لا خير في الاستبداد

لا خير في الاستبداد
الأحد 30 يناير 2011 - 12:50

لم ولن تحقق الأنظمة السياسية المستبدة أية فضيلة لشعوبها، مهما أُتلفت من ملايير وبُدِّرت من أوقات وفُوِّتت من فُرص وحازت من سلطة، لسبب بنيوي ينخر في جسمها ويسري في عروقها سُما ناقعا، ألا وهو الظلم، و”الظلم مؤذن بالخراب” بتعبير ابن خلدون، لذلك لا فضيلة لهذه الأنظمة لأنها تقوم على أساس الخوف وتفرض الطاعة بالتخويف، وعلى الحس الأمني الاستخباراتي الذي لا مهمة له سوى حفظ دار المستبد حتى ولو تطلب الأمر العسف على كل الأخلاق والقيم والقوانين والشرائع.


لا فضيلة للاستبداد مادامت الأنظمة المستبدة –من شدة تجبرها وطغيانها- لا تقبل أن ينافسها أو يزاحمها أو يشاركها أو ينتقدها أو أن يكون لها ندا أحد. أحزابها منبطحة أو مهمشة، علماؤها تابعون أو محاصرون، مثقفوها مهرولون أو مطرودون، فنانوها مداحون أو


لا فضيلة للاستبداد لأنه لا ينبت الطغيان إلا في أرض القمع والذُّل والمهانة والتخلف، ولأنه لم ينتج إلا الفقر والجهل والأمية والتبعية والتطرف والسجن والبِغاء.


لا فضيلة للاستبداد لأنه جاثم على صدور الأحرار بالسيف والحيف، وإن زَيَّن وجهه العجوز القبيح بمكياج العالم، وإن سَمَّى حُكمه بأفضل تسميات أهل الدنيا، لم تزل عنه عاهة الاستعلاء بغير حق، وعيب الحكم بالجبر.


لا فضيلة للاستبداد لأنه يحتوش مجموع الرأسمال الرمزي والمالي والسياسي والفني والرياضي… للوطن، (الجَمَل وما حَمَل) ويجعل من نفسه هو الوطن! ولا يقبل أن يكون المرء وطنيا دون أن ينحني للوثن. بل هو مستعد لإلغاء الشعب من أجل حكم الفرد.


لا فضيلة للاستبداد لأنه وحده يُشرِّع ويقرر عوض الشعب، فيكون الشعب “عزيزا” وذليلا في نفس الوقت، عزة الشعارات والخطب وذل الواقع اليومي المعاش. وكلام الليل يمحوه النهار.


لا فضيلة للاستبداد لأنه يروض المواطن على الخنوع والركوع والسكوت، ولا يقبل إلا تربية التدجين والاستحمار التي تحرص على إفساد الناس ليكونوا مطيعين، ولا بركة في الإهانة، يقول مونتسكيو: “التربية في الديكتاتورية كأنها العدم”، لا تجدي نفعا مع تعفن أجهزة ومؤسسات الاستبداد بالخوف من يقظة المتعلمين.


لا فضيلة للاستبداد لأنه ينشئ أجيالا غير مبالية بحالها ولا بحال شعوبها وأممها، قوامها المتعة والعبث، وشعارها: “اقتنص أكثر لذة في أقل مدة”، أو كما قال الشاعر:


إنما الدنيا طعام وشراب ومنام فإذا ما فاتك هذا فعلى الدنيا السلام


لا فضيلة للاستبداد لأنه يتعالى على القانون وإن كان هو الذي وضعه على مقاسه، ويتولى تأويله كيفما شاء، مثل قانون: “كل ما من شأنه”، ويخرقه في واضحة النهار باسم عار “التعليمات”!!!


لا فضيلة للاستبداد لأن القضاء تحث قدمي وصايته، ليكون هو الخصم وهو الحَكم في نفس الوقت، ومن تجرأ على مقاضاة من يحكمُ القضاةُ باسمِه يُقضى عليه.


لا فضيلة للاستبداد لأنه يَقتل في نفسية المواطن الغيرة ويُفقده الثقة ويخصي فيه الرجولة ويسقط منه المروءة، من حيث لا عهد له ولا منطق ولا خُلُق.


لا فضيلة للاستبداد في تاريخ الأمم لأنه لا يقبل المسائلة والمحاسبة والنقد والاعتراض، حيث يجعل المستبد من نفسه المريضة المتعاظمة إلها أو شبه إله أو ظل إله يمشي على الأرض. “نظرية الحق الإلهي للملوك”.


لا فضيلة للاستبداد لأنه استعلاء وتكبر في الأرض وطغيان وتجبر على خلق الله الذي خلقهم على الفطرة كي لا يتظالموا ولا يجور بعضهم على بعض ولا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله.


لا فضيلة للاستبداد لأنه يمنع المواطنين أن يختاروا بحرية ومسؤولية من يحكمهم، ويمارس عليهم الوصاية كأطفال صغار أو معتوهين.


لا فضيلة للاستبداد لأنه لا تُهِمه قيمة الشخص، ولا قدسية القاعدة الأخلاقية، ولا إلزامية القاعدة القانونية، ولا واجب الكرامة الآدمية، ولا حق الشعب في قول “نعم” أو “لا “على حد سواء.


لا فضيلة للاستبداد لأنه يكفيه شرا أنه استبداد، تجبُّر على العباد وتسلُّط في البلاد، و مآله يوم التناد مع ثمود وعاد. ولن يكون يوما للأحرار هو الملاذ. نسأل الله العافية لنا ولجميع المسلمين وللوالدين والأولاد. و لا فضيلة للاستبداد.

‫تعليقات الزوار

7
  • manar
    الأحد 30 يناير 2011 - 12:52

    من عظيم عناية الله بهذه الأمة أن يشملها اللطف الإلهي بعد المصاب الجلل، وأن ينتفض منها القلب المشبوب بعد سكتته المفترضة، وأن تستمسك قبضات أبنائها بأصلها ورسالتها بعد أن كاد التيار يجرفها إلى مصب الفناء.
    هاهم إخواننا التوانسة يقولون كلمتهم الفاصلة في ذات أنفسهم، ويفاجئون العالم بانتفاضتهم، ويحسمون أمرهم بشجاعة لم تُفْنِهَا شدة البطش، ولم يُخْرِسها طول أمد الاستبداد.
    وها هي شعوب أخرى في أقطار شتى تخرج إلى الشارع، وتغالب قبضة الدكتاتوريات الجاثمة.
    نعم، إننا نشهد اليوم تحولا كبيرا في الخارطة السياسية والشعبية، تقودها الشعوب والمخلصون من هذه الأمة في كل قُطر، ونَتَسَمَّعُ هدير الطوفان الموعود الذي أودت أولى موجاته بطاغية تونس، وترتعد فرائص الظلم من قوة هذا الطوفان في كل أرض انتصب فيها جَلاَّدٌ ومستبد آمرا ناهيا متسلطا باطشا… نعم، ولكن ينبغي أن نحذر وننتبه:
    أولا: لحجم الجهد الكبير الذي يبذله أعداء أمتنا التاريخيون، ومدى النَّفَس الطويل الذي يتمتعون به، وطبيعة المخاتلة والغدر الذي تمرسوا به على مدى تاريخ طويل من الصراع، ومستوى إخلاصهم العميق لما يؤمنون به ويتوارثونه ويورثونه اللاحقَ من أجيالهم.
    ثانيا: لمستوى الخرق الذي خرقه هؤلاء الأعداء في حصن الأمة حتى أصبح لهم فينا (وليس منا) حلفاءُ وخُلَفاءُ ووكلاءُ ينفذون تدبيرهم عنهم، ويربطون مصيرهم ووجودهم وكراسيهم برضاهم عنهم وثقتهم بولائهم لهم.
    ثالثا: للحرب الإعلامية الموجهة التي يقودها سياسيون وإعلاميون يحاولون تعطيل أو تبطيء حركة ووتيرة وعي الشعوب بمصدر قوتها وعنفوانها وبمنبع أزمتها ونكستها، ويجتهدون لتلميع صورة الحكم الظالم لاستبعاد أي نسب للاستبداد يجمع نظام تونس السابق باللاحق به من أنظمتنا الجبرية.
    إن على الأمة وعلى المخلصين منها أن يبقوا منتبهين متيقظين لدفع محاولات تنويم هذه اليقظة المبشرة بالخير، ولمنع تعويم حقيقة دوافعها السياسية في مجرد مطالب خُبْزِيَّة، ولكشف محاولات الفصل ما بين المخلصين الذين يعملون منذ عشرات السنين على زرع روح الأمل في الناس وكشف حقيقة الاستبداد وجوهره، وبين الشعوب التي استعادت عافيتها واستأنفت حياتها من جديد، وهَبَّت من رقدتها الطويلة، وأطارت، بفضل الله، أول بيدق من بيادق الرقعة في لعبة الأمم.

