القصة لم تبدأ مع البوعزيزي ...

القصة لم تبدأ مع البوعزيزي ...
الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:46

بدأ التأريخ لدولة تونس المعاصرة مع ثورة الياسمين وبالضبط يوم السابع عشر من ديسمبر 2010 ، الموافق لإحراق البوعزيزي لنفسه انتصارا لكرامته المهدورة، بعدما صفعه أحد رجال الأمن، فقام الشعب بصفع الرئيس، هكذا يقال ، لكن هل القصة حقا بدأت مع البوعزيزي؟


إن المتأمل لهذا التفسير يشعر أن هناك اختزال وتبسيط وتجاوز لنضالات القوى الحية التونسية سواء في المنافي أو داخل الوطن مدة ربع قرن على الأقل، في محاولة مكشوفة من أجل فصل الحراك الاجتماعي القائم عن أي محضن نضالي، وكأن الحركات النضالية ولدت خارج رحم الشعب التونسي، غير أن القصة بدأت قبل ذلك بكثير، تبدأ منذ آلاف السنين، لذلك لابد أن نبدأ القصة من أولها :


يحكي التاريخ أن تونس بلد عريق في تاريخه تعاقبت عليه حضارات مختلفة وكان دائما محل الأطماع نتيجة موقعه الاستراتيجي، فالفينيقيون استقروا بقرطاج وكونوا دولة هناك، ثم بعدهم استطاع الرومانيين الدخول إلى شمال افريقيا بعدما استولوا على قرطاج وضمها إليهم، وأصبحت في ظرف وجيز المدينة الثانية في أوروبا بعد روما، ثم بعد ذلك استطاع الوندال الاستيلاء على تونس، ثم جاء بعدهم البيزنطيون، والتي شهدت فترتهم قمعا دينيا وثقافيا كبيرا، ثم بعد ذلك جاء الفتح الاسلامي وبعد معارك طويلة استطاع أن يبسط نفوذه على إفريقيا وتم فيها تأسيس مدينة القيروان والتي أصبحت فيما بعد رأس الحربة في الحملات اللاحقة لإخضاع البرابرة في المغرب والأندلس، ثم توالت الامارات المسلمة على تونس من ولاية تابعة للأموين فالعباسيين إلى الامارة الفاطمية فالصنهاجية فالموحدية والحفصية … فالحكم العثماني ، إنه تاريخ طويل من الحضارة جعل أهل تونس يعرفون برهافة الحس وجمالية الذوق وميلهم إلى الابداع، لذلك فقد حكم منطق التاريخ لأن الحضارات الضاربة في الزمن لا يمكن اختزال تاريخها في جماعة مافيوزية حكمت بالحديد والنار.


لقد كانت ثورة تونس سلمية وشعبية في آن واحد، علمتنا أن القيم والمبادئ لا تقبل المساومات حتى ولو كانت مؤشرات التنمية الاقتصادية مرتفعة، فالحرية والكرامة لا تقبل المقايضة بالخبز والماء، لأنه ليس بالخبز وحده يحي الانسان، ولم يقبل التونسيون احتراما لحضارتهم الضاربة في الزمن خبزا مغموسا في الذل والإهانة، هكذا هو التاريخ كما علمنا التونسيون، ليس خطيا يسير في اتجاه واحد كما اعتقد فوكوياما وإنما هو طفرات تتحقق بنضالات الشعوب .


على الرغم من مؤشرات التنمية الايجابية التي جعلت من تونس بلد نموذجي يجب أن يحتدى به عربيا وإسلاميا، إلا أن ذلك لم يشفع أمام جحافل الثوار كي لا تواصل زحفها نحو الانعتاق والتحرر.


إن ما فعله زين الهاربين بن علي، وبتأييد من الغرب طوال سنوات، لم يكن قمعا لحركات معارضة يسارية أو إسلامية فقط، وإنما هو تحطيم لحضارة امتدت آلاف السنين، وإذا كانت الآثار المادية قابلة للتطويع فإن العقل الجمعي للشعوب يحتفظ بملاحم الأجداد وذكريات الماضي وعبق التاريخ، فقديما قال ابن خلدون الذي أصبح هذه الأيام تونسي المنبث والهوى رغم أنف المغاربة : في أن الظلم مؤذن بخراب العمران، لذلك فإن سقوط نظام بن علي هو سقوط لنموذج عربي أريد تعميمه على المنطقة، حيث تحول تاريخ تونس القريب المليء بالدماء والسجون عبئا على الغرب، لقد تعلم الغرب أن وراء دعم الدكتاتوريات تبعات أخلاقية وسياسية ليس باستطاعتهم تحملها.


إن من حسنات النظام البائد، إن كانت له حسنات، أنه حافظ على مستوى تعليمي يليق بحضارة تونس وعمقها التاريخي، هذا الوعي هو الذي جعل شعب تونس يثور على الظلم رغم أنه شعب مسالم بطبعه، ودليل آخر على أن انعتاق الشعوب كما هو في تجارب مختلفة من العالم رهين بتحسين جودة التعليم، إذ بدونه انزلقت كثير من الثورات وحادت عن أهدافها والتفت الدكتاتوريات عليها.


فهل سيتغلب الوعي الجماهيري على ما يحاك لهذا الشعب العظيم من خطط لإفشال هذه الثورة الشعبية، أم أن شعب تونس المسالم سيستسلم مرة أخرى لبقايا الدكتاتورية في انتظار ثورة أخرى قد تأتي وقد لا تأتي!! ؟


*أستاذ باحث – عضو المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة


[email protected]

‫تعليقات الزوار

21
  • hamza wika
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:56

    نعم القصة لم تبدا مع البوعزيزي
    c’est bell parol

  • yassin malki
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:28

    c’est belle reserve trés bien professor

  • سراب فتــاهـ
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:02

    اممممممم ..
    صحيح القصة لم تبدا معه ..لكنه كان الحدث الذي اثاارهاا ..
    فلو لم يكن هناك شخص اسمه البوعزيزي .. هل كانت ستقوم ثورة؟؟
    البعض سيقو نعم ..لكن الاغلب سيجيب لا
    لانه كان ولا بد من حدث لايقاف النظام الديكتاتووري و استرجاع الحرية
    خاصة ونحن في عام 2011 ..عار ان يبقى شيء اسمه “ديكتاتورية” في زمننا هذا
    نسميه عصر التقدم و التطور .. فاين تطور القيم والاخلاق والمبادئ من كل هذا؟؟
    الازال هناك من يحكم بقبضة حديد ونار كما فعل الفراعنة في السابق؟
    ثم ان الشعلة التي ثارت في صدور التونسيين للكرامة و عدم تقبل الاهانة من مميزات المسلمين في الساابق.. لكنا ومع الاسف نفتقدها حاليا في بعض البلدان..
    احيي الشعب التونسي على نضاله و ثورته والتي اكد فيها على رفضه لاساليب القمع والاهانة .. و تمسكه بالكرامة واحترام الانسان لكونه انسانااا و الحرية التي لا حياة للانسان بدونهاا ..
    >> مع اني تمنيت لو قامت هذه الثورة في وقت ابكر من الاان ..
    شكرا على المقاال والمعلومات القيمة يا استااذ
    تقبل مروري وتعليقي البسيط
    ^-^

  • خالد القطني
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:24

    ان أحدات تونس بمتابة انظار للحكام العرب

  • khalid el qatni
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:12

    تورة تونس هي نتيجة للاستبداد الدي كانت تمارسه حكومة الديكتاتور زين العابدين بن علي

  • mehtama
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:58

    إذا الشعب يوما أراد الحياة . . .

  • ولــــــــــــــد الغـــــــــ
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:08

    اتفق مع صاحب المقال بخصـــوص دور الأنظمة التعليمية في تكوين وعــي لذا الشعــوب لمعرفة ما يحاك ضدها وبالتالي التصدي لكل أشكال الظلم وانعـدام المساوات واللاعدل، وهذا ما يحسب للنظام المغربي المستبـــد حيث نجح في إنتاج شعب جاهــل خاضع راضي،بالظلم،الحكـــرة المحسوبية،
    الزبونية… بفــــــضل النظام التعليـــــمي السائد مند بداية السبعينات وكذلك بفضل إعـلام على شاكلة 2M وهذا ما يتضـح جليا من خلال التعليقـــــات عبر هذا المنبر فالكل يمجد فرعــون البلاد رغم أن الجميع يعلم أنه هو الوحيــد قبل سواه المسؤول عن مأسات وتجويع شعب بأكمله عبر إحتكــــار جل قـــوت المغاربة (سكر، زيـت، حليب…)عبر مؤسسة أونا المشؤومـــة، بالإضافة للحرمــــــان من الخدمات الصحية وو..،في الوقت الذي نجــد أكثر من طرابلسـي يتربصــــن بالبلاد وكأن المغربيــــــات لم ينـجـبن سواهــــم أمثال(بنانـي،العلـوي ،الفاسـي ،العلمـــــي،العمرانـــــي…)

  • قاروط
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:54

    هذه طريقة جابرية_نسبة الى استاذناالمرحوم الجابري-في التعامل مع المعطيات وهي اعتبار كل حدث نتيجةلاسباب تعود الى الماضي وهذه في الاصل فكرة ماركسية ولا تنسى mon ami خالد بانني من ارشدك اليها عندما كنا طلبةفي الجامعة ton ami قاروط

  • a
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:06

    إن ما فعله زين الهاربين بن علي، وبتأييد من الغرب طوال سنوات، لم يكن قمعا لحركات معارضة يسارية أو إسلامية فقط، وإنما هو تحطيم لحضارة امتدت آلاف السنين، وإذا كانت الآثار المادية قابلة للتطويع فإن العقل الجمعي للشعوب يحتفظ بملاحم الأجداد وذكريات الماضي وعبق التاريخ، فقديما قال ابن خلدون الذي أصبح هذه الأيام تونسي المنبث والهوى رغم أنف المغاربة : في أن الظلم مؤذن بخراب العمران، لذلك فإن سقوط نظام بن علي هو سقوط لنموذج عربي أريد تعميمه على المنطقة، حيث تحول تاريخ تونس القريب المليء بالدماء والسجون عبئا على الغرب، لقد تعلم الغرب أن وراء دعم الدكتاتوريات تبعات أخلاقية وسياسية ليس باستطاعتهم تحملها.

  • adil ghazouani
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:18

    إن الأحدات التي تعرضت لها تونس هي عبارة عن ثورةحقيقية ضد الرئيس الناتجة عن مجموعة من الأشياء كمنع الأذان في تونس إلى آخره نحن جميعا مع شعب تونسي في ضراء و سراء

  • مهدي ق
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:26

    ؤشاطرك الرئي أن قص لم تبدأ مع بوعزيزي أن الدكتاتوريةأيضا لم تبدأمع زين العابدين بن علي بل بدأة مع إحتلال رومانيون قرطاج لأن رومانيون هم صناع الدكتاتورية إنتشرت في تونس مع تولي حكم رئيس السابق زين العابدين بن علي لم تكن تمارس السلط الدكتاتوري من طرف شخص واحد بل كانت تمارس من طرف عائلة بن علي وزراء الدًٌٌٍَُِِِْْي كانو يؤيدون سياسته وتسير معه بخطوات تابت لنشر الدكتاتورية والظلم إلْْـــــــــــــــــــي أخره… أشكرك عن مقالة وتعريفك لتاريخ تورة أيضاعلي لقب ممتاز {زين هاربين} لقب في محلو

  • Angel de T.c.s.5
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:48

    نعم القصة بدأت مع البوعزيزي لأنه لو لم يقم البوعزيزي دلك البائع المتجول دو ال26 ربيعا بتلك الثورة العظيمة لما خرج الشعب التونسي من دائرة القمع الحديدية. دلك لأن محمد بوعزيزي لم يشعل النار في جسده فحسب بل أشعلها في قلب الشعب التونسي كله و أطلق بدلك شرارة الثورة لشعب بأكمله.
    و من هنا أحيي الشعب التونسي على شجاعته و لأنه صنع حريته بيده.
    و أشكرك يا أستاذ على المعلومات القيمة حول تاريخ تونس و الثورة.

  • Hamza Ouagari TCS/Allal LFASSI
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:14

    أنا متفق معك يا أستاد ولكن لا تنسى أن ثورة الياسمين زلزال سياسي أصاب العالم العربي وهو يرى ميلاد أول ثورة عربية في بلاد صغيرة مثل تونس، كان حاكمها المخلوع، زين العابدين بنعلي، يديرها بجهاز أمني صارم كان يوظف أكثر من ربع مليون رجل أمن ومخابرات ودرك وحرس رئاسي وجواسيس، كل هذا الستار الحديدي، الذي كبل به شعبا كاملا لمدة 23 سنة، انهار في ثلاثة أسابيع.
    لقد تحرر الناس من الخوف في 21 يوما فقط، بعد أن أحرق بائع فواكه نفسه احتجاجا على إهانة كرامته وقطع رزقه في مدينة هامشية في جنوب البلاد اسمها سيدي بوزيد.

  • fati
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:04

    لقد استطاعت ثورة الياسمين المباركة ان تجعل الشعوب العربية المطهدة ان تفتح افواهها وتنادي بصوت واحدلا للتجويع والقهر

  • yahya anabri
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:52

    مقالة جيدة و مفيدة يا استاذ خالد عاتق اشكرك

  • Mr ReQuin (A.S.R..I) S.B
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:16

    لأنه ليس بالخبز وحده يحي الانسان
    إن الشعب التونسي هو اول شعب عربي إستطاع الخروج من الصمت وصاح بصوت عال لهذا فإن هذه الحضارة العضيمة التي عرفت تدخل عدة حضارات كالحضارة الرومانية و البزانطية . لا يمكنها ترك الديكتاتورية في بلادها
    لكن الشخص الذي يحرق نفسه لأن شرطي صفعه أظن أن هذا شخص لم يريد الدفاع عن كرمته بل إن شخصيته ضعيفة( لقد أحل قانون حمورابي)بل لقد أراد أن يصبح بطلا فما الفرق بين إرهابي وهذا الشخص
    و دائما أقول هذا رأي الخاص

  • حمزة الزياتي
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:10

    انا متفق معك يا استاد فلقد اثبت الشعب التونسي على مصداقيته و شهامته عندما واجه النظام الحكومي و اقر بان كل شيء يمكن الاستغناء عنه الا الكرامة و الحرية…. —تلميد متواضع—

  • إيمان المت
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:20

    من وجهة نظري أنا متفقة معك يا أستاذ لأن الشعب التونسي أثبث جدارته و شهامته لمواجهته للنظام الحكومي

  • t .c.s.5 el asmar chaimae
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:22

    انامتفقة معك يا استاذ ان الكرامة لا تشترى ولا تباع ولا تقترن بالخبز بل تأخد عندما تكون للشعب ثفافة بالحرية و الكرامة. فعلا القصة لم تبدأ مع البوعزيزي لكن الثورة بدأت مع اكتشاف الشعب ان حريته مهدورة بسبب الديكتاتور بن علي الذي خان تقة شعبه. ان الدول العربية اخدت استقلالها و لم تأخد حريتها الا تونس .
    في نظري ان التغير حان وقته و انتهى زمن الرعب و الخوف من امريكا و نتهى زمن الديكتاتورين و الطغاة و شكرا.

  • imame boukhari / 1L2
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 17:00

    لا بدة من وضع حد للقمع و الدكثاتورية والمأسات بالدول العربية الشقيقة ووضع قانون ديمقراطي ينص على العدل والمساوات كما نرى أن خلال الشهور الماضية حدتث ثورة في مصر و تونس. من أجل تغيير الدستور والزيادة في الأجور لتحسين مستوى عيشهم. فنحن أيضا يجب أن نضع قانون يحت على مطالب الشعب…وشكرا لهدا الموقع الدي سمح لنا بوضع استفساراتنا.

  • خاليد عاتيق
    الأربعاء 19 يناير 2011 - 16:50

    تلميدتك مريم الخولاقى من ج.ا.4 c’est belle parole et très bien proffesseur فى الحقيقة لم اجد الكلمات لاعبر لك عن اعجابى بهده المقالة الرائعة و اتمنى لك التوفيق فى هدا المشوار…

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41 9

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42 8

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا

صوت وصورة
بيع العقار في طور الإنجاز
الإثنين 15 أبريل 2024 - 17:08 4

بيع العقار في طور الإنجاز

صوت وصورة
مستفيدة من تأمين الرحمة
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:35

مستفيدة من تأمين الرحمة

صوت وصورة
مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير
الإثنين 15 أبريل 2024 - 16:28 8

مع ضحايا أكبر عملية نصب للتهجير