مفاهيم جمعوية: "الوقف الذاتي" و" نظرية الأسباب "

مفاهيم جمعوية: "الوقف الذاتي" و" نظرية الأسباب "
الثلاثاء 16 غشت 2016 - 16:37

إن أي سلوك في حياة الإنسان ناتج عن دافع أو محرك، وحسب الدافع يكون الارتقاء في السلوك، والتجارب الناجحة هي التي تبحث في الدوافع والمحركات البشرية المشتركة بين الأفراد كقانون نسميه “علم الدافع”، ومطلوب منا أن نبدع في الدوافع وفي تحريكها، إذ الدوافع تختلف حسب تكوين وثقافة الأفراد، وأهم الدوافع “الدافع الديني”.

ولما كان الدافع الديني أهم محرك في حياة الشعوب، فهو يمثل “استحقاق الخطاب الإلهي”، والارتقاء بالدوافع من مستواها المادي إلى مستواها الروحي، هو الارتقاء بالمتخيل و المعيوش اليومي، هو التسابق نحو الخيرات، هو المسارعة والمبادرة للتنمية الروحية، فكيف نسارع و نبادر و نخلق الدافع ؟ و كيف نربط الأسباب بالقدر؟ و كيف نكون سببا في قدر الله ؟

الوقف الذاتي: عبادة حرة

” العمل التطوعي إرادة حرة”، إرادة الله التي تحقق عبر فعل التطوع، فالله تعالى هو الذي منح ويمنح القدرة والإرادة على العمل التطوعي، هو الذي يمنحها للعبد الحر، فيكون بحريته في قمة العبودية، لأنه عرف كيف يوازن بين “العبودية الطوعية الكونية ” التي يشترك فيها كل الناس وسائر المخلوقات، و”العبودية الطوعية التشريعية” التي ترتقي بالعبد إلى أسماء الله الحسنى.

وبما أن التطوع إرادة ذاتية تستجيب للعبودية الطوعية التنافسية، حيث السعادة الدنيوية والأخروية، كان لزاما بلورة هذه العبودية بالتطوع، لأنها حركة الاكتمال والارتقاء (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

إن التطوع هو حركة شمولية للذات، تطوع يصل إلى “الوقف الذاتي” أو”الوقف الإنساني”، حيث تقديم الذات و الفكر وكل ما يملك الإنسان لله رب العالمين، (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي و مماتي لله رب العالمين)، فالإرادة والقدرة والسلوك أصلها من رب العالمين، و المطلوب هو توجيهها نحو أصلها، و جعل التناسق بين إرادة الإنسان و إرادة الله، فتصبح حركة الإنسان ضمن ” نظرية الأسباب”، فيسخرك الله سببا لإرادته.

إن العمل التطوعي حرية وإرادة وقدرة وعلم، والحر يجب أن يكون ذا حرية كاملة، وإرادة كاملة، وقدرة كاملة، وعلم كامل، ولا يكون له ذلك إلا إذا كان مستغنيا عن الله استغناء كاملا، و ذلك أمر مستحيل، فالحاجة إلى علم الله وقدرته وإرادته ضرورة بشرية، فالإنسان له قدرة وإرادة محدودتان، وحريته في حدود قدرته وإرادته، لأن إرادة الله تريد، وإرادة الخلق تريد، و من الحكمة التسليم لإرادة الله، لأنها تشمل كمال الصفات التي ذكرنا ( الحرية و الإرادة و القدرة و العلم )، فإرادة الإنسان من إرادة الله، منها تُؤخذ قوة التطوع، و هنا دلالة ( لا حول و لا قوة إلا بالله ).

إذا (أنت متطوع لأنك حر)، تتحرك ضمن العبودية التنافسية، فالعبادة قائمة على الحرية، والعمل التطوعي قائم على الحرية، و بقانون التعدي يكون العمل التطوعي عبادة. والإنسان غير الحر لا يمكن أن يتطوع، لأنه لم يستوعب العلاقة بين التطوع والعبادة. فالحرية ضرورة إنسانية وإيمانية، و بالإيمان وحده تتحقق الحرية.

والله تعالى لم يرض لعباده الإكراه في الدين فكيف بالعمل التطوعي؟ أفأنت تكره الناس حتى يتطوعوا ؟ (فمن تطوع خيرا فهو خير له) (وما تقدموا من خير تجدوه عند الله، هو خيرا وأعظم أجرا).

إنهم المتطوعون، المسارعون والمبادرون الذين يرتقون بحركتهم بلا حدود، هو التطوع الذي لا ينتظر الإذن ولا الاشتراط، تطوع في السر والعلن، بالليل والنهار، بالصيف والشتاء، التطوع الذي ينتج حركة تملأ السموات والأرض، حركة المغفرة وحركة المتقين، حركة الإحسان، وحركة الإبداع في التطوع، تطوع وإبداع بالارتقاء في إرادة العبادة.

الوقف الذاتي نظرية للأسباب: ( الأمور مقدرة بأسبابها )

السبب في اللغة هو الحبل، و ما يتوصل به إلى غيره، و في الاصطلاح هو الذي يوجد المسبب أو هو الذي يتوقف وجود المسبب عليه، و هناك نصوص تربط بين الأسباب و القدر، فقد جعل الله تعالى الزواج سببا للحمل فقال: ( أفرأيتم ما تمنون، أأنتم تخلقونه ام نحن الخالقون) الواقعة 59، و جعل الحرث سببا للزرع فقال تعالى : ( أفرأيتم ما تحرثون، أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون) الواقعة 64، و جعل تمكين ذي القرنين في الأرض باتخاذ الأسباب، قال تعالى:( إنا مكنا له في الأرض و آتيناه من كل شيء سببا، فأتبع سببا)الكهف 89

فالله تعالى قدر خلق الأشياء و قدر أسبابها، و وجهنا إلى الأخذ بها، فهو الخالق لها و لنتائجها وفق علمه السابق بها في الأزل، فهو القادر على أن لا يجعلها أسبابا، و القادر على منع نتائجها لو أراد، كما أنه قادر أن يخلق الأشياء من غير أسباب، يقول ابن تيمية : ( و أما الأسباب المخلوقة كالنار في الإحراق، و الشمس في الإشراق، و الطعام و الشراب في الإشباع و الإرواء، و نحو ذلك، فجميع هذه الأمور سبب لا يكون الحادث به وحده، بل لابد من أن ينضم إليه سبب آخر، و مع ذلك فلهما موانع، تمنعهما عن الأثر، فكل سبب فهو موقوف على وجود الشروط، و انتفاء الموانع، و ليس في المخلوقات واحد يصدر عنه وحده شيء)، فالذي يصدر عنه كل شيء علما و مشيئة و سببا و خلقا و تقديرا هو الواحد القادر.

و يشير الأمام الغزالي أن معنى الحكمة هي ترتيب الأسباب و توجيهها إلى المسببات، لذلك كان الله تعالى حكما مطلقا لأنه مسبب كل الأسباب جملة و تفصيلا.

فلا تناقض بين الإيمان بالقدر و الإيمان بالأسباب و الأخذ بها، فالعبد مبتلى بالقدر إيمانا و مبتلى بالعمل بالأسباب عبادة، يسند كل أمر لله خلقا لأنه الخالق وحده، و يعبده بالعمل و الرضا بالأسباب التي قدر الله و التي توصل إلى نتائج بتقديره تعالى.

فما قدره الله يقع بالأسباب، و ليس في الدنيا شيء إلا بسبب، فهو تعالى يسوق المقادير إلى المواقيت، والأشياء تقع بإرادة الله قدرا و مشيئة.

و المصائب و الأمراض و الآلام تساق إلى الإنسان فتحرك فيه أسماء الله الحسنى، فيلتجئ إلى الله بكل عضو من أعضائه و ينسج لوحة للعبادة، و يكون الدعاء سببا للشفاء، فالمرض يستدعي إسم الله الشافي، و بالتالي يصبح فعل الإنسان و دعاؤه جزءا من ” نظرية الأسباب.

صوت وصورة
شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG
الجمعة 29 مارس 2024 - 11:43 1

شراكة "تيبو أفريقيا“ وLG

صوت وصورة
احتفاء برابحة الحيمر في طنجة
الجمعة 29 مارس 2024 - 10:03

احتفاء برابحة الحيمر في طنجة

صوت وصورة
احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية
الجمعة 29 مارس 2024 - 00:30 4

احتجاج تلاميذ ثانوية فرنسية

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر
الخميس 28 مارس 2024 - 23:00 3

شهادات للتاريخ | العثماني بالجزائر

صوت وصورة
فواجع النقل المزدوج
الخميس 28 مارس 2024 - 22:15 4

فواجع النقل المزدوج

صوت وصورة
تقنين التنقل بالتطبيقات
الخميس 28 مارس 2024 - 19:55 11

تقنين التنقل بالتطبيقات