الردة السياسية المشروعة

الردة السياسية المشروعة
الإثنين 28 فبراير 2011 - 15:34

لقد تحققت نبوءة المفكر المغربي المهدي المنجرة. طال “زمن الذلقراطية”، فانتفض الشارع العربي، وطلق الخوف طلاقا لا رجعة فيه. من يصدق أن أبناء فرحات حشاد، عمر المختار، علال بن عبد الله، الأمير عبد القادر…يخرجون من الأجداث مرة أخرى


ككل المغاربة على اختلاف أجناسهم و دياناتهم و ألوانهم؛ أتابع باهتمام بالغ ما يجري في بلدي وبلدان إخوة لم تلدهم أمي. و ككل المغاربة تفاعلت مع مبادرة 20 فبراير، و إن كنت لا أجاري أصحابها في كل المطالب(حلّ الحكومة و البرلمان). و ككل المغاربة انتظرت بفارغ الصبر صوت أصحاب القرار ، رغم فارق الزمن الشاسع بين بلادي و بلاد ماوتسي تونغ. وككل المغاربة، أزداد ألما للردّة السياسية التي بات يغرق فيها المغرب رويدا رويدا.


كنت قد نبهت في المقال السابق” شباب 20 فبراير الوعي السياسي” الى الحماس الزائد الذي قد يطغى على الشباب؛ كما أشرت الى خطورة غياب التأطير السياسي للشكل الاحتجاجي. فالتخريب الذي طال بعض المدن المغربية، مرده هو غياب الوعي السياسي و السقوط في فخ التقليد. على الرغم من أن لكل بلد خصوصياته السياسية و الاجتماعية والاقتصادية… ما كنت أنتظره من أصحاب القرار، هو الاستجابة لبعض من مطالب الشارع العام، و في مقدمتها إعادة الاعتبار للسياسة و الديمقراطية. فالكل يجمع على أن البلاد، تعرف انتكاسة في مجموعة من المكتسبات. لكن ما جاء به أصحاب القرار، كان بمثابة”صدمة أفق الانتظار” كما يقول نقاد الأدب. فقد كنت أحلم ككثير من أبناء هذا الشعب، بالخروج من “إرادة الياسمين” إلى “ثورة الياسمين”. كنت أحلم بالانتقال من ديمقراطية خاضعة لإرادة “الحاكم” الى ديمقراطية يضمنها الدستور. لكن وجدت أننا يوما بعد يوم نبتعد عن الديمقراطية الحقّة، الى “الاستبداد العادل”.


فبدل أن تقلص مساحة صانعي القرار غير الخاضعين للمساءلة الشعبية، تم تمديدها.


على الرغم من أن المجلس الاجتماعي والاقتصادي لن يتحول الى غرفة ثالثة؛ فانه قد يلعب هذا الدور من خلال تقاريره الاستشرافيّة للحكومة والبرلمان. فالتقارير الاستشرافيّة، قد ترسم خارطة الطريق بالنسبة للمؤسسات المنتخبة. لكن المؤسسات المنتخبة وحدها من سيتحمّل المسؤولية أمام الشعب. فمن دفع ثمن التقنوقرط الذي رأس حكومة 2002 غير الأحزاب السياسية؟ ثم هل المؤسسات المنتخبة في كل الديمقراطيات، تلعب دور المستشار أم هي المسطّر و المنفذ للتعهدات التي قطعتها أمام الشعب؟ كيف تتم محاسبة من لا يملك حرية التصرف؟ كما أن المجلس سيتكفل بتقديم المقترحات التي يراها ناجعة للتكوين المهني والتعليم التقني. لكن هل هناك ضمانات أن المقترحات ستظل مقترحات؛ قد تأخذ بها المؤسسات المنتخبة و د تعرض عنها؟ ثم من سيحاسب المجلس الاجتماعي والاقتصادي إذا ما فشل في المهمة الموكولة له؟ وهل سيغادر أصحابه_إذا هم غادروا_ إلى حساب عسير أم إلى مسؤوليات أخرى بعيدة عن المراقبة الشعبية؟


عندما غادر السي عبد الرحمان اليوسفي عالم السياسة، انطلق إلى العاصمة البلجيكية وقال من هناك بأن الحكومة في المغرب لا تملك إرادتها. لن أكون أكثر تحليلا من رجل خبر السياسة المغربية و دهاليزها حين قال.” إن دولة الحق والقانون لا تطيق مثل هذه الازدواجية التي تتنامى فيها أدوار الأجهزة البعيدة عن المراقبة الشعبية، وتتسع رقعة نفوذها، وتنشأ وتحيا من جديد منابع الزبونية والمحسوبية، ويستعلي نظام الولاءات للأفراد ومصادر النفوذ بدل الخضوع لسلطة القانون.”


لكن في المقابل، أليست هذه الردة السياسية، أمرا مشروعا؟


إن السواد الأعظم من الأحزاب المغربية، باتت بيوتها شبه خالية من المثقفين والمتخصصين في علم الاجتماع والاقتصاد…وبات الريع السياسي ينخر أجسادها. فالتزكيات الخاصة بالبرلمان لا تراعي المصلحة العليا للوطن. و إلا كيف نفسر غياب الحراك الفكري داخل قبة البرلمان؟ فلا المعارضة معارضة ناضجة، و لا الأغلبية تملك خارطة طريق. فالبرلمانيون في الأغلبية، جلهم أرقام في يد صقور الأحزاب. وأية صقور؟؟ فهل سننتظر من مؤسسات منتخبة تضم أصحاب الجاه و المال و الأميين، أن تفكر في الفقراء و سكان البراريك؟ هل سننتظر من الأميين أن يرسموا خارطة الاقتصاد المغربي؟ هل يننتظر منهم الإجابة عن المشاكل الاجتماعية؟


في ظل وجود هذا الفساد السياسي، فلن تنتظر الملكية حتى تصل البلاد إلى ” سكتة قلبية أخرى”. صحيح أن هناك ردة سياسية في المغرب، و أن الغير المنتخبين يتسع نفوذهم؛ لكن على الأقل فهم يمتلكون الوعي الكافي للإجابة عن بعض الأسئلة العالقة. تنكرت الأحزاب للمثقف، لكن الملكية احتضنته.


للوقوف في وجه هذه الردة السياسية “المشروعة” لابد من إعادة المصداقية للعمل السياسي من خلال تخليق العمل السياسي و دمقرطته؛ و إعادة الاعتبار للمثقف داخل الأجهزة الحزبية. فالسياسة كانت بقيمتها عندما كان رجل التعليم يؤمن بها؛ فيربي جيلا كاملا على نبل أهدافها ويشجع على ممارستها.

‫تعليقات الزوار

2
  • السلام
    الإثنين 28 فبراير 2011 - 15:36

    لقد بدأت المقال بنفس عميق، لكن النهاية كانت عند منعرج ضيق، نحتاج إلى فتح آفاق أرحب للتفكير اللائذ بمستقبل الحرية المنشود
    وإلى أن نلقاك في نفس جديد

  • yassir tribak
    الإثنين 28 فبراير 2011 - 15:38

    أحسنت يا أخي في مغازيك. لكن بالنسبة لما قلته إن الدولة احتضنت المثقف، لا أتفق معك. الدولة مثل الأحزاب تمارس حصارا على المثقف النزيه وإن كانت لديها القدرة على استقطاب العديد من المثقفين الذين يجيدون التهليل ب”إنجازات الدولة”. وهم في الحقيقة ليسوا مثقفون وإنما موظفون يتقنون فن الكلام

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات