التي تحولت إلى دواوير وأوكار لتفريخ الجريمة بمختلف أوجهها البشعة ، هل صار في مقدور أحد أن يتجول هو ورفاقه أو أسرته بحرية وأمن وأمان ، سيما بالليل ؟؟ .لقد آن الأوان للإعلان عن حالة العصيان المدني ، ما دامت هذه الدولة بكل مؤسساتها غير قادرة على أن توفر لمواطنها أبسط الحقوق الأمنية… !!!

  • SLAOUI
    الأربعاء 13 ماي 2015 - 22:46

    التدمير الذي حصل لمدينة سلا هو تدمير للعقل وإهمال سببه الرئيسي الدولة ، تدمير للعقل بسبب وجود تيارات دينية عديدة تستغل فقر الناس وأميتهم ، الدولة بدورها تتحمل مسؤولية ترك سلا بين أيدي مافيات العقار والمهربين الدينيين وتشجيع الهجرة القروية إليها مما جعلها قنبلة موقوتة وتهديد حقيقي للعاصمة الرباط

  • الحسين السلاوي
    الخميس 14 ماي 2015 - 00:46

    مأساة سلا تتلخص في أنها كانت الى غاية 80 مقاطعة كبيرة تابعة للعاصمة ،وبالتالي فالرباط قبل أن تغدو ولاية كانت هي التي تتصرف في الميزانية المخصصة لسلا بحيث لم يخصص لها غير الفتات ولم تعرف تطورا في التجهيزات الاساسية فبقيت على الهامش ممادفع أعيانها بالانتقال للرباط خاصة بعد الهجرة القروية وتنامي الاحيالاء العشوائية التي كانت كرافد انتخابي يستعمل لإمالة الموازين لصالح الجهة السياسية التي ترضى عنها الإدارة.
    ورغم أن سلا من أكبر المدن من حيث الكثافة السكانية، فإنها بقيت شبه قرية كبيرة اسمنتية لا جماليةفيها..،لأن المتعاقبين على تمثيلها بما فيهم رئيس الحكومة لا يتذكرونها الا إبان حملاتهم الانتخابية ،وكلما فازوا ارتحلوا للضفة الأخرى من الوادي بعد ان تنشف ارجلهم ويدخلوا الى … بر الأمان .
    لذلك على الحكومة أن ينتبهوا لهذه المدينة لان مشاكلها تسقط على الرباط.. فماتعانيه الرباط من تسول ولصوصية وتشرد أغلبه من سلا فلا شغل فيها و لا مركبات سوسيو اقتصادية ولا مساحات خضراءولا يوجد فيها فندق ممتاز عدا "الفنادق" القديمة التي أصبحت اوكارا معرضة للانهيار في اي وقت!!

  • محمد فؤاد قنديل
    الخميس 14 ماي 2015 - 09:34

    لا أخفيك قدر الوقع الذي خلفه مقالك في نفسي، فالأمر يذكرني بطفولتي بسلا، و زياراتي المتكررة لسينما ملكي و كوليزي. فقد كنت أداوم على مشاهدة الأفلام حسب البرنامج. كانت السينما تغير برمجة الأفلام يومي الإثنين و الخميس، و كان هذا موعد مع فرجة جديدة شيقة، ننتظرها بفارغ الصبر. كانت الأفلام تتكرر، و لمن ذلك لا يمنع من متعة معاودة مشاهدتها للمرة العشرين. كان العاملون بالسينما و من كثرة الملل، يعملون في بعض الأحيان على تسريع أسطوانة الشريط لربح بعض الدقائق حتى ينتهي الفيلم قبل وقته. و كان هذا الفعل الشنيع يولد اشمئزاز و احتجاج المشاهدين. حيث نفقد المتفرج حلقة قصة الفيلم، و بالتالي يسرح الخيال في تخيل و استنتاج وقائع الفيلم المسلوبة من الشاشة الكبرى قهرا. و كم عشنا لحظات إنتظار عندما تتقطع الأسطوانة، و يتمزق الفيلم. كنا ننتظر إصلاح العطب بحماس لا يخلو من مزاح و ضحك. و إذا تعذر إصلاحه، كنا نفاجئ بالمسؤولين يبثون تتمة من فيلم آخر، لا علاقة له بالفيلم المعطوب. كان المتفرجون لا يقبلون الأمر بسهولة، و يعبرون عن احتجاجهم بشتى أنواع التعبير اللفظي، الذي يمتد لتخريب المقاعد و تمزيق الجلد الذي يغطيها.

  • casaoui
    الخميس 14 ماي 2015 - 11:35

    سلا عاصمة الملاحة الأندلسية بالمغرب و الأطلسي و فخر البحرية المغربية هي و آسفي….

  • محمد ياسين
    الجمعة 15 ماي 2015 - 10:01

    سلا …
    آه على سلا
    لو رأيتها كأنك ترى التاريخ
    هي كلمات كتبتها قديما لما كنت أعلمها لبعض الأطفال أثناء المخيم الصيفي
    للأسف مدينة سلا لم يبقى فيها سوى التاريخ، فهذه المدينة العتيقة لها من ذكريات تاريخية تجعل أناسها يفتخرون بها لكن في عصرنا اليوه أهملت هذه المدينة كثيرا مع العلم أن مدينة سلا هي ثاني مدينة في المغرب من حيث الكثافة السكانية بعد مدينة الدار البيضاء و لها من المؤهلات ما تخول لها أن تكون قطب اقتصادي كبير نظرا لمؤهلاتها البشرية و قربها من العاصمة.
    على من تقع المسؤولية، هل على عمدة المدينة أم على السكان أم على مكونات الدولة. يجب على الكل أن يتحرك لبدء نهضة ثقافية و علمية و اقتصادية و أن يكون الشباب هو منبع هذه النهضة.

  • مقترح حلول
    الجمعة 15 ماي 2015 - 10:26

    أرى أن مسؤولية تدهور أحوال مدينة سلا يرجع إلى كثافتها السكانية التي تزداد يوما بعد يوم. و التي لا يوازيها بنيات تحتية كافية، و تجهيزات تفي الغرض في مجال الصيانة و النظافة و المرافق العمومية. زد على ذلك غياب الوعي المشترك بضرورة إعطاء صورة نموذجية عن المدينة. فالوافد الجديد لا يهمه ذلك، بقدر ما يهمه أنه يجد سقفا يأويه، قريب من عمله، يعوضه سقف المدينة أو القرية التي قدم منها. فالوافد الجديد يحتاج للتقادم بالمدينة حتى يهيء مجتمعه الخاص، و تتركب فيه الغيرة على ما حققه من مكتسبات بحيه و كذا بمدينته. فالغيرة تتركب جزءا فجزءا. و هذا كان حاصلا عبر التاريخ. فقد كان الوافدون الجدد يحتاجون لترسيخ هويتهم الممزوجة بين ما يحملونه معهم، و بين ما تشبعوا به في مدينتهم الجديدة. و من هنا تبنى المجتمعات، و تتأسس التوابث المشتركة. و هذا انموذج قد انطبق على دول حديثة النشأة ككندا مثلا، التي عرفت توافد كل أطياف الكون إليها، و عاشت التطاحنات فب ما بينها، و التشتت. لكنها أسست مجتمعا مندمجا شيئا فشيئا. و هي اليوم من الدول المتحضرة و المتقدمة. نرجو أن تستفيد سلا من التنوع الديموغرافي، و تنفتح للإندماج الكلي…

  • سلاوي ولد القاع و الباع
    الجمعة 15 ماي 2015 - 10:47

    جوابي موجه لصاحب التعليق الرقم 7 . أتفق معك أخي على كل ما ذكرته. و هو صحيح. و أضيف إليه، أن التفاوت الخدماتي في تقديم الخدمات بين أحياء المدينة، هو ايضا يشكل عائقا كبيرا. فالعناية التي تحضى بها بطانة ليس هي العناية التي يحضى بها الواد مثلا. و هنا أتحدث على كل المستويات بأشكالها و أنواعها. و هذا يعكس وعيا بأن الوافد الجديد له مكانة ضعيفة داخا المجتمع. مما ينعكس سلبا في نفسيته، و ينتقم باسلوبه الخاص، عن طريق رمي الأزبال في الطرقات مثلا. أنا هنا لا أتحدث عن كل الوافدين، بل عن فئة منهم ترى أنهم مهمشون، و بالتالي وجب رد الاعتبار و مجابهة الاهمال بالاهمال. إذن يجب تأسيس ثقافة مشتركة مبينة على العدل و تكافئ الفرص، و الايمان بأهمية الآخر كفاعل جديد. و نبذ كل أشكال العنصرية، التي تعتبر الآخر دونيا، و دخيلا، و مكسرا لثقافة سائدة بالمدينة مبنية على العادات و التقاليد و الأعراف، التي يعتبرون مخالفتها هي نوع من التطاول على تراث السلاويين. هذه الأعراف و التقاليد يجب أن لا تبق وحيا منزلا، فإما العمل بها غير منقوصة و بالتاوبل التي تستحق. و إما فأنك تعتبر متسلطا و عروبي و خرزي و كرغلي. كما يحلو القول.

  • التاهيل العنصري
    الجمعة 15 ماي 2015 - 11:22

    لقد اعطى الملك ستة 2014 انطلاقة تاهيل مدينة سلا والغريب في هادا ان هناك اختلاف كبير في طريقة تاهيل المدينة بحيث يتم اصلاح شارع مخالف لشارع اخر الاول يتم ترصيصه بشكل جيد من انارة وزليج بجودة عالية واشجار انخيل على جانب الطريق اما في حي الانبعاث مثلا كور اوعطي العور مما يجعلك تحس بالحقرة كاننا لاسنا مثل سكان بطانة رغم ان الميزانية اتاهيل يجب ان تعرف توزيع عادل .نرجو ان يقوم الملك بزيارة روتينبة حثى يقف على مدى الاختلاف في تاهيل العنصري ويعاقب كل مخالف حثى تعود لنا ثقة اننا سواسية وليس فرق بين سكان حي الانبعاث وسكان بطانة .

  • كاتب المقال
    الجمعة 15 ماي 2015 - 12:57

    المشاريع التي دشنها صاحب الجلالة، هي مشاريع هامة و واعدة، بل هي أوراش كبرى ستعيد الأمل لمدينة سلا، في إعادة هييكلتها ببنيات تتحية فائقة الأهمية. و يجب أن تنفذ التعليمات الملكية بأدق تفاصيلها للنهوض بهذه المدينة. و نرفض رفضا تاما أن يتم التعامل مع هذه المشاريع بمستوى ضعيف، أو بدون حماس.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة