على من أصوت؟

على من أصوت؟
السبت 22 غشت 2015 - 22:44

أن تفكر في الشأن السياسي المغربي من خلال عين شابة يجعلك تشعر وكأنك غريب عن بلدك، بل مستبعد عنه.. نعم مستبعد عنه.. حاولت التسجيل بلوائح المنتخبين في الفترة الأولى فوجدت العائق الأكبر في الموظف الأصغر.. “كيف ستسجل في لائحة المصوتين والعنوان المثبت في بطاقتك الوطنية في مدينة أخرى؟”.. أجابني الموظف الأصغر بلهجة ساخرة.. رغبتي في ممارسة واجبي الوطني دفعتني إلى محاولة تغيير البطاقة الوطنية.. فواجهت حاجزا آخر.. “سير حتى لأسبوع جاي..”.. فأصبح الأسبوع شهرا.. وأصبح الحق المجاني مؤدى عنه.. مما جعلني أفوت أجل التسجيل.. الآن، وفي ظل الحراك السياسي وقرب الانتخابات، أصبح المرشحون يبحثون عن الأصوات في كل مكان، سواء كنت مسجلا أم غير مسجل..

البارحة التقيت بجاري الذي لم يقرئني السلام قط.. ويا للمفارقة.. لم يسلم علي فحسب بل عانقني كأني ابن له عدت للتو من بلاد الغربة.. سألني عن حالي وحال أسرتي الصغيرة وعائلتي الكبيرة، واستحلفني إن احتجت إلى أي شيء أن أطرق بابه.. تعجبت لأول وهلة.. لكن خلال استطراده في الحديث فهمت قصده.. لا يريد صوتي فقط، بل يتوسل أن أقوم بحملة انتخابية لأستقطب عائلتي وجيراني.. وكم كانت صدمته قوية عندما علم أني وعائلتي غير مسجلون في اللوائح.. فثار غضبه واستنكر وهدد.. “كيف يعقل أن يرفضوا تسجيلك؟ كيف يمكن لهم أن يتجاهلوك بصفتك مواطنا؟ كيف يحرمونك من ممارسة حقك الذي يكفله لك الدستور؟ صافي كون هاني سأعمل على تسجيلكم..”..ليس المهم أني سأصبح ضمن المصوتين، لكن الأهم هو أني سأصبح ضمن لائحة المقاطعين..

أتعجب كل العجب للهوة الكبيرة الموجودة بين ما يشاع في وسائل الإعلام وبين ما هو متحقق فعلا.. بين ما يروج له من حق في التصويت وبين ما هو كائن من عدم اهتمام واستهتار بهذا الحق.. كيف نضمن مستقبل وطننا ونحن نعيش في عالمين متباينين، عالم افتراضي يماثل المدينة الفاضلة لأفلاطون، وعالم حقيقي يوازي المحاكاة المبتذلة عند أرسطو.. رغم ذلك، غيرتي على الوطن جعلتني أتناسى غضبي.. فقررت أن أختار من سيضمن الإصلاح والتغيير.. فوجدت ماضيهم عقيما وحاضرهم مريضا ووعودهم متشابهة.. الكل يستنكر الواقع ويعد بمستقبل أفضل.. الكل ينتقد الآخر ويحاول ان يظهر بمظهر سيف بن ذي يزن.. كلهم يبتسمون ابتسامة الذئب.. لكنهم فور فوزهم يكشرون عن أنيابهم.. قد يقول قائل: فلتختر أقلهم شرا.. فأقول له ليست هناك درجات في الشر.. فعضة التمساح فاتكة.. وظهور العفاريت مفزع..

خاب ظني، كيف سأختار بين أمور أحلاها مر! فقررت المضي في العيش في عالم الفضيلة على أمل أن يصبح عالم المحاكاة عالما أفضل..

‫تعليقات الزوار

3
  • محمد أيوب
    الأحد 23 غشت 2015 - 04:11

    هذا هو الواقع:
    "أتعجب كل العجب للهوة الكبيرة الموجودة بين ما يشاع في وسائل الإعلام وبين ما هو متحقق فعلا.."..لكنني لا أدري ما سبب تعجبك..فما دمت في المغرب فلا تستغرب..أهنؤك على عدم تسجيلك،عكس ما عليه أنا..لكنني من المقاطعين لعلمي بأنه لا توجد ديموقراطية حقيقية عندنا بدءا من مسطرة وضع الدستور الى هذه المسرحية القادمة..ليس يأسا ولا عدمية ولكنها قناعة شخصية مني ولا أدعو أحدا لتبنيها فكل واحد حر في:"صوته" وموقفه..ما يشاع في وسائل الاعلام/التعتيم أغلبه كذب ونفاق ورياء واستغفال للناس..ولو قيل لي ماذا تصدق:شروق الشمس من الغرب أم وجود ديموقراطية ببلدنا؟جوابي هو:الشمس تشرق من الغرب رغم أن الواقع غير ذلك..60سنة من"الاستقلال"ومع ذلك لا زال بلدنا يعرف نسبة من الأمية تفوق60بالمائة علما أن برنامج محاربتها اعطى انطلاقته محمد الخامس رحمه الله.مدن بلا صفيح:برنامج آخر انطلق منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي ومع ذلك فشل أو تعثر.آلاف المواطنين يعيشون اقصاء وتهميشا ومحرومون من أبسط ضروريات الحياة اليومية من ماء وكهرباء وصحة وتعليم ومواصلات بينما أغنياء الوطن يصرف الواحد منهم الملايين والملايير على عطلته..

  • أحمد
    الإثنين 24 غشت 2015 - 01:17

    أتفق معك تماما، نحن نمثل بالنسبة لوحوش الانتخابات لقمة موسمية يشتهونها وقرب الموسم الانتخابي….

  • رانيا
    الجمعة 28 غشت 2015 - 10:50

    مقال رائع يعكس الواقع ويصفه بطريقة مبدعة.. ننتظر مقالاتك بشوق

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 3

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات