حول تناقضات وآفاق الوضع السياسي

حول تناقضات وآفاق الوضع السياسي
الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:07

اتخذت تطورات الوضع السياسي في بلادنا مسارات متناقضة في الآونة الأخيرة، عززت من التوجس من نجاح مشروع الإصلاح الديموقراطي، وخاصة في ظل اعتبار البعض ما تحقق وما أنجز كافيا وأن الوقت قد حان لتغيير السلوك السياسي للدولة إزاء الحراك الاحتجاجي الديموقراطي والتحول إلى اعتماد منطق القمع والرفض لمختلف المبادرات الاحتجاجية السلمية، وذلك في ظل استمرار الغموض الرسمي إزاء الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وفي المقابل انطلاق مسلسل العد العكسي لتجربة الأصالة والمعاصرة مذكرة في ذلك بتجربة جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية المعروفة اختصارا ب»الفديك» في بداية الستينيات والتي ماتت بسرعة أكبر من سرعة ولادتها.


تتعدد المؤشرات على ذلك، فمن ناحية أولى تكرر السلوك القمعي بشكل منهجي، وهو ما سجل في مدن عدة نهاية الأسبوع الماضي بدءا من أحداث خريبكة وقمع الوقفة الاحتجاجية الثانية ضد موازين وانتهاءا بالمنع الشامل للنزهة الاحتجاجية لحركة 20 فبراير ضد «معتقل تمارة» وما رافقها من منع في كل من فاس وطنجة للمجموعات السلفية التي قررت الالتحاق بالرباط من أجل المشاركة في هذه النزهة الاحتجاجية.


ومن ناحية ثانية هناك ما نراه حاليا من إصرار على محاكمة مدير يومية المساء في حالة اعتقال وعدم التردد في انتهاك ضمانات المحاكمة العادلة المرتبطة بهذا الملف، بالرغم من تحول قضيته إلى ملف دولي ذي تشويش كبير على المغرب، ومن ناحية ثالثة خروج المؤسس الفعلي لحزب الأصالة والمعاصرة فؤاد عالي الهمة من مركز القرار الحزبي ونشر «النقذ الذاتي» لأحد قيادات الحزب نفسه، ثم إلغاء مهرجان أوتار الرحامنة الذي رعاه هذا المؤسس والحديث عن إعفاء الرجل النافذ في الحزب إلياس العماري من إدارة الحزب، وهو تحول يؤشر لانعكاسات متفاوتة على بنية القرار السياسي ببلادنا والفاعلين فيه، والتوازنات القائمة بين مكوناته، وظهور فاعلين جدد لتدبير المرحلة القادمة.


من السابق لأوانه حصر دلالات التطورات السابقة والمتناقضة ظاهريا، إلا أن المؤشرات الملموسة تكاد تجمع على حصول تحول في المقاربة السياسية المؤطرة للتحول الديموقراطي المنشود، وذلك لمصلحة الرهان على المقاربة الأمنية والتحكمية، بديلا عن المقاربة الديموقراطية والسياسية، والتي كانت في طور التشكل بعد خطاب 9 مارس، مما يفتح المستقبل السياسي على الغموض وتنامي التساؤل حول توجهات صناع القرار السياسي اليوم بالمغرب لتدبير المرحلة القادمة، ويجعل من المشروع التساؤل:



– هل نفذ الصبر تجاه حركة الاحتجاج السياسي السلمي في البلاد؟


– لماذا تم تجميد مواصلة إجراءات الثقة وعلى رأسها قضية الإفراج على المعتقلين من ضحايا قانون الإرهاب وتفكيك إرث السلطوية؟


– لماذا يسود الغموض ملف الانتخابات القادمة سواء من حيث جدولتها أو من حيث مضامين الإصلاحات اللازمة لنزاهتها وشفافيتها التغييرات، وهل يخدم ذلك مرحلة النقاش الدستوري السياسي بعد أن قاربت اللجنة الاستشارية على الانتهاء من مشروعها؟


– هل ما يجري على مستوى حزب الأصالة والمعاصرة مجرد تغيير جزئي يعكس تكيفا للقوى المناهضة للإصلاح مع استحقاقات خطاب 9 مارس أم أنه سينهي المرحلة السياسية السابقة المرتبطة باستنساخ نموذج الحزب السلطوي؟


إنها أسئلة من بين أخرى تفرض الجواب العمومي عنها، قطعا للطريق على كل استهداف لمسار الإصلاح الديموقراطي التصاعدي ببلادنا، وتطرح بشكل رئيسي سؤال ما العمل؟


نعتبر أن الجواب يتطلب تركيز ما سبق في خلاصة مركزية، وهي أنه بقدر التقدم المسجل في مسيرة الإصلاح الديموقراطي وما فتحه من آفاق استعادة الثقة في تميز النموذج المغربي وقدرته على إنجاز بناء نموذج ديموقراطي بالمعايير المتعارف عليها العالمية ودون أن يكون مضطرا للمرور عبر بوابة نماذج التغيير العربية ذات الكلفة العالية والمردودية المؤجلة، بقدر ما نشهد مناورات إضعاف وإرباك وتعطيل لمسيرة الإصلاح الديموقراطي، ومحاولات تحريف لمساره واستدراجه نحو متاهات الانتكاس والتردد والغموض.


وفي المقابل هناك إرادة ملكية سياسية للدفع بمشروع التحول الديموقراطي، وهي إرادة كشفت في محطات متعددة عن قدرة على اجتياز لحظات اختناق هذا المشروع واتخاذ القرارات اللازمة لإخراجه من المأزق وتمكينه من تجاوز عنق الزجاجة، وهو ما ظهر في سلسلة محطات شهدها المغرب وخاصة منذ خطاب 9 مارس، مما أدى لتبلور ثقة معتبرة في مسار الإصلاح القائم، وهي الثقة التي ساهمت عدد من القرارات الرسمية في حمايتها من التلاشي، وآخرها ما صدر من الاستعداد لفتح المقر الأمني الموجود بتمارة من أجل التحقيق فيه من قبل الوكيل العام للملك وفتحه للمجلس الوطني لحقوق الإنسان وبعده الهيئات الحقوقية والوسائل الإعلامية، وهو قرار لم يكن واردا أو ممكنا قبل حوالي أسابيع، وخاصة بعد الرفض المنهجي الذي ووجه به طلب تشكيل لجنة تقصي الحقائق نيابية حول ما يمسى بمعتقل تمارة.



المغرب اليوم، إذن هو في مرحلة حرجة ذات طبيعة انتقالية وصراعية، والانتقال الآمن نحو بر الديموقراطية يتطلب أن تكون أولويات وقضايا الصراع حول مغرب الديموقراطية واضحة، وأن لا تخطئ قوى التغيير بوصلتها، وتهدر الفرصة التاريخية المتاحة اليوم بين المؤسسة الملكية والقوى الإصلاحية والشبابية، وهو ما يقتضي تمايزا كليا عن كل نزعة تبخس شروط بناء الثقة بين الفاعلين في الإصلاح أو الانزلاق العدمي نحو استهدافهم، ذلك أن الثقة عملية متبادلة بين مجموع الفاعلين، وأن كل استهانة بإجراءات الثقة أو التخوف منها، لا يخدم في نهاية المطاف سوى القوى المعادية للإصلاح، والساعية للإلتفاف عليه أو إرباكه، والمفروض كما حصل في مختلف تجارب الانتقال الديموقراطي أن يتم تعزيز مسار الثقة وأن تتحمل القوى السياسية مسؤوليتها في بناء الثقة ومواجهة كل ما يستهدفها أو يهددها وخاصة من قبل القوى المضادة للصلاح أو من طرف النزوعات المغامرة الهامشية، وذلك بالوضوح والشجاعة اللازمتين.


في المقابل إن قوى الإصلاح الديموقراطي مدعوة للانتقال لمرحلة جديدة في علاقتها بعموم الفئات الشعبية، خاصة بعد أن اقتربت مرحلة الاستفتاء الدستوري، وما تستوجبه من فعالية ميدانية للدفع بمسار الإصلاح وضمان تقدمه، وذلك بعد أن تكررت المواقف اللاديموقراطية التي اختارت السلوك القمعي في مواجهة مختلف الاحتجاجات السياسية والتردد عن مواصلة إجراءات تصفية المناخ السياسي لمصلحة التحول الديموقراطي.


*افتتاحيتي التجديد


16 و17 ماي 2011

‫تعليقات الزوار

6
  • متابع
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:13

    المغرب يشهد تحولات عديدة، وطبيعي أن يقاوم المفسدون تلك التحولات، فالذباب لا يستطيع العيش في بيئة نقية طاهرة، فوجوده وانتعاشه مرتبط ببقاء التعفنات، ومقاومة الإصلاح سنة تاريخية.
    والمعول على صمود الشباب والغيورين على هذا الوطن بعد عون الله وتأييده.

  • Ahmed Sweden
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:17

    إن الإنتقال الديموقراطي يحتاج إلى تفاهم بين جميع مكونات الشعب ولا يفرض فقط من النخبة المثقفة. الكلام عن الديموقراطية ونقد مهرجان موازين من منطلق غير ديموقراطي(أي دعوى أن المهرجان غير أخلاقي) يطرح علينا السؤال من يقرر مفهوم الديموقرطية? هل يمكن إلغاء الأذواق الموسيقية من منظور غير ديموقراطي (إقصائي). إن نظرية اللإنتقال الديموقراطي transition theory تحتاج لدور لآحزاب ودمقرطتها democratization ثم بناء مفهوم في وعي المواطنين بأن التغيير هو إختيار مجتمعي وليس فقط فئوي تقوم به جريدة أو حركة أو منظمة ذا مصلحة منفعية. فالتناقض موجود حتى لذى النخبة وكتاب أعمدة الجرائد. إن غياب مفاهيم المواطنة والواجبات والحقوق يجعلنا نجهل مفهوم الديموقراطية ومن بينها إحترام الحريات الشخصية كالإستماع للموسقى الغربية. هناك إرادة ملكية للدفع بمشروع التحول الديموقراطي. لقد سمعنا آراء النخبة بتناقضاتها وتهافتها أيضا.الآن آن الآوان لأن يدلي الشعب المغربي برأيه. وهذا هو المحك الحقيقي الذي سيقرر ما ذا يريد الشعب في الإستفتاء!أما العدالة ومحاربة الفساد فتحتاج إلى ثقافة غربية تقصي الثقافة المغربية المبنية على الزبونية والإحتقار وإذلال الفقراء.

  • ابروح
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:15

    اننا جد متفائلون لان الزمن يتطور وسنة الحياة نحو التجديد ولكن اللوبي وجيوب المقاوة الان وهنا يخترعون خطط شيطانية للتملص والمناورة لان تيار المحاسبة يجرفهم وات
    من جهة اخرى على قوى التغيير والحقوقيين وشباب عشرون فبراير ان يخططوا اكثر من اجل الغد والوطن والابناء لانها ببساطة حرب تقتضي تطوير الاسلحة وتنظيم الصفوف ونشر الرغبة في التغيير بين الاعلاميين وفضح كل نهج القمع وليعلم المخزن ان المقاربة الامنية ضارة بالبلد اليس ابرياء السلفية من ضحايا ظلم الرصاص مثلا واش شارك اربعة الالاف في تلك الجريمة لا لارهاب الوطن وحرمان ابناءه من نعة الحرية عشون فبراير طوفان قادم

  • عزيز السرغيني
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:11

    المخزن معروف بقدرته على التكيف مع التحولات السياسية والزمن الان في صالحه لانه هو الدى بدأ الان يتحكم في مسار ومآل المطالب وكدا المبادرات وستتوضح مركزيته أكثر بعد الاستفتاء حيث سيتعمق الشقاق بين مطالب الحركات الامازيغية والاسلامية واليسارية.

  • الزِّتونية
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:19

    إن الشعب الذي أعاد الملك محمد الخامس رحمه الله من المنفى عزيزاً كريماً و صبر على بطش الحسن الثاني رحمه الله بالإنقلابيين قادر…..أقول قااااااادر على الذهاب بخطاب 9 مارس إلى بر الأمان…..و من أراد أن تكون نهايته في السجن وفي مزبلة التاريخ فليُعرقل مسيرة الإصلاح و النّماء…و السلام عليكم و رحمة تعالى و بركاته

  • ابو سحر
    الثلاثاء 17 ماي 2011 - 19:09

    تمنيت لو ان صاحب المقال وجهه صوب مطبخ حزبه احد المسؤولين المعنويين والماديين عما وصل اليه المغرب… والتناقضات هي من صميم خطابكم الفاشل الا في ممارسة السياسوية والشعبوية بل والابتزاز السياسي لانه يعتبر نفسه الاقوى وهي لعبة قديمة لمخزن لا يريد ان يستفيد من التجارب…انك في حزب الظلام( الفتاشة لاتضيء الا على من حولها الذين ياخدون نصيبهم من دخانها)..
    اليس حزبكم من يضع رجلا في المعارضة واخرى في دعم حكومة الفاسي ؟ اليس حزبكم من ساهم في افساد الممارسة السياسية بقبول الكوطا الانتخابية؟ اليس حزبكم من افسد الديمقراطية الفتية في العهد الجديد بتوفير الدعم المعنوي للمخططات الارهابية مهما كان مصدرها؟ اليس حزبكم من تحول بين عشية وضحاها من الاصلاح والتوحيد الى ممارسة السياسة…ورحم الله الشاعر العربي.:
    نعيب زماننا والعيب فينا
    *** ما اتفهكم وما ابغضكم على قلبي لانكم تسخرون ديننا لممارسة دناءتكم….

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات