أُنْبُوشَاتٌ فِي المَفَاهِيمِ الْقُرْآنِيَّةِ / الرِّزْقُ

أُنْبُوشَاتٌ فِي المَفَاهِيمِ الْقُرْآنِيَّةِ / الرِّزْقُ
السبت 8 غشت 2015 - 15:30

الرزق من المفاهيم التي كانت دوما، وستبقى، مثار نقاش وجدل بين الناس مثقفيهم وعوامهم، لما في المفهوم من حظوظ النفس، وعدم الرضى بما قسمه الله لعباده من أرزاق. فالرزق بيده تعالى ومالكه، ومقدره، ومُيَسِّر أسبابه لجميع الناس مؤمنهم وكافرهم، فهم فيه سواء.

والرزق من الجذر اللغوي: (رَ زَ قَ). ورَزَقَ الخلق رَزْقاً ورِزْقاً، فالرَّزْقُ – بفتح الراء – هو المصدر الحقيقي. والرِّزْقُ بكسرها الاسم ، ويجوز أن يوضع موضع المصدر. والرِّزْقُ على لفظ المصدر: ما رزقه إياه والجمع أَرْزَاقٌ. والرَّازِقُ والرَّزَّاقُ من أسمائه تعالى الحسنى، وارْتَزَقَهُ واسْتَرْزَقَهُ: طلب منه الرزق. والرِّزْقُ: اسم لما ينتفع به، ويطلق الرزق كذلك على العطاء. قال عُوَيْفُ القَوَافِيُّ في عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:

سُمِّيتَ بِالْفَارُوقِ فَافْرُقْ فَرْقَهُ * وَارْزُقْ عِيَالَ الْمُسْلِمِينَ رِزْقَهُ

وقد ورد مفهوم الرزق في القرآن الكريم( 124 مرة) منها (73 مرة ) في السور المكية و(51 مرة) في السور المدنية. وفي كل هذا التكرار جاء مفرداً، (رِزْقٌ) (26 مرة)، ولم يرد بصيغة الجمع (أَرْزَاقٌ)، وعندما أضيف إلى الجمع في بعض آيات القرآن دل -مثل دلالة المفرد- على خصوصية كل إنسان برزقه كما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) البقرة/3، والرزق اسم يشمل خير الظاهر والباطن قال تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ۚ) هود/88. فالواثق من الله تعالى يجد الحقيقة في قلبه، وهي جانب باطني الذي دلت عليه الآية في أمر شعيب عليه السلام مع قومه، كما فيها خير الظاهر، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا). وهذا الرزق الذي جرى الحديث عنه في القرآن لا يختص بالدنيا، وإنما فيه كذلك ما يتقلب فيه أهل الجنة من رزق الله. قال تعالى: (وَنَادَىٰ أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ۚ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) الأعراف/50.

والرزق هو من الله تعالى وحده، فهو الرَّزَّاقُ والرَّازِقُ. قال سبحانه: ( فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) العنكبوت/17. فالمكان المختص بالرزق جاء من الظرف(عِندَ)، ليأتي طلبه من الله قل أو كثر، وهو حاصل منه تعالى لكل المخلوقات. قال سبحانه: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)هود/6.

وإن المفارقة المدهشة، والمثيرة للتساؤلات، أنك تجد الانسان الذكي والمتعلم مُضَيَّقٌ عليه في رزقه، وفي المقابل ترى الجاهل مُوَسَّعٌ عليه فيه. وقد لا يدري الْمُضَيَّقُ عليه أسباب هذا التضييق، والْمُوَسّعُ عليه كذلك قد لا يدري أسباب تيسير رزقه، والأمر-كما قال الطاهر بن عاشور في تفسيره- فيه أسباب كثيرة متوالدة ومتسلسلة وموغّلة في الخفاء، ولذلك أُسْنِدَ التفضيل في الرزق إلى الله تعالى، لأن أسابه خارجة عن إحاطة عقول البشر. قال سبحانه: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ۚ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَىٰ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ ۚ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) النحل/71، ومسألة الرزق – الذي هو من عطاء الله- فيه قدرات بشرية، ومواهب وطاقات للبحث عنه وتنميته، وهو في جانب من جوانب الحياة.

قال تعالى: (وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ ) البقرة/22. وينبغي على الانسان وهو يقلب نظره وفكره في مفهوم الرزق أن يومن أنه بيد الله، فيطرق بابه، ويأخذ بالأسباب. قال عز وجل: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) العنكبوت/ 62. فقد فهم المسلمون من خلال المفهوم الذي بسطت آي القرآن الكريم مختلف دلالاته، عبر تاريخ الاسلام، أن الدولة ملزمة بتوزيع الأرزاق على الناس إما باستحقاق العمل أو الاحتياج، تحقيقا للعدالة الاجتماعية كما حدث في عصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ولا يتوقف الامر عند الدولة، بل يمتد إلى الأفراد حيث أمرهم الله بالإنفاق مما رزقهم. قال تعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً)إبراهيم/32 . ومهما بحث الباحثون في مسألة الرزق، وأسراره في القرآن الكريم، يبقى عطاء الله مستمرا حسا ومعنى لمن وقف ببابه يستمطر رحمته وفضله في تواضع وخشوع، وليس بعد عطاء الله عطاء. (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ۖ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) آل عمران/37.

‫تعليقات الزوار

1
  • عبد العليم الحليم
    الأربعاء 12 غشت 2015 - 09:09

    الحمد لله

    «الرَّزَّاق» اسم من أسماء الله سبحانه ،
    وهو يدلُّ على ثبوت صفة الرَّزق له عزَّ وجلَّ بفتح الراء ؛

    لأنَّ الرَّزق بفتحها هو الفعل،الصِّفة،

    وبالكسر الرِّزق الأثر أثر الصِّفة،
    فالله عزَّ وجل هو الرزاق؛ أيّ المتَّصف بالرَّزق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ،

    ورزقه لبعاده نوعان:

    1- رزقٌ عام

    يشمل جميع المخلوقات برَّها وفاجرها مؤمنها وكافرها صالحها وطالحها،وهو رزق بالصِّحة والمال واللباس والمسكن والعافية وغير ذلك،والله يقول:﴿ كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ﴾

    2- والنوع الثاني: رزق القلوب بالهداية للإيمان،والصَّلاح،والإستقامة، وانشراح الصَّدر لهٰذا الدين ،وحسن الإقبال على الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ربِّ العالمين ،

    فهٰذا رزق خاص يهَبُه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمن شاء الله هدايته وكتَبَ جلَّ شأنه صلاحه واستقامته.

    وإذا آمن العبد بأنَّ الرَّزَّاق هو الله وأنَّ الرِّزق بيده إحتاج في هٰذا المقام إلى أمرين:

    1- أن يبتغي الرِّزق عند الله لا عند غيره؛ فلا يسأل إلَّا الله،ولا يرجو إلَّا الله

    2- أن يبذل السَّبب ؛ مع الإستعانة والدعاء والسؤال والطلب يبذل السَّبب

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات