حبس رشيد .. والقرار الرشيد

حبس رشيد .. والقرار الرشيد
الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:10

تعرفنا منذ الصغر على الصحافة الوطنية وتعرفنا على كتاب أعمدتها الرئيسة، فقرأنا “مع الشعب” للمثقف والقيادي الاستقلالي عبد الكريم غلاب و”عين العقل” في الاتحاد الاشتراكي و”ربع كلمة” في بيان اليوم وغيرها من الأعمدة/الافتتاحيات، إلا أننا لم ندمن قراءتها ولم نُصَب بوجع السؤال عن مضمونها إذا لم نطلع على محتواها، وأحيانا كنا نقدم عليها غيرها أو نلغي قراءتها بالمرة إذا لم يثرنا عنوانها.


نتذكر علاقتنا بتلك الأعمدة ونقارنها بعلاقة جميع شرائح المجتمع المغربي بعمود “شوف تشوف” في جريدتي “الصباح” و”المساء” لصاحبه رشيد نيني الذي أدمن كثير من المغاربة على قراءته وتسابقوا في المقاهي على جريدته إيثارا لها على منابر وعناوين أخرى لدرجة أن جريدته أصبحت توصف من قبل مناوئيها سخرية واستهزاء بالجريدة التي تُقرأ من الخلف لدرجة أن رجل دولة خاطبه بإسفاف بقوله : ليس يضير الحسناء أن تفتض بكارتها، سائلا إياه عن رأيه فيمن تتعفف عن تقديم مقدمتها إبقاء لبكارة مزعومة وتبذل مؤخرتها.


لم يكن رشيد نيني شخص إجماع يوما ما، لكن الإنصاف يفرض علينا أن نقول إنه كان صوت الأغلبية الصامتة، كان ضميرهم المعبر عن آهاتهم وآلامهم، كان برلمانيا خارج القبة، كانت له القدرة على صناعة رأي عام، إنه بإيجاز طاقة.


دافع رشيد عن الدين الإسلامي باستماتة في وجه خصومه كما دافع عن اللغة العربية وهو خريج شعبتها ضد خصومها الفرنكفونيين ومنابرهم.


دافع رشيد عن الوطن وقضاياه وكشف لوبيات الجزائر وأساليبها في الضغط على الدول الكبرى مستعملة سونطراك في قضية الصحراء المغربية، دافع عن قضية الصحراء وفضح أساليب ومناورات خصوم وحدتنا الترابية بأسلوب لم يكتب به أحد من قبله.


دافع باستماتة عز نظيرها عن الملكية وكتب عن “محمد الثائر” ورد على زملاء مهنته الذين انساقوا وراء مواقع إلكترونية مرتبطة ببعض الأجهزة وكرروا صدى ما كتب هناك عن مرض الملك.


رشيد طاقة استثنائية لو وجدت في دولة تحترم طاقات أبنائها لقُرّب من دوائر القرار وقُدمت له المساعدات تلو المساعدات ولاحتضن من قبل مؤسسات ومراكز التفكير.


رشيد ارتكب عدة أخطاء، وخطأه الأكبر أنه انتحل صفة النيابة العامة وأعلن حربه على رموز الفساد ومبذري المال العام، وتقمص دور الحكومة ليبارز الموظفين الأشباح الذين كشف أسماء بعضهم في عموده إلى غير ذلك من الأخطاء التي ارتكبها ولعل آخرها قيامه بدور المؤسسات الحقوقية في محاربته لرموز “السلفية الأمنية” وفضح منهجهم وفظاعاتهم وهو الخطأ الذي لم يغفر له.


لقد كسر رشيد في كتاباته كثيرا من الطابوهات ولامس مناطق الخطر في أكثر من مرة حتى أصيب بتماس كهربائي كان من الأليق أن يصاب به غيره من المذكورين بسوء في وثائق المجلس الأعلى للحسابات.


نعم، رشيد أخطأ. أخطأ كثيرا، وسيخطئ مستقبلا، ببساطة لأنه بشر، والصحفي الناجح يتوجه إلى المحاكم أكثر مما يتوجه إلى مكتبه، ومن أراد ألا يتوجه إلى المحاكم فما عليه إلا إتقان لغة التصفيق والتبجيل وأن يتخصص في كتابة المناقب، إنه صنف صحافي مربح ومريح !


رشيد لم يتأبط سيفا أو ساطورا يهدد بهما المواطنين الآمنين في الشارع العام حتى نسوغ متابعته بالقانون الجنائي.


رشيد تأبط قلما، هذه جريمته في بلد يُعد فيه القلم أخطر من الساطور، خصوصا إذا كان القلم أحمرا مزعجا.


رشيد أخطأ، سلّمنا بذلك. لكن الخطأ المهني عند الصحفيين غالبا ما يقرن بحسن النية في الدول المتحضرة “وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم”.


رشيد أخطأ، سلّمنا بذلك. لكن القضاء كان مخيرا بين الإدانة والتبرئة، ولكل حكم تبعاته السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي لا محالة، إلا أن تبعات الإدانة في هذه النازلة تعود سلبا على الوطن والأمة المغربية وتتقدم بهما قدما نحو .. الخلف، أما تبعات التبرئة فتعود عليهما إيجابا وامتيازا وتتقدم بهما قدما نحو الأمام، لذا كانت التبرئة قرارا رشيدا بامتياز، غير مخالفة للقانون وفلسفته خصوصا أن من مقررات القضاة المتداولة “لأن تخطئ في العفو خير لك من أن تخطئ في العقوبة”.


رشيد أخطأ، سلّمنا بذلك. لكن الخطأ الأكبر ليس ما ارتكبه رشيد، الخطأ الأكبر يتجلى في التكييف القضائي لنازلته حيث توبع بالقانون الجنائي بناء على ما كتب من مقالات، إنها قمة القسوة، وما أقسى القسوة حين تصدر من جهاز القضاء، إن متابعته وفق مقتضيات هذا القانون بدل قانون الصحافة تنم عن عدم احترام الدولة لقوانينها، وهذا أمر في غاية الخطورة حين تستغل الدولة قانونا وتقصي قانونا آخر وفق أجندتها ومصلحتها مما يجعلنا نكرر المقولة الماركسية “القانون هو إرادة الطبقة الحاكمة تحولت إلى إجراءات قانونية”.


شُرع العقاب في عمقه وفلسفته لحماية المجتمع، لكن المجتمع بكل تلاوينه أجمع ضد هذا الحكم، فمن يحمي مَن بهذا العقاب ؟! إنها الغرابة حقا.

‫تعليقات الزوار

7
  • ahmed
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:12

    very clean analysis, especially the last statement

  • عاقل
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:16

    لم يبق لكاتب هذا المقال إلا أن يقول رشيد نيني نبي.
    ان رشيد نيني ياصاحب المقال صحفي( مع الأسف)استغل هذه المهنة النبيلة التي سبقه لها صحافيين شرفاء ذكرت بعضهم وتحلوا بالمسئولية وبالاخلاق المهنيةولم يعيتوا في أعراض الناس فسادا.
    أليس نيني من ساهم في تبخيس العمل الحزبي ووفرالارضية الخصبة لظهور البام.أليس ؟أليس نيني من حارب الحقوقين الذين يدافعون عنه اليوم؟أليس نيني من كان ضدحركة20فبراير التي تروم التغيير.
    إن نيني لم يدافع يوما عن أ] شيء سوى مداخيل جريدته وابتزاز الإشهار لها وعن تضخيم تروته. وأخيراألم يحارب الإطار المهني الذي من المفروض أن يكون أول المدافعين عنه وهو النقابة الوطنية للصحافة؟

  • MAGHREBI NAFSS
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:18

    bravo oustad.vous avez raison sauf que rachid ninni n’a pas commis de crimes contre quiconque!;son seul crime c’est d’avoir dénoncé les vrais responsables de la corruption et des abus de pouvoir.je vous encourage pour vos analyses pertinentes

  • احكوك
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:24

    الحكم علي نيني كان مخالفالضوابط الديمقراطية لكننا نعيب عليه تعاطفه الكبيرمع صناع الموت السلفية الجهادية

  • جعفري محسن
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:20

    وا مشكيلة بغينا نحاكموا الفساد لا ما بغيناش نحاكمو الفساد يلا القضاء راه كا يحكم بناء على معطيات ووثائق مشي بناء على مقالات صحفية و السي نيني مع احترامنا ليه و للسنوات التي قضيناها في قرائة عموذه هل هو شخص فوق القانون وهل نحن ندعوا لسيادة القانون على أشخاص دون أشخاص،وحاة أخيرة ما بقيناش كا نسمعوا خبار 600 مليون واش عفاوه عليها و ما يهدر السي نيني على الحقوق حتى يعطي الحقوق للعمال في جريدتو راهم تقهروا

  • ابوشيماء
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:14

    واضح جداان ادانة الصحافي الملتزم رشيد نيني بناء على القانون الجنائي ما هو الا فضح لوجه المغرب الحقيقي حيث الممارسات اياها.(يتوب الشطاح وما ينسى هزان لكتاف)كما يقول المثل المغربي السائد,القلم الفاضح للفساد في السجن؟اما اباطرة الفساد فهم ينعمون بالتبجيل والاحترام.شكرا نيني والفرج قريب.

  • المبتسم
    الثلاثاء 14 يونيو 2011 - 11:22

    زمان غريب في وطن أغرب يؤتمن فيه الخائن ويخون فيه الأمين ، يحاكم فيه الصالح ويسيد فيه الطالح.
    بوركت أبها الكاتب فيما سطرت أناملك. فكلنا قلبا وقالبا مع الصحافي الصادق المجاهد بحد قلمه رشيد نيني أطلق الله سراحه

صوت وصورة
أساتذة باحثون يحتجون بالرباط
الخميس 18 أبريل 2024 - 19:36

أساتذة باحثون يحتجون بالرباط

صوت وصورة
مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا
الخميس 18 أبريل 2024 - 16:06

مؤتمر الأغذية والزراعة لإفريقيا

صوت وصورة
الحكومة واستيراد أضاحي العيد
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:49 99

الحكومة واستيراد أضاحي العيد

صوت وصورة
بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية
الخميس 18 أبريل 2024 - 14:36 97

بايتاس وتأجيل الحصيلة الحكومية

صوت وصورة
هلال يتصدى لكذب الجزائر
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:45 4

هلال يتصدى لكذب الجزائر

صوت وصورة
مع المخرج نبيل الحمري
الخميس 18 أبريل 2024 - 13:17

مع المخرج نبيل الحمري