  • زكرياء
    الأحد 30 يناير 2011 - 13:04

    نتفق جميعا في ذم الاستبداد.. ونختلف حينما ننزل إلى أرض الواقع. ولهذا لا أستغرب حالة الغيبوبة التي دخلتها الطبقة السياسية المغربية منذ نهاية عهد الحسن الثاني. فهي صارت شريكة للحكم المستبد في جميع الأخطاء الكبيرة والصغيرة..

  • ghost
    الأحد 30 يناير 2011 - 13:02

    إن الله يمهل ولا يهمل

  • Bn Toumert
    الأحد 30 يناير 2011 - 12:54

    منذ ان “تاسلم” القرشيون وغزو بلاد الغير والاستبداد في منطقتنا ولذالك يجب على القرشيين والمتقرّشين
    ان يعودو من حيث اتو ليتركونا بسلام !!!! وكما التف المنافقون على الملك واقنعوه بادخال فرنسا في
    الماضي .. نفس المنافقين نراهم اليوم يقولون ان المغرب “جنة” اوبيخير” خوفا على مصالحهم
    لكن “الدمادم” المغاربة ديال الغوات على غزة ، العراق….. هوما اللي خارجين عل البلاد!
    داكشي فاش حادكين

  • ر. لعناني
    الأحد 30 يناير 2011 - 12:58

    بارك الله في القريحة التي فاضت فجادت. كلامك أقرب إلى الشعر من النثر. زادك الله حرصا و اهتماما بهموم المسلمين.

  • مغربي
    الأحد 30 يناير 2011 - 13:00

    لقد اشتريت من اتصالات المغرب صبيبا قدره 7 ميغا أوكتي، وهي من خوفها من ثورة تونس ومصر لم تبق لي سوى سبعين كيلو أوكتي، فإلى من أشكو هذا الاستبداد؟

  • tahiri
    الأحد 30 يناير 2011 - 12:56

    شكرا للأستاذ الفاضل أحمد الفراك على الإجادة في الوصف والتحليل لداء الأمة الأكبر سيادة الاستبداد, إن سنة الله جل جلاله جارية في الخلق والأمة بحول منه سائرة إلى الالتقاء بسنته وموعوده بأن يغير ما بناولو بعد حين

صوت وصورة
نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء
الخميس 28 مارس 2024 - 15:40

نقابة الممرضين تعتصم بالبيضاء

صوت وصورة
ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال
الخميس 28 مارس 2024 - 15:00 1

ما لم يحك | البصري وتبذير الأموال

صوت وصورة
الأمطار تنعش الفلاحة
الخميس 28 مارس 2024 - 13:12 3

الأمطار تنعش الفلاحة

صوت وصورة
حاجي ودمج الحضرة بالجاز
الخميس 28 مارس 2024 - 12:03

حاجي ودمج الحضرة بالجاز

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 4

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل