النظام التربوي المدرسي بالمغرب وآفة الانغلاق

النظام التربوي المدرسي بالمغرب وآفة الانغلاق
الإثنين 20 يوليوز 2015 - 15:21

يبدو ان اي متتبع للنظام التربوي المدرسي المغربي ،سيكتشف بأنه نظام مغلق ،يراوح ذاته، غير مؤهل بنيويا لعمليات الانفتاح التربوي، والحديث عن التحديث ومسايرة إيقاعات العصر التربوي العالمي، ماهو الا رتوشات مؤقتة، داخل منظومة محصنة وحذرة من أي انفلات تحديثي جذري ،يتوخى إعادة النظر في معايير الخلق والتجديد.وليس هذا الكلام على عواهنه ،بقدر ماهو نابع من تجارب “الإعادة” في منظومتنا التربوية، كلما شعر المسؤولون أن الانغلاق بلغ مداه، يسارعون إلى تمديده،ومده بآليات تفرج انحباسه، حيث لم يتداركوا إلى حدود هذه الساعة الوجهة المقصودة، إزاء الوقفات المتعددة، لإعادة تدبير هذا النظام أو ما يدعى عادة ب”الاصلاح”كمؤشر على أن المنظومة التربوية المدرسية في حاجة دائمة إلى جرعات متتالية لمتابعة نفس المسيرة بنفس الخلفيات والا هداف والشروط، فمن 1975 اذا ما استتنينا ما قبل وفترة الحماية مرورا ب78 و81و84و95 و99 بداية ركائز ودعامات الميثاق الوطني للتربية والتكوين كمؤشر على إصلاح جدي للمنظومة التربوية برؤية موغرة في التفاؤل و ماتلى ذلك من محاولات “استعجالية” لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلى حدود آخر صك إصلاحي للمنظومة ؛ لم يكن هذا المسار بالرغم من المجهودات الجبارة التي بذلت لتغيير الحالة ، ان على المستوى التشريعي أو على المستوى المادي ،حيث ضخت الدولة آلاف المليارات لعمليات الإنقاذ المتكررة ،لم تستطع هذه المنظومة أن تغير من “رؤيتها” العامة لمجريات الأمور ازاء محيطها الاجتماعي اوالدولي، فكل هذه المجهودات ،ظلت حبيسة رؤية إصلاحية متذبذبة ،داخل ورش تربوي ،مغلق ومنغلق، كأنه هرم قوي الحجارة، يحتاج فقط إلى عملية تلميع وصقل مستمرين، لاكساب عطف الرأي العام بان الأمور ذائبة الحركة، وأن الجمود هو الاستتناء، في حين أن تعدد الإصلاحات وتداخلها أحيانا يوحي بأن الأمر أعقد من رسم أهداف وغايات مجانبة لواقع المنظومة الحقيقي ان على المستوى البيداغوجي أو على المستوى التدبيري، فالحساسية المفرطة للنظام التربوي ، الى حدود اضفاءهالة تقديسية عليه خوفا من أي انفلات مباغت ، تكبل منظومته الداخلية وتجعلها غير قادرة على المسايرة ، وغير قادرة على الحركية و التجديد الحقيقي لتجاوز الأزمات المتكررة والتي تعيق اندماجها الحقيقي في محيطها الاجتماعي.

فعلى مستوى المضامين البيداغوجية، ظلت الرؤية المتحكمة دائما هي العمل على إكساب التلميذ مهارات غير ملائمة للتدافع الاجتماعي العام ، وعلى مستويات كفاءات التدريس،لم تتمكن الكوادرالتعليمية والادارية من الفعالية والنجاعة المطلوبة لتبليغ المحتويات بطرق تدريسية مسايرة للطفرة التعليمية العالمية, فنفس الفضاء يتكرر بنفس الأدوات ،بحيث لازال الأستاذ والإداري ، مجرد منفذين لمواثيق ان لم نقل تعليمات حرفية صارمة احيانا ، وعلى مستوى التدبيري العام فيمكن الحديث عن بيروقراطية اخطبوطية ، بالرغم من واجهة التدبير المفوض، فالعقلية ظلت “تسييرية” محضة مع ما يستتبع ذلك من خلل في “السيطرة” المعنوية والمادية على المرفق العام في ابعاده التدبيرية مما ينتج عنه إهدار للمال العام وبالموازاة مع اهدارللزمن المدرسي ، لان عدم تملك الآليات قد يفضي إلى العشوائية والتخبط والتدبر الروتيني واليومي أو قد يؤدي أحيانا الى اجتهادات معزولة ومحصورة ، وكل اجتهاد هو مس بتماسك المنظومة، وتعد على” قدسيتها”،وهو ما يطرح الفجوة الدالة بين “ادبيات الاصلاح” و مرمى الواقع الحي ،لأن الدولة توفر بالفعل الامكانيات المالية والمادية الضخمة؛ولكنها غير مستعدة لحدود الساعة، لتوفير إمكانات الإبداع واستقلالية النظام التربوي وحرية المبادرة، وذلك عن طريق فسح المجال لحوار وطني حقيقي حول رهانات التربية المرتبطة بالنظام المدرسي ،كأساس لأي إقلاع حضاري ياخذ بعين الاعتبار الرهانات المجتمعية المستقبلية .

فالتسييس المفرط للمنظومة هو قتل لروحها الإبداعية ،وجعلها منظومة محنطة ومكبلة وغير قادرة على الحركة ، فما شهده مؤخرا المجلس الأعلى للتربية والتكوين من نقاشات، مغلقة أو عمومية ،يؤكد وبالملموس أن عملية تحديث المنظومة حتى لا نقول إعادة النظر في بعض مكامن الخلل ،هي عملية مرتبطة عند البعض با”لسلم الاجتماعي “فكل إجراء من هذا القبيل ،فهو محفوف بالمخاطر ، كتاكيد واقعي يجب الانتباه إليه ، من هنا نفهم أن المسألة” سياسية ” أكثر مما هي مسألة “رؤية”و”تدبير لمستقبل أبنائنا ، فكل” مجموعة ” تريد أن ترى نفسها في المنظومة،ومن هنا فأنا لا أدعو إلى عملية التحييد أو الحياد، بقدر ما أدعو إلى تجاوز “التوافق”كعملة سائدة ،وقاتلة ايضا لعملية روح المبادرة والإبداع ،لأنها توصد تحت كل الذرائع الممكنة، أبواب الاختلاف البناء لقيادة المنظومة، وتؤكد عملية الانغلاق والانكماش وبالتالي تسدي للبيروقراطيين ،المدبيرين المباشرين والحقيقيين للمنظومة، فرصة التنفيذ الأعمى لما هو مسطر من اعلى، بطرق التوائية تحت مقالب مفاهيم مستحدثة ك ” الحكامة الجيدة” في شقها المادي الصرف فقط وذلك بقلب “الرؤية” إلى أدوات تنفيذية لمخططات أحيانا مستوردة قلبا وقالبا ،مما قد يخون الرؤية المثالية المبتغاة من كل تجديد أو تحديث فعلي ذي أبعاد محلية ، فيظن الساسة أن (الاصلاح) يباشر طريقه في التطبيق، دون التفطن أن الدواليب البيروقراطية و التكنوقراطية ،ستقلب المعادلة وتطبق الهياكل دون الروح،ومن هنا يصعب توقيف النزيف المادي والمالي في أي عملية اصلاحية لنظامنا التربوي المدرسي، حيث تراوح المنظومة مكانها ولكي لا اقول النظام عامة ؛وهذا ما يدعو إلى الدهشة، إزاء تتالي الإصلاحات إلى حدود التخمة، فيظهر البريق وتتبدد النوايا من وراء أي خطوة إصلاحية لأن الحلقة التدبيرية ، ولكي تقوم بعملية التنزيل، تقحم فهمها الخاص ومن هنا تقع انحرافات ،تؤدي إلى عملية اجترارية لنفس التطبيقات السالفة مع ما يصاحب ذلك من إعادة النظر في الخطاب اللغوي فقط،عن طريق مراسلات التنزيل الإدارية ، دون تغيير الواقع المعاش للمؤسسات التعليمية .وهذا محض انغلاق لأن دوائرالحلقة مفرغة . ومن هنا يظل السؤال كيف يمكننا المرور من التدبيراليومي إلى التغيير الرؤيوي بالنسبة لنظامنا التربوي المدرسي ؟

‫تعليقات الزوار

3
  • مواطن من تطاون
    الإثنين 20 يوليوز 2015 - 22:03

    ان المنظومة التربوية في المغرب تطوقها ثلاث جهات معينة وهي:
    1- المجتمع المغربي وكل أطيافه الفكرية المتعددية فمكونات المجتمع غير الرسمي من آباء وأمهات وفئات الأساتذة اللامنتمية تمارس ضغوطاتها المعنوية وتبعث برسائلها وخطاباتها دون تحديد رؤيتها حول تصور المجتمع المأمول تشكيله وتعجز حتى ايصال خطابها القيمي والسلوكات التي ترغب بناءها لدى أبناءها. بينما الأطياف المتعددة الانتماءات الفكرية فتحاول ممارسة ضغوطها طبقا لقناعاتها الايديولوجية من دون توحيد جهودها وتصوراتها حول السياسة التعليمية المراد اعتمادها ضمن المنظومة التربوية ، فهي دائما تعيش في ارتباك مستمر وتصارع بعضها البعض دون الحصول على أية فائدة تذكر.
    2- الجهة الرسمية التي تحت مسؤوليتها رسم السياسة التعليمة ووضع المنظومة التربوية لفائدة أبناء الوطن. فهذه الجهة الرسمية رغم قوة القرارات التي تحت أيديها فهي عاجزة عن القيام بالاصلاحات التعليمية المطلوبة ولا تمتلك رؤية وسياسة اصلاحية في التعليم والتربية لكونها متحكمة في القرارات التربوية وملتزمة بتحمل شروط تنفيذ ما جاء في وثيقة استقلال المغرب لا سيما ما يتعلق باللغة والثقافة الفرانكفونية.

  • مواطن من تطاون
    الثلاثاء 21 يوليوز 2015 - 05:35

    3- الجهة الثالثة وهي القوة الفرانكفونية التي لها من النفوذ الثقافي واللغوي على رسم السياسة التعليمية في بلاد المغرب، وتكمن قوتها في ارتباطها بفرنسا الاستعمارية وبالنخبة الفرانكفونية التي تسرب نفوذها في كثير من القطاعات الحيوية كالاقتصاد ووسائل الاعلام والادارة والمؤسسات الأجنبية الفرنسية والقطاع الخاص والصحافة الناطقة بالفرنسية هذا فضلا عن الكتاب الفرانكفونيين الذين يمارسون ضغوطهم المعنوية على ادارة الدولة الرسيمية، ولا أدل على ذلك نفوذهم الغريب الذي منحتهم الدولة في أعلى مستوياتها ضمن المجلس الأعلى للتربية والتكوين خاصة بأغلبية أعضائهم فيه، ثم معارضتهم في أن تكون اللغة العربية اللغة الوحيدة في تدريس العلوم بالجامعات.
    ان هذا الثالوث المتناقض المتمثل في هذه الجهات السابقة الذكر هو المسؤول عن استمرار أزمة المنظومة التربوية في بلادنا. غير أن الذي يعيق مسار التعليم بالدرجة الكبيرة هي الادارة العليا للدولة المغربية وما يتبعها من لوبيات فرانكفونية واقتصادية الضاغطة عليها.

  • محمد
    الأربعاء 22 يوليوز 2015 - 13:40

    بمعزل عن مقالك حول النظام التربوي بالمغرب …اعرفك كتلميذ بالتعليم الثانوي بمدينة كلميم …فاين انت اليوم وما هاتفك؟؟؟( من احد اساتذتك)

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين