أخيرا فعلها جوزيف بلاتير وقدم استقالته من عرش الامبراطورية الكروية “الفيفا”.الرجل الذي ظل على كرسي الجامعة الدولية لكرة القدم لمدة تنيف عن سبعة عشر سنة ، أصر برغم قنبلة فضائح الفساد التي هزت أركان المؤسسة الكروية العالمية ،على تقدم ترشيحه لولاية خامسة . العديد من مشاهير الكرة في الاتحاد الاوربي أدانوا الفساد الذي ثبت في حق شخصيات نافدة من المقربين إلى جوزيف بلاتير.أبرز المنددين بلاتيني رئيس الاتحاد الأوربي ولويس فيغو الذي كان من أبرز المرشحين لخلافة بلاتير . لكنه وبسبب رائحة الفساد التي أصبحت تزكم الانوف ، أعلن انسحابه من المنافسة الانتخابية كإدانة صارخة لما تعرفه الفيفا من فساد لم يعد يخفى على أحد .
الضجة في البداية بدا أنها لم تؤثر على جوزيف بلاتير .فالرجل كان واثقا من نفسه وأصر على خوض سباق المسافات الطويلة نحو عرش الامبراطورية الكروية .هل كان بلاتير في لحظة تمسكه بالسلطة الكروية يتبنى منطق بعض الدكتاتوريين العرب الذي يأبون أن يستجيبوا لنداء التغيير الذي يرفع ضدهم ، فيستميتون في الدفاع عن بقائهم أسيادا إلى آخر رمق . يبدو أن حب الانسان للسلطة واحد والفساد من شيم النفوس ، وإن تجد امرئ يتعفف فلعلة لا يفسد . البقاء طويلا على الكرسي الرئاسي ، وإن تم بمنطق التناوب الديمقراطي ، حين لا يحدد عدد مرات الولايات التي لا يجب تجاوزها ، غالبا ما تجعل الرئيس يستلذ بالكرسي الوثير . البقاء على هذا الكرسي الذي تغمر قوائمه أنهار المال ، يصبح مسألة وجودية لا يستسيغ رئيس مثل جوزيف بلاتير أن يعيش بدونها .وهكذا وكلما نجح الرئيس في الفوز بولاية تلو ولاية ، يصبح أكثر عرضة للوقوع في فخ الفساد .فالسلطة ميزان لا يحافظ على توازنه إلا قلة قليلة ممن تمكنوا من تحصين أنفسهم ضد المغريات القوية .
كان نجاح بلاتير متوقعا ،خاصة حين بقي لوحده في حلبة السباق بعد اقصاء منافسه الاردني علي بن الحسين في الدور الأول .غير أن دوي اعلان تقديم رئيس الفيفا لاستقالته لم يكن أقل دويا من تورط المسئولين في هذه المؤسسة الدولية لكرة القدم في ملفات الفساد .الاوربيون كانوا من أكثر الجهات فرحا وسعادة باستسلام جوزيف بلاتير للضغوط وقراره بالرحيل عن رئاسة الفيفا .صحيفة “دي صن ” عنونت مقالا خاص بحدث استقالة بلاتير ب”لقد نلنا منه “وهي عبارة تحيل إلى تصريح الرئيس الامريكي السابق ، غداة اسقاط الرئيس العراقي صدام حسين من سدة الحكم .
أما الصحف الأمريكية ، فلم تكن أقل سعادة برحيل بلاتير . حيث نقرأ مثلا على الصفحة الاولى “للجارديان “عنوان جاء فيه “السقوط :رحيل بلاتير “في حين عنونت “الديلي تلغراف ” مقالا بعنوان فيه استهزاء “بالتوفيق ” .
اتهام جوزيف بلاتير بالفساد ، وجره إلى تقديم استقالته لم تمنع العديد من المهتمين بالشأن الكروي الدولي عن طرح سؤال مهم . هل كانت الضجة التي أثيرت حول فساد الفيفا ، والتي انتهت برحيل بلاتير بعيدة عن الصراع السياسي بين الدول ؟ بعض الخبراء يرون أن الولايات المتحدة وبكل ما تمللك من ترسانة اعلامية عملاقة ، نجحت في توجيه الرأي العام العالمي توجيها ممنهجا في هذه النازلة .فالصراع الخفي بينها وبين الدب الروسي كان من بين الاسباب حيث تريد أمريكا أن تهيمن هي وأوربا على دواليب المؤسسة الكروية الولية .كما أن الولايات المتحدة لها أجندة مضبوطة حول زمن حصولها على شرف تنظيم الكمونديال ، بعدما لم تكن مع تنظيم قطر لهذه التظاهرة سنة 2022.مما يجعلها أكبر المؤهلين لتنظيم مونديال 2026.تنظيم قطر لمونديال 2022أثير حوله ضجيج لا يزال يتفاعل حتى الآن .حيث اعتبر البعض ،وخاصة الانجليز الذين أحرجوا بسبب انهزامهم أمام قطر ،أن حصول هذه الدولة العربية على حق تنظيم كأس العالم تحيط به العديد من الشكوك لأن العملية لم تكن نزيهة .
المغرب بدوره وحين تقديم ملف طلب احتضان مونديال 2010 ،اتهم بأنهم قدم اكراميات لأعضاء في اتحاد امريكا الشمالية والكراييب .غير أن المسئولين المغاربة فضلوا اللجوء إلى الصمت وعدم الخروج برد رسمي حتى الآن .
ختاما نقول أن تداعيات سقوط بلاتير لا زالت في بداياتها . فهل أعدت الولايات المتحدة في الخفاء ربيعا كرويا ضد بلاتير ،كما يتهمها البعض بالنسبة للربيع العربي .أم أن الرجل كان حقا من المفسدين ، قد تتجلى الامور بشكل أوضح لاحقا .
