أطباء أم أعداء؟

أطباء أم أعداء؟
الإثنين 6 يونيو 2016 - 01:06

يحز في القلب كل نظرة التشاؤم هذه التي تملأ نفوس وكيان المغاربة في نظرتهم للصحة العمومية، التي ما فتأت تغرق في الوحل يوم بعد أخر. يحز في النفس كل هذا الشجن والاحتقان الذي ترميك به عيون المرضى بمجرد ولوجها فضاء الدماء الأحمر هذا، أو “باطوار الكزارة” كما تستحضره المخيلة الشعبية للمغاربة. يحز في القلب كل هذا العنف والمشاحنات التي لا يمر يوم دون أن نسمع عن تهشيم أنف طبيب أو ممرض، أو تخريب مستوصف أو قاعة فحص، من طرف مريض أو أقرباءه لم ترقى ظروف المستشفى أو المستعجلات العمومية لتنال إعجابهم ورضاهم! يحز في النفس أن الذين تنتظر منهم أن يكونوا رمزا وقدوة للنشءِ، ممن يتشاركون معك مهنة الطبِّ، يعيثون في الأرض فسادًا وارتشاءً! يحز في القلب فقدان الثقة هذا بين المريض والطبيب، التي هي أساس كل عمل صحي ناجح؟ يحز في النفس أن الطبيب المغربي لأسباب ذاتية وأخرى خارجية لا يرقى لمستوى تطلعات المواطن المغربي! يحزنك أيضا أن المواطن نفسه يعاني ويلاتِ سياساتٍ تربويةٍ، صحيةٍ واقتصاديةٍ فاشلة تلقي بظلالها على العمل الصحي! تكفيك كل تلك الصدماتِ واللكماتِ التي ترِدُ كردودِ أفعالٍ حول خبرٍ صُحفيٍ يتناول خطأ طبيًا، أو توقيف طبيب عن المزاولة مؤقتا أو نهائياً، تتعالى بعدها التعاليق والتهليلات أنه ليس في القنافذ أملسُ، وكلهم عابدوا درهمٍ للثروات يُكدسُ، حبذا لو استبدلناهم بما هو أحسنُ، يخيم على ذاتك حينها سؤال أثقلُ، في هذا الوطن، هل نحن أطباء أم أعداءُ؟

هل نحن أطباء ؟ سؤال وجب طرحه على ذواتنا أولا، هل نحن في هذا البلد على قدر ما تحمله هذه المهنة من ثقل ومسؤولية عظيمة ؟

الطبيب في اللغة هو الذي يقوم بفعل التطبيب، وهو من التطبب في ما معناه مداواة المريض ومعالجته، وهو اسم من أسماء الله الحسنى الدال على عظمة وثقل هذا الفعل، ويدل أيضا على الثبوت والنصح والوعظ. وهي مهنة مقرونة بالفعل الإنساني والنبل ومكارم الأخلاق التي يجب أن تتجسد في الذي يمارسها. وتحتل المعاملة الحسنة إلى جانب الكفاءة دورا مهما وفعالا في الطب، وهي كالسارية التي تستند عليها أشرعة فعل الرعاية الصحية الناجح (استشارة، استشفاء)، علوها، ثباتها وارتكازها ينعكس على مجاراة المريض لمحنة المرض وطلب الشفاء. فالمريض في حالة الضعف هذه، يحتاج إلى من يستشعر أحاسيسه وينصت إلى آهاته، ويطمئنه على حالته، وخطورة مرضه، وإمكانية شفاءه ..، وغيرها من الأمور التي تندرج في إطار فنون المعاملة والتواصل. إتقان هذه الفنون يعد اتقانا للمهنة، وهو مرتبط أساسا بشخصية الطبيب وتكوينه وقدراته.

إشكالية العلاقة بين المريض والطبيب هو التوازن الذي يجب أن تنبني عليه بين الموضوعية والذاتية. إيجاد حالة التوازن هذه مع كل مريض حسب مستواه الفكري والمعرفي وخلفيته الاجتماعية على حدة ليس بالأمر السهل. فالإفراط في أحدهما يضر بالثقة بينهما (الطبيب والمريض). الإفراط في الموضوعية يولد علاقة عمودية فوقية يأمر فيها الطبيب ـ مغلقا على ذاته ـ وما على المريض سوى التنفيذ، وغالبا ما يجابه المريض هذا المعاملة بعدم الاستحسان والنفور واتخاذ حكم سلبي اتجاه الطبيب. أما الإفراط في الذاتية فيفقد للمعالج دوره ويلغي أهمية رأيه وتوجيهاته على حساب حالة المريض المرضية والنفسية والاجتماعية، مما يُنتِج خللاً في العلاقة بينهما. الأفضل والأجدر إيجاد حالة التوازن بين هذين الاثنين، بين الإنصات وإدماج المريض بإمعان وتأني، واتخاذ الطبيب للقرارات اللازمة في مصلحة المريض والتوافق معه على الالتزام والعمل بها، بما يكفل مرور فعل الرعاية الصحية بنجاح، مع التأكيد أن نجاح هذه الفعل مرهون أيضا بعوامل أخرى تتجلى في العوامل المادية والتقنية أساسا. فما موضع الطبيب المغربي من كل هذا ؟

الأكيد أن الطبيب المغربي لا يعد إنسانا كاملا، وهو نتاج منظومة تكوينية معينة لها ما لها وعليها ما عليها، لكي نحسم في موضوع الكفاءة تلزمنا دراسات خاصة، ما يهمنا في موضوعنا هو الجانب التواصلي للطبيب المغربي، في ظل غياب دراسات رسمية تؤطر الموضوع، فالملاحظ والمستشف من الممارسة أن فئة كبيرة من الأطباء تعاني نقصا في المهارات التواصلية والمعاملة الحسنة خاصة في الجانب التطبيقي، وقد يرجع ذلك لأسباب ذاتية أو خارجية نذكر بعضا منها:

ـ فشل المنظومة الصحية، وهو إشكال متشابك أكبر وأعقد، يلقي بظلاله على الممارسة الطبية، في خضم عدم أولوية القطاع ( 6% من الناتج الداخلي مقارنة بـ 12 % معيار منظمة الصحة العالمية) التي تظهر أثارها في هزالة الموارد البشرية ، فالمغرب يتوفر على 17 ألف طبيب ل 34 مليون مواطن، نصفهم في القطاع الخاص، بمعدل طبيب لكل 1600 نسمة، رقم بعيد كل البعد عن المعايير الدولية. إضافة إلى مشاكل الموارد التقنية واللوجيستكية والدوائية داخل القطاع العام التي افردها تقرير المجلس الوطني والاقتصادي والبيئي لسنة 2013. كل هذه الإشكالات تدفع بالطبيب في القطاع العام إلى الاهتمام بمحاولة حل كل هذه التعقيدات التقنية والإدارية والدوائية أثناء فعل الرعاية الصحية، مهملا جانب التواصل والمعاملة الحسنة، ما يؤثر على تقييم المريض ورضاه.

ـ يعاني التكوين الطبي من نقص حاد في مجال تدريس مهارات التواصل والمعاملة الحسنة وتطبيقها. معضلة حقيقية يتخبط فيها الأطباء المتدربون حال اصطدامهم بالواقع الحقيقي للمستشفيات العمومية ويستمر أثرها طوال المسار المهني سواء انتهت به مجريات الأمور في القطاع العام أو الخاص، اللهم بعض الاجتهادات الشخصية من اجل التطور وتقديم خدمة أفضل. وقد أشار تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول الصحة سنة 2013 أن التكوين الطبي بالمغرب غير ملائم لطبيعة المجتمع المغربي وانتظاراته لذلك وجب تعديله وضبطه لخصائص وطبيعة الواقع الصحي في البلد.

ـ الواقع المتردي للوضعية المادية والمعنوية للطبيب داخل القطاع العام، عبر غياب العدالة المادية في الموازاة بين الأجر وسنوات الدراسة وطبيعة العمل وظروفه، وعدم احترام مسطرة الأجور، والسياسة التشهيرية الشعبوية، وتحميله مسؤولية الفشل الصحي، وغياب التشجيع والتحفيز المعنوي خاصة فيما يخص المناطق النائية . اجتماع هذه الضغوطات المادية والمعنوية يولد فيه حالة احتقان وسخط تجاه المنظومة ككل، يحدث أن يؤدي ثمنه المريض الذي لا ذنب له.

ـ شخصية الطبيب وطبعه خاصة إذا كان ذا شخصية نرجسية أنانية، منغلقة على ذاتها، ومتعالية على محيطها الاجتماعي.

هل نحن أعداء ؟ أو ما الذي يقف وراء تردي الصورة ونمطيتها ؟

الأكيد أننا نعيش حالة سخط شعبي تجاه المؤسسات الصحية عموما، وتجاه الجسم الطبي والتمريضي خصوصا، وهو ما يترجمه ازدياد حالات الاعتداءات، والتي تعرفها مصالح المستعجلات بالأخص، في ظل غياب إحصائيات وطنية، وحالات النفور من المستشفى العمومي، والأكيد أن لهذه الظاهرة أسباباً، تضاف إلى التي تطرقنا إليها قِبلاُ، ومنها:

ـ التباين بين القطاع الخاص والعام:

القطاع الخاص يعرف نمو هائلا في ظل سياسة الخوصصة الصحية، التي قلبت واقع المستشفيات العمومية رأسا على عقب، وأردمت ما تبقى من جدرانه العتيقة. تنافسية القطاع الخاص غيرت للأسف من نوع فعل الرعاية الصحية من فعل إنساني غير ربحي، إلى فعل تجاري محض، ـ وهذه ظاهرة موجودة ويستشعر مرارتها المريض وأقرباءه ــ ما يترجم بإعطاء أهمية اكبر للمريض ومحفظة نقوده، وتتجسد معها صورة متناقضة بين طبيب القطاع الخاص والعام، فالأول تتوفر له الإمكانيات اللازمة ويقوم بمجهود أكبر في إطار خدمة المريض ورضاه عكس الثاني، وهو ما ينتهي باتخاذ المواطن لموقفه السلبي هذا.

ـ الممارسات اللأخلاقية والتملص من المسؤولية :

قطاع الصحة أحد اكبر القطاعات العمومية غرقا في ظاهرة الرشوة والاتجار في صحة المرضى، وهذه أمور أكدها التقرير الذي اشرنا إليه أعلاه ولا داعي لإنكارها، يوازيها بعض التصرفات اللاخلاقية والتي لا تمس لقيم المهنة بصلة منها التملص من مسؤولية العمل بالنسبة للمتعاقدين مع القطاع العام، خاصة داخل أوقات العمل بدواعي مرضية مزيفة من اجل التهرب إلى القطاع الخاص. كلها أمور أثرت ومازالت تؤثر بشكل كبير على صورة الطبيب في المغرب، وجب الحد معها بسياسات ناجعة وتحفيزات أهم للقطاع العام.

نوعية المريض المغربي وخصوصيته:

وكما أن للطبيب واجبات تجاه المريض، فان لهذا الأخير أيضا واجبات تجاه الطبيب والمستشفى. في ظل مجتمع ما زالت تنخره نسب الأمية المرتفعة ( 10 مليون مغربي حسب مديرية التخطيط 2015)، ناهيك عن الثقافة والتربية الصحية التي تكاد تنعدم، ولأن المرض يتناسب اضطرابا في البلدان النامية مع المستوى الاجتماعي، ولأن المستشفى العمومي مستشفى الفقراء والمنعدمين، كل هذا يجعل من تقديم الخدمة الصحية بشروطها العلمية مهمة صعبة تحتاج جهدا وابتكارا لطرق تواصل وتبادل أفضل.

اغلب الدراسات التي تطرقت لظاهرة العنف الإستشفائي، ترجع أسبابه إلى المريض وأقربائه خصوصا، فنجد أن اغلبها يقع انطلاقا من عدم استحمال الانتظار، وكلنا كمواطنين مغاربة لدينا عقدة مع الانتظار في المؤسسات العمومية، وما أدراك إن كان في حالة المرض والخوف من تردي الحالة. إضافة إلى التدخل في اختصاص الطبيب وطلب إجراءات صحية وأدوية لا تدخل في نطاق نوع المرض (دير لي سكانير، عطيني دوا فلاني … )، وانتظار الشفاء التام من بعض الأمراض العضال وتحميل مسؤولية انعدام الشفاء للطبيب. تتعالى معها حدة الأصوات بين الطرفين وتتجه نحو المواجهة والعنف اللفظي والبدني.

الواضح أن نوعية الأسباب هذه تظهر انه بالإمكان تجاوزها ببساطة إن تم التواصل بشكل أفضل، وان تم إعداد الإنسان في كيفية تعامله مع المستشفى والمؤسسات الصحية، وان تم تلقينه أسس الوقاية والتعامل مع المرض، وان تم إعداده في إطار سياسية تربوية صحية ناجحة. وتم تقليص فترات الانتظار التي تستلزم موارد بشرية أكثر.

كما أن الطبيب المغربي أمام حاجة ملحة ليخرج من قوقعته، لكي يكسر هذا البعد بينه وبين المواطن، أصبح لزاما أن يقترب من اهتماماته وهواجسه، وأن يلعب دورا فعالا بصيغة أفضل وأكبر عبر ممارسة الفعل السياسي والاجتماعي والتربوي داخل المجتمع ، في انتظار حلول أنجع لمنظومة صحية تتخبط، إن كان مقدرا لها أن تتحسن.

في الأخير، اعلم سيدي المواطن، أنك حين تتهمني بعدم الإحساس واللامبالاة، ما وددت لك أن تعرف أبشع الأحاسيس تلك، حين تنفلت روح مريض إلى بارئها بين يدي، لأنه لم يعد في قدرتي ما أفعل، أو لأن دواء معين لا يوجد، أو أن جهاز إنقاذ قد تعطل، أو أن خطأ مني قد صدر، عذرا فأنا إنسان قد أخطئ، صدقني ما ووددت لك أن تعرف إحساس العدم ذاك. اعلم أخي، أن لاشيء افجع من نظرات ترمقني بها حين العوز وعدم المقدرة، أو حين تبكي فلذة كبد ينخرها المرض أمام ناظريك. قبل أن تتهمني بـ”البرودة” اعلم أني فقدت الكثير من ذاتي فقط لكي أساير متطلبات هذا الوضع. تذكر أنني جزء صغير من منظومة تكبرني وتكبرك.

تذكر أني أخر شخص تحتاج رؤيته في حياتك، وإن حدث لأنه يحدث أن نمرض، قد يتطلب الأمر بعض الانتظار أو أن يسبقك أحد في حالة أعجل، لا ضير في ذلك، قليل من الصبر، أحيانا الأخير ينال معاملة ووقت أكبر. أحيانا، قد اخطأ في حقك ووقتك، وقد لا تكون زيارة أمثل، فانا أحاول أن أوزع للكل من الوقت والمجهود شيئا. لأنها مهنتي ولأنه حق لي ولا دخل لي من غيرها، وقد كابدت وعانيت كثيرا لكي أمتهنها، أن استخلص أجرتي كما يستخلصها أي مهني أخر، لأنهم علموني أنه بقدر الكد والمثابرة يجازى الإنسان أكثر، لا أبحث أن اغتني من بؤسك كل ما في الأمر أجرة لا أكثر، أعلمُ أن هناك أناسا لوثوا ولطخوا هذا النبل بالدم الأحمر، لكن ليس لنا جذر أوحد. هناك الكثير ممن يحقدون علي، يتحينون أي فرصة للانقضاض علي، يريدون أن يحملوني المسؤولية في كل شيء، فقط لكي ترتاح جفونهم ويواصلوا عبثهم وفسادهم، لن اسكت ما حييت، وسأوصل صوتي لكل من يهمه الأمر، وأحارب من أجل حقي بشكل أشرس.

لا تنتظر مني أن أمدك بشهادة زور حين لا يستحق الأمر. اعلم أن الحزم أيضا جزأ من عملي، قد ألجأ إليه لكي لا تنفلت الأمورَ وتصبح فوضى أجَلُّ . لأني إنسانٌ ،أنا أيضا أتعب. سواء كنتُ قد اخترتُ هذه المهنة أو اختارتني، لم ولن أكون يوما عدوا لك، إن أردت أن تستعديني فلا ضير، لن يغير ذلك أي شيء.

‫تعليقات الزوار

2
  • non aux abus
    الإثنين 6 يونيو 2016 - 08:18

    tant que le maroc ne fait pas de loi obligeant chaque citoyen et citoyenne de déclarer ses biens liquides, mobiles et immobiles,on peut éviter des irrégularités trop nombreuses et abusives ,
    Ramed a été conçu pour soigner les pauvres, mais c'est le contraire, la rachwa a tout faussé:des gens ayant des revenus , des commerces, des maisons, des voitures ,sont inscrits à Ramed,
    la rachwa dirige tout et statue sur tout,
    les gens pauvres des campagnes n'ont même pas les moyens de payer les voyages pour se faire soigner par Ramed,
    les citadins ,seuls peuvent en profiter

  • Medecin de la sante publique
    الإثنين 6 يونيو 2016 - 11:32

    أحييك على هذا المقال
    G pas mal operé des gens ramediste et qui sont riche, mais ils ont le droit qd meme a la medication soit riche ou pauvre
    Parfois des ramedistes et mutualiste en meme tps surtout voeux de la CNSS
    Ce qui va epuiser les resources de l'hopital par la suite et le pauvre malade be va rien trouver ,
    Donc il faut lutter contre la tricherie

صوت وصورة
تشجيع الشباب على المشاريع الفلاحية
الإثنين 25 مارس 2024 - 12:11

تشجيع الشباب على المشاريع الفلاحية

صوت وصورة
شاطئ الرباط في حلة جديدة
الإثنين 25 مارس 2024 - 00:30 7

شاطئ الرباط في حلة جديدة

صوت وصورة
خارجون عن القانون | قتل أخوين
الأحد 24 مارس 2024 - 23:30 1

خارجون عن القانون | قتل أخوين

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | صمود أندلسي
الأحد 24 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | صمود أندلسي

صوت وصورة
كاريزما | محمد الريفي
الأحد 24 مارس 2024 - 22:30

كاريزما | محمد الريفي

صوت وصورة
ملهمون | لم يفت الأوان
الأحد 24 مارس 2024 - 22:00

ملهمون | لم يفت الأوان