الفايسبوك العربي

الفايسبوك العربي
الثلاثاء 10 ماي 2011 - 18:44

منذ اندلاع موجة “الثورات العربية”، بتونس ومصر، ثم بالبحرين وباليمن وبسوريا (وإلى حد ما بليبيا)، تعالت هنا وهناك، خطابات تنعتها ب”الثورات الافتراضية”، أو “ثورات الإعلام الجديد”، أو “ثورات الشبكات الاجتماعية”، التي ثوت خلفها مواقع الفايسبوك والتويتير واليوتوب والدايلي موشيون وغيرها.


لم يكن الأمر، بهذه الخطابات، توصيفا ما لوظائف وأدوار هذه الشبكات الاجتماعية، أو البناء على هيكليتها للخلوص إلى ذات الخطابات، بل أتى من باب الانبهار بتكنولوجيا تواصلية، لا يمكن للمرء أن ينكر “فضلها” في ربط العلاقات بين الأفراد والجماعات، من شتى أقاليم وقارات العالم.


ليس مهما، في هذا المقام، تحديد ماهية هذه الشبكات، أو الوظائف التي تقوم عليها، ولا الأدوار التي تقوم بها، حتى وإن كان الأمر من اختصاصانا ومن طبيعة تكويننا.


القصد هنا إنما إبداء بعض الملاحظات العابرة حول بعض الادعاءات التي تربط شبكة الفايسبوك بالحركات الاحتجاجية (“الثورات” بمنطوق البعض) التي شهدتها بعض البلدان العربية، بإفريقيا وبالخليج وببلاد الشام.


والواقع أن الذي أثارنا بداية، بهذه الادعاءات إنما القول بأن عامل الشبكات الاجتماعية، والفايسبوك على وجه التحديد، هو الذي كان له الفضل في تفجير وإنجاح هذه “الثورات”، وتزويدها بالزخم الضروري للاستمرار، حتى تسنى لها أن تجبر رئيسا على الهروب مذعورا، وتحذو بآخر للتخلي عن منصبه مضطرا، وتفضح آخرين باليمن وبليبيا وبسوريا وبالبحرين، لم “يكتب” لهم الاستسلام بعد، فأوغلوا في تقتيل شعوبهم، أو في محاصرتها، أو في قطع المؤونة عنها، أو في استهداف بيوت آمنيها، ثم ترويعهم، ثم إهانتهم، ثم التنكيل ببعضهم، أحياء أو جرحى أو جثثا هامدة.


صحيح أن الفايسبوك و”رفاقه”، وضمنهم حتما اليوتوب، قد أسهم بقوة في “نجاح” “ثورتي” تونس ومصر، ونجح بالمقابل في فضح فظاعات تجري يوميا في اليمن وفي البحرين وفي ليبيا وفي سوريا، ولربما في غيرها.


وصحيح أنه قد حول مظاهرات هذه الشعوب واحتجاجاتها، إلى مواد إعلامية (ومضامين بمواقع على شبكة الإنترنيت)، باتت عصب الشبكات البرامجية لمعظم تلفزيونات العالم، بالشمال وبالجنوب. وصحيح أيضا أنه قد شكل أداة ضغط نفسية رهيبة على الحكام وبطانتهم، حتى باتوا مجبرين يوما بعد يوم، للتنازل بمكابرة، ثم التنازل ببعض منها، ثم التنازل النهائي، وعلامات الإهانة بادية على وجوه ذات الحكام الظلمة، كما على وجوه بطانتهم الفاسدة.


كل هذا صحيح، أو به بعض من الصحة. لكن الذي لا يبدو لنا دقيقا، إنما الادعاء بأن ثمة علاقة سببية من نوع ما، بين هذه التحركات الجماهيرية، وبين ما حملته تكنولوجيا الشبكات الاجتماعية من مزايا وامتيازات، لدرجة دفعت البعض للتعبير عن ذلك من خلال القول ب”شباب الفايسبوك”، و”ثورات” الفايسبوك وغيرها.


ليس ثمة، فيما نعتقد، علاقة سببية مباشرة، بين طرفي المعادلة. إذ الذي حرك هذه الجماهير، بالبداية وبالمحصلة النهائية، إنما واقع الظلم والقهر والفقر والطغيان وارتهان حق الوطن في الوجود، وحق المواطن في التعبير عن همومه وهموم الوطن من خلفه.


هذا هو المحرك الموضوعي لهذه التموجات الشعبية، أما ما سوى ذلك، فهو من العناصر المساندة، أو المجندة، أو المساهمة، أو ما سوى ذلك.


مما لا شك فيه، بهذه النقطة، أن الفايسبوك فسح في المجال للشباب المتمكن من هذه “التقنية”، من التواصل وتبادل الأفكار والمقترحات، وبالتالي ترتيب الأولويات، وتحديد مواعيد الاحتجاج بهذه الساحة أو تلك. لكن الأمر ينحصر هنا ولا يتعداه، الباقي تتكفل به الجماهير بالشارع.


المقصود هنا هو القول المباشر التالي: إن الفايسبوك كان ولا يزال أداة الشارع في الانتفاض على الحاكم، لكنه ليس بالقطع هو الشارع. إذ لو لم ينزل الناس للشارع، ويرابطوا به آناء الليل وأطراف النهار، لما كان للفايسبوك من فائدة كبرى تذكر، حتى وإن كان رواده ومتصفحوه يحصون بالملايين.


بمعنى آخر، فإن ما بلغ هذه الجماهير بالبلدان المذكورة (وغيرها آت لا محالة) من ظلم واستئثار بالثروة والسلطة والقوة، واستصدار لحق هذه الجماهير في العيش والحرية والتعبير، لم يكن له إلا أن يرفع من منسوب الاحتقان القائم، المحيل صوبا بجهة “الثورات” سواء كان الفايسبوك أم لم يكن، وسواء كان لهذه “الثورات” أن تأخذ هذا الشكل أو ذاك.


“الثورات” كانت آتية لا محالة، ولا تزال آتية بفعل هذه العوامل ببلدان أخرى، وليس بفعل مستجد تكنولوجي ما، أيا ما تكن قوته ونجاعته وقدرته على اختراق النظم والبنيان الاجتماعي. أعني هنا تحديدا، أن التكنولوجيا قد تساعد على تفجر وتحول البنيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لكن كعنصر ضمن عشرات العناصر الأخرى، والتي ضمنها حتما عناصر محددة وحاسمة.


والدليل على ذلك أن حرق البوعزيزي رحمه الله لجسده، لم يكن بالمحصلة إلا القشة التي قضمت ظهر البعير، في بلد حرق العشرات أنفسهم من بين ظهرانيه، وتم تجاهلهم أو التعتيم على ما أقدمون عليه، حتى إذا ما اشتد الظلم والاستبداد، واستئثار الحاكم وعائلته وحاشيته بمصادر الثروة والسلطة، جاءت الشرارة التي فجرت الكل.


من هنا، فإن البوعزيزي إنما أجج شرارة نار كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تشتعل، بحكم العوامل السابقة (وبحكم عوامل أخرى خارجية)، فأشعل فتيل احتقان كان على أهبة الانفجار.


القصد باختصار هو قول التالي: إن التكنولوجيا عامل مساعد ومهيمن، لكنه ليس العامل المحدد. المحدد الأصل يجب البحث عنه من بين ظهراني الجماهير، عندما ينال منها الظلم مبلغا متقدما، فتنتفض وتتساوى لديها معايير الربح والخسارة.

‫تعليقات الزوار

3
  • منا رشدي
    الثلاثاء 10 ماي 2011 - 18:50

    لا يوجد فايسبوك عربي هناك فايسبوك واحد وهو أمريكي صاحبه على قيد الحياة ، لا توجد ثورات عربية وإنما صراع عصابات ، العصابة التي طال حكمها شاخت وهرمت وحان الوقت لتخلفها عصابة أقوى . الأنظمة الحاكمة كلها جاء عن طريق انقلاب عسكري وليست منبثقة من إرادة الناخبين لذلك فهي في حكم العصابة لا أقل ولا أكثر .
    الديمقراطية بعيدة كل البعد عن هذه المجتمعات وتكفي نظرة خاطفة داخل بنياتها الإجتماعية والدينية والعقدية والسياسية والثقافية لنخرج بقناعة جازمة كوننا إزاء فوضى في تدبير الإختلاف والحق فيه لمن هو أقوى مكرا وحيلة ونكلا بالناس وحقوق الناس .

  • علي علي
    الثلاثاء 10 ماي 2011 - 18:48

    من النكت الفيسبوكية أن قائدا من الجيل القديم؛جاءته تعليمات
    لمراقبة الفايسبوكيين في ممقاطعته ؛فما فهم شيئا ولا رضي أن يستفسر لأنه ” سيد القائد”فكر في توريط أحد شيوخه في جهله فأعطاه الأمر كما تلقاه:راقب الفيسبوكيين في مشيختك واحص أنفاسهم .
    احتار الشيخ ,ولم يرض بدوره أن يستفسر القائد ؛فنقل الأمر الى المقدم ,دون شرح.
    تجمع الشباب في المقاطعة,والمقاطعات وهتفوا بالرحيل والمغادرة الجبرية ؛وجهاز المخزن القديم لا يزال يبحث عن الفايسبوكيين .
    لما علمت الداخلية بالأمر وأن المسألة فوق طاقة أغلب قيادها وكل شيوخها ومقدميها ,أصدرت التعليمات الآتية:
    اتركوا الفايسبوكيين وراقبوا آباءهم وأجدادهم,عساهم يفضحون سرا.
    هكذا مات المخزن ,واحيل الجهاز على البطالة التقنية؛في انتظار قياد وشيوخ ومقدمين فايسبوكيين بدورهم.

  • محمد
    الثلاثاء 10 ماي 2011 - 18:46

    بسم الله الرحمن الرحيم
    هل يعقل في دولة تتغنى بكونها دولة الحق والقانون وأنها دولة إسلامية وكل مرة تأتي لتقول للشعب بأنها تحرص كل الحرص على تحقيق الرفاهية والحرص على توزيع الثروات بشكل عادل بين جميع فئات الشعب وتأتي بالخوار الاجتماعي وكأن الشعب المغربي ليس فيه سوى طبقة من الموظفين لتضيف لهم بعض الدريهمات لإسكاتهم في الوقت الذي نجد فيه نحن مراقبي المساجد بالمملكة نشتغل منذ عام 2005 أو يزيد ولا أحد يلتفت لنا أو يعيرنا أدنى اهتمام ومنا “مجازين” في الوقت الذي نجد فيه مجازي القطاعات الأخرى قد تمت تسوية وضعياتهم لكن وزيرنا احمد التوفيق آبى إلا أن ينهج سياسة الكرسي الفارغ وكان الأمور في وزارته تسير على أحسن ما يرام فهل يعقل أن يتقاضى مراقب “مـجـاز”للمساجد له أعباء عائلية ومصاريف للتنقل بين المساجد والدواوير 1600درهم في الوقت الذي تصرف فيه الملايير على الأضرحة والمواسم والتغني بالأطلال والموتى في الوقت الذي نجد الأحياء يعانون في ظل وزارة الأوقاف المغربية من أئمة ومراقبين في حين تستحوذ فئة قليلة على ميزانية الوزارة وتصرف في أمور لاتجدي بالنفع لا بالنسبة للأحياء ولا للموتى وقد تأتي مغنية عارية لترقص لساعة وتصرف عليها الملايين في حين نجد إمام ناصح حامل لكتاب الله يعتلي المنابر وينصح الأمة ويؤمها ينيب عن أمير المؤمنين ويتقاضى 800 درهم في دولة إسلامية تفرض الحد الأدنى للأجور على القطاع الخاص ولا تلتزم به نفسها وكأننا مواطنين من الدرجة الثانية أوأدني من ذالك والى متى نبقى ننتظر لسنوات في الوقت الذي تقوم فيه شرذمة من الانتهازيين والزنادقة داخل الوزارة المعنية بالأمر من الوزير إلى كاتبه بامتصاص مواردها وإبرام عقود وهمية مع الشباب المعطل تخوفهم بها و كل من قال لا للظلم لا للاستغلال لا للمحسوبية .
    لهذا ندعو جميع المراقبين بالمساجد والأئمة وجميع الضمائر الحية للتعبئة للاحتجاج حتى تصل شكوانا إلى أمير المؤمنين وحامي الملة والدين لرفع الحيف عنا من طرف كل طاغ ومعاند وإننا لصامدون حتى تحقيق النصر إن شاء الله .

صوت وصورة
أجانب يتابعون التراويح بمراكش
الخميس 28 مارس 2024 - 00:30 1

أجانب يتابعون التراويح بمراكش

صوت وصورة
خارجون عن القانون | الفقر والقتل
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:30

خارجون عن القانون | الفقر والقتل

صوت وصورة
مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية
الأربعاء 27 مارس 2024 - 23:00

مع الصديق معنينو | الزاوية الدلائية

صوت وصورة
ريمونتادا | رضى بنيس
الأربعاء 27 مارس 2024 - 22:45 1

ريمونتادا | رضى بنيس

صوت وصورة
الحومة | بشرى أهريش
الأربعاء 27 مارس 2024 - 21:30

الحومة | بشرى أهريش

صوت وصورة
احتجاج أساتذة موقوفين
الأربعاء 27 مارس 2024 - 20:30 5

احتجاج أساتذة موقوفين