الحملة الانتحابية أو عندما تسقط نقطة الخاء سهوا

الحملة الانتحابية أو عندما تسقط نقطة الخاء سهوا
الخميس 6 أكتوبر 2016 - 10:02

تحمل كلمة الحملة في دلالتها المعرفية الخاصة بي الكثير من المغزى لاتصاقها بمحطة عمرية مرت وتركت بصمتها في مخيلة طفلة لم تبرح الخمس سنوات، عندها أصيبت بمرض “لمكلفة في لمصارن” هذا المرض الذي لا يصيب إلا المغاربة أو أن له تقدير ومصطلح طبي يفهم أهل التخصص، فبعد جولات من المد والجزر بين المستشفى ومواعيده وبين المنزل كانت رحلة البحث عن الشفاء من داء لم أكن أستشعره بقدر ما كانت تستشعره والدتي، فلطالما وضعت يدها الباردة على جبيني وأخبرتني بعلتي وبارتفاع حرارة جسمي، كانت تصطحبني في مواعيد الطبيب إلى ذلك المستشفى الذي غابت عن ذاكرتي خريطته الجغرافية، كنت أدخل غرفة الفحص ويدي تمسك بوالدتي وعيناي جاحظتان في الطبيب الذي يبتسم لي ملء فاهه لي، غير أني كنت أدرك خطره علي ولا أستسلم لتلاعباته واسستلطافه المغشى بإبر مدسوسة.

كنت أعشق في ذلك الموعد لحظة الختام حيث انتهاء الزيارة المشؤومة والخروج حيث كرسي قاعة الانتظار، وعيني تبرق على حقيبتي الوالدة التي تفتحها بعد كل انتهاء زيارة لتناولني الياغورت “دانون” والبسكويت فحينها كان لـ “دانون” قيمته الرمزية داخل المجتمع المغربي، فلا يقدم إلا للمريض حتى أنني تيقنت في وقت مضى أنه وصفة طبية تشترى من البقالة لا الصيدلية، وكنت أنتشي الوجبة كانتشاء آكلي الوجبات المرافقة للمهرجانات الخطابية للأحزب السياسية اليوم، كنت أتربص تلك اللحظة رغم أوجاع المرض لأنها تنسيني شقائي كما تنسي المشاركين في الحملة الانتخابية عطش وجوع ذلك اليوم ويصطفون للظفر بلقيمات لن تكفيهم لأيام آتية بقدر ما تشبعهم للحظة تدفع بهم للتصويت على الحزب الذي تفنن وأجاد ذهن الحلق حتى أنساهم رب الخلق.

رحلات الاستشفاء لم تأتي أكلها إلا بعد تدخل أهل العيييلم فجادت إحدى النساء بخلطتها الرهيبة والتي كانت كالسِّحر لوالدتي، معربة -العليمة- أن هناك حملة مرض يصيب الأطفال والحل “لمخينزة” فاستقدمت والدتي العشبة السحرية وتبلتها بالبصل الأحمر و”شرملتني” وسقتنيها…من وقتها دخل المصطلح معجمي وبتُّ كلما استشعرت الألم أهرع لوالدتي “جاتني الحملة”، لدرجة أني استفقت ذات صباح على خبر أن أحد أقربائنا سيدخل الحملة الانتخابية فهرعت إلى والدتي فلان مريض بالحملة فضحكت ملئ فاهها وردت “الحملة الانتخابية باش يشوفو شكون ينجح ويسير البلاد” فأجبت “وراه الملك لي كايسير البلاد”، فعقبت “وياه هادو لي كايعاونوه” لعل قريبنا خاض الحملة ولعل المرشحون يخوضون الحملة الانتخابية، أو بالأحرى الانتحابية حيث يبكون ويتباكون بطرقهم المختلفة، وباستنجادهم لفئة لا يعلمون بوجودها ولا عنها إلا في ظرفية لا تتجاوز الأسبوعين، فترى فعلا وكأنها القيامة بعد أن جاءت أشراطها…

فما إن انطلقت الحملة الانتخابية لهذه السنة إلا ورأينا ذات حمل يختطف حملها، المرشحون يعربدون سكارى وما هم بسكارى، وطفلا تدلى من نهاية سلك كهربائي معلنا انتكاسة تسيير سابق عجز عن احتضانه فقرر أن يريح أمه برسالة ستنهشها مدى الحياة، هي القيامة بعلاماتها وأشراطها عند يترجل الأعالي ويمتطون الأزقة الخوالي، يحيون يصافحون يقبلون يبتسمون في صورة بتوليف تتحقق فيها المتضادات، وترى فيها المستحيلات، ترى الناس تنزل من الكراسى، وتسير مشاة، تحيي هذا وذاك، وينتزع فيها المواطن العادي لقب “سيدي ومولاي”…

مرت السنين وبتنا كلما مرض أحدنا بمرض يعلق العلة على الحملة من باب أنها عابرة وأنها لا تستحق زيارة طبية، حتى اكتشفت أن المصطلح لا يخصني وعائلتي فقط، فقد وجد المغاربة في هذا المصطلح تخريجة تثنيهم عن طرق باب المصحات والمستشفيات خاصة وأن لهم معها علاقة تنافرية بحكم القصص والتجارب المعاشة اليومية، حملة الأسنان، حملة “لمكلفة”…وغيرها، بل أكثر من ذلك أدركت أنها مصطلح ذو شأن وقيمة عندما سجل في معجم السياسة وبات دلالة على شكل وممارسة يقوم بها أفراد في ظرفية وجيزة لحصد أهداف لأجل غير مسمى، وكما ثنت حملات المرض المغاربة عن الذهاب إلى الطبيب ثنت الحملات الانتخابية البعض عن الذهاب للتصويت، عندما بات المستشفى الحكومي غير ذي جدوي، بات الصناديق صناديق، لما لا إن كانت الحملة المقرونة بالمرض “درباتها لمكلفة” فسيست وأصبحت حملة انتحابية.

‫تعليقات الزوار

4
  • الحــــــــــــــــــــــملة
    الخميس 6 أكتوبر 2016 - 17:29

    لله ذرك،
    كــــــــــــــــلام جميل،ولكنه جاء متأخرا،بل في الدقيقة التسعين،

    وعليه،فيكون هذا الكلام بمثابة حملة انتخابية،قد لا نقرأ مثله إلا في الحملة

    الانتخابية المقبلة.

    ملحوظة: لن تفارقنا حملة البشر،إلا إذا أتت حملة الشتاء وأخذت أصحاب الحملة.

  • أبو ذرالغفاري
    الخميس 6 أكتوبر 2016 - 21:18

    نعم أختاه قد أجدت في وصفك البلاغي لهذه الحملة التي تعرفها بلادا الحبيبة كل خمس سنوات ،هذه الحاملة التي ينتظر منها الشعب المغربي أن تلد ه أناس يقدرون كرامة هذه وهذا المواطن يسعون بالسير به وبهذه البلاد إلى ركب الدول الصناعية ،هذه الحملة الانتحالية الانتحارية (عفوا الانتخابية) التي ينتظر منها هذا المواطن الشغوف للتغيير والذي ينتظر من الحق سبحانه وتعالى أن يتنزل عليه بغيث يروي بلادنا الحبيبة غيثا يلين فيه القلوب طيلة السنين لا في مثل هذه الأيام التي تتوجع فيه الحاملة لوضع جنين كيف سيكون

  • اللب
    الأحد 9 أكتوبر 2016 - 19:45

    رااائع!!!.. أمتعتني، وأضحكتني من القلب.. تحية!

  • Manal
    الإثنين 10 أكتوبر 2016 - 06:54

    مقال جميل اختي الكريمة و لكن تحتاجين الى تحسين اسلوبك و تجنب بعض الأخطاء التي من العيب ان تقع فيها صحفية.
    رحلات الاستشفاء لم تأتي أكلها: لم تدخل على الفعل المضارع فتجزم اخره و الصحيح : لم تُؤْت اكلها
    إلا بعد تدخل أهل العيييلم: العلم اكثر وقعا
    فضحكت ملئ فاهها : ملء. و عودي الى قاعدة الهمزة في اخر الكلمة متى تكتب على السطر!!!
    و نقول: ضحكت ملء فيها ….
    هذا القليل من الكثير و انا لا احبطك بل اشجعك و مقالك رائع لكن لا تغفلي عن اللغة العربية و قواعدها………….
    بارك الله فيك.

صوت وصورة
مغاربة والتعادل مع موريتانيا
الأربعاء 27 مارس 2024 - 01:07 4

مغاربة والتعادل مع موريتانيا

صوت وصورة
المخارق والزيادة في الأجور
الأربعاء 27 مارس 2024 - 00:30 1

المخارق والزيادة في الأجور

صوت وصورة
شهادات للتاريخ | انتخابات 2011
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 23:00

شهادات للتاريخ | انتخابات 2011

صوت وصورة
قصة | الرجل الذهبي
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 21:30 1

قصة | الرجل الذهبي

صوت وصورة
المدينة القديمة | فاس
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:55

المدينة القديمة | فاس

صوت وصورة
معرض تضامني مع فلسطين
الثلاثاء 26 مارس 2024 - 20:47 1

معرض تضامني مع فلسطين