الجبال تحكي لمن يتسلقها...

الجبال تحكي لمن يتسلقها...
الإثنين 18 ماي 2015 - 14:29

لم يكن أحد يعرف الأخر. جمعنا الجبل. كل واحد كان يمني نفسه بأنه قادر على أن يصعد أعلى قمة بضاحية شفشاون. المشي و الصعود و الهبوط عملية سهلة، أو هكذا تخيل إلينا. بعض الفتيات شاركن في الرحلة و هن يعتقدن أنها نزهة. فهن لم يصعدن الجبال يوما و السيارة كانت وسيلتهن لقضاء أغراضهن في وسط المدينة. سيدة تجاوزت الأربعينات كانت تبدو متعودة على صعود الجبال. سيدة بشخصية قوية. كان واضحا أن الجبال كانت وسيلتها للتحدي و التغلب على صعوبات الحياة.

الفتيان كانوا يعطون الانطباع بالحيوية و القدرة على التحمل. رجل في عقده الخمسين كانت له حكاية مثيرة. فهو عشق صعود الجبال بعد أن تخلى عن وظيفته و قرر أن يتفرغ لهوايته. يقول بطرافة أنه تخلى عن وظيفته بعد أن وصل السيل الزبى و لم يعد قادرا على التحمل ليكتشف بعد ذلك أنه أثناء تسوية ملفه، حصل على نفس الأجرة التي كان يتقاضها مع فارق بسيط لا يتعدى خمسمائة درهم. ضحك الجميع باستغراب.

كان يوجد مشاركون من الدار البيضاء و من الرباط و القنيطرة و طنجة و تطوان، كما أن المجموعة كانت تضم مشاركا من الصحراء. فكانت فرصة لمناقشة قضية الصحراء من وجهة نظر سكانها المحليين. حذرته بمرح بأن يهتم جيدا بنفسه و بأن يكون حذرا أثناء صعود الجبال، فالمغرب و الصحراء ما زالوا يحتاجون إلى صوته إذا ما تم الاستفتاء. فأخذ الصحراوي يشرح مشاكل و صعوبات الاستفتاء، و كيف أن السكان الأصليين في الصحراء حاليا لا يتجاوزون 15%.

بعد أن تم التعارف بين مختلف المشاركين في مقهى شعبي بمدينة شفشاون، تقرر التوجه إلى فندق قروي، لوضع الأمتعة قصد التفرغ لصعود الجبل.

كل مشارك كان يضع فوق ظهره حقيبة بها ماء و بعض الأكل. الماء و الأكل ضروري أثناء صعود الجبال، و لكنه مع التعب يجعل المشي و الصعود صعب، فيأتيك إحساس جامح بأنك تريد أن تتخلى على حملك حتى لو كان ضروريا.

لم أعد أمتلك اللياقة البدنية و القدرة على التحمل كما في السابق، او هكذا كان يتخيل إلي. و لهذا و بعد وقت وجيز جدا شعرت بالتعب و الملل. كنت أول مشاركة تعبت في بداية الطريق. في الحقيقة لم تكن عندي أدنى رغبة في الاستمرار. جلست فوق أقرب صخرة رأيتها. شجعتني فتاة لطيفة بأن أستمر في المشي. لم أكن أستطيع أن أميز تماما هل فعلا تعبت أم أنني أدركت المشاق التي تنتظرني فقررت أن أتوقف قبل أن أبدأ. في أعماقي كنت أدرك أنني أستطيع أن أستمر و لكنني كنت أدرك أيضا بأنني سأتعب كثيرا. ربما هذا الأمر هو الذي أزعجني. منذ مدة لم تعد لدي أدنى رغبة لخوض أي تحدي أو دخول أية معركة. الكلمات المحفزة لي في السابق كالتحديات و المعارك و الانتصار و الإرادة أصبحت تبدو لي كلمات مضللة تبعدك عن جوهر الحياة البسيط . تقدم شاب نحوي و طلب مني أن يحمل حقيبتي. كنت رأيته في المقهى و هو يتحدث بحماس عن رحلة قام بها إلى مدينة الداخلة. نظرت إليه. شعرت بالامتنان و بعض الخجل. وجدت نفسي مضطرة لإتمام الرحلة. بعدها بقليل، شعرت مرة أخرى بقلبي يخفق بقوة، و شعرت بالغثيان. البداية كانت أصعب مرحلة بالنسبة إلي.تمددت على الأرض. هنا تدخل راع مسن تجاوز السبعينات، تبادل معي بعض أطراف الحديث و منحني بصلة لأشمها. نظرت إلى جسده النحيف و إلى التجاعيد المحفورة في وجهه و إلى حيويته في تسلق الجبال و طيبوبته البادية في عينيه. أخذت البصلة من يده شاكرة. و قررت أن أشمها و أنا أتذكر ما عشته في الماضي. نظرت إلى المناظر الخلابة من حولي، تأملت الصخور و الأشجار و السهول و السماء و قررت أن أصعد الجبل و بألا أعرقل رحلة المشاركين. في النهاية، كل ما نعيشه من فرح أو حزن ، من انتصار أو هزيمة من تعب أو استرخاء يتحول إلى ماض و ذكرى و شعور دفين. فوحدها الحياة التي تبقى الأقوى.

طلبت من الشاب أن يعيد لي حقيبتي، و لكنه أصر على حملها و قال لي أنه جاء إلى الرحلة لممارسة الرياضة و للمغامرة و التحدي. كنت أريد أن أقول له مازحة في هذه الحالة يمكن أن أتطوع و أتركك تحملني لتمارس المجهود المضاعف الذي تبحث عنه. و لكني لم أكن أعرفه بما يكفي فاكتفيت بشكره و قلبي ممتن له كثيرا.

بين النكت و التصوير و تأمل الطبيعة و اقتراح عناوين الأفلام و صنع القفشات بين بعضنا البعض كنا نتلهى لنسيان ساعات المشي الطويلة التي تنتظرنا.

في منتصف الطريق، أخذ عدد كبير من المشاركين و المشاركات يشعرون بالتعب. في كل مرة، كنت تسمع أحدهم يأكد بأنه لن يستمر و بأنه سينتظر هنا إلى حين العودة.

أحد المشاركين كان متعودا على صعود الجبال و لكن في الآونة الأخيرة تعاطى للتدخين، مما أثر على صحته البدنية. كان واضحا عليه العياء و عدم القدرة على التحمل.

مشارك أخر، كانت حالته صعبة جدا، قدميه أصابهما التورم، و فقط لمس قدميه في الأرض كان يسبب له ألما كبيرا. كان عنيدا و له قدرة كبيرة على التحمل. لم يقبل مساعدة من أحد، ظل يكابر بشجاعة.

بعض الفتيات أظهرن شجاعة نادرة جدا، لم يصعدن الجبال يوما، و واضح أنهن فتيات مدللات و بورجوازيات. جئن إلى الرحلة عن طريق الصدفة و هن لا يعرفن بالضبط التجربة التي سيخضنها. عندما كنت أنظر خلسة إليهن و هن يأكلن التمر بدوده من شدة التعب، و يشاركن شرب الماء من نفس القارورة، و يتعثرن في كل مرة و يسقطن و ينهضن، و عندما كنت أرى الدموع حبيسة في عيونهن و مع ذلك يتابعن الرحلة، كنت أشعر اتجاههن بتقدير و احترام كبيرين. فهن البطلات الحقيقيات في هذه الرحلة، بالإضافة إلى الرجل الذي تورمت قدمه و واصل الرحلة و الشاب الذي تطوع بمساعدتي و هو لا يعرفني و تطوع بمساعدة كل من تعثر أو تعب بمنتهى الإنسانية متحملا مجهودا مضاعفا كان بإمكانه أن يتجنبه.

أكثر من اثنا عشر ساعة من المشي بين الغابة و الأشواك و الأحجار و السهول، تجربة رائعة. ستجعلك إنسانا جديدا و ستحكي لك الطبيعة أسرارها و ستبوح لك بجمالها. و هنا في المغرب رياضة المشي في الجبال ليست حكرا على من يملكون اللوازم و العتاد الغالي الثمن كما في أوربا، كما أنها ليست حكرا على الرجال و ليست حكرا على نساء بلياقة بدنية كبيرة، و الدليل أننا جميعنا و باختلافنا و صلنا إلى قمة الجبل في النهاية. فحقيبة ظهر و حذاء رياضي مناسب كافيين لخوض التجربة. إنه الاستثناء المغربي.

صوت وصورة
المعرض المغاربي للكتاب بوجدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 01:29

المعرض المغاربي للكتاب بوجدة

صوت وصورة
بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 21:45

بعثة أسترالية تزور مركز "تيبو"

صوت وصورة
أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 18:24

أكاديمية المملكة تنصّب أعضاء جدد

صوت وصورة
احتجاج أرباب محلات لافاج
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 17:32

احتجاج أرباب محلات لافاج

صوت وصورة
"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 15:07

"كتاب الضبط" يحتجون بالبيضاء

صوت وصورة
“أش كاين” تغني للأولمبيين
الأربعاء 17 أبريل 2024 - 13:52

“أش كاين” تغني للأولمبيين