جرح يتمدد في البر والبحر

جرح يتمدد في البر والبحر
الجمعة 12 يونيو 2015 - 22:20

الحوادث المؤلمة التي ذهب ضحيتها عدد من فلذات أكبادنا هذه السنة ، من كارثة طانطان المفجعة برا ، إلى كارثة واد الشراط الأفجع بحرا ، أحدثت جرحا غائرا في النفوس .أطفال وشباب في عمر الزهور يمتلؤون إشراقا وحياة وأحلاما ،كانوا يلعبون ويمرحون ، فإذا بهم يغادروننا دون سابق إعلان ،ليغلقوا على حين غرة غدرة أجفانهم غرقا خرقا محتفظين في أعماقهم بآخر ذكرى من الحياة ،بآخر انطباع عن الوطن.

درس لا شك عنيف ومخيف ، رد فعل السلطات أمامه لا يخرج عن العادة حيث لا يتجاوز مد الإخبار فتقديم العزاء. وحتى إذا تدخلت هذه السلطات بعتادها ورجالها فبعد فوات الأوان .وهذا ما شاهدناه بعد مأساة واد الشراط ، إنزال كبير لرجال الإنقاد:بواخر خفر السواحل، طائرات مروحية،زوارق مطاطية وغطاسون . ومهما يلم اللائمون ويعذر المعذرون فمقطع القول الفصل بين المنصفين أن ما وقع سواء في طنطان أو في منطقة واد الشراط هذه المرة ،غير قابل للتجاوز أوالتجاهل .

وحتى إذا سلمنا جدلا بأن لا يد للسلطات في هذا النوع من الكوارث الطارئة ذات الطبيعة البشرية – وهذا فيه كلام كثير -وأنها محسوبة شكلا و مضمونا ومكانا ونتيجة على أصحابها المباشرين، أليس من الواجب القانوني والأخلاقي والإنساني مع ذلك أن تفتح السلطات المعنية ملف الكوارث البشرية من جوانبه الوقائية على وجوه وأشكال ووقائع مشابهة في المكان والملابسات والحيثيات لوضع اليد على النقط السوداء التي أصبحت مثار شؤم وجدال شعبي كبير (منطقة واد الشراط)وفق خطط علمية مدروسة ، والإنتصار قدر الإمكان على كل ما قد يعرض حياة المواطنين للخطر خاصة الأطفال منهم ؟ .والذي يتابع الخط البياني لردود أفعال المسؤولين تجاه الكوارث بصفة عامة وما اتخذوه من قرارات وإجراءات واستراتيجيات ميدانية على المدى المتوسط والبعيد لا يجد أمامه إلا المزيد من الضباب والغموض والشح في المعلومات على الأقل في الشق الإعلامي والتواصلي والوقائي الذي له علاقة بهذا الموضوع .

نحن لا ننتظر من المسؤولين والسلطات على امتداد رقعة الوطن المعونة من الجِنة والشياطين لصنع المعجزات والخوارق ،وإنما المطلوب الذي يفرض نفسه- من باب أولى- هو التخطيط الجهوي والمحلي لإعادة هيكلة التقسيم الترابي وصهره ضمن رؤية شمولية تدمج الوقاية الأمنية الشاملة والعادلة بين المناطق ضمن اهتماماتها لمواجهة فظاظة الطبيعة وشراستها وفجائيتها وصولا إلى احتواء المجال الترابي بكل مكوناته وأخطاره المحتملة والتحكم قدر المستطاع في الجوانب ذات العلاقة اليومية أو الأسبوعية أو الموسمية بأنشطة المواطن وتنقلاته عبر النقط السوداء المكشوفة منها أمامه والمجهولة. إن الطبيعة كانت بحرا أو جبلا أو غابة أو صحراء لا تقبل التهميش والعزلة والفراغ (الأمني) والجهل بما يعتمل في أحشائها من تشنجات وإرهاصات .وحتى إذا كانت هذه الطبيعة ذاتها معادية وقاهرة ومبهظة في بعض اللحظات فإنه لا ينبغي لنا أن نخاف من أسرارها وغوامضها وخوافيها فنتركها وشأنها تصول وتعربد أو أن نواجهها معصوبي العينين نخوض المعركة ضدها باستسلام أو بانفعال و صرخات غضب ويأس من دون التسلل إلى منطقها .

بناء على ذلك فنحن لا ننزع هنا صفة التهور عن بعض المواطنين خاصة الأطفال والشباب منهم الذين تغريهم الطبيعة الماكرة بهدوئها بحارا وجبالا وأنهارا وسدودا ورمالا فيرتمون في أحضانها المجهولة لديهم ،فينتهي هذا التهور ببعضهم إلى المصائر التراجيدية . وهذا لا يبرئ السلطات التي ينبغي أن تتواشج إداراتها وتخطيطاتها الوقائية والإعلامية والتوعوية الثابثة والمتغيرة حسب طبيعة الأمكنة والأزمنة مع الحيز الترابي الذي تسهر عليه في جدلية لا انفصام فيها ليل نهار ، بغرض ترجمة مقصدية الدفاع عن أمن المواطن وطمأنينته في حركاته وسكناته كيف ما كان مستواه الإجتماعي .

إن عدم صدور رد فعل رسمي واضح وعلني وكبير من طرف الحكومة لإدانة هذه البحار والوديان المتوحشة المفتوحة الأفواه والأنياب التي تبتلع فلذات أكبادنا بلا رحمة من حين لآخر ، يؤكد أن هذه الحكومة أمام احتمالين اثنين :إما أنها منشغلة بسياسة البحار العالية الغالية بحار الكبار ،أصحاب الباجو رويال والكلامار، ذات السباحة المطمئنة المحروسة على مياهها الصافية والهادئة ليل نهار ، أو أنها من الذين يعتبرون هذه الأحداث والمآسي خارجة عن إرادتها الله غالب ، وأن قوانين لعبة الحياة والموت هي هكذا صادمة في بعض الأحيان، أي باللغة البسيطة للمغاربة : يا ويل اللي جات فيه !!

وأخيرا نقول إننا إزاء عرض تراجيدي ساخر، نزل عقابه الفوري على كثير من الضحايا ،الأموات منهم والأحياء ،هذا العقاب الذي يكشف لنا عن الكثير من تعقيدات السلوك الإنساني بأخطائه وأطروحاته القانونية والإفتراضية يؤدي فيه البعض أمام دورة القدر القذرة ثمنا باهظا في نهاية المطاف.وإذا كانت الدولة قد أخرجت ترسانتها القانونية، وقبلها أخرجت عدتها المخزونة لديها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن بعد فوات الأوان ، فعليها في غمار استقصاء كنه المأساة التي عرفها شاطئ الموت بالصخيرات والمآسي المرتقبة- لا قدر الله – ، الإسهام في توسيع أدوات البحث وزوايا النظر في الأسباب العامة المحيطة بهذا النوع من المآسي التي مايزال البحر فيها هو البطل الأول ، يلفظ جثث الضحايا ساخرا منا جميعا ومن كثرة كلامنا ومن عددنا وعدتنا…/

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 4

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 1

صحتك النفسانية | الزواج

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40 1

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 2

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة