عطلة أطفال فقراء المغرب بين لهيب الحر والقهر..

عطلة أطفال فقراء المغرب بين لهيب الحر والقهر..
الجمعة 10 يوليوز 2015 - 11:10

في ثمانينيات القرن الماضي شرعت الإمبراطورية الصينية في تطبيق صارم لسياسة الابن الواحد، في الدولة الأكثر اكتظاظا بالسكان، بعدما بلور التنين الصيني مشروعا مجتمعيا، يقوم على التشبث بالجذور الهوياتية الصينية، وتقديس العلم، لتحقيق رهان الصين العظمى، ومؤخرا قامت شركة صينية بمطالبة موظفاتها بالحصول على الموافقة قبل الحمل، ضمن خطة أقرتها الشركة لضمان السير العادي للعمل، وجاء في البيان الذي وزعته الشركة على الموظفات المتزوجات: “يجب على الموظفة الالتزام بخطة الولادة بشكل صارم فور إقرارها”، وفي حال حمل الموظفة ومخالفتها تعليمات الشركة، ستُحرم من الترقية وتدفع غرامة مالية.

الخطة لقيت استهجانا ورفضا وانتقادا لاذعا من طرف العديد من الجهات، بدءا من مستخدمي الشركة، والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي.

– لكن ماذا لو تركت الصين الحبل على الغارب، كما هو الحال عندنا في المغرب؟؟

خطة الصين المرتبطة بتظيم الأسرة، لها بعد إنساني وحضاري، فالأبوين اللذين ينجبان طفلا واحدا سيعملان على تربيته وتكوينه، ومهما كان وضعهما الاقتصادي مترديا، يمكنهما اعتبار هذا الطفل “مشروعا” بالمعنى الوجودي، أي أنهما سيكرسان حياتهما ووجودهما لصناعة إنسان ناجح، وفي هذا خير لهذا الطفل، ولأسرته ومجتمعه، إذ سيشكل بكفاءته قيمة مضافة للإنسانية جمعاء، وهاهي الصين تجني ثمار تنظيم الأسرة، حيث أصبحت تحتل المرتبة الأولى في الاقتصاد العالمي، ويكفيها فخرا العِبارة الشهيرة “صُنِع بالصين”.

في المغرب عندما أرى الأطفال المشردين في المحطات الأرضية لا الفضائية طبعا، في معظم المدن المغربية، يتسولون ذكورا وإناثا، وأطفالا يلاحقون المسافرين كي يلمعوا أحذيتهم ووجوههم فقدت لمعانها بلهيب الشمس والبؤس..، وفتيات زهرات ذبُلت قبل الأوان، يبعن المنادل الورقية ويتوسلن الزبائن، والذئاب البشرية تتحرش بهن فيلجن عالم الدعارة والانحراف والضياع..، أتحسر على حال هؤلاء الاطفال، لأن مكانهم الطبيعي هو المدرسة لكن الفقر وعدم اكتراث الدولة لجراحات الطفولة يعمق مأساة المجتمع المغربي، هذا ما يجعلني أدعو الأسر إلى تنظيم نسلها للحد من هذه الفاجعة.

عندما أرى أفواجا، ليس من الذين يدخلون في دين الله تعالى أفواجا، بل أطفالا مشردين وماسحي الأحذية وبائعي السجائر والأكياس البلاستيكية..، أطفال يوحدهم الفقر، لأنك لن تجد بينهم أبناء المسؤولين والأثرياء، والمستقبل الذي ينتظر معظم الأطفال الفقراء في المدن والبوادي، يمكن التكهن بملامحه انطلاقا من الواقع الذين يعيشونه الآن، الفقر والمرض والهدر الدراسي والانحراف المبكر، إنها أفواج من الضحايا والجهلة والمأزومين والمنحرفين والمعذبين في الأرض.

هذا هو الكائن أما الممكن فلم يتحقق حتى الآن، وما ينبغي أن يكون يبقى حلما ورديا، نشاهده فقط في بعض الوصلات الإشهارية في القنوات الخليجية لأسرة سعيدة متناغمة تعيش في مسكن فسيح جميل والأم تساعد ابنها في القراءة والأب يلاعب ابنته في حديقة البيت على مقربة من المسبح..

بعيدا عن هذا البذخ الخيالي عل الأقل بالنسبة للفقراء، الذين يكتوون بأزمة السكن وشظف الحياة وشدة الفقر الذي يعبر عنه المغاربة ب”التكريدة” والشخص “المكرد” هو الشخص “المجرد” من متاع الحياة، مجرد من المال من السكن من العمل من الصحة..

في ظل الراهن الذي يجعل معظم المغاربة الفقراء يتألمون جراء الفقر والتفقير ومشتقاتهما من حرمان وديون متراكمة وأمراض نفسية وعضوية وغلاء العلاج وصعوبة الولوج إليه، وانتكاسة كل القطاعات وتغلغل الفساد، وضعف ثقافة الأعمال الخيرية التطوعية وهشاشة المجتمع المدني، وفصام المسؤولين الذين يقولون ما لايفعلون ويفعلون ما لايقولون، على كل أسرة فقيرة في المغرب أن تنظم نسلها، وتنظيم الأسرة في هذه الحالة ضرورة دينية وصحية واجتماعية وإنسانية في حق أطفال أبرياء مستقبلهم الشوارع والأمية والمرض والضياع، وسيتحولون إلى جيوش من العابثين التائهين.

“إن إبراهيم كان أمة” المقياس في الشريعة الإسلامية ليس بكثرة الغثاء، ليس بكثرة الجهلاء والمنحرفين، والولد الصالح الذي يكون رحمة لوالديه وللمجتمع يتطلب إعداده أسرة صالحة آمنة مستقرة، وقد ينجح الوالدان رغم الفقر في صناعة هذا الولد شريطة تنظيم الأسرة، لكن عندما يصبح إنجاب الأطفال الهواية المفضلة للزوجين الفقيرين لاعتبارات خاطئة، فإن كثرة الأطفال في الأسرة الفقيرة، مع إكراهات الحياة وجحيم الأسعار والمتطلبات والحاجيات، ستجعل الأسرة عاجزة عن توفير شروط الحياة الكريمة للأبناء، وإضاعة مستقبلهم، والرسول الأكرم عليه السلام يقول: “كفى المرء إثماً أن يضيع من يعول”.

أطفال فقراء المغرب يقضون عطلتهم الصيفية، بين لهيب الحر والفقر، فيا أيها المسؤولون اتقوا الله في نساء ورجال مغرب الغد المكلومين.

‫تعليقات الزوار

8
  • صفاء
    الجمعة 10 يوليوز 2015 - 21:26

    شكرا أستاذتي الغيداني على هذه الأفكار الرائعة والإحساس العالي بمصابنا نحن المغاربة خاصة الاطفال وإذا كان الطفل أب الرجل فالضرورة تفرض علينا أن نعتني بالطفل حتى لا يعاني المجتمع من مستقبل تتناسل فيه الأمراض النفسية والإعاقات والإنحرافات الإجتماعية بك نفتخر أستاذتنا.

  • الطالب نورالدين
    الجمعة 10 يوليوز 2015 - 21:32

    شكرا أستاذتي الفاضلة ، أتذكر حين كنت طالبا أستمتع بدروسك، وجديتك ومقاربتك الفكرية العميقة للأفكار والأحداث والوقائع ، أتمنى أن تتطرقي في مقالاتك الآتية إلى أزمة الشباب بين مخالب المخدرات والتطرف والتسيب.. لقد عهدناك جادة ومبدعة وغيورة على الوطن.. شكرا ومزيدا من العطاء.

  • ahlam
    السبت 11 يوليوز 2015 - 01:14

    قبل إبداء رأيي في هذا الموضوع احيي الآستادة المحترمة نوال الغيداني على هذه المبادرة اما بعد إن تنظيم النسل هو حل ايجابي إلى حد كبير،لذلك يمكن القول بأن الدولة هي المسؤول الآكبر في هذه القضية بحيث يجب آن تسن قوانين لتنظيم النسل وتوفير كل وسائل المساعدة على تحسين الحياة الإجتماعية للآسر المعوزة ليتمكنوا من توفير حياة كريمة ويوفرا لآبنائهم على الآقل المسائل الضرورية للحياة.

  • ahlam el hanafi
    السبت 11 يوليوز 2015 - 03:10

    قبل إبدأ رأيي في هذا الموضوع ،أقدم للآستاذة المحترمة جزيل الشكر اما بعد إن تنظيم النسل هو حل إيجابي إلى حد كبير،لذلك يمكن القول بآن الدولة هي المسؤول الآكبر في هذه القضية بحيث يجب أن تسن قوانين لتنظيم النسل وتوفير كل وسائل المساعدة على تحسين الحياة الإجتماعية للآسر المعوزة ليتمكنوا من توفير حياة كريمة ويوفروا لآبنائهم على الآقل المسائل الضرورية للحياة.

  • عزالدين مرابط
    السبت 11 يوليوز 2015 - 11:22

    مقالة في غاية الروعة استاذتي الفاضلة نوال الغيداني المعروفة بالجدية والاخلاص والتفاني في العمل والموضوع المطروح في مقالتك يعتبر من بين القضايا الحساسة والخطيرة التي تهدد حياة واستقرار فلدات اكباد هذا الوطن واتمنى ان تكون رسالتك الموجهة الى المسؤلين من اجل احدات قانون بخصوص تنظيم النسل بين المواطنين قد وصلت حتى نضمن على الاقل كرامة وحقوق اطفالنا واتمنى لك الاستمرارية والمزيد من الابداع انشاء الله

  • مواطن من تطاون
    السبت 11 يوليوز 2015 - 15:21

    ألاحظ يا أستاذة أن لك مفاهيم فكرية مختلة تتعارض ومقاييس الدين الاسلامي ، ذلك أن ديننا يعتمد في قوة تمكنه الحضاري والاقتصادي والاجتماعي وبناء أمة متقدمة على قوة حجم عدد المسلمين ، حيث يقول الرسول الكريم : تناكحوا تناسلوا فاني أباهي بكم الأمم، هذا فضلا عن رعاية الانسان الرعاية التامة عن طريق المصاحبة والمرافقة من طرف الوالدين حتى ينضج فكره وتتكامل شخصيته، فالانسان يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه.
    فاعلمي أختي الكريمة هداك الله تعالى ، أن المجتمع المغربي في فترات سابقة كانوا يتناسلون كثيرا ، فتجدين أن عدد كل أسرة مغربية تتكون أكثر من ستة أفراد وبالرغم من ذلك كانت تنشأة الأطفال على ما يرام ، فتربى الكثير منه على أحسن الأخلاق والخلق الكريم وتخرج الكثير منهم علماء وأطباء وأساتذة متميزين، حتى أن الصين في وقتنا هذا لم تنل هذه الدرجة الكبيرة من التقدم الاقتصادي والعلمي الا بفضل هذا الكم الهائل من المواليد .وعندما استعمر الانجليز بلاد الصين أراد تخريب عقول أبنائها بواسطة نشر المخدرات والفساد الأخلاقي. فالذي يؤهل المجتمع هو التوجيه السليم وبناء الأخلاق اللذين يبنيان التقدم.

  • مواطن من تطاون
    السبت 11 يوليوز 2015 - 19:22

    بالنسبة للغثائية المقصودة في الحديث النبوي الشريف أيتها الأستاذة أنه ربط قلة قيمة المسلمين رغم سوادهم وأكثرية عددهم بروحهم المنهزمة التي عبر عنها النص الحديثي بالوهن والضعف الكبير نظرا لحبهم العظيم للحياة وكراهيتهم للموت. فهنا أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرز قيمة المسلمين وعظمتهم في بطولاتهم وقتالياتهم الشديدة اتجاه الأعداء ، ذلك أن الجهاد والقتالية هي سنم الحياة والدين. فالغثائية اذا لم تكن مقرونة بالقوة والتحدي فلا اعتبار لها على الاطلاق، فكذلك أن التنمية الشاملة وتطوير حياة الانسان اذا لم تنعكس على الموارد البشرية فلا قيمة لهذه الأخيرة على الاطلاق

  • نورالدين
    الثلاثاء 14 يوليوز 2015 - 11:28

    شكرا لما كتبت يااستاذة ولكن لوكان هناك توجيه للاسرة بكيفية تعليم ابنائها وحثهم على العلم والتعليم الجيد وخدمة بلدهم باخلاص والتربيةعلى القيم الاصيلة لكان لدينا مسؤولين يديرون هذا البلد ليرقى بين الامم لايشتكي منهم ابناء الوطن ويكون العدل بين طبقات المجتمع لكان المغرب من افضل دول العالم فنحن الان نتوفر على كفاءات ولاكن ليس لها مكان اوفرصة فتجدها في بلدان اخرى ولايستفيد منه بلده بدلامن ان يكون عالة على وطنه. فالمغرب ليس فيه مؤسسات تكون حاضنة للجميع وتبني اجيال تخدم الوطن لاتخدم نفسها فقط فالعيب ليس في المواطن بل في من يبني مجتمعا خاصا به ويترك الاخرين ونسي ان المغرب لجميع المغاربة

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 85

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 72

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري

صوت وصورة
عريضة من أجل نظافة الجديدة
الخميس 18 أبريل 2024 - 12:17 3

عريضة من أجل نظافة الجديدة