الثورة الشعبية..سؤال الممكن والمستحيل

الثورة الشعبية..سؤال الممكن والمستحيل
السبت 26 فبراير 2011 - 11:05

” أنا لست محررا، المحررين لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها”


آرنستو تشي جيفارا


مابين اندلاع الثورة ونجاحها في تحقيق مطالبها أسئلة تثار وقضايا ملحة تناقش، فشأن الثورة وكما علمنا التاريخ كثيرا ما تحيد عن الخط الذي رسمها لها الثوار، فالثورة التي غالبا ما يشعلها الفقراء كما يقول العارفون كثيرا ما يجني ثمارها الجبناء و يستغلها الأغنياء، والقياس على ذلك هو الاستقلالات التي حققتها الشعوب بدمائها و أرواحها والتي كانت تعتقد أنه بمجرد تحقيق الاستقلال عن المستعمر الغاشم سوف تنعم بالحرية والكرامة فإذا بها تقع في براثن استغلال منظم وممنهج جرعها كل صنوف الهوان والاستبداد، سرق أحلامها وأذل كرامتها و أذاقها من كل صروف التجويع والتهميش أشكالا و ألوانا.


إن منطق الثورة هو في عمقه تعبير عن وعي تاريخي وموضوعي يؤمن بحتمية التغيير ويستهدف التجاوز والتخطي لواقع متردي، واقع يطبعه الثبات والجمود، ويتميز بالاجترار والانتظارية، وذلك بحثا عن بديل أمثل يعبر عن تطلعات الشعوب وآمالها في الانعتاق من أسر العبودية والتهميش والقمع والترهيب، وإذا فهي الثورة أشيه ما تكون بانقلاب مجتمعي وشعبي ينبني على اختيارات ثلاث: أولهما تغيير وإسقاط قواعد اللعبة القذرة التي دأبت الأنظمة الرجعية على لعبها دون اكتراث أو مبالاة بمطالب الشعب المشروعة بل والتمادي في إذلال الشعب وقتل إرادته وهدر إنسانيته، وثانيهما استعادة الشعب لسيادته المغتصبة ولحقوقه الأساسية في الحياة والكرامة، هذه السيادة التي أفرغتها الأنظمة من مضامينها الحقيقية نتيجة عقليتها الاستحواذية وأيضا نتيجة التفافها على مقدرات الشعوب والأوطان باسم شرعيات مزيفة وباهتة لم يعد أحد يؤمن بها، وثالثهما إعادة بناء علاقات وأنماط مجتمعية جديدة تلغي بالمرة علاقات الإنتاج القديمة القائمة على التوزيع العشائري والقبلي والعقدي للولاءات وذلك من خلال إغداق الامتيازات والصلاحيات إلى الطغم الحاكمة والفئات المنتفعة ماديا ومعنويا من الواضع القائم.


وبناء على هذه الاختيارات الثلاثة التي ذكرتها تبقى الثورة عنوانا بارزا للتغيير لما هو أفضل، لكن السؤال المطروح ما هي عناصر الثورة! وما هي مداخلها ومخارجها!وكيف يتم الالتفاف على مكتسبات الثورة واستغلال منجزاتها!


لاشك أن للثورة مجموعة من المميزات الخاصة التي تميزها وأول هذه القوانين أنه لا أحد يمكنه التكهن بعلامات ساعة حدوثها أو التنبؤ بشرارتها الأولى لا جهاز الاستخبارات الأمريكيةC.I.A ولا الأجهزة البوليسية التابعة للأنظمة البوليسية والقمعية، وثاني هذه المميزات الخاصة و بقراءتنا المتفحصة للتاريخ أن معظم الثورات الشعبية كثيرا ما تنجح في تحقيق أهدافها لأن ما يحمله الثوار من إصرار على التغيير ومن حماس على القطيعة مع الماضي لا يمكن التراجع عليه أو المساومة حوله تحت أي شروط للتسوية أو التفاوض، ومثال ذلك ثورة الشباب المصرية التي أصرت على إسقاط نظام محمد حسني مبارك ورفض أي حوار أو تسوية قبل تحقيق هذا الشرط الذي فرضه صمود الثوار بميدان التحرير، وهذا ما تحقق بالفعل بإعلان تنحي الرئيس، وثالث المميزات الخاصة التي تميز الثورة وهذا هو القدر السيئ الذي يخشاه الثوار هي أن الثورة التي غالبا ما يشعلها الفقراء ويضحي من أجلها المناضلون الشرفاء بدمائهم وأرواحهم كما يقول العارفون كثيرا ما يجني ثمارها الجبناء و يستغلها الأغنياء، فمن أشعل إذا الثورة في تونس الزيتونة غير المرحوم محمد البوعزيزي هذا الشاب الآتي من أعماق طبقات الشعب المسحوقة والمهمشة، هذا الشاب المكافح الذي اعتقد ذات يوم أنه بتحصيله الجامعي يستطيع أن يرسم له و لأسرته مستقبلا زاهرا و محترما فإذا به يجد نفسه بائعا متجولا تلاحقه الشرطة أينما حل وارتحل وتنكل به شر تنكيل، و أيضا من أشعل الثورة في أرض الكنانة غير شباب 25 يناير الذي لم يجد من باب للفرج غير الخروج للمطالبة بحقه في العيش الكريم وبتحسين وضعيته الاجتماعية بعد استحكام الفساد واستئثار النظام بكل أسباب الحياة بل وامتصاص حتى دماء الشعب، لكن في المقابل يبقى السؤال المطروح والذي يكتسي شرعيته من أولويات التغيير وحتمية التحول ما حظ ونصيب الفقراء والغلابة (بالتعبير المصري) من ثورتهم خاصة إذا علمنا ما يحيط بالثورة من تحديات و ما يدور حولها من نصابين وحرامية وانتهازيين يتحينون مثل هذه الفرص لسرقتها والاستفراد بنتائجها، يريدون الالتفاف على نضالات الجماهير الشعبية، وبالتالي قطف ثمارها دون أدنى جهد سوى ما يتميزون به من مكر وخداع ومثال ذلك بعض المناضلين الذين جاءوا من منافيهم الاختيارية بالخارج ليفرضوا أنفسهم على المتظاهرين فماكان من المتظاهرين إلا أن تبرءوا منهم، وهكذا يبدو أن الجميع اليوم أصبح واعيا بأن ساحة النضال وحدها من ستفرز الأشخاص المناسبين لقيادة المرحلة القادمة، وأن مرحلة ما بعد الثورة تستوجب وتفترض الوعي بأن البديل الوحيد و الممكن هو البديل الذي ينتصر لاختيارات الشعب و ينصت لنبضه ويلتحم بقضاياه وهمومه…


[email protected]

‫تعليقات الزوار

1
  • التاريخ
    السبت 26 فبراير 2011 - 11:07

    السؤال المطروح هو لماذا تقوم الثورة على نظام ما وهي لا تملك مشروعا خارج النظام القائم! لنقل أنها تعيد إنتاج نفس الوضع! في غياب البديل الشامل قبل الثورة!من عاش وتربى في نظام ما،هل سيدعي أنه امتلك القطيعة والتجاوز هكذا؟!!!

صوت وصورة
احتجاج بوزارة التشغيل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 16:02

احتجاج بوزارة التشغيل

صوت وصورة
تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 15:15

تدشين المجزرة الجهوية ببوقنادل

صوت وصورة
المنافسة في الأسواق والصفقات
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 13:19

المنافسة في الأسواق والصفقات

صوت وصورة
حملة ضد العربات المجرورة
الثلاثاء 16 أبريل 2024 - 11:41

حملة ضد العربات المجرورة

صوت وصورة
جدل فيديو “المواعدة العمياء”
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:42

جدل فيديو “المواعدة العمياء”

صوت وصورة
"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا
الإثنين 15 أبريل 2024 - 23:15

"منتخب الفوتسال" يدك شباك زامبيا