حكومة ثابتة وشعب متحول

حكومة ثابتة وشعب متحول
السبت 23 يناير 2016 - 10:55

لا شيء تغير في حال العباد والبلاد؟ أعتذر منك عزيزي القارئ على هذا السطر الغبي، نسيت أنك متيقن أنه لم يتغير شيء في حالك وأن في معاشك شواهد كافية لتأليف حلقة ثقافية كاملة، لنغير السؤال إذاً؛ هل تريد دليلا إضافيا على أن الوضع المغربي لم يتغير وأننا بلد عاشق للعيش في الحلقة المفرغة التي ربما كانت تمنحه شعورا بالأمان والاستقرار مصداقا لأقوال خلدت وخمدت ك “اللي تعرفو أحسن من اللي ماتعرفوش؛ ما دير خير ما يطرا باس؛ ووو”؟

لن أتعبك في البحث عن إجابة فالمطلوب منك هو الرجوع إلى جرائد السبعينيات والثمانينيات لتكتشف بنفسك معالجة نفس القضايا التي نعاني منها الآن بنفس مقاييسها وتفاصيلها، بدءا بعلاقة الدين بالحكم حتى تصل إلى التحرش في النقل العمومي، فربما ستكتئب أو تفقد رغبتك في الحياة أو تهاجر إلى وطن ليس به أرشيف جرائد، المطلوب فقط هو الرجوع إلى فترة السبعينات وقراءة جرائدها وأعدك بأن شعورك بالغربة غير مطروح بسبب وجودك وتواجدك مع نفس القيادات المألوفة يمينا ويسارا وفنا وثقافة، وحدهم لاعبو المنتخب هو الذين اعتزلوا، لكن يُشكر لغيرهم من الرياضيين وعيني باردة عليهم لايزال عطاؤهم مستمرا في جميع الميادين، وهو عطاء لن أذكرك بنتائجه فأنت تتجرعه و”تتكرعه” هنيئا مريئا.

عد إلى جريدة قديمة وأراهنك أنه بالرغم من قلة جودة الورق وتصميم إخراجها وتنقيط حروفها القديمة سينتابك شعور وكأنك بصدد قراءة جرائد هذه الأيام من دون مبالغة، ستجد عناوين الصفحة الأولى بحروف كبيرة وعريضة بعضها ذي لون أحمر قاني تتحدث عن مخاطر حركة العدل والإحسان والتوحيد والإصلاح والسلفية الجهادية التكفيرية على الديمقراطية وتهديدهم للسلم الاجتماعي وتجميدهم للحياة السياسية بهدف تقعيدهم على الحكم باستخدام لعبة الديمقراطية التي يكفرون بها أكثر مما يؤمنون بها، وسجالات سياسية حد المعارك بين صحافيين مرحبين بالحركات ذات مرجعية فقهية مذهبية كقوى وأحزاب سياسية لا يمكن تهميشها وبين صحافيين يذكرون المواطنين بأن هذه الحركات قوى غير مرخص لها ولا مرحب بها ويطالبون بالحذر من المنتمين والمتعاطفين معها، ومعارك وحوارات وندوات ومناظرات فكرية حول مدى صلاحية شعاراتهم بتطبيق الشريعة على الواقع، وتحليلات سياسية حول أثر استغلال المخزن واحتكار أحزابه الإدارية بكل ما مثله ويمثله من فساد الذمم والهمم والسلطة، مما أدى لإضعاف المعارضة السياسية وصعود التيار الفقهي المذهبي الذي يتخذ التدين مرجعية له، وهذا بالضبط ما نعاينه ونعايشه في هذه الأيام لدرجة قد تصل في بعض الأحيان حد التطابق دون نقص أو زيادة من الشخص ومصدر النص متسائلا مثلي: كيف لوطن لم يأخذ العبرة من دروسه الراهنة أن يحتَكم ويُحَكِمَ دروسه الماضية، وكيف الوثوق في دولة مرتبكة إزاء هذا الصعود الإسلاموي والذي تحاربه أمنيا لكنها للأسف تطبع معه فكريا، بينما تمت مواجهة هذا الصعود سابقا بنفس الملابسات والمؤشرات حتى وقت قريب.

نحن نعلم أن الدولة واجهت مرارا وجابهت تكرارا الصعوبات والأزمات وكان الفشل من نصيبها ضارا ومدرارا، لكن هذه المرة الأمر مختلف تماما حد الاستفزاز والاستشاطة غضبا بأسئلة مثيرة ومحيرة بالرغم من تفاهتها لكنها ذات أهمية ومن بينها: هل يجوز الثقة في قوة ناعمة ونخبة سياسية تربت على الطاعة والموالاة للمخزن أو تمت صناعتها تحت أعين الدولة حتى ارتقت لأمكنة لم ولن يخطر ببالها الوصول لها ولو في الأحلام؟ هل يعقل اتهام الأحزاب لبعضها البعض في الانتخابات بالتزوير واستعمال القوة واستخدام المال السياسي لشراء أصوات الناخبين؟ ومن المخول بالبحث في تمويل الداخلي والخارجي للأحزاب وكم عدد المنخرطين في هذه الأحزاب؟ وأسئلة شائكة وشاكة أخرى لا يتسع المجال هنا لطرحها، المصيبة إذا كان المسؤول في الدولة يصدق هذا الهراء والمصيبة أعظم إذا كان غير واثق ولا مصدق، وأظن أن الحال لن يتغير في القريب العاجل لذلك لن أعيد وأزيد فيما سبق لنا أن كررنا فيه فما الجدوى من الوجود إذن؟ وأين هو القول بالفكر التنويري والتجديدي بل الأخطر أين هو الفكر أصلا.

وما الذي سيقع لو اعترفت الدولة بالحركات المتأسلفة الإسلاموية كقوى وأحزاب وأخرجتها من ضوء العلامات الفقهية والشعارات المذهبية إلى ظلمة الواقع للتورط معنا فيه، كما في الأردن والكويت ولبنان التي توجد بها حركات مختلفة المشارب والتجارب دون ادعاء لصدارة أو زعم لريادة كما يدعي حزب الحكومة عندنا، لكنها حلت معضلة التيارات الإسلاموية التي مازالت الدولة تكررها منذ السبعينات، حيث العفو والترخيص بخروج الإسلامويين من تحت الأرض ضمن ضوابط قانونية، فأيقن المواطنون أن الإسلامويين ليسوا بملائكة بل هم بشر يخطئ كثيرا ويصيب قليلا وأن فهمهم لتطبيق الإسلام هو المشكلة، بدليل أنهم هم أنفسهم لم يقدموا إسلاما واحدا بل قدموا فهما مختلفا واجتهادا متغيرا للإسلام بعضه صائب وخير وبعضه خاطئ مدمر.

لكن المشكلة في بلادي أن المسؤول يغير كذابا بأكذب منه ومنافقا بمنافق ويفضل فقط رؤية الصورة الجميلة لنفسه ولسياسته في مرآة الحقيقة المهشمة، ولذلك ستقرأ مقالا منشورا في سنة 2030 الكلمات نفسها التي تقرأها بين يديك والذي قد يكون بعضكم قرأه في 1980.

وأختم بالقول، أنه من المعلوم بالضرورة في الحياة الوجودية عند قيامك بتعيين أو ترسيم زيد أو عمرو للعمل تحت إمرتك بهدف تحقيق غاياتك وأهدافك ثم تبين لك فشله في تحقيق الأهداف المسطر والمخطط لها سلفا، فإن مصلحتك تقضي بإقالته والتنقيب يحقق لك أهدافك. كما هو معلوم بالضرورة في الحياة الوجودية أنه إذا كان ديدنك اختيار الفاشلين في تحقيق الأهداف وتحقيق النتائج العكسية والمعاكسة للأهداف فالمشكلة ليست في الفشلة بل المشكلة في درجة الإضاءة التي تختار مسؤوليك في ظلها.

الإنسانية هي الحل

‫تعليقات الزوار

2
  • نسيبة
    السبت 23 يناير 2016 - 12:31

    كفانا بكاءا وكدبا هناك تغيير ملموس .المشكل ان هناك أناس ليس لديهم وطنيه همهم الوحيد المصالح الشخصية °°°°

  • سعاد
    الإثنين 25 يناير 2016 - 16:16

    مقالة جميلة خصوصا التشبيهات هههههه، أحيي الكاتب حمدي هشام "جارنا" في طريقته الشبه الكاريكاتورية الساخرة في تحليل المواضيع، هاذ المقطع هو الأخطر بالنسبة ليا(لتكتشف بنفسك معالجة نفس القضايا التي نعاني منها الآن بنفس مقاييسها وتفاصيلها، بدءا بعلاقة الدين بالحكم حتى تصل إلى التحرش في النقل العمومي، فربما ستكتئب أو تفقد رغبتك في الحياة أو تهاجر إلى وطن ليس به أرشيف جرائد، المطلوب فقط هو الرجوع إلى فترة السبعينات وقراءة جرائدها وأعدك بأن شعورك بالغربة غير مطروح بسبب وجودك وتواجدك مع نفس القيادات المألوفة يمينا ويسارا وفنا وثقافة، وحدهم لاعبو المنتخب هو الذين اعتزلوا، لكن يُشكر لغيرهم من الرياضيين وعيني باردة عليهم لايزال عطاؤهم مستمرا في جميع الميادين، وهو عطاء لن أذكرك بنتائجه فأنت تتجرعه و"تتكرعه" هنيئا مريئا)
    معجبة بكتاباتك أيها الكاتب الصموت هشام حمدي

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة