العلماء والدعاة بين إرضاء الحكام وإرضاء الجماهير

العلماء والدعاة بين إرضاء الحكام وإرضاء الجماهير
الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:46



العلماء والدعاة في عالمنا الإسلامي أنواع وأشكال، وكل منهم يتناول موضوعا أو قضية، حسب ما يتوافق ومنهجه ويتلاءم ومرجعيته، وقد يكون لشخصية أحدهم وتكوينه أثر فيما يطرح، وكل ذلك ليس عيبا أو قدحا، طالما أن قواعد الشخص منضبطة، ومطردة.


إلا أن أحداثا عدة تدفع ببعض هؤلاء الدعاة والعلماء لتبني مواقف، تبدو لكل متابع أنها مضطربة ومتناقضة، ومن تلك الأحداث ما وقع مؤخرا في تونس. حيث أبدى الدعاة والعلماء من شتى التوجهات والمدارس والمناهج، تفاعلا وتجاوبا مع انتفاضة الشعب التونسي التي طيرت الزعيم البوليسي العلماني من عرشه.


وقد كانت بعض تلك المواقف والتعليقات والتوجيهات منسجمة مع قناعات أصحابها، ودعواتهم السابقة، لم تؤثر فيها تلك الأحداث. ولكن دعاة وعلماء آخرين عبروا عن مواقف مغايرة لما يدعون إليه، فبدا منهم ذلك ركوبا للموجة وإرضاء للجمهور.


يوسف القرضاوي أحد أبرز الوجوه في التيار الإخواني، سبق له أن قام بزيارات لعدة دول مغاربية كالجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، ولم يتردد في كيل المدائح لرؤسائها وشكرهم والثناء عليهم، ثم لما وقعت انتفاضة الشعب التونسي، قام الشيخ القرضاوي بتهنئة هذا الشعب بسقوط الطاغية، (هكذا) وطالب بإسقاط بقية أزلامه.


سلمان العودة أحد أبرز الوجوه في التيار السلفي الإصلاحي، زار تونس بدعوة رسمية من السلطات، أوائل سنة 2009، وكتب مقالا بعنوان “الإسلام والحركات”. مضمونه أنه رأى في تونس غير ما سمع عنها، رأى حرية وإسلاما وحجابا، وخطابا سياسيا ذا بعد عربي إسلامي، وجزم أن ما يقال عن تونس مجرد إشاعات، بل ألقى قصيدة في مدح تونس، وبدا الشيخ وكأنه أحد أبواق ابن علي، لكن بعد فرار القائد، أصبح من الحكمة إرضاء الجماهير، فأشاد الشيخ العودة بإنجاز الشعب وأضاف أنّ الشعب ثار من أجل الفساد المالي والإداري، وطالب بلجان لمتابعة تنفيذ الإنجاز الجوهري الّذي تحقق، وألّا يكون الأمر مجرد تبديل أو صور، وإنما تحولاً إلى نظام جديد يحكم البلد بشفافية.


وقد زار الشيخ عائض القرني ليبيا، وأثنى على الوضع هناك، وزار الجزائر وأعلن دعمه لمشروع بوتفليقة التصالحي، وأكد أن الشعب ملتف حول رئيسه في هذا المشروع، ورغم أننا لا زلنا ننتظر تعليقه على أحداث تونس، إلا أن الأمر لن يختلف عما قاله رفيقه في التوجه والمنهج الشيخ سعد البريك، الذي بارك ثورة الشعب وخروجه على حاكمه، وهي فعلة كانت ستوصف على عهد الرئيس ابن علي بالجريمة والفساد والحماس وقلة الفهم والبغي والخروج والزندقة والبدعة والفتنة، من هؤلاء المشايخ.


الشيخ حماد القباج من طلبة العلم المغاربة، المنتمين لما يعرف بالسلفية التقليدية، كتب مقالا نشر على صفحات الهيسبريس بعنوان “جناية العلمانية على تونس” وصف فيه خروج الشعب التونسي بأنه مطالبة بعيش كريم وحكم رحيم، وحق مغتصب، ووصف النظام البائد بالفساد والعمالة للغرب، والمجاهرة بالعداء المبين للإسلام، ومحاربة الشريعة والسخرية من الدين والمقدسات والشعائر، والخلاصة حسب الشيخ حماد القباج أن لا هم لهذا النظام ولا وظيفة إلا محاربة شريعة الإسلام ومظاهره. وهي أوصاف لو قالها شخص آخر قبل سقوط ابن علي، لوصف بإحدى هاته الأوصاف: حركي حزبي أو يساري ثوري أو خارجي إرهابي.


إن المرجعية التي يستقي منها الشيخ القباج أفكاره ويبني مواقفه، لا تسعفه في تبني هذا الخطاب، إذ هي مرجعية تعتبر الحاكم واجب الطاعة، ويحرم الخروج عليه أو التحريض عليه أو التحذير من بعض أفعاله بل حتى نصحه، وتعتبر الكلام عن عيوب المسؤولين مما لا يجوز، ولا ترى دواء للاستبداد والظلم إلا الصبر.


إن مواقف هؤلاء الدعاة والمشايخ، يمكن اعتبارها مواقف شخصية وردود فعل منفلتة، لم تستطع معها قناعاتهم ومناهجهم وقواعدهم الصمود أمام صرخات النصر المنبعثة من حناجر الجماهير، ولا الثبات أمام أمواجها الكاسحة المتدفقة، وهي مواقف لا يمكن أن نقيس بها مناهجهم ومدارسهم أو نحاكمها بها، حيث أننا نجد أشخاصا من نفس التوجهات عبروا عن مواقف مناقضة، هذا دون الحديث عن مواقف ثابتة لعلماء ومشايخ قبل الأحداث وبعدها لم تتزحزح أو تتغير، نذكر منها على سبيل المثال موقف الداعية وجدي غنيم، الذي أيد وأشاد بانتفاضة الشعب التونسي، وعبر عن موقفه من زين العابدين الذي سماه شين الهالكين، وهو الموقف المعروف عنه قبل الأحداث، وفي مقال قديم له وصف الشيخ محمد بن موسى الشريف، حال تونس واستنكر ما فيها من محاربة للدين، وهو نفس موقف راشد الغنوشي قبل وبعد الأحداث، على أن الثابتين على رأيهم ومواقفهم من الحكام ليسوا فقط من المنكرين عليهم المعارضين لهم، بل من المؤيدين ومن ذلك ما كتبه الشيخ السلفي عبد العزيز بن ريس الريس ونشره في موقعه، مستنكرا ما قام به شعب تونس، واصفا إياه بالفتنة والافتيات ومعصية الله والرسول ومخالفة لنصوص الشرع، وضيق الأفق وقصر النظر، حيث كانوا مأمورين بالصبر على حاكمهم ولم يفعلوا.


والشيخ معروف بموالاته للحكام والدعوة لطاعتهم، وموقفه هذا ثابت لا يتغير بأحداث أو وقائع، وقد كان من المنكرين على حماس سيطرتها على غزة معتبرا محمود عباس حاكم شرعي، قبل فوز حماس وحتى بعد فوزها.


ومن الطرافة التي سنختم بها هذا الموضوع أن الحكومات وقعت فيما وقع فيه هؤلاء الدعاة والعلماء، فدول الغرب المنافقة، التي كانت تؤيد ابن علي وتدعمه، أيدت انتفاضة الشعب التونسي وباركتها، في حين نجد بعض الحكومات العربية والإسلامية، بقيت وفية للرئيس الهارب، فأعلن القذافي استغرابه ما قام به الشعب التونسي، معتبرا ابن علي أفضل رئيس، في حين لم يجد الرئيس البوليسي العلماني من يؤويه إلا الدولة التي توصف بالمتشددة والوهابية والمحافظة والرجعية ودولة التوحيد وغيرها من الأوصاف. وآثرت دول أخرى الصمت وعدم التعليق، لأن كل شاة كتعلق من كراعها، وتخطاني غير أنا وتجي فين ما بغات. وهي مواقف متوقعة من هذه الحكومات التي لا يعنيها أبدا إرضاء الجماهير ولو من باب النفاق.

‫تعليقات الزوار

13
  • Robeen
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:54

    ليس بغريب ما يصدر من هؤلاء الشيوخ فهم يشهدون على أنفسهم بتقلب مزاجهم ،فهم دائماً مع الأقوى والذي يدفع أكثر ٠ديما هوما مع الفرقة الغالبة

  • اولياء الامر فاسدون
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:52

    كل العلماء والدعاة يعرفون الفساد المستشري لدى جل الحكام العرب.لكنهم فضلواالصمت و مراكمة الثروات والتقية.بدل ان ينتهي بهم المطاف في مخافر الشرطة يعدبون ويجلدون.اتعلمون لمادا لان ايمانكم بالله قليل.اينكم من المسلمين الاواءل كبلال وغيرهم عدبوا شر العداب فقط ليتركوا الاسلام لكن ما تركوه.اعلموا ان عدابكم في الاخرة شديد ما لم تتوبوا وتنطقوابالحق في وجه سلطان جاءر

  • الدكتور الورياغلي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:48

    أنا متفق معك أيها الكاتب ان بعض من يحسبون على العلماء يستعملون قاعدة ” اللي دخل نشي مدينة يمشي على دينا” وهم اصحاب وجوه إذا دخلوا على السلطان كالوا له المديح واذا دالت عليه لدولة تشقوا به وأطروا خليفته …
    ————
    لكن يجب أن تعلم أيضا أن كثيرا من الدعاة الى الله المخلصين لدينهم انما يفعلون هذا تقية ومداراة لهذا الحاكم وحتى لا يجر إنكارهم عليه وبالا على الإسلاميين والدعاة والتنكيل بهم.
    وأنت تعلم مصير من ينهى عن المنكر ويدعوا الى إفراد الله بالعبودية سرعان ما تكال له تهمة التحريض على الأمن العام والإعداد لانقلاب على الحكومة الخ ثم يزج به في السجن مدة يغلب ان لا يعش حتى يقضيها.
    ——
    ولكن مع كل هذا فالله ناصر دينه ولو تواطأ عليه الانس والجن ولو أجمع العلماء على إقرار المنكر وترك الأمر بالمعروف والتاريخ شاهد لما نقول

  • عبدية
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:56

    هم يدعون بدون وجه حق لان نكون ضعاف ومستسلمين.لم اسمع الا القلة الذين ينتقدون الحاكم.كوجدي غنيم والترابي الذي عاش حياته فالسجن.لو كان علماءنا يخافون الله لمل وصلنا الي الطريق المسدود.سقف احلامنا ان يطبق علينا قانون الرافة بالحيوان.

  • أبو الزهراء
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:06

    أفضل الجهاد كلمة حق في وجه سلطان جائر، لكن علماؤنا ليس لهم نية الجهاد، فيصدق فيهم قول الشاعر:
    مرحى لأهل الفضيلة
    أهل البطون المستطيلة
    ألخائنين لدينهم
    شاهت وجوههم العميلة
    أما لحيلة مع الرئيس
    وإن تمرغ في الرذيلة

  • ابو مروان
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:10

    وهل الدعوة وتغير المنكر لا يكون الا للحاكم ونحن في معاملة ببضنا البعض لا نرقب في بعضنا الا ولا ذمة

  • عبدالسلام اليازغي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:12

    العالم الحق هو من يقول بما يعتقد أنه يتوافق والشرع الحكيم مهما تكن الظروف والأحوال ومع أي كان كبر أوصغر لأن الحق حق فيه مصلحة الأمة دينا ودنيا ولأن قول العالم يتعالى عن مصلحة الفرد إلى الجماعة ومع الأسف ما نراه وعبر سنوات أن الكثير من العلماء يصمتون غالبا عن تصرفات المسيرين للشأن العام في الكثير من البلدان الإسلامية بل منهم من يزكي تصرفات ليست في مصلحة المسلمين ولا تتوافق مع الشرع وسكوتهم عن منع التيارات والأحزاب ذات البرامج الداعية إلى الأخذ بأحكام الشريعة في القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع ومحاربتها والتنكيل برجالاتها واتهامها بالتطرف والأصولية محسوب عليهم .إن علماءنا مدعوون إلى تغيير في مواقفهم وسلوكاتهم وأن يكونوا صرحاء مع الأمة فيما يخدم الأمة لا فيما يخدم الحكام .حكامنا منا ونحن منهم ولكن نريد منهم أداء الأمانة التي كلفوها وأن يسووا بين المواطنين وسترى أن الناس سيدافعون من أجل بقائهم لأداء الأمانة وكل حاكم يحس بثقل الأمانة سيرفض أن يبقى في الحكم عندما يستشعر عدم قدرته على خدمة الوطن والمواطنين .وعلى علماءنا أن يدركوا أن دورهم يهمش عندما يشعر الحاكم أنه قد تمكن من الحكم .إن الكثير ممن يسمون علماء أساءوا للعلم والعلماء وغفر الله لهم ولنا والمسلمين جميعا

  • يونس السلفي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:04

    معظم ما قيل منقول من مقال للدكتور المصري أكرم حجازي و لم تضف إلا الشيخ القباج و جانبك الصواب في معظم ما قلت.

  • طنجاوي كاعييي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:00

    العالم الوحيد في هذا العالم هو الأستاذ عبد السلام ياسين ، لا يتملق أحدا لا الحكام ولا الهجيج ، لا يقول إلا الحق الصراح لأن الرجل يخالف الله بينما الأخرين يخافون البشر والحكام

  • مصطفى الحسناوي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:58

    الدكتور الورياغلي
    تعجبني تعليقاتك
    الأخ يونس
    الدكتور أكرم حجازي أردني وليس مصري، ومع ذلك فانا لم أر مقاله إلا حين نبهتني إليه. وللقراء مقارنته بما كتبت، ليروا أي علاقة تربط بنهما
    الأخ الطنجاوي
    ليس هذا هو مقياس العالم.

  • chaki
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:02

    أيها العدلي العدلي المتبجح بشيخه إن كنت تظن أن في العالم الإسلامي عالم واحد فإنك جاهل أعمى لاتبصر الحق ونصيحتي لك أن تطلع أكثر على السنة النبوية ليس برؤى عبد السلام إنما بنظرة الحق وأعلم أننا أمة الكتاب والسنة وليس بأمة الفرق والبدع كفى تفرقة في أمة محمد وأسأل الله أن يهديك إلى الحق فهذا خير لك ولم تكذب حينما قلت أن عبد السلام يخالف الله لأن من يخالف محمد رسول الله وينشئ الفرق فإنه يخالف الله ومن يخالف الله فهو في جهنم مع إحترامي لرأي الآخر والله أعلى وأعلم.

  • بهلول
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 20:08

    6عناك بعض العلماء هم علماء الحكام والافضل ان نسميهم عملاء لان العلم يرتبط بالحق والحقيقة قولا وفعلا سرا وجهرا بلا خوف من حد السيف اوحد المقصلة اتاسف في واقع الامة لا ن بالفعل غاب دور الواعظ المرشد في محاربة المنكر والامر بالمعروف غابت القناديل التي كانت تضيئ عقول الامة و الان قد رهنا كل شئ رهنا اخر حرف من هويتنا ولبسنا قشور الحضارة وقلبنا الهزيمة الى انتصار وقعدنا نفلسف الجريمة الى اين نسير؟ الى اين نسير؟ ان بعناا اغلى ما نملك فعن مادا ندافع ؟ لقد الغوا فينا فكر الرسالة وقبضوا على اخر قطرة ايمان وصموا افواه كل من يجيد سرد ما في كتب البديع والبيان فكيف تبكي امة الغوا فيها المدامع تزمت الكلام وجفت الاقلام وكسر الصمصام هي فقط استراحة محارب والاسلام له رب يحميه واشدد القول باننا نحن الشعوب من بيدنا الوقف والمسير نحن من بيدنا المفتاح والقفل وخلاصة كل العبارات الى الله الامر الى الله المصير والسلام

  • احمد
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 19:50

    نعم هناك علماء سلطان و قد ابتليت الامة بهم
    و لكن هناك علماء صادقين لا يخافون في الله لومة لائم و لكن طبيعي لا تنشر اقوالهم لان الاعلام ضدهم امثال الشيخ العلوان و السعد والطريفي و حامد العلي و خالد الراشد و الفزازي و علي الخضير و الحويني و حسان و يعقوب و من اراد التاكد فليدخل على موقع الشيخ حامد العلي و ليقرا مقالته و كذلك الشيخ البراك و الشيخ الحيدان و غيرهم

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 2

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 10

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة

صوت وصورة
صحتك النفسانية | الزواج
الخميس 28 مارس 2024 - 16:00 3

صحتك النفسانية | الزواج