الحجاج والمواطنة

الحجاج والمواطنة
الإثنين 1 فبراير 2016 - 16:30

من المعرفة الأكاديمية إلى ترسيخ القيم الديمقراطية

هل يمكن أن نسند صفة المواطنة لأفراد يجهلون المعرفة بالحجاج؟ أليس تطوير المعرفة بالحجاج ينسجم مع المجتمعات التي تؤمن بالتعددية و حق الاختلاف ؟ أليس الحجاج وسيلة لتطوير ” معرفة الكينونة” التي تنسجم مع مبادئ المواطنة الديمقراطية ؟ أليس الحجاج أحكم أداة لحل النزاعات ؟ وكيف نسهم في إعداد أفراد يقبلون السلوك الديمقراطي و يؤمنون بالتعددية و حق الاختلاف و ينبذون العنف ؟ هل أعددنا زادا كافيا لجعل الفرد ” فاعلا اجتماعيا “؟ هل طورنا فيه آليات ” الحوار الاختلافي” ؟ أسئلة تطرح من خلال كتاب د. لحسن التوبي: “الحجاج و المواطنة من المعرفة الأكاديمية إلى ترسيخ القيم الديمقراطية” يربط فيه بين معرفة الحجاج و ترسيخ المواطنة الديمقراطية.

المقاربات الحجاجية:

يتناول الكتاب مجموعة من المقاربات الحجاجية العربية الإسلامية التي أصلها علم الأصول في مستوياته الثلاثة ( التدليل و التبيين و ” الآداب المشتركة”)، فباكتساب آليات الحجاج تبدد شقة الخلاف، و يرى أن بلاغة الأسلوب قد رجحت على بلاغة الحجاج.

و يرصد المسار التطوري لبلاغة الحجاج في الفكر الغربي مبرزا الفرق بين البلاغة القديمة مع أرسطو و البلاغة الجديدة مع برلمان، كما يطرح المقاربة “اللسانية الحجاجية” مع ديكرو المسماة ب” التداوليات المدمجة” و المقاربة “المنطقية الخطابية” مع كرايز حيث الحجاج نشاط يستهدف التدخل في اعتقادات و خيارات المخاطبين، و المقاربة الاستعمالية مع تولمين من خلال ” الخطاطة الحجاجية”، و يختم الكتاب بالموضوع الذي سنقف عنده و هو اكتساب الحجاج و تعلمه و الأطر المرجعية التي تبحث في القدرة الحجاجية عند المتعلم و طرق إنمائها و الفائدة التربوية المرجوة منها، ثم السبل الكفيلة التي تجعل المتعلم يتشبع بالقيم الديمقراطية والتربية على المواطنة لتمنحه الوعي بدوره الفاعل في حياته العامة أو السياسية.

تدريس الحجاج:

إن تدريس الحجاج أهم أداة تربوية لتعليم قيم التسامح و حق الاختلاف في مراحل مبكرة، حيث يوضع التلميذ في وضعيات نزاعية ذات وظيفة تربوية، الغاية منها إكسابه آليات تعليل المواقف و طرق الاعتراض دون المس بشخصية الآخر، ثم طرح الحجج المضادة لجعله يعدل عن موقفه.
هكذا نعلم التلميذ قواعد الحجاج على المستوى اللغوي و المنطقي و التأدبي، و نطور قدراته الحجاجية التي تظهر مبكرا، معتمدين على دراسات الخطاب الحجاجي المتنوعة.

رغم اختلاف التبريرات تاريخيا بين المجتمعات في تدريس الحجاج، فإن الاحتياج إليه اليوم ضرورة لتنامي الإقصاء و العنف، فما عدة أنظمتنا التربوية لإكساب التلميذ سلوكا ديمقراطيا يقبل التعددية و الاختلاف و جعله فاعلا في الحياة العامة ؟

إن نظامنا التربوي يجب أن يطرح الآراء البشرية بمنطق النسبية و أن الميزان الحقيقي هو القوة الحجاجية لها، هذا المنطق يفرضه اليوم إلغاء الحدود و الفواصل في عالم التواصل، فالحجاج هو الآلية المعول عليها في تسويق السلع و الأفكار عوض آلية الإغواء.

في الثمانينات ارتبطت أهمية الحجاج بأزمة النظم التعليمية، و اعتبر من ” مهارات التفكير”، و في فرنسا ارتبط بأزمة الأنظمة التواصلية و تجاوز البلاغة الأسلوبية خاصة مع برلمان.

و أصبح الاهتمام في الأبحاث التعليمية الديداكتيكية بنقل المعرفة الأكاديمية التخصصية إلى الأوساط التربوية لتمنح معرفة أفضل للتلميذ، فلا يمكن الحديث عن قدرته الحجاجية دون الحديث عن تعليمه و تعلمه، و السؤال هو كيف سننقل من المعارف الأكاديمية إلى تعليمية حجاجية ؟ و كيف سنهيئ الوضعيات التعلمية لتطوير هذه القدرة ؟

من المعلوم أن أي مشروع تربوي يجب أن يتفاعل مع محيطه الاقتصادي و السياسي و الاجتماعي لإعداد فرد مندمج ، ممنهج، متشبع بالقيم الديمقراطية، يستطيع أن يشارك في صنع ” الرأي السياسي” و أن يتصالح مع واقعه، ف” الحياة المدرسية ” لها دور أساسي في تجاوز الإحساس بالعجز و الجهل بأبسط قواعد ” جودة الحياة”.

إن متخيلنا ” الديمقراطي”، يتسم ب”الهشاشة”، حسب إدغار موران، لأنه يتغذى من الصراعات التي قد تكون سببا في القضاء عليه، فالتعددية و الاختلاف يتجسدان في نمطين: الأول يؤدي إلى العنف المادي و إقصاء الآخر، و الثاني ” تدافع تعاوني”أو ” نزاع تعاوني” يغلب فيه الحوار و تدبير الاختلاف و المؤسساتية التربوية، و في هذا النمط يتم الاعتماد على الحجاج، فديمقراطية أي نظام تقاس بمدى إعطاء الفرصة للآراء كي تعبر عن وجودها.

المدرسة مؤسسة حجاجية:

إن المدرسة مؤسسة اجتماعية مطالبة بترسيخ ثقافة المواطنة و مناهضة ثقافة العنف، و لا يتم ذلك بمعارف جاهزة بل لابد من تنمية المواقف و السلوكات، حيث تصبح المدرسة مختبرا للحياة الديمقراطية من خلال ” الحياة المدرسية “.

و فرق بين المواطنة و التربية الوطنية التي تحصر الفرد في علاقته بوطنه، فالمواطنة معارف شاملة، مهارات للتحليل و تمييز الوقائع عن الآراء الشخصية، و قراءة للجداول البيانية، إضافة إلى التعددية و القبول بالغير و الحرية و المساواة.

إن محتويات التربية على المواطنة يقوم على معارف حول حاضر المجتمعات و ماضيها، و على معرفة قواعد الحياة الجماعية و صيغ حل النزاعات، ثم التربية السياسية على المؤسسات و كيفية اشتغالها.

إن الحياة المدرسية يحيل على كل ما يجري داخل المدرسة خاصة الفصل الذي يشمل كل مكوناتها من فاعلين و سلوكيات و توجيهات مدرسية و قوانين داخلية و أنشطة صفية و برنامج دراسي.

إذا كانت المواطنة تقوم على تحقيق الكفاية التواصلية في وضعيات مختلفة، فإنها رهينة بلغة التواصل و نظام من العلامات المرتبط بشمولية الثقافة، و عدم إتقان اللغة الرسمية هو مس بالمواطنة، و ينعكس على سلبية المواطن و مشاركته السياسية، فكيف يمكن الحديث عن المواطنة وسط الأمية ؟ و كيف يمكن الحديث عن حرية التعبير أو الانتباه إلى المضمر في الرسائل السياسية في مجتمع لا يقرأ ؟.

أما بعد:

ـ أثبتت الدراسات تاريخيا العلاقة بين حرية التعبير و بين طبيعة الثقافة التعليمية في المؤسسات التربوية التي تشجع على المبادرات الكلامية بكل حرية.

ـ إن تاريخ البلاغة لا يمكن فصله عن التاريخ السياسي، و التأثير السياسي يستدعي خطابا بلاغيا، و العلاقة بينهما اليوم شرط للحياة الديمقراطية، و نجاح المؤسسات يقتضي الرهان على المنظومة التربوية بإرساء ثقافة المواطنة الفاعلة.

ـ جعل علماء أصول الفقه تعلم الحجاج فرض كفاية و اعتبروه آلية لتبديد الاختلاف بين الأحكام المختلفة.

ـ الرهان اليوم هو ترسيخ ” معرفة ثقافية ” خاصة بالمواطنة و حقوق الإنسان، نستطيع من خلالها تجاوز أزمتنا في تدبير خلافاتنا و نسلم من تهديد تماسكنا المجتمعي.

ـ الإصلاح السياسي رهين بتنشئة تربوية، أي إقامة مشروع خاص بالتربية على المواطنة أو “التربية المدنية” حسب النماذج التشاركية أو المعرفية النمائية أو نظرية التمثلات.

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 1

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 2

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 3

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات

صوت وصورة
الفهم عن الله | إصلاح العيوب
الخميس 28 مارس 2024 - 18:00

الفهم عن الله | إصلاح العيوب

صوت وصورة
وزير النقل وامتحان السياقة
الخميس 28 مارس 2024 - 16:02 6

وزير النقل وامتحان السياقة