قرار إلغاء مباريات الولوج، إصلاح لنظام الانتقاء أم ضرب لتكافئ الفرص !؟

قرار إلغاء مباريات الولوج، إصلاح لنظام الانتقاء أم ضرب لتكافئ الفرص !؟
السبت 20 يونيو 2015 - 13:15

بعد حرب التسريبات التي شملت نظام امتحانات الباكلوريا، والتي اتخذت طابعا أكثر صخبا وأكثر تطوراهذه السنة بخلاف السنوات الفارطة نظرا لنوعية التقنيات والأساليب المستعملة في عملية التسريب والغش التي كشفت عنها المصالح الأمنية عقب تفكيك واعتقال الخلايا المشتبه في تورطها، غير أن المقاربة الأمنية على الرغم من أهميتها فإنها لا تكفي لوحدها لمعالجة الظاهرة وانعكاساتها الخطيرة على مصداقية شهادة الباكلوريا المغربية والتي تآكلت منذ مدةوفقدت الكثير من رصيدها وعلى المنظومة التربوية والتعليمية ككل.

نحن بالتأكيد أمام أزمة أخلاقية وأزمة ضمير تكتنف بنية منظومة القيم لدى مواردنا البشرية التي تدبر قطاعا شديد الحساسية ومرتبط كل الارتباط بمستقبل شعب بأكمله، حيث أن النظام التعليمي لكل بلد يعتبر مقياسا أساسيا لمدى تطوره في مجالات متعددة من عدمه. ففي ظل التخبط وعجز الجهات المعنية وصانعي القرار عن إيجاد حلول فعالة وفق مقاربة تشاركية ومندمجة لمعالجة سلسلة الاختلالات التي تعاني منها المنظومة التربوية والتعليمية ببلادنا، والاكتفاء بحلول ترقيعية لا تعالج مكمن الخلل، يظل منطق الوصولية والانتهازية والاتكالية والفردانية هو السائد أي الاعتماد على الحلول السريعة الكامنة في الغش والتسريبات (عملا بمنطق من نقل انتقل ومن اعتمد على نفسه بقي في قسمه). حيث أن منظومتنا التعليمية لازالت تختزل التفوق الدراسي في النقطة العددية والمعدل العام كمعيار أساسي، والتقيد الحرفي بالدروس والعمل بمبدأ (بضاعتنا ردت إلينا) عوض الحث والتركيز على تقوية ملكة الإبداع والفهم والإدراك.

ففي الوقت الذي كنا ننتظر من الحكومة تبني تصورا واضحا للرقي بالمستوى التعليمي ببلادنا وانتشاله من أزمته التي يمكن وصفها بالموت السريري، نفاجئ بتصريح للسيدة جميلة المصلي الوزيرة المنتدبة لدى وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر أن وزارتها ستلغي ابتداء من السنة المقبلة مباريات الولوج إلى المدارس العليا، وبأن وزارتها ستكتفي بالنقطة المحصل عليها في البكالوريا والامتحانات الجهوية، وهو قرار يعني الاعتماد التام على المعدل والنقطة كمعيار أساسي، وكنتيجة لذلك سيتم حرمان الألاف من الطلبة من حقهم الطبيعي في اجتياز مباريات الولوج للمعاهد والمدارس العليا ويضرب في الصميم مبدأ المساواة وتكافئ الفرص بين المغاربة، ويعطي بالطبع الأفضلية لتلامذة المدارس الخصوصية التي تغدق النقاط بسخاء كبير خصوصا في المراقبة المستمرة ذلك لأن همها في كثير من الأحيان يبقى تجاري ويركزبشكل كبير على الماركوتينك Marketing ومن الطبيعي أن تكافئ زبناءهابالإضافة إلى من لديهم القدرة على متابعة الدروس الخصوصية، كما يعطي بالطبع حافزا أكبر للتلاميذ و الطلبة الذين يرتكزون على الغش في الامتحانات بهدف تحصيل أعلى المعدلات وأحسن الميزات كحل وحيد للظفر بمقاعد في تلك المعاهد،دون إغفال ما يمكن أن يترتب عن ذلك من تشجيع على زيادة نشاطات مافيات تزوير الشهادات وبيعها، وهذا القرار يعني أيضا إقصاء تام لشريحة كبيرة من الطلبة الذين حصلوا على معدلات ك 12 و 13 و 14…. الخ. في الوقت الذي أصبحنا نشهد فيه معدلات أقرب إلى الخيال في الباكلوريا ك 18 و19…. إلخ وفي بعض الأحيان نشهدها في مواد أدبية كالإنجليزية والفرنسية أو الفلسفة وهي نقاط حتى نيتشأوهيكل قد يتبرأ منها وقد لا يقيم بها نفسه.

هذا القرار الغير المدروس والأحادي الجانب من طرف الوزارة الوصية والذي ينظر إلى مصلحة الوزارة وفئة من الأسر لكنه لا ينظر إلى مصالح شرائح واسعة من التلاميذوالذي من شأنه تكريس الأزمةوتعميقها وليس حلها،يعكس مدى التخبط في معالجة الوضع إذ جاء في وقت شديد الحساسية، وفي وقت لازال الرأي العام لم يستفق بعد من وقع فضيحة تسريبات مادة الرياضيات وما لذلك من أثر جسيم على سمعة الشهادة المغربية ومنظومتنا التعليمية برمتها،فعوض اتخاذ قرارات جريئة لمحاربة الفساد الذي ينخر جسم المنظومة التعليمية وتخليقها وبث روح المواطنة والحث على قيم الإبداع ومراجعة الزمن المدرسيوتبني طرائق بيداغوجية وديداكتيكية عصرية وأكثر نجاعة، محترمة للموروث الثقافي الأصيل للبلاد ومستلهمة من تجارب الدول والمجتمعات التي سبقتنا في هذا المجال.

حيث نلاحظ أن الكثير من الدول المتقدمة كألمانيا أو الولايات المتحدة مثلا لم تعد تعتمد على المعدلات كمعيار أو نوعية الديبلومات كضرورة لولوج سوق الشغل، وفي المقابل يتم الاعتماد على التكوين والتكوين المستمر لتقوية القدرات والكفاءات داخل المؤسسات الصناعية بالتوازي مع النشاط العملي داخل المؤسسة. كما يتم التعامل مع طالب العمل وفق مؤهلاته المهنية والقيمة الإضافية التي يمكن أن يقدمها في مجال عمله ومدى قابليته للتكوين الذي يمكن أن يتلقاه حسب منصب الشغل الذي يمكن أن يشغله وليس من خلال شهادته أو انتماءه الأسري. أما المدارس والأنظمة التعليمية فتحتوي على دروس متنوعة ذات صبغة تطبيقية وعدم الاكتفاء بالشق النظري فقط، وهو ما يفتح المجال في وقت مبكر لإمكانية الاختيار حسب المؤهلات بين التعليم الأكاديمي والتعليم التطبيقي الصناعي، الشيء الذي يفسر قوة هاته الأنظمة ونجاعتها.

وفي المقابل ما يفسر قصور نظامنا التعليمي، هو كون العديد من الشهادات الجامعية والشعب لا زال يتوجه أصحابها حصريا وبالأساس إلى الوظيفة العمومية وأسلاكها، وهو ما يخلق خللا بنيويا ينبغي الوقوف عنده وتشخيصه بشكل جدي وأكثر عقلانية، ويستدعي بالضرورة العمل على المواءمة بين سوق الشغل ونوع التكوين من قبيل توقيع اتفاقيات شراكة بين بعض المؤسسات التعليمية والجامعات والمقاولة، فعلى الرغم من المجهودات المبذولة فيما يخص خلق العديد من الشعب الجديدة ذات الطابع الصناعي والتقني كالطيران والميكانيك …الخ والاستثمارات المالية المهمة في البنى التحتية فإن النتائج المرجوة لازالتهزيلة.

غير أنه لابد من الإشارة في الأخير إلى أن مشكل إصلاح منظومة التعليم يظل مشكلا مستعجلا ومصيريا ينبغي التعامل معه وفق منطق الأمن القومي نظرا لحساسيته ولطابعه الحيوي على مستقبل الوطن وأجياله وبالتالي لا يمكن اختزال حله في الوزارة الوصية فقط، إذ ينبغي إشراك كافة المتدخلين من قطاع خاص ومصالح حكومية وإعلامية، ومنتخبين وأحزاب سياسية وأكاديميين ومثقفين …. الخ.

‫تعليقات الزوار

3
  • محمد أيوب
    السبت 20 يونيو 2015 - 17:36

    ليس كذلك:
    "..ويعطي بالطبع الأفضلية لتلامذة المدارس الخصوصية التي تغدق النقاط بسخاء كبير خصوصا في المراقبة المستمرة.."..ليس كذلك وكما ذهب الكثيرون لأن الوزيرة قالت بأن الاعتماد سيكون على الامتحان الجهوي والوطني،بمعنى أن نقط المراقبة المستمرة لن يتم الاعتماد عليها في احتساب معيار الولوج للمدارس العليا.وهذا المعيار اذا تم اعتماده فهو في صالح المجتهدين فقط سواء كانوا في التعليم العمومي او الخصوصي..من سيتضرر حقا هم المتاجرون في الساعات الاضافية وكذا المؤسسات التي ظهرت في السنوات الأخيرة والتي تستقطب المئات من التلاميذ في أفق تهييئهم لاجتياز المباريات عبر القاء دروس مقابل مبالغ مالية مهمة حتى أن بعض المشرفين على هذه المؤسسات أصبحوا أغنياء في ظرف زمني قياسي مثلهم في ذلك مثل كثير من أساتذة التعليم الثانوي التأهيلي الذين يبتزون التلاميذ مقابل الساعات الاضافية ونقط المراقبة المستمرة..لو تم اعتماد معيار النقط المحصل عليها في الامتحان الجهوي وتلك المحصل عليها في الامتحان الوطني بدون نقط المراقبة المستمرة فان ذلك سيكون ضربة قاسية للمتاجرين في التلاميذ..لقد طفح الكيل جدا عبر الساعات الاضافية..

  • عمر
    السبت 20 يونيو 2015 - 21:09

    نعم كلما كانت مدراس خصوصية تمنح لتلاميذها نقط عالية كلما كانت نسبة تخلب على جيهوي اكثر مثلا 19 في مراقبة و 8 في الجيهوي يعني مجموع 13.5 وطالب الذي يدفع مبالغ في هذه مدارس يكون مرتاح نفسيا و يدفع ثمن ساعات اظافية للحصول على 12 فما فوق . انا متاكد من هذا طالب سوف يحصل على هذا معدل ومنه سوف تفتح له ابواب للتسجيل في مدارس العليا وطالب فقير يصبح ضحية

  • حاقد
    الأحد 29 نونبر 2015 - 19:47

    اكره هذا البلاد من كل اعماق قلبي اكره اشد الكره لا بعطي للتلميذ اي بصيص امل في بناء مستقبل زاهر بل هو ساهر دوما على احباطه :'(

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين