جمهوريـة الخـوف تتشقــــق

جمهوريـة الخـوف تتشقــــق
الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:27

ما يحصل في بيت جيراننا التونسيين لا يصدق. ثورة الشباب والنساء والأنترنت والفقراء والمحرومين والطبقات الوسطى تسقط نظاما بوليسيا في ثلاثة أسابيع. شارع غاضب وشعب عاش في الكبت السياسي لمدة 23 سنة، ومع ذلك يتصرف بوعي عميق ومسؤولية كبيرة وبتحضُرٍ قل نظيره.


لا أعمال انتقامية ولا أعواد مشانق تنصب لأتباع النظام السابق في الشوارع وعلى أعمدة الكهرباء. لا فرار جماعيا إلى دول الجوار، ولا هروب لرجال المال والأعمال إلى الخارج… ثورة الياسمين تعرف أعداءها، وفي مقدمتهم الخوف من قول لا في وجه المستبد، الثورة الخضراء تعرف قيمة النصر الذي حققته، ولهذا لا تريد من أحد أن يسرقه أو يجهضه أو يشوش عليه…


أول أمس تشكلت حكومة “وحدة وطنية” شاركت فيها أحزاب لم تكن تطمع حتى في الوصول إلى مقعد في البرلمان فما بالك بكرسي في الحكومة، وصدرت قرارات هامة مثل إطلاق التعددية السياسية من القفص، وتحرير أقلام الصحف من أصفاد بنعلي، والعفو عن المعتقلين السياسيين، وتشكيل لجنة عليا للإصلاحات السياسية، على رأسها شخصية وطنية محترمة وذات مصداقية.. إنه عياض بنعاشور، حفيد العالم والمصلح التونسي الطاهر بنعاشور. والدكتور عياض، الذي فرض على الحكومة إعطاءه كل الاستقلالية في العمل وحق اختيار أعضاء لجنته، منصب الآن على إعداد تصور لخارطة طريق ديمقراطية للخروج من جمهورية الخوف التي شيدها بنعلي وحزبه وأمنه ومخابراته على مدار 23 سنة.


إن تونس الثورة مرشحة اليوم -إذا نجح الانتقال السلس من الثورة إلى الدولة الديمقراطية- إلى أن تصير نموذجا ناجحا في العالم العربي، وأستاذا مبرزا في مادة الثورة ضد الاستبداد، وهي مادة لم تدرس في العالم العربي من قبل، ولا يوجد، للأسف، من هو مؤهل لإعطاء دروس تطبيقية وليس نظرية عن الوصفة العلاجية لظاهرة “الدكتاتورية العربية”. تونس قد تصبح هي إسبانيا العالم العربي، إسبانيا التي قدمت نموذجا متطورا وناجحا للانتقال الديمقراطي والخروج من قبعة فرانكو، وإن كان دكتاتور إسبانيا أفضل من دكتاتوريين كثيرين في بلاد يعرب، فعلى الأقل فرانكو مات ولم يترك لابنته الوحيدة ذهبا ولا فضة ولا شركات عملاقة ولا عائلة تسرق ألواح الذهب من البنك المركزي…


لقد استعمل الغرب فزاعة “الخوف من الأصوليين” المسيطرين على الشارع العربي لدعم الأنظمة الاستبدادية في منطقتنا، وحملوا “لحى الإسلاميين” فزاعة لتخويف المواطن العربي من التغيير، وها هي تونس بلاد عربية إسلامية متدينة، فيها الإسلاميون والسلفيون والمعتدلون والمتطرفون… مع كل هذا اتضح أن الشارع الذي انفجر في وجه المستبد لا يسيطر عليه الإسلاميون ولا اليساريون ولا “الماكينة” الثقيلة للحزب الحاكم…


الثورة تجاوزت كل الطيف السياسي، وشعاراتها الليبرالية والاجتماعية أوضح من أن تخطئها العين.. إنها فاكهة أينعت وسط الطبقة الوسطى المتعلمة والواعية، والتي تصور الدكتاتور أنه سيبني بها نظامه، فتحولت إلى معول لهدمه.


* صحفي ـ مُدير نشر أخبار اليوم المغربية

‫تعليقات الزوار

5
  • حمزة
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:33

    صحيح ما يقوله صاحب المقال فالنموذج التونسي أسقط أطروحة الغرب التي تخيف بها العالم من أن العرب ارهابيين ولاتصلح لهم إلاديموقراطية من نوع خاص وقد استفادت بعض الانطمة الاستبدادية من ذلك .
    وأعتقد أنها ستصبح نموذجا ليس للعالم العربي فحسب ولكن حتى للآنطمةالتي تتشدق بالديموقراطيةبالغرب،خصوصا إذا لم يتم إجهاضهامن بعض الدول الخائفة
    فقد بدأ التونسيون يشتمون ذلك من تصريحات زعيم جار.
    ففي نظري لو استقالت عناصر النظام القديم من الحكومةورجعت إلى صفوف الجماهير تبحث لها عن قواعد خلفية من الشعب للمشاركة في الانتخابات المقبلة ،ستصبح ثورةالياسمين نموذجا تاريخيايحتدى في كل الانظمة الرئاسية في العالم.إلا أن المتشبتين برؤوس الحكم والكاثمين على نفوس شعوبهم،سيعملون كل ما في وسعهم لاثارة الفوضى داخل تونس والعمل على إجهاض الثورة،

  • لخضر
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:35

    ومتى سيثور الشعب الجزائري للإطاحة بنظام الجنرالات الخونة الدين ترقوا بفضل الخدمات التي قدموها للإستعمار الفرنسي وهاهم الآن يستنزفون خيرات البلاد والشعب يعاني الفقر والبطالة والمرض والإحباط

  • عبدالكريم بوشيخي ناجي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:31

    اعتقد ان هذا المثل المغربي ينطبق على التونسيين و من تضامن معهم لقد كان الجميع يصفق و ينحني لزين العابدين بن علي لكن حينما انهار نظامه كثرت السكاكين و لكن اقول كلمة في حق تونس تحت قيادة بن علي انها لم تعدم و لو تونسي واحد كل ما في الامر اعتقد انه كان هناك قمع للحريات و لكن مقابل هذا القمع كان هناك شبه معجزة اقتصادية تحققت على يد هذا الرجل بفضل الاستقرار الذي كانت تتمتع به و اذا قورنت تونس الغير النفطية مع الجزائر المصدرة للنفط و الغاز فان الفرق واضح لذلك سوف لن تمر فترة طويلة حتى يبدا التونسيين للحنين الى عهد بن علي و ستبدا تونس في التراجع في جميع الميادين لانه لا تنمية بدون استقرار

  • aliazagos
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:37

    توفيق بوعشرين يواصل سياسة وخا طارت معزة ويسمي الاشياء بغير مسمياتها فيسمي شمال افريقيا مغربا عربيا في تجاهل تام لما واصل اليه النقاش العمومي في بلادنا حول الامازيغية
    انه مرض العنصرية القومية العربية الدي يعمي بصره وبصيرته ويجعله غير قادر على تحليل مشاكل المغرب الكبير الا من خلال عيون مشرقية الله يعفو

  • رشيد
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:29

    يقول مثل مغربي : الناس في الناس والقرعة في مشيط الرأس، ويقول مثل أخر عندما قام الصيادة يصيدو ناض الطاروس يخرى وهذا ينطبق على صاحب تلعيق رقم 6 الذي انصرف ذهنه للتعليق على امور رغم اهميتها فليس المقام مناسبا للحديث عنها، وحتى إن اخطأ السيد بوعشرين في تسمية الامور بما ينبغي تسميته بها، فهذا لن يغير من امر ان المغرب عربي-امازيغي شاء من شاء وأبى من أبى، فالمقام والحديث هنا منصب على ما هو أهم من مجرد الاسماء والمسميات ، فهو مرتبط بالحديث عن الديمقوراطية التي يجب توفرها وفي توفرها ستجد كثير من الامور الاخرى خاصة تلك المتعلقة بالهوية والانتماء بدورها طريقا للحل والتسوية..

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة