الديمقراطية المغربية المستحيلة

الديمقراطية المغربية المستحيلة
الأربعاء 17 أكتوبر 2007 - 05:27

عاش آباؤنا الأميون في أغلبهم، عقب الاستقلال، على إيقاع سماع هذه الكلمة السحرية: ” الديمقراطية ” التي لم يكونوا يجهدون أنفسهم في فهم معناها، وجئنا نحن بعد ذلك لنشنف أسماعنا إلى جانبهم، بنغمات نفس الكلمة العجيبة، بل وزيد عليها اسم تعريف هو ” الحسنية ” لتصبح “الدمقراطية الحسنية “.

هكذا ” أبدع ” جنود الحسن الثاني في الاعلام، بشتى تخصصاته، ليجعلوا الناس يبتلعون في هذا المغرب الأقصى، أن الديمقراطية لها اسم محلي يتمثل في ملكهم، وهكذا يكون الإبداع وإلا فلا.

وبطبيعة الحال فقد كان آباؤنا يعرفون، ونحن معهم، أن المسألة كانت مجرد مزحة، حيث لم يكونوا يتصورون مثلا، أن بمقدور احدهم أن ” يُحنزز في وجه مقدم الحومة ” الملحاح بطبيعته كأي عبد ” مؤمن ” بدين اسمه المخزن، في طلب الرشوة لأي غرض كان، ولو سحب شهادة وفاة ويقول له: ” سير ولا غادي نحرش عليك الديمقراطية الحسنية “.

كانوا، ونحن معهم، يستمعون في التلفزيون للزميل مصطفى العلوي، وهو يُكيل لعبارة ” الديمقراطية الحسنية ” الكثير من السجع والمفعول المطلق، وينظرون إلى بعضهم البعض نظرات شقية، ولا ينسون أن يلكزوا أحدنا، نحن معشر المراهقين في مرفقه قائلين ” واعنداك ديرها بصح اوتيق فالمخزن “.

لقد جرت الكثير من المياه تحت الجسر، كما يقول الفرنسيون، لكي يستيقظ عديدون اليوم، من أشد غلاة الإشادة ب ” الديمقراطية الحسنية ” ليقولوا ” بلا حشمة بلا حيا ” إن فترة حكم الحسن الثاني كانت ” سنوات رصاص ” الأكثر من ذلك يصفونها ب ” العهد البائد ” يا سبحان الله.

لنكن صرحاء:  لو لم يحصل هؤلاء المادحون من قبل لـ “الديمقراطية الحسنية ” الشاتمون لها اليوم، باعتبارها كانت ” سنوات رصاص ” على الضوء الأخضر من ” فوق ” لما تجرءوا على كيل كل هذا الذم، لرجل شرس مثل الحسن الثاني، ولو كان في دار البقاء، ويجب أن نفهم من ذلك، أن مهندسي الصورة الاعتبارية لما سُمي ب ” العهد الجديد ” قد رأوا في فترة ” حاسمة ” من انتقال الحكم بين الحسن الثاني ومحمد السادس، أن هذا الأخير سيربح كثيرا بجعل مسافة  ” معنوية ” بينه وبين سلفه،  سيما أن الحي أحق من الميت بمنافع الدنيا،  وكذلك كان.

هكذا ” تفرج ” بعض من عتاة خدام ” العهد القديم ” مثل وزير الدولة القوي في الداخلية الراحل إدريس البصري والكوميسير عرشان و ” حجاج ” الكاب 1 والديستي،  وهم مشدوهون، على مشاهد الحظوة التي أصبحت ” من سعد ” أناس كانوا حتى بضع سنوات خلت، من ألذ أعداء النظام المخزني، من مثل إدريس بنزكري ولطيفة جبابدي وعبد القادر الشاوي وصلاح الوديع وغيرهم وغيرهن، بل هناك مَن ذهب إلى حد القول بأن من ذكرناهم، وغيرهم من نفس الطينة، يتوفرون على الرقم الهاتفي الخاص للملك محمد السادس، ليُهاتفوه بدون حجب، وبطبيعة الحال” ما فهم عرشان أوصحابو حتى زفتة “.

لم يفهموا، مثلا، أن النظام المخزني، لن يقف عند أي حد منظور، من أجل تزويد آلته الضخمة بأسباب الاستمرار، يفعل ذلك وعينه على الخارج، أما الداخل فكان دائما ” خضرة  فوق طعام ” وإليكم أمثلة من مغرب الأمس، فلولا احتماء الصدر الأعظم في بلاط السلطان عبد العزيز المهدي المنبهي بالعرش الانجليزي ( كان حاصلا على الجنسية البريطانية ) عقب عزله ومطاردته من طرف السلطان عبد العزيز، لما كُتب له أن يعيش آخر أيامه حتى يموت في فراشه، ومن زمننا الجديد، فإنه لولا تدخل الرئيس الفرنسي السابق شيراك شخصيا ( وبالتأكيد لم يفعل ذلك لوجه الله ) لدى محمد السادس، لَمَا كان الصدر الأعظم في بلاط الحسن الثاني، ونعني به البصري، قد حصل على جواز سفره، وبالتالي أوراق إقامته، أو بالتحديد نجاته من المخزن الجديد، الذي كان يريد ازدراده.

 إن حلفاء الأمس، بالنسبة للمخزن، هم في الحقيقة مشاريع أعداء الغد، وعلى هذا الأساس ينسج علاقاته، وتحالفاته، وبطبيعة الحال، فإن المستفيدين من حظوة دفء بيت وفراش المخزن، يعرفون بالسليقة أنهم مجرد أوراق كلينيكس في يديه سيرميهم حينما ” يتكمشون “، لذلك فهم يغنمون ما استطاعوا، قبل فوات الأوان، هكذا فعل رجال كانوا أقوياء في بلاط الحسن الثاني أمثال البصري، ورضا كَديرة والعفورة والزاهيدي وأحمد السنوسي وغيرهم، فعلوا ذلك بشراهة، وهاهم اليوم، أو بالأحرى مَن بقي منهم على قيد الحياة، أو أفلتوا من الآلة ” الرجوعية ” للمخزن يلوكون في سأم، ما غنموه من خزائن هذا الشعب ” لي مقلوبة عيه القفة”.

وبما أن هذا الأخير – الشعب أقصد – يُفضل أن يظل لا مباليا، ينظر ويستمع بكثير من الحذر إلى كل الخطابات التي توجه له، بدءا ب ” الديمقراطية الحسنية ” و ” العهد الجديد ” و ” الإنصاف والمصالحة ” و ” المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ” وغيرها، فإنه لا شيء سيترسخ في وعيه غير الممارسات الثقيلة التي مرت على ظهره، وتقبلها صابرا محتسبا أجرها عند الله، وأخرى بشعة رآها أو سمع بها، ولم يقل أو يفعل شيئا. ممارسات من قبيل ” تربيته ” على قبض ثمن صوته الانتخابي عدا نقدا، ولو بضع دريهمات لا تسمن ولا تغني من جوع ” المهم عضة فظهر الفكرون…” كما يقول العامة بينهم. لذلك فإنه خلال يوم اقتراع سابع شتنبر الماضي، ارتاع بعض القواد والباشوات من قلة المقبلين على صناديق الاقتراع، فكان أن همسوا في آذان المرشحين الفاسدين: ” اعطيوهوم لفلوس المهم إيجيو يصوتو “.

إن الجميع يسلم، سرا أو علانية ( كلها وإيمانو ) أن الوضعية المغربية مقلقة، لكن في نفس الوقت، هم متأكدون أنه لا شيء سيقع بما يهدد طاولة لعب ” الروندة ” أو ” التوتي ” والدليل أن المصوتين المغاربة، وإن على قلتهم صوتوا لصالح  الأحزاب الأربعة الأكثر محافظة، وماذا بعد؟.. الرافضون؟ إنهم ينتظرون أحزابا أخرى أكثر محافظة ليناموا أحسن أو يعلقوا مؤخرة المخزن.  

‫تعليقات الزوار

1
  • hafid
    الثلاثاء 19 يوليوز 2011 - 19:20

    من مقالات اصحاب التوتي (المدبوحة تصحك على المسلوخة) الطاعون داء ويتنقل عن طريق الجردان اما استاصال الداء يعني البحت على الدواء

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين