أن يستقيل رئيس دولة أو يقيلوه ، أو حتى ينقلبوا عليه ، فلا يعدو أن يكون الأمر مجرد خبر يأخذ ، و في أحسن الحالات ، عناوين يوم واحد ، في أعتى القنوات الإخبارية …أما أن يستقيل رئيس “الفيفا” ، فهذا حدث عظيم ، سيشغل الناس لوقت طويل، و يلهيهم عن أخبار الرياضات الأخرى ، و أخبار المحارق التي ما فتئت تُنصب بين الحين و الحين.
كرة القدم ليست مجرد لعبة ، عرش منفوخ بالهواء، و جلدة صغيرة “يلعب” بها الصبيان مهرولين بين الأزقة البائسة ، يتبعها الكبار مهرولين داخل سراديب الاقتصاد و السياسة في العالم . و لقد عرف الإنجليز فعلا ، نوع اللعبة التي دوخوا بها الأمم عندما نفخوا أول كرة ، وألقوا بها في ملاعب العالم يتبعها الناس.
هذا الرجل هو فعلا ملك الكرة الحقيقي، و أشياء أخرى لا يعلمها إلا الراسخون في مناصب “الفيفا”، و مناديبها الموزعون على القارات الخمس ( لا أحد من هؤلاء المناديب، يمت لرياضة كرة القدم بِصلة ، بل مجرد جثث ضخمة و كروش مترهلة ،تدخن سيجارا كوبيا فارها، وتنظر إلى من حولها نظرات ماكرة …)
ليست هذه “الفيفا” ، كما يعتقد البعض، مجرد مؤسسة تدير اللعبة الأولى على وجه الأرض ، و لكن الأمر يتجاوز ذلك بكثير، ( لاحظ كيف يُستقبل وفد الفيفا ، أثناء زيارته للدول موضوع الامتحان ، كيف تُفرش لهم الأرض و كيف تبتسم لهم الوجوه …! (
“الفيفا” كيان اقتصادي و سياسي ، يضاهي نصف بلدان العالم مجتمعة ، وبلاتر و حواريه لاعبون حقيقيون في هذا الكارتيل الاقتصادي العملاق ، ومن يملك الاقتصاد، يملك حتما مفتاح السياسة ، و لهذه الفيفا أذرع افتصادية متعددة مثل أخطبوط عملاق، تفعل فعلها في اقتصاد الدول و بورصاتها و مستوى نموها ، و الشركات العابرة للقارات لاعب أساس في هذه المضمار.
لقد ترعرع الرجل داخل دهاليز الفيفا ، وخَبِرها كما لم يخبرها أحد من قبله، منذ كان تابعا لزعميها السابق البرازيلي “هافيلانج”، و مؤكد أن بلاتر، لا يجيد تمريرة كرة واحدة ، و لا علاقة له بلعب الكرة ،كما يلعبها صبيان الأزقة عند الظهيرة ، و لكنه في ملعب السياسة و الاقتصاد ، لاعب ماهر ، لا يقدر “بثمن” ، و مراوغ من الدرجة الأولى ، لذلك يتهافت السياسيون لاسترضائه و خطب وده ، و ودّ مناديبه ، الذين ينصاعون “لنصائحه” بطريقة حيرت حتى أعتى اللاعبين ،في استضافة هذا البلد للتظاهرة العالمية الكبرى، من عدمها.
مؤكد أن تهمة الارتشاء سيبقونها بعيدة عن بلاتر ، ولهذه التهمة “أكباش فداء” يستحقون التهمة النازلة بهم في نهاية المطاف ، إذن لقد مضى زمن بلاتر واستُنفذ ، و حان الوقت للبحث عن بديل آخر ، يعرف كيف “يُمشّي” أمور الكرة ، و معها أمور شركات ” الكوكاكولا” و “الفيزا” و ” الأديداس” … الشركات العملاقة التي تعين أولا و أخيرا ، اللاعبين الكبار في الملعب الكبير للكرة الأرضية